صفحات الحوار

المحامي أنور البني: بشار الاسد اعترف بالجريمة وحاول تبريرها

 

 

وليد غانم

لم يتوقف النظام عند مجازر الكيماوي والإعدامات الجماعية وغيرها من جرائم الحرب، بل عمل على تهجير السكان قسرياً من مناطقهم إلى مناطق أخرى، بهدف تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق.

هذه الجريمة المنظمة كان لها مقدمات تمثلت بمجازر لا تقلّ بشاعةً، وسبقها مقدمات بعمليات حصار وتجويع نفذها النظام ضد السكان من المدنيين والمقاتلين في مناطقهم، على غرار ما حدث في داريا وحلب الشرقية والزبداني ومضايا وغيرها.

المركز السوري للدراسات القانونية اهتم بمتابعة هذه الجريمة، وهو من المؤسسات التي تسعى الى تسليط الضوء عليها في الأوساط الدولية، فأصدر دراسة مؤخراً تفند الجريمة، فضلاً عن سعي المركز إلى رفع دعوى أمام محكمة الجنايات الدولية.

وللوقوف على مساعي المركز في هذا السياق، التقت “كلنا شركاء” مديره المحامي أنور البني وأجرت معه الحوار التالي حول جريمة التهجير:

– هل تكون عمليات التهجير التي جرت في سوريا ونتائجها السلبية، عقبات في المفاوضات السياسية أو بالأحرى عقبات في وجه الحل السياسي؟

بالتأكيد سينتج عنها تغيير ديمغرافي وصارت مشكلة إضافية تحتاج إلى حل، عمليات التهجير تحتاج إلى حل، وحلها سوف يحتاج الى وقت طويل.

موضوع المعتقلين مثلاً مشكلةٌ جدية وكبيرة، وحلها بإطلاق سراح المعتقلين، أما هذه سوف تحتاج الى وقت طويل، لأنه نتج عنها تغيير ديمغرافي وتغيير بالملكيات والقيود العقاري، وبالتالي حلها سوف يأخذ وقتاً طويلاً.

مشكلة التهجير مشكلة كبيرة سوف تزيد تعقيد في سوريا، مثلا ما جرى من تهجير الفلسطينيين تحول الى مشكلة مفتوحة منذ عشرات الاعوام.

– بشار الأسد أقر عملية التهجير وما الذي يدفعه الى تبريرها؟

بشار الاسد اعترف بجريمة التهجير، وأكد أن التغيير الديمغرافي عملية مقصودة لإجراء عملية تجانس ديمغرافي، وهو بهذا الشكل يبرر جريمته، ويعلم أنه مجرم ويعترف بالجريمة، ويحاول تبريرها، فهو لا يستطيع إخفائها، لذلك يبررها.

وسياسة التهجير إحدى نقاط التلاقي الأولى بين الأسد وإيران مع اختلاف أهداف ودوافع كل منهما؛ فالأسد يريد ضرب حاضنة الثورة وإعادة السيطرة الكاملة على سوريا، ولو كانت حطاماً. بينما تسعى إيران إلى تغييرٍ ديموغرافي يحقق لها وجوداً ونفوذاً على الأرض يُمكنها من التحكم في مسار عملية السلام في سوريا لاحقاً بصفتها مركزا لا طرفا، بالاضافة الى تحقيق هلالها الشيعي وإن كانت حتى الآن لا تزال تدفع باتجاه إطالة أمد الأزمة السورية وحرب الجميع ضد الجميع .

– هل تكرس تلك العمليات أيضا عملية تقسيم سوريا؟

سوريا لن تقسم ولن يحدث التقسيم، التقسيم له شروط، التغيير يكرس مناطق النفوذ، وبالتالي تكرس عملية تقاسم النفوذ. فمناطق النفوذ تختلف كثيراً عن التقسيم، وله وضع مختلف.

المانيا بقيت تحت مناطق نفوذ مختلفة لمدة أكثر من 40 سنة، وذلك لم يمنعها من إعادة الوحدة في يوم واحد.

– ضمن هذا المخطط (التهجير)، هل سعى النظام إلى تدعيش السنة في بعض المناطق؟

نعم، يعتبر النظام كل المناطق الخارج عن سيطرته مناطق ارهابية وكل من فيها حواضن للإرهاب وإرهابيين، وفي هذا السياق يسعى دائما إلى ترسيخ هذا الصورة.

النظام منذ اليوم الأول للثورة بدأ بهذه السياسة والتي تعتبر كل من يقطن في المناطق الخارجة عن سيطرته من الارهابيين. وهذا ما أكدته بثينة شعبان منذ اليوم الأول للثورة.

والنظام في هذا الإطار لا يسعى الى تدعيش السنة فحسب، بل ليست عنده مشكلة حتى في تدعيش المسيحيين إذا استطاع طالما أن ذلك يصب في مصلحته، لكسب رضى الدول.

– حذر العديد من عمليات التهجير، وقال الكاتب والصحفي مصطفى فحص في حديث لموقع جنوبية في وقت سابق،  من عام 2015 :  «توطين العلويين والشيعة في “سوريا المفيدة” وتهجير السنة من مناطق معقل الثوار السوريين، لن يمر مرور الكرام عند الغالبية السكانية في الوطن العربي، فهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه التهجير الممنهج الذي يتعرضون له، ما سيحصل في المنطقة لن يكون صغيرا سيكون بمثابة تسونامي كبير اذا شعرت الأغلبية السنية في المنطقة بالتهديد الوجودي. وختم متشائما: “الله يستر من ردة فعل الأغلبية الساحقة في المنطقة”!»، السؤال هو هل سيكون لجريمة التهجير تداعيات في المستقبل؟

من الطبيعي ان عملية التهجير لن تمر سريعا، وسيكون لها تداعيات في المستقبل، فعملية تهجير الفلسطينيين صار لها أكثر من 50 سنة ومازالت عملية ساخنة واحتمالات تفجرها مفتوحة في اي وقت، كل عمليات التهجير التي جرت لن تطوى او تنسى، والأجيال القادمة لها حقها التاريخي في العودة الى أماكنها. ستخرج أجيال جديدة تطالب العودة الى مناطقها، وبالتالي هذا السكوت هو مرحلي، ولن يستمر، وأن الامور سوف تنفجر في اي وقت.

– الإدارة الأميركية الجديدة، وسياستها المعلنة حول إيقاف المد الإيراني وتحجيمه، هل تنعكس هذه السياسية على مسألة التهجير؟

حتى الآن لا توجد استراتيجية اميركية لحل مشاكل المنطقة، ودون وجود استراتيجية لا توجد حلول في المنطقة، وبالتالي لن تنخرط أوربا لحل المشاكل، لان أوربا لا تنخرط إلا بقرار أميركي، أميركا حاليا تتعامل بردات فعل او ردات انفعالية، بشكل عام الكل ينتظر استراتيجية اميركية في المنطقة لمعالجة المشاكل العالقة، ونأمل ألا تطول.

– ما هي الطرق برأيكم لإيقاف هذه الجريمة، جريمة التهجير؟

لا توجد أي قوة حتى الآن تستطيع ايقاف جريمة التهجير أو غيرها مثل جرائم البراميل والكيماوي، وحتى على الصعيد الإنساني، كجريمة منع وصول المساعدات الانسانية إلى المحتاجين او الكشف عن مصير المعتقلين، ليست هناك اي قوة تستطيع إيقاف تلك الجرائم، ولا توجد هناك قوة لانه لا توجد نية لإيقاف الجرائم.

– لماذا لا توجد نية.

لأنه لا يوجد قرار من جهة او قوة للحل، وهذا ما يجري، والكل ينتظر وجود قرار او إرادة دولية لحل مشاكل المنطقة وخصوصاً مشاكل السوريين، وهذا ما يشجع القاتل أو المجرم على استمرار جرائمه ويدفعه لأن يعتقد انه يستطيع الافلات من العقاب.

– ما هي الأهداف بعيدة المدى من عمليات التهجير القسري سواءً بالنسبة للنظام أو إيران وحتى الروس؟

يهدف النظام من التهجير إلى خلق الأزمات على المستويين المحلي والدولي، وتهجير حاضنة الثورة في المناطق المُنتفضة عليه، وتأمين المعبر الحدودي مع لبنان، وتأمين محيط العاصمة، وإيجاد محشر للمعارضة السورية المسلحة، ولا سيما أن قوات النظام قد أُنهكت نتيجة تشتت الجبهات؛ وهذا ما يفسر تهجير المعارضة المسلحة وحاضنتها إلى محافظة إدلب.

أما إيران «تسعى لإحداث تغييرٍ ديموغرافي في بعض المناطق في سوريا، إما بالقوة العسكرية كما حدث في القصير والقلمون الغربي وبعض مناطق ريف دمشق، أو من خلال القوة الناعمة (شراء العقارات، وإقامة المشروعات والاستثمارات، وخلق الألفة الدينية والاجتماعية…)».

أما روسيا، فـتشترك مع النظام في هدف نقل مسلحي المعارضة إلى إدلب وتجميعهم هناك؛ ما يسهل عليها التغطية الجوية، ويقلل من تكلفتها الناجمة عن الأعمال القتالية في معظم المناطق السورية؛ من حلب شمالاً إلى ريف دمشق جنوباً، مستفيدة من تجربتها في الشيشان. ومن ناحية أخرى يمكن وسمُ مسلحي المعارضة آنذاك بالإرهاب كون محافظة إدلب تخضع نسبياً لتنظيم (هيئة تحرير الشام) المصنف عالميا تنظيماً إرهابياً، ومن ثم يمكن القضاء عليهم بمباركة دولية.

– ما هي مساعيكم لإيقاف جريمة التهجير وتسليط الضوء عليها؟

العالم كله متورط في جريمة التهجير، والتورط رسمي أيضاً، نحن نعمل على تحريك دعاوى على الدول التي وافقت أو صوتت إلى جانب قرار مجلس الامن القاضي بفتح ممرات آمنة للمدنيين. وبالتالي نستطيع عرض ملف التهجير القسري على محكمة العدل الدولية.

الدول التي وافقت على قرار مجلس الأمن هي دول لم تراقب عملية التهجير فحسب بل شاركت في العملية.

بالإضافة الى مساعينا الدولية، أصدرنا دراسة حول عمليات التهجير، وهي عبارة عن تقرير بعنوان «التهجير في سوريا» صادر عن (المركز السوري للدراسات القانونية)، وهي جزء من هذا الحراك.

حول الدراسة

الدراسة الصادر عن المركز السوري للدراسات القانونية اعتبرت أن سياسة التهجير القسري والتغيير الديموغرافي في سوريا تهدد النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية في ظل صراع إرادات دولية يجذب البلاد كل بحسب أجندته، وتشريد ما يزيد على 15 مليون نسمة من بيوتهم ما بين لاجئٍ ونازحٍ، أغلبهم يعيش ظروفاً إنسانية صعبة للغاية في مخيمات الداخل ودول الجوار.

وأكدت الدراسة أن النظام بمساندة من ميليشياتٍ طائفية مارس التهجير بشكل ممنهج وواسع منذ عام 2011 عبر تفخيخ المجتمع بالثنائيات الضدية المتناحرة (سنة- شيعة، عرب- كرد، أكثرية- أقليات، حاضنة موالاة- حاضنة معارضة…)؛ وهو ما سهل عليه قمع الثورة، ودفع شريحة واسعة من أبنائها نحو التطرف، صار السعي لمواجهتهم هدفاً دوليا، بعد وسمهم بالإرهاب.

ومهدت استراتيجية النظام لمشروع (ولاية الفقيه) الذي يسعى لجعل الصراع سنياً شيعياً عبر حشد الشيعة واستقطابهم والاستثمار في مشاعرهم الدينية، ليكونوا وقوداً لهذا المشروع الهادف إلى قضم المنطقة وتثبيت النفوذ الإيراني، بحسب الدراسة التي أكدت أن التهجير في سوريا بغالبيته لا يكون إراديا، بل يحدث وفق مفاوضاتٍ تجبر السكان على ترك مناطق سكنهم باتجاه مناطق غير آمنة أيضاً، بل أقل أمناً من المناطق التي هُجروا منها (ومنه ما يجري من تهجير ممنهج للسكان باتجاه محافظة إدلب).

وعن الممارسات المتبعة من قبل النظام في مناطق سيطرة الثوار لتهجيرها، قالت الدراسة إنها تتمثل في القتل الممنهج، والحصار والتدمير الممنهج للبنية التحتية، فضلاً عن استخدام سياسة الحصار التي تهدف إلى خنق السكان وتجويعهم، لإجبارهم على المفاوضات التي غالباً ما تنتهي بتهجيرهم من مناطقهم. إضافةً إلى الممارسات المتبعة في مناطق سيطرة النظام من الاستيلاء على الأملاك الشخصية والتضييق الأمني، وسوء الخدمات وافتعال الأزمات.

للإطلاع على كامل الدراسة:

دراسة التهجير في سوريا

التهجير في سوريا . نهائي المركز

 

 

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى