كتب ألكترونية

المدمن/ وليام س. بوروز

 

 

على ألا تُقتبس الكتابة من الكتابة/ حسن داوود

في المقدمة التي كتبها ألِن غينسبيرغ للكتاب٭ وهي ترجع إلى عام 1976، نقرأ ما يمكن أن يكون تعليلا مسبقا لأهمية الكتاب لأولئك الذين سيعمدون إلى قراءته في السنوات أو العقود اللاحقة. ذاك أنه، في المعايير الحاضرة لوقتنا هذا، كتاب يوميات عادي، خطّه مدمن على المخدرات بكافة أنواعها وطرقها. لكن، في مقدمته تلك، يضعنا غينسبرغ في واحدة من مميزات الكتاب التي غفلنا عنها عند قراءته، وهي الشجاعة. ذاك أن الجهر بالإدمان كان جريمة في سنوات الأربعينيات، هناك في ولايات أمريكا جميعها، بل إن ذلك الجرم، والعقاب من ثم، شمل حتى الكلام على الإدمان، مجرد الكلام. فإذا ما «تحدّثت بصوت عال عن الحشيش (بل وبكل تأكيد عن الهيرويين) في الحافلة أو في المترو، فقد يقع اعتقالك». وهذا قد يتسع إلى حد أن يُعتقل من يتحدث عن تغيير القانون الخاص بتعاطي المخدرات: «حتى بعد مضيّ عقد من ذلك (وهو عقد الخمسينيات) لم يكن ممكنا طرح نقاش حول ذلك القانون في شبكة تلفزيونية عامة، من دون أن تتطفّل مكاتب مكافحة المخدرات وسلطة البثّ الفيدرالية بعدها بأسابيع، بأشرطة مصورة تشجب النقاش».

وليام س. بوروز، مؤلف الكتاب، دوّن تفاصيل تجربته كاملة في كتابه، واصفا، ومسميا، كل ما يتعلّق بها: رجالها المدمنين، وأمكنة التقائهم، وأشكال تجارتهم، وأثمان الجرعات، والفرق بين أنواع العقاقير المخدّرة، ورجال المكافحة، والأطباء، والمحامين، والسجون في الولايات الأمريكية المختلفة التي تنقل بينها هو، مدمنا وكاتبا (حتى انتقاله، في الفصول الأخيرة من الكتاب، إلى مواصلة تعاطيه في العاصمة المكسيكية). ثم ولنضف إلى علنيته الجريئة تلك، موقفه غير المُدين لتجربته الطويلة. فهو يكرّر القول بأن إدمان تعاطي المخدرات خيار شخصي وليس سقوطا مدمرا في ما لا يمكن التحكم به. كما أنه ينهي كتابه بخلاصة هي: «السطل (أو التسطيل كما يقال باللغة الدارجة) هو أن ترى الأمور من زاوية خاصة. السطل هو التحرّر الخاطف من مطالبات الجسد الخائف، القلِق، الحذِر المتشيّخ».

أما الأهمية الأدبية «الإبداعية» للكتاب، فنجدها في اعتبار ألَن غينسبرغ أن وليام بوروز واحد من ثلاثي أمريكي كان ثالث أطرافه، إضافة إلى غينسبرغ وبوروز، جاك كرواك صاحب كتاب «في الطريق». ما يتميّز به الكتاب إذن ليس جرأته فقط، بل، ربما، أخذ الكتابة إلى أمكنة وعوالم، اجتماعية وبشرية نفسية، غير مسبوقة. في ذلك، ليس على بوروز إلا أن يكتب ما يشاهده ويعيشه، لكنه، أمام كل واقعة يسجّلها، يدرك أنه يفتتح شيئا كان متروكا للحياة المهملة وللنسيان الذي سيعقبها. وهذا ما جعل بوروز غير مكترث أن يوقع قارئه بالملل، ذلك الذي يحذره، أو يخافه، الرواة جميعهم. إنه يكرّر ويعيد. يكتب عن حادثة سبق له أن كتبها، أو كتب ما يشابهها. وهو، إلى ذلك، لا يتقصّد أن يأتي بما يمكن أن يوقظ القارئ من تكرار القراءة التي ستصبح رتيبة بالضرورة. لا يرى أنه معنيّ بذلك، إذ ما يريده هو أن يصف فقط، ويسمّي.

إنه العالم السفلي الأمريكي، بل العالم الأكثر سفلية حيث هناك، إلى جانب المدمنين، أصحاب الحاجة الملحة إلى المال، لإشباع الإدمان، أو لتهدئة نوباته. هؤلاء هم اللصوص، والتجار الصغار الفاسدون، ورجال التعقّب الأكثر فسادا، وحملَة السلاح من مسدسات ومطاو (حيث نقرأ كيف أن المؤلف لم يكن إلا واحدا من هؤلاء، مبقيا مسدسه على وسطه، إضافة إلى ما تحتويه خزانته الفقيرة، في الشقة الفقيرة أيضا، من قطع أسلحة أخرى). وهناك أيضا الأمكنة حيث الشقق الصغيرة المتعفّنة وعنابر السجون والمقاهي التي يرتادها المدمنون، والنوم حيث يتاح النوم.

وفي هذا العالم السفلي الغاصّ بكثرة البشر وتعاقبهم على الظهور في المكان ذاته، إذ ينبغي على المدمن العزوف عن التردّد على المكان الواحد خشية المطاردة والتعقّب، نقرأ في الكتاب وصفا لتلك الوجوه العديدة، الغريبة الأشكال كلها، ما لا نجد مثيله في أي كتاب. أشكال من التشوّه في الوجوه والهيئات لا حد لتنوّعها. ذلك يشبه متحفا للأشكال الغريبة، أحسب أن البراعة في وصفها ميزة أخرى لكتابة بوروز. ذاك أنه كان عليه أن يلجأ إلى مخيّلة مغامرة، كما إلى أكثر صنوف المجاز جدّة حتى يبث الحياة في الأشكال المشوهة، أو المقبلة على التشوه، التي تتوالى له.

لا نفتأ، فيما نحن نقلب صفحات الكتاب، نتساءل ما الذي يجعل من كاتبه واحدا من مجدّدي الإبداع في الأدب الأمريكي. نقول إن علينا أولا، بحسب ما تقترحه علينا تلك الجدة، أن نُخرج ما نقرأه من السلالة الأدبية التي نعرفها، وأن نوافق على أن الكتابة ينبغي أن تأتي من الحياة وليس مما سبق له أن نقله الأدب إليه. كان وليام بوروز، ومعه ألن غينسبرغ، يقولان إننا لا نفتح صفحة جديدة في الأدب، بل إننا نغير كتاب الأدب كله. ما ينبغي اقتحامه، ليكون الكاتب مجدّدا، هو دفق الحياة الصاخب، حيث كل شيء لم يسبق له أن وُصف، أو جرى وصفه بهذا التدفق والحياد الظاهري. كثيرا ما احتفلت أمريكا بما لم يلق اهتماما لدى القرّاء خارجها، لكن الوقت، بعد انقضاء عقود قليلة، يروح يعمل لصالح ما يأتي منها.

كتاب وليام س. بوروز، «المدمن»، نقلته إلى العربية ريم غنايم وقد صدر عن «منشورات الجمل» في 206 صفحات، 2017.

٭ روائي لبناني

القدس العربي

 

لتحميل الكتاب من الرابط التالي

 

المدمن/ وليام س. بوروز

 

أو من الرابط

 

المدمن/ وليام س. بوروز

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى