صفحات سوريةفلورنس غزلان

المرسل إليه – توفاه الله-!


فلورنس غزلان

تغفو النهارات..وتصحو الليالي..تضغط الأيام على قلوبنا كصخرات تهبط فوق جسدك ..تطبق على القفص الصدري مانعة الهواء من النفاذ..لايمكن لفصاحة البليغ ان تضبط بايقاع الكلمات نوتة الروح وانتفاضة الجسد على وقع قذيفة..أو تحت نصل حربة تمزق اللحم الرقيق…بفعل خطوط الجوع المستدامة، أو تحت ركام بيت سقط فوقه صاروخ عبثي ..دون قصد! لايمكن للحكمة والعقل أن يتحكم بقوة الموت وضغطه المتواصل دون أن يختل توازن المرء فيدخل في هذيان محموم أو تتقمصه موهبة الانحراف..وربما ..ربما يحمل في فهرس عقله بعض الترتيب يستطيع أن يصده عن ارتكاب الخطاً واقتراف اللامعقول..لكن ربما هذه تظل الاحتمال الأضعف..إلى أن تكف ثرثرة القذائف عن عبثها اليومي في أحياء المدن السورية المنكوبة.

حيث تحول الانسان فيها لطريدة تهرب من قدرالموت إلى قدر الحلم المحمول في الذاكرة والفؤاد مذ تربع الجلاد فوق هضبة قاسيون..وتمسك بأظلافه وأنيابه بسلطة السوط ، فأشعل نيران الحقد ونفخ في كور هجائه للشجر والماء ليعكر صفو الحياة..فهو من صنف لم يَرقَ يوماً لمكانة البشر ولم يتنسم رائحة زعفران الحب القادر على محو الضغينة.

جنون وشبق يعم ويتمادى …يزج الوطن بمتاهة استمراء حفر الأضرحة والإكثار من الحُفَّر والخنادق بين المواطن وأخيه… لاتعبره سوى الضواري المتعطشة للدماء…يتخذ من أحياء المدن رحلة للصيد…

مدت التجربة أذرعتها واستوطنت الوقت…إلى أن يكرس العسكر فهرساً جديداً لهذا الوطن…العسكر من طرفي النزاع غير المتكافئين بالقوة والعتاد ، لكن المخيف في الوضع أن الطرف الأضعف والذي باركناه واعتقدناه وُلد لحماية الأخوة ..راح بعض المحسوبين عليه..أو الدخلاء من خارجه..يصطادون الضحايا باسمه ويمارسون جنون الموت … وانتحاب العقل..وركوب العنف مطية للايقاع بالخصم..وتسقط الوعول البريئة في المصائد المكائد…لمجرد الاشتباه!…رباه أجبني: ..هل ورثنا لغة الوعيد والتعذيب واستَكَّنا لالتصاقها بجلدنا ؟ هل رضعنا القهر لنمارسه أم لنحاربه؟ أليس هذا منتهى الجحود لمباديء الثورة؟ أليس هذا نكران لدم من قضوا من أجل الحرية وللقرابين التي قدمتها الأمهات على مذبح الوطن لنبنيه لكل أبنائه؟..وجلهم..قضى دون أن يحمل عصا…جلهم أغمض عينيه وهو يلعب في باحة الدار..أو قضت وهي تحاول حماية أطفالها من الموت أو من غائلة الجوع…

رباه..أعود لأطمئن على كبد الايمان بالمواطن السوري..أعود لأسأله قبلك، عن مُرَوجي الخديعة والفتنة..عن نباشي القبورفي غفلة المعارضات وصراع ديكتها، عن شيوخ زرعنا فيهم أملاً لم يكونوا بمستوى مسؤوليته..

أخي في الوطن…هل ستترك الصلب والبتر…يحوم كالأشباح يقتنص اللحظة والثغرة هنا والوهم هناك وتبقى مأسوراً مأخوذاً بحمية الإيجاب وإغماض العين على الخطيئة والسلب في الممارسة والفعل، إلى أن تصبح قانوناً يسود ويشرع ويبطر بفرض أجندات لم تأتِ على ذكرها لغتنا منذ الخامس عشر من آذار العام المنصرم؟!..قل لي إذن لمن أوجه وإياك صوتنا المرتجف؟ بمن نأمل أن يبادر من أجلك ..من أجل سوريا…قبل أن يموت صمتنا في صدرنا ونعود لننام على القذا ونستيقظ على موت متواصل في حرب أهلية تغتال وحدتنا وتنفث دخان التفرقة المذهبية في حقولنا؟..

أليس هذا واجب من رفعتم من أجله لافتات الولاء؟…أليس هذا من هتفتم باسمه جيشاً للحرية وبناء سوريا الحلم؟…لكنهم اليوم مراكز وهيئات متعددة!…لكنهم اليوم مجالس وتيارات لاتلتقي إلا للتنازع…فلمن أشكو وجعي ووجعك؟…

هل يمكن لقربتنا أن تحتفظ لنا بماء الحياة الذي حملناه على ظهورنا منذ 14 شهراً، ويأتي اليوم من يسعى لتثقيبها بمخارز الثأر ومهرجانات الموت ، ومحاكم لم تطأ مدارس القانون ولا مكاتب القضاة؟! هل نتركهم يعبثون بمابنيناه بحِسنا المُواطني وحرصنا التاريخي على أمانة الانتماء؟..قل لي إذن..هل يسمعنا من بنى له مكتباً في القاهرة وآخر في استانبول؟…أم أن رسائلنا ستعود على أعقابها محملة بختم ” العنوان مجهول” ، أو المرسل إليه ” توفاه الله”؟!!.

فلورنس غزلان ــ باريس 25/4/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى