صفحات الثقافةهيفاء بيطار

المرأة وجه

هيفاء بيطار

أمتلك شجاعة الاعتراف أن حالة من ضيق التنفس أصابتني وأنا أتابع الحلقة التي يقدمها الإعلامي داوود الشريان وهو محاط بثلاث سيدات مُنقبات يتحاور معهن، وصدقاً لم أستطع أن أركز تماماً على الحديث، إذ أحسست أن جل اهتمامي منصب على النقاب كما لو أن جانباً في داخلي يستميت ليكشف ويتحزر أو يتخيل شكل صاحبته. بداية، وبكل شفافية أعترف بحق كل إنسان أن يظــهر بالمظــهر الذي يريد، وأحـترم المحجبات والمنقبات كما أحترم السافرات واللاتي يخـترن كــشف القليل أو الكــثير من اجــسادهن، فالإنسان حرٌ بجسده والمهم الفعل وليس المظهر. ولكن من حقي كمشاهدة ذات محاكمة ومنطق أن أطرح بعض التساؤلات، وأظن أن عدداً كبيراً من المشاهدين يشاركونني الرأي والتساؤلات. بداية هل يحق للمنقبة، التي تؤمن أن النقاب يقيها من إغواء الرجال الذين تختلط بهم وبأنها تطبق الشريعة الإسلامية التي هناك مئة فهم وتفسير واخــتلاف حولــها، هل يحق لها أن تكحل عينيها بطريقة بديعة فتبدو العينان ساحرتين بالرموش الكثيفة بعد استعمال أجود أنواع «الماسكارا»، وبخط الكحل العريض الذي يُظهر جمال العين ويضفي سحراً وإغواءً على النظرة؟

هل يحق للمنقبة أن تظهر يديها الرشيقتين ومعصميها المزينين بحليّ أنيقة تتماوج حباتها الثمينة على رسغيها المكشوفين، وهنا مضطرة لاستعمال عبارة (المعصمين العاريين) لأن الجسد كله متوار خلف ستارة سوداء؟

هل يحق للمنقبة أن تكشف لنا أظافر يديها ـ وغالباً رجليها ـ وقد بالغت في العناية بها وعملت «فرنيش» (أي تكون حافة الظفر بالأبيض الشمعي وباقي الظفر مطلياً بطلاء أظافر شفاف) ألا تعتبر هذه التفاصيل غواية؟ كنت أتساءل إن كانت الغواية تشع من الوجه فقط! ولم لا تشع من عينين مكحلتين ومن معصم رشيق وأنامل تغوي بألف صورة وصورة! هل الوجه هو العورة وهو الغواية؟ وإذا كان جواب المنقبات أن نعم، فليتفضلن ويشرحن لي لمَ الكحل! الكحل الفاقع والصريح والمغوي ـ كما لو أن الجسد ـ هو مصدر غواية فقط! وأقولها بكل بساطة إن منظر العيون المكحلة واليدين العاريتين الرشيقتين المزينتين بالحلي بما تكشف حركاتهما لهو قمة في الإغراء لأن عقل المشاهد ـ رغماً – عنه سوف يلاحق لاهثاً الشريط الضيق من الجسد المحجوب الذي يمكن أن يلتقطه بنظره فيما لو تململت المنقبة في جلستها.

تحضرني الآن لقطة مشابهة، إذ حضرت منذ مدة حواراً أجراه الإعلامي محمود سعد في برنامجه «اليوم السابع» مع سيدة منقبة مكحلة العينين بالطريقة إياها، ومنقبة بالكاد نرى عينيها من شق النقاب، وكانت خبيرة جنسية. وتحدثت بحرية مذهلة وبلا حدود عن الجنس وعن رغبات الرجل، وبأن كل شيء مسموح بين الزوجين، وبدا منظرها الغارق في السواد والمحجوب تماماً عن المشاهد غريباً وصادماً وهي تستفيض في شرح أسباب عدم وصول الزوجين للنشوة الجنسية! يومها خطر لي لو أنفجر بسؤال للسيدة الخبيرة الجنسية: طيب قبل وصول هذين الزوجين البائسين للنشوة الجنسية ألا يجب أن ينظرا في وجه بعضهما البعض؟ ألا يفترض بك يا سيدة ـ الخبيرة الجنسية ـ أن تشرحي لنا كيف سيرى هذا الرجل وجه المرأة المنقبة التي سيضاجعها؟ أليس الإنسان وجهاً، والرغبة تنبع من الوجه. يومها أحسست وأنا أتابع، مصعوقة هذا الحوار، أن الإنسان عبارة عن أعضاء جنسية فقط وكله عورة في عورة. لمَ لا يكون المعصم الرشيق وأصابع القدمين واليدين غواية كالخد مثلاً! أو كالأذن أو كالأسنان، من يفصّل لأعضاء الجسد وظيفتها الجنسية المغوية أو غير المغوية؟ وأين مكامن الإغواء في الرجل! ألم يخلق الله الرجل والمرأة من الطينه ذاتها؟ فلماذا الرجل يُصور دوماً كما لو أنه حيوان جائع باستمرار للجنس ولا يستطيع التحكم بغرائزه وأن على المرأة أن تحميه من جسده الهائج والنهم باستمرار للجنس، مع العلم أن الإحصائيات العلمية ـ أثبتت أن أعلى استخدام لـ«الفياغرا» هو في العالم العربي، لأن إحباطات الحياة اللامتناهية تؤثر كثيراً وسلباً، ليس في إضعاف المقدرة الجنسية فقط، بل في إضعاف الشهوة. بل وأثبت العلم أن الغريزة الجنسية للمرأة أقوى من غريزة الرجل، وأن سن اليأس الحقيقي يصيب الرجال فعلاً اكثر من النساء فلماذا لا تُحمى النساء من غواية الرجل السافر الوجه، وهل العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة بين ذكر وأنثى وبين نطفة وبويضة، أم أن العلاقة هي في أساسها علاقة إنسانية نديه تقوم على الاحترام والمشاركة والمودة ولا تفصل بين روح وجسد ولا تعتبر أن الوجه عورة؟ ألم يثبت العلم والطب النفسي أن أصل كل الأمراض النفسية الجنسية هو الكبت. الكبت الذي أساسه نفسي وليس جنسياً، ولا يمكنني أن أنسى أبداً حاله الشاب الذي التقيته في باريس في أحد المشافي وهو من دولة عربية ويُعالج من اكتئاب حاد بسبب إدمانه على علاقات جنسية فوضوية وعشوائية عبر رحلاته السياحية الجنسية التي يقوم بها والتي لا تترك في نفسه سوى المزيد من المرارة والوحدة. وبرفقة أحد أصدقائي الأطباء النفسانيين الذي كان مشرفاً على علاجه تجرأت وسألته لمَ لا تتزوج؟ وتردد قبل أن يجيبني بصراحة احترمته عليها جداً: لأنني من عمر ثلاث سنوات لم أعد ألعب مع الفتيات. حتى أختي فصلوني عنها وكان عاراً أن أراها تلبس ثيابها أمامي. دمعت عيناه وقال المرأة وجه وأنا أجبرت ألا أتعامل مع وجهها. يا لروعة تلك العبارة التي لم يدرك عظمتها: المرأة وجه، والإنسان وجه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى