صفحات العالم

المشهد السوري الحالي: نهاية النظام؟/ محمد مشموشي

 

 

ليس من دون دلالة سياسية خاصة، في بلد يحكمه نظام أمني مثل سورية، أن يصطدم جهازان من أجهزته الأمنية الـ13 ببعضهما بعضاً، فيجد النظام نفسه مضطراً لإقالة قائديهما (اللواء رفيق شحادة من «الاستخبارات العسكرية» والعقيد رستم غزالي من «الأمن السياسي») قبل أن يعلن موت الثاني بفعل الضرب المبرح، وربما الحقن المتعمد بمادة قاتلة كما قيل. ولا من دون معنى كذلك، تواتر الأنباء عن اغتيال ضباط من الجيش أو الأمن هنا وهناك من دون معرفة الظروف والأسباب، ولا أخيراً صور مئات الضباط والجنود الهاربين في البراري، من دون غطاء جوي، بعد سقوط مدينة جسر الشغور في أيدي المعارضة.

ربما كان من السابق لأوانه اعتبار ذلك انهياراً لكامل المنظومة الأمنية التي حكم بها الأب والابن ما كان يحلو لهما تسميته «سورية الأسد» في الأعوام الـ45 الماضية، إلا أنه إشارة لا تخطئها العين إلى ما يمكن اعتباره بداية مثل هذا الانهيار.

بالمقدار ذاته، لا يجوز تجاهل أن المشهد السوري بدأ يتبدل عملياً وبسرعة على الأرض، من سقوط بصرى الشام في الجنوب بأيدي المعارضة إلى سقوط إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب في الوسط والشمال، خلال فترة زمنية واحدة هي الشهور الثلاثة الأولى من عام 2015، وأن هذه الفترة حملت رموزاً وتطورات وأحداثاً لا يمكن فصلها عن المشهد الداخلي السوري هذا أو عن التأثير المباشر فيه، كما يأتي:

> هناك، أولاً، مرور أربعة أعوام كاملة على بدء الثورة في سورية من دون أن يتمكن النظام فيها، على رغم الدعم المنقطع النظير له بالسلاح والمال والمقاتلين من إيران، والحماية الديبلوماسية في الأمم المتحدة من روسيا، من إنهائها أو حتى التخفيف من وتيرتها… فيما ارتكب في المقابل جرائم موصوفة، بشرياً (250 ألف قتيل و10 ملايين نازح) ومادياً (تدمير مدن وبلدات وبنى تحتية في شكل شبه كامل).

> وهناك، ثانياً، تهافت النظام الإيراني لإنهاء العقوبات الدولية المفروضة عليه عبر اتفاق نووي مع الدول الـ5 + 1، وما بدا من استعداد لديه، ليس لتجميد برنامجه النووي لخمس عشرة سنة مقبلة فقط، إنما أيضاً لمساومة هذه الدول (والولايات المتحدة تحديداً) حول أمور ومشكلات إقليمية أخرى ليست سورية ومستقبل النظام فيها بعيدين منها.

> وهناك، ثالثاً، الفشل الإيراني المدوي في العراق إلى حد أن معركة تحرير تكريت من «داعش» لم تكن ممكنة إلا بعد أن قبلت واشنطن إشراك سلاحها الجوي فيها، وبشروطها المتعلقة بإبعاد ما يسمى «الحشد الشعبي» (الميليشيات الشيعية) عنها، ثم بعد ذلك الفشل المدوي الآخر في اليمن، حيث بدت إيران معزولة دولياً من ناحية، وعاجزة عن حماية أو إنقاذ حلفائها (زميل الأسد، علي عبدالله صالح مثلاً) من ناحية ثانية.

> وهناك، رابعاً، ما بدا من تباين في الموقف بين طهران وموسكو من «سورية المستقبل»، كما من موقف الأخيرة من المعارضة السورية ومحاولتها في مؤتمر «موسكو – 1» ثم «موسكو – 2» تجميع قواها حول «بنود جنيف»، على رغم سعي وفد النظام لإفشال هذه المحاولة وحتى لنسف المؤتمرين.

يصعب الاعتقاد بأن المصادفة وحدها هي التي أملت حدوث ذلك كله في فترة زمنية واحدة، أو ألا تكون لها علاقة مباشرة بما بات معظم ساسة العالم يصفونه بـ «كارثة العصر» في سورية، إن على مستوى النزوح البشري خارج الحدود أو على مستوى تدمير بالبراميل المتفجرة للبلادَ وأسبابَ الحياة فيها.

وبالمقدار ذاته أيضاً، لا يمكن التعاطي ببساطة مع الضائقة الاقتصادية التي بدأت تعاني منها سورية في العامين الأخيرين وتوشك أن تصل بها إلى حد الإفلاس. ولا بصورة خاصة مع ما بات بعض كتاب «الممانعة» يتحدثون عنه في مقالاتهم وتعليقاتهم حول المشهد السوري الراهن.

فإذا كان صحيحاً، على سبيل المثل، ما قاله أحد هؤلاء عن توقيع «صكوك رهن» بين الأسد ودولة إيران، يرهن فيها الأول مباني الدولة وعقاراتها للطرف الثاني مقابل المساعدات المادية والأسلحة التي قدمها له خلال الأعوام الماضية (ما هي حصة «حزب الله» من هذا الرهن؟!)، وما قاله آخر عن احتمال نقل العاصمة السورية من دمشق إلى اللاذقية أو طرطوس، تكون حال هذا النظام قد وصلت فعلاً إلى ما لم يكن أحد يتوهم بأنها يمكن أن تصل إليه.

ثم لماذا يلجأ اثنان من كتاب «الممانعة» تحديداً، وأحدهما سوري الهوى بينما الثاني إيراني الهوى والهوية معاً، إلى كشف مثل هذه المعلومات في هذه الفترة بالذات؟

قد لا يكون مبالغاً فيه القول أن هذه هي مؤشرات اقتراب النظام السوري من نهايته، بل حتى إن هذه النهاية قد تكون أقرب مما يظن بعضهم.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى