صفحات سوريةغسان المفلح

المرأة السورية والثورة!


غسان المفلح

أم تبكي ابنها الشهيد, أو أم رأت أطفالها يذبحون أمامها, هذا سيد الادوار قاطبة, هذا دور إطلاقي لا قبله تضحية ولا بعده تضحية, هذا الدور لا طاقة لنا على إنزاله إلى مبحث التاريخ, وإلا نكون نتحدث عن موضوعية فاسدة في البحث, وهذا الدور هو الطاقة الأكثر أصالة وقداسة, غالبا هي امرأة محجبة.

النساء اللواتي خرجن في التظاهرات من الجوامع والنساء المحجبات لديهن الرصيد الاكبر, لأنهن في موقع ظلم مركب, وهذا ما سنتعرض له في هذه المقالة, ولتعذرنا صديقاتنا ورفيقاتنا الناشطات المعروفات, لأنني لن اتطرق لدورهن في هذه المقالة التي اعدها تكثيفا لدراسة مطولة وموثقة لهذا اتمنى ممن لديه مساهمات ملعوماتية أو غير معلوماتية أن يزودني بها.

الناشطة سهيراتاسي, الناشطة رزان زيتونة, لويز عبد الكريم, المدونة الحقوقية رزان غزواي, الشاعرة والناشطة خولة دنيا, السيناريست  ريما فليحان والفنانة مي سكاف والفنانة سلافة عويشق والكاتبة نوال السباعي, والصحافية عروبة بركات, والناشطة رشا الاحدب, والمغنية أصالة نصري, والاكاديمية بسمة قضماني, والقائمة تطول, وتطول, واللواتي اثبتن إنسانية المعادلة الابدية في قضية المرأة والرجل والتي يجب ان تكون الاساس لسورية المستقبل في هذا الحقل الاشكالي بالنسبة  الى مجتمعاتنا, وانتزعن ادوارهن في الثورة بافعالهن, لكن بعض الرجال في الثورة عرضهن لضغوطات ذكورية في احيان قليلة, تحسسا من دور المرأة ومنهم من وجد فيها منافسا لموقعه ورمزيته, إضافة إلى أزلام العصابة الحاكمة الذين تناولوا رموزنا النسائية هذه بقلة ضمير وقلة أخلاق لم يصل لها أي كائن انساني بعد.

نساء حوران اللواتي بدأن أول المشاركة بالتظاهرات مع الرجل في الثورة, وتبعهن نساء بانياس اللواتي تعرضن للقتل في بدايات الثورة, وقدمن أولى الشهيدات, وكرت السبحة. في تقرير لشيماء البوطي- ولا اعرف إن كان الاسم حقيقيا أم لا لأن شيماء كانت تتخفى خلف نظارات سوداء وحجابها- اعدته لقناة “الجزيرة” المرأة تخيط الاعلام واللافتات وتخططها أيضا, ونساء يقدمن المال من مصروفهن الخاص لدعم الحراك الثوري إضافة إلى نشاطهن المعلوماتي الكثيف, ودعمهن لصورة الثورة ورمزياتها الأخلاقية والسياسية والمدنية, ويغنين” يا مال الشام يالله يا مالي سقط النظام وياحرة تعالي” , ويساهمن بصياغة الشعارات والهتافات- رغم الاعتداء على الاعراض وقتل الزوج والأخ والابن والاب- وفي ظل المشاركة الخجولة للرجل الدمشقي, قبل الاضراب العام في اسواق دمشق, إضافة إلى تقرير أعده الناشط الاعلامي الشاب محمد دغمش لقناة “العربية”, والذي تناول فيه أيضا جوانب أخرى من نشاط المرأة السورية, وما كتب أيضا الكثير عن دور هذه المرأة الرائعة, فهي سواء كانت محجبة أو بدون حجاب فقد كانت مشاركتها أكثر من قوية وأكثر من متوقعة, ولولا هذا الحاضن الرائع للثورة لكانت النتائج مختلفة.

آخر شعار من آخر تظاهرة في دمشق- سوق القنوات – ن¯¯زلة ط¯¯الوي “نص¯¯ر اللات ,  نحن اخترنا الحرب أيدك وما تعط¯¯ي”1100 شهيدة, قدمت المرأة السورية ومنهن من استشهدت تحت التعذيب, والاغتصاب,  الاغتصاب الذي كان يقع على نساء العائلات المحافظة, والنساء المحجبات بعامة, حيث تم توثيق اكثر من 50 حالة اغتصاب, اضافة إلى مئات لم يستطعن التصريح عن ذلك ,هن او عائلاتهن, لاسباب عدة, لسنا بصددها الآن, بحثت عن حالة اغتصاب واحدة لنساء معروفات أو ناشطات غير محجبات فلم اجد, وربما ايضا لم يقمن بالاعلان عن هذا الموضوع, أو برفع دعاوى امام القضاء أي قضاء, وهذا يقودني إلى لب الموضوع وهو ان مساهمة المرأة المحجبة في الثورة لاتقل حركية عن مساهمة الرجل وفي كل المجالات والحقول التي اجترحتها الثورة, مما فك شيفرة الدائرة التقليدية المحافظة, والتي كانت تتحفظ على مشاركة المرأة في مثل هذه النشاطات, لكن هذه المرأة المحجبة لم تعط الاهتمام من قبل الباحثين والدارسين- الذين درسوا دور المرأة السورية في الثورة- كما اعطيت للنساء غير المحجبات وهن أقلية, قياسا بمشاركة المرأة المحجبة. ويجري الاحتفال بالنساء غير المحجبات أكثر مما يجري بالنساء المحجبات وهذه مفارقة أتمنى من ثورتنا أزالتها, وتجاوزها نحو فهم للحجاب كجاهزية دينية اجتماعية تنص عليها حريتها شرعة حقوق الانسان, وليس كجاهزية سياسية, كنت قد تعرضت لهذه الاطروحة في مناسبات كثيرة في السنوات الماضية, هؤلاء النسوة كن ولازلن دفقا اساسيا من وقود الثورة الحقيقي, وهذا ما سنتوسع به لاحقا.

مما يفترض بالطبقة السياسية والحقوقية والمثقفاتية التعامل مع هذا الموضوع بطريقة موضوعية, تبعد الانساق المسبقة في السياق السوري الحساس جدا, لمثل هذه القراءات العلمانوية والحقوقية السطحية. لماذا الحجاب يستفز رجالات القمع في العصابة الأسدية? هل لأن رجالات هذه العصابة وجيشهم علماني مثلا!? أومتحضر وليبرالي!? عجيب غريب احيانا ما نلمسه من قراءت في هذا المجال, سنعرج عليها بالتفصيل في دراستنا, لماذا يصر هذا القمع على استفزاز هذه المرأة المحجبة بشتائم مقززة, هل هي جزء من النسيج المتحضر لرجالات العصابة الحاكمة وثقافتهم ? وفي غالب الاحيان تكون هذه الشتائم أمام عائلاتهن, ومع ذلك تحدت هذه المرأة المحجبة كل هذه العقد المركبة التي تواجهها, وكانت الوقود الرئيسي للحركة النسائية في هذه الثورة- الاسطورة. ولأنها أيضا تشكل أكثرية عددية في سكان سورية وفي الكتلة الثائرة.

لماذا نحاول تهميش دور المرأة المحجبة في قراءتنا لمعطيات الثورة السورية?

* كاتب سوري

السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى