صفحات الحوار

المصوّر جوناتان ألبيري يروي تفاصيل اختطافه في سوريا: اعتقله إسلاميون.. وحرره سياسي لبناني ورجل أعمال سوري

رنا الفيل

بعد أسابيع قليلة على إطلاق سراحه وعودته إلى نيويورك، وفي خضم السجال حول التدخل العسكري في سوريا، بدأ المصور الفرنسي – الأميركي جوناتان البيري، الذي اختطف في سوريا من قبل مجموعات مسلحة لأكثر من شهرين، بالظهور على المحطات الأميركية، ليروي تجربته ورؤيته للصراع في سوريا.

ويقول البيري في لقاءاته المتلفزة إنه مقتنع بأن “الثوار التابعين للقاعدة” هم من استخدم الأسلحة الكيميائية في سوريا “وربما استولوا عليها من النظام واستخدموها للحصول على رد عسكري غربي”.

وفي حديث لـ”السفير”، يقول البيري “تأخر الوقت للتدخل العسكري الغربي. كان يجب فعل ذلك منذ عامين إن أرادوا مساعدة الثوار. لكن الغرب لم يفعل شيئا ومع الوقت حل مكان المقاتلين المعتدلين، الذين تم قتلهم في المعارك، مقاتلون تابعون لمجموعات إسلامية، فعالة عسكريا… لكنهم مجانين تماما”.

أمضى البيري 81 يوما مخطوفا من قبل إحدى هذه المجموعات. أسرته في أواخر شهر نيسان الماضي لدى توقف سيارته على حاجز مسلح فيما كان متوجهاً إلى منطقة رنكوس في ريف دمشق مع مترجم وشخص آخر. ويقول البيري، في حديثه لـ”السفير”، “فهمت لاحقا أن المترجم وصديقه قاموا ببيعي”.

في أول أسبوع على اعتقاله، أوهمه المسلحون مرات عدة أنهم سيقومون بإعدامه بتهمة أنه من “وكالة الاستخبارات الأميركية”. ويقول “كنت أنفي دائما وكانوا يستخدمون المسدسات أو السكاكين لإرهابي”. وخلال أول خمسة أسابيع، كان مكبل اليدين، معصوب العينين ومقيدا إلى سرير.

بعد عشرة أيام، نقله المسلحون إلى بيت آخر في قرية قرب رنكوس حيث بقي لعدة أيام مقيدا إلى نافذة. ويقول “شعرت بالغضب تجاههم، لكن عندما تشعر بالكراهية تقوم بحماقات”. ويروي أنه مع الوقت سمحوا له بالتنزه حول البركة الفارغة في المنزل، الذي يعتقد أنهم استولوا عليه من عائلة دمشقية غنية.

يذكر ألبيري أنه قام بتعليم السباحة لقائد المسلحين. ويروي “قلت لهم أنني أسبح جيدا وأشارك في مباريات سباحة و”ووتر بولو” في الولايات المتحدة فأتوا بصهريج ماء وملأوا البركة الفارغة وطلبوا مني النزول اليها. ثم جاء قائدهم بثياب السباحة ونزل الى البركة ولم يكن يعرف السباحة. كان كالطفل المذعور فيما كان المسلحون يضحكون لأنهم يرون قائدهم في لحظة ضعف. وبعد ساعة أو ساعتين من تعليمه، بدأ يسبح قليلا. إنها لحظات غريبة”.

يشرح ألبيري قائلاً، “أرغمت نفسي على بناء صداقة معهم والمشاركة في حياتهم. كنت أصلي معهم وأطبخ معهم. قمت بجهود فوق طاقة البشر لأندمج معهم، لأكون مثلهم”، مضيفاً “هناك بعض اللحظات القصيرة التي كنت أشعر فيها أنني حر بعض الشيء. وبعدها يأخذونني الى غرفتي ويبدأ الأسر من جديد”.

ويقول “كانوا يسألونني إن كنت أريد أن أعتنق الإسلام وكنت أرد أنني قد أفعل ذلك يوما ما وأنني مستعد للقتال معهم في حال تطلب الأمر ذلك”، لافتاً إلى أنه كان فعلا مستعدا للقتال إلى جانبهم إن جاء الخطر نحوهم “لأنني كنت أتشارك الموت معهم”.

كانت المنطقة التي تقع على بعد 30 كيلومتراً شمالي دمشق تتعرض لقصف يومي من القوات الحكومية السورية، وفقاً له. ويقول البيري “كنت أتقبل الموت وأقول لنفسي إن جاء بسرعة من جراء القصف فهذا جيد، ما لم أرده هو أن يذبحوني”.

وعن هوية معتقليه، أو بالأحرى خاطفيه، يروي أن المسلحين كانوا إسلاميين لكن ليس من المجموعات التابعة لـ”القاعدة”، لأنهم قالوا له يوماً إنهم لا يحبون “جبهة النصرة”. ويوضح أنهم من مجموعات تسيطر على مدن أو قرى سورية ويديرون فيها كل نواحي الحياة. ويقول إنهم كانوا ناشطين عسكريا ويذهب بعضهم كل يوم إلى القتال إلى جانب “الجيش السوري الحر”.

تعلم البيري اللغة العربية من بعض المسلحين، وعلمهم الإنكليزية في المقابل، ليتمكن من التواصل معهم. ويقول إنه في بعض الأحيان يشتاق إليهم، موضحا “هذا غريب جدا. كنت أسمع عن “عارض ستوكهولم” والآن أعلم تماما ماذا يعني”.

يتابع ألبيري أنه في أحد الأيام، اعتقل المسلحون أربعة أشخاص من “الشبيحة” ووضعوهم في غرفة مجاورة. “كان ذلك فظيعا. كانوا يفلتون الكلاب عليهم. ودام ذلك أسبوعا. كنت أسمع صراخا لساعة أو لساعتين ثم يعود المسلحون ويتكلمون معي وكأن شيئا لم يكن. ثم اختفى المعتقلون الأربعة. سألتهم عنهم فقال لي أحدهم إنهم ذبحوهم. لكن قد يكون أطلق سراحهم لأنه جاء يوما شخص من عائلة أحد الشبيحة واخذوا منه أموالا. لست أدري إن قتلوهم أو أطلقوا سراحهم. قالوا لي أن اثنين منهم كانا مسلمين واثنين مسيحيين”.

قبل يومين من الإفراج عن البيري، جاء شيخ ومسلح من المعارضة وقاموا بتصويره وقالوا له أن يقول إنه بصحة جيدة وإنه “صديق الثورة” ويتلقى معاملة جيدة. وبعد ذلك، عاد الشيخ والمسلح وأخذاه إلى منزل الأول في منطقة يبرود في ريف دمشق. ثم دخل شخصان من “الشبيحة” وقد عرف ذلك من ثيابهم السوداء، وفقاً له. ويقول “خفت لأنني قلت لنفسي باعوني للحكومة”. وعندما قال لي أحدهم “إنك بيد الحكومة وأنت حر وستذهب إلى دمشق، قلت لنفسي سأختفي”.

غير أن الشخصين أخذا البيري إلى فيلا كبيرة حيث كان ينتظره “رجل سياسي لبناني معروف جدا قريب من الحكومة السورية” ومترجم ورجل سوري. ويتابع “قالوا لي إن الرجل السوري هو من دفع فدية لإطلاق سراحي”. يعتقد البيري أنهما كانا يريدان شيئا في المقابل، موضحا أن “السوري كان على لائحة العقوبات الأوروبية”.

وفي حديثه لـ”السفير”، يوضح أنه لا يستطيع أن يقول اسم الرجل السوري “لأنه قد يكون بمقدرته الإفراج عن صحافيين آخرين مخطوفين”. كل ما يمكن أن يقوله هو إنه “قريب من (الرئيس السوري بشار) الأسد وله نفوذ في سوريا” ولم يكن يعرفه من قبل. ويتابع “قال لي انه كان يبحث عن صحافيين فرنسيين مخطوفين ووجدني صدفة ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل”.

يضيف البيري “أخذوني إلى بيروت في الليلة ذاتها، وضعوني في صندوق السيارة وأوصلوني إلى منزل الرجل السوري. اتصلت بصديق لي، الذي أخبر عائلتي فاتصلوا بالاستخبارات الفرنسية ثم جاء أشخاص من الأمن وأخذوني إلى منزل السفير حيث بقيت 4 أيام”.

ويقول إن الاستخبارات الفرنسية والأميركية كانت تعلم مكان احتجازه في سوريا “لكن إطلاق سراحي كان سيتطلب عملية عسكرية وربما كانوا سيقومون بها يوما ما”.

بعد اللقاء مع صحيفة “السفير” في نيويورك، كان لألبيري موعد في اليوم ذاته مع محطة “فوكس نيوز” ليتحدث عن بلدة معلولة السورية، وقال “ما لا أفهمه هو لماذا لا تقول الحكومات الغربية شيئا، لا تدافع عن مسيحيي الشرق، تتركهم يذبحون. إنها فضيحة”.

ويقول المصوّر، الذي عاد لعمله مع وكالة “بولاريس”، إن الاستخبارات الفرنسية والأميركية طلبت منه عدم الذهاب مجددا إلى سوريا أو إلى لبنان. حاليا، يقوم بتصوير”أسبوع الموضة” في نيويورك. يضحك عندما تسأله عن الموضوع، ويقول “سأعود لتصوير النزاعات. هذا أكيد. لكن ليس في سوريا”.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى