صفحات الثقافة

المدينة تحاول الدخول/ توم شيفرز

 

 

 

الواقعة

في اليوم الخامس أبحرنا بعيدًا عن جزيرتنا المتجمدة

وذهبنا نحو خطوط الملاحة. عددنا كلّ الشرور

واطّرحناها في حفرة ثلجية. كانت بعدُ مجرّد أرقام.

في اليوم الرابع فتحنا حسابات توفير.

مخيمات اللاجئين سرعان ما صارت مدنًا للمسافرين

يحيطون بحفرة في الأرض. ظهرت سحب دخان من على التلّة.

 

في اليوم الثالث تركنا سياراتنا في إقامة قصيرة.

كان الهواء منعشًا كأننا في غابة صنوبر.

الحصى يدغدغ أحذيتنا.

بدأنا نشكّ بانحياز خطّ المسير.

 

في اليوم الثاني تسوّقنا. حملت نفسك كثقل ميّت. ظهر بعض الشباب على التلفاز

يتظاهرون بأنّهم متدربون في مجال خدمة العملاء.

 

في اليوم الأول ذاب الثلج عن البرّاد.

متخفين بأقنعة الهالوين مارسنا الحبّ

وقلتِ شيئًا بالغ السوء عن صديق لنا.

 

في اليوم السابق لليوم الأول سقطنا في الهندسة

كالأطفال. السماء كانت كقناع تنظيف البشرة.

نمنا بمفردنا غير هانئين مستمعين لأخبار الشحن

 

 

 

المُجالِد

ولعلّك تعرفني من تلك الأشياء التي خلفوها لديّ

أوتاد من العظم، زوج من حجري نرد صغيرين، شمعة نذرية ذات لهب أحمر

وجرّة- صغيرة أيضاً كلعبة- حيث صبّوا

الخلاصة السوداء من جسدي، لزجةً كما البلسم.

هناك خوذتي الفارغة معلقة وموسومة

في قفص من زجاج، أفاتار متشقّق،

ودرع السّاق يتأرجح كسنّ نخِر

في قطعة يابسة.

عجبًا! ليس قبري سوى مسرح، ومقطع مشوّه لأنصاف آلهةٍ غير معتبرين

يتدافعون في ضوء خافت

ومن ثم يبرزون من الأرض، كارتقاء المسيح

بل قل أسوأ من ذلك، كوجه الجمجمة لبارون ساميدي

لمنح الشفاء والبركات- السائل المقدس، قاني اللون.

 

هذه اللغة ليست لنا

 

“كل السموات مؤجّرة على أية حال”

– باري ماكسويني، اللؤلؤة.

 

 

نعجبُ كيف صار المَغيض مرتفعًا أسودَ،

تشدهنا رؤية النقطة الثلاثية يعلوها الكلس.

خراف مجدولة تندس بين الصخور

حيث الريح أشبه بجرح الورقة الحادّة،

أو صفعة على الوجه،

حيث فقدتُ كل أسباب الراحة في الصّحبة،

إذ تلاشت الأحلاف، وصارت المعاهدات تتلوّى

تحت كسرٍ طفيف بقوة بضع كلمات.

 

انظري إلى الوحدة: غياب أي شيء يُقال

ولكن ألا ترينها جميلة هنا في المطر العشوائي

أولم يَحنِ الوقت للرجوع من تلك الأرض الوعرة،

وأن نجد مكانًا نخيّم فيه. لم أكن أعرف مقدار أنانيّتنا.

في الأعلى هنا، عند “عنب الثور” و”توت الغراب”

و”نبتة القمر” و”البرْوَق”

إنها حسكة في الحلق

وأنا أحلم بالأبراج والخرسانة والسكة الحديدية

حيث نكون راضين عن المسارات وعن بعضنا.

 

هذه اللغة ليست لنا:

الأكسجين كلّه يصيبنا بالجنون.

 

 

على ذكر الموتى

 

(مَداخل)

 

لا أعرف مع من سأتحدّث

نتلكأ في ردهة الانتظار،

نتهادى على السجّاد بأرجلنا الثقيلة.

 

في الداخل نسخٌ مشفّرة من ذواتنا السابقة

وهي تُعِدُّ أفضل كعكة “سوفليه”.

أرفع أنا المشجب.

يمكنني نظريًا أن أغادر،

غير أنّ ما يحدث يبدو كما اللغة

غامضة دومًا، ليست لنا.

 

نحاول الفهم من خلال الأشياء:

ملاعق، صحون، أبواب مشرعة

نشكو ونقول: “لا أحد ينصت”

ندخل لقراءة البريد الإلكتروني

نجد أن كل حساباتنا قد اخترقت؛

تلك الشخصيات الافتراضية التي مكثنا ننشئها سنواتٍ

لم تعد الآن سوى أيقونات تطفو على أجهزة معطّلة.

 

نبدّل أماكننا عند النافذة في الردهة

المدينة تحاول الدخول.

سحابة من غبار القرميد تتهمّ الماضي،

هدير المحرّكات يعلو مختنقاً.

“هذا ليس فعلاً سياسياً!”، قلتُ

غير أن العميان كانوا حيئنذ قد انصرفوا.

 

 

* توم شيفرز (Tom Chivers) كاتب وشاعر بريطاني من مواليد لندن عام 1983. صدرت مجموعته الشعرية الأولى بعنوان “كيف تبني مدينة” عام 2009 وقد حازت في العام نفسه على جائزة كراشو الأدبية في بريطانيا. يقول الناقد أنتوني جوزيف: “لقد قدم لنا شيفرز مجموعة شعرية صعبة وغنية تتناول كل ما هو جميل ومربك في المدينة، عبر قصائد تدل على قدر كبير من التمكّن والدقّة لديه، حيث استطاع رغم التقنية التجريبية التي استخدمها أن يحافظ على الإنسان في قصائده”.

 

** العنوان الأصلي لقصيدة “هذه اللغة ليست لنا” هو On Kinder Scout

 

ترجمة: محمد زيدان

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى