صفحات سورية

المخدوعون/ ثائر ديب

 

 

يقول المعارض السوري المنتقل من «البعث» إلى الماركسية إلى التحالف مع أميركا ثم الانخداع بها، عفواً برئيسها الحالي على وجه التحديد: «بات واضحاً أنَّ إدارة الرئيس باراك أوباما تنتقل بنا من خداع إلى آخر… لا أتوقع تغييراً في هذا الموقف قبل الانتخابات (الأميركية) المرتقبة أواخر العام الحالي».

يقول الأكاديمي السوري: «تخلى (أوباما) عن حلم الديموقراطية العربية في أكثر اللحظات حرجاً، تاركاً إياه يتحطم على يد العسكر… ويريد منا فوق ذلك كله أن نقاتل إلى جانبه، لدحر خصومه وخصوم إيران لأنهم إرهابيون… إن حجم الدمار الذي سببه هذا الرئيس «الليبرالي»، الهادئ، المسالم، يتجاوز بمراحل الأذى الذي تسبب به سلفه المحافظ الأخرق، عاشق القوة والحرب، فليرحل إذاً غير مأسوف عليه وعلى ليبراليته وخداعه الذي انطلى علينا».

يبدو المعارض حاسماً في اختيار حليفه الأميركي القادم: بوشياً، «جمهورياً»، من عتاة «المحافظين الجدد» الذين لم يترددوا في غزو أفغانستان والعراق. ولعلّه يبدو واثقاً هذه المرة من أنَّ هذا الحليف الذي قد تسفر عنه الانتخابات القادمة لن يخدعه.

يبدو الأكاديمي كأنّه يتحدث عن «لورنسِ عربٍ» جديدٍ، أميركيٍّ هذه المرّة، خدعَهُ وخدع بني جلدته وانطلت عليهم خدعته، حتى قبل انتصار الثورة ودخولها دمشق وغيرها من العواصم لتحل محلّ العثمانيين، عفواً الطغاة العرب من عمّال إيران.

إذا ما كان الأكاديمي لا يمدح سلف أوباما المحافظ، بل يقدحه واصفاً إيّاه بـ «الأخرق، عاشق القوة والحرب» – بخلاف المعارض الذي لا بدَّ أن يكون الآن منقطعاً للصلاة كي تسفر الانتخابات القادمة عن فوز حلفائه الصادقين من «المحافظين الجدد» وتجار السلاح – فإن أيّاً منهما لا يخطر له وجود علاقة بين الأوباميّة والبوشيّة تتعدى التشابه عند أحدهما والتناقض عند الآخر، كأن تكون الأوباميّة نتيجةً لإخفاقات البوشيّة، ولتأزّم سياساتها في أفغانستان والعراق والداخل الأميركي. وفي هذه الحالة، يكون من خدع المعارض والأكاديمي وأسلافهما القريبين من المعارضين المتأمركين – الذين تكاثروا كالفطر في العقود الأخيرة منتقلين من أحضان موسكو وبكين وطهران إلى أحضان واشنطن واسطنبول والرياض – هو البوشية وليس الأوباميّة، أو قُلْ هو السياسة الأميركية التي لا يتغيّر جوهرها كثيراً بتغيّر الحزب الحاكم، على أهمية هذا التغيير الأخير في كثير من الحالات.

لا يخطر للمعارض ولا للأكاديمي أيضاً احتمال أن يكون ما وعدت به السياسة الأميركية، في العراق خصوصاً، من ديموقراطية وازدهار ـ اقرأ: من تكاثر الاستبداد والخراب والتمزّق – سبباً من الأسباب الرئيسة لما تشهده المنطقة الآن من تداعٍ وتهتّك. ولعلّ المعارض بينهما على وجه الخصوص لم يعد يهتم حتى لقصة الديموقراطية التي يمكن أن تجلبها أميركا وبات مهتماً، تحت قناع مناهضة الاستبداد، بمجرد الانتقام من كل ما يذكرّه بماضيه اليساري («اليساري البائس» في الحقيقة وليس «اليساري»).

الأهمّ، والأخطر من كلّ هذا، أنّ المعارض والأكاديمي، لا يخطر لهما – على خطورة موقعيهما الرمزيين وضرورة أن يحسبا مثل هذه الأمور – أن تكون الأوباميّة وقبلها البوشيّة نتيجةً لسيرورة مديدة من التدهور يعانيها مركز إمبريالي قائد، وهي ظاهرة عرفها التاريخ الحديث أكثر من مرّة، حيث تبدل موقع قائد المنظومة العالمية المعاصرة من إيطاليا، مروراً بإسبانيا والبرتغال وهولندا وإنكلترا وفرنسا، وصولاً إلى أميركا. وذلك حديث جدير بحيّز خاص ومستقلّ.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى