صفحات سوريةعزيز تبسي

المطرودين من جنة الإستثمارات الإحتكارية وضحاياها


عزيز تبسي

        في فهم السيرورة الديمقراطية للإنتفاضة الشعبية

        تترسخ القلوب المفتوحة والضمائر الحية والتمسك بالهدف النهائي، لتتكرس خصائصاً راسخة عند الثوار على مر التاريخ،خصائص يُعرّف الثوار بها ولا يُعّرفوا بغيرها،ساعة يصفحون عن الأنذال ومن بمنزلتهم،من ممولي الشبيحة من كبار التجار،ويأخذون بيدهم إلى حيث الفسحة العمومية المفتوحة على المشاركة والفعل الثوري،يشكل هذا أول درس تربوي في قيم الثورة.

        لكن ما ينبغي أن يتوضح عند الثوار هو الوضوح السياسي،وتسمية الأشياء بأسمائها والبحث،عن الأسباب التي دفعت ممولي الشبيحة إلى موقع ممولي الثوار أو رفضهم الإستمرار في هذا الخيار كحد أدنى من المواقف،ويمكن إعتباره حالة قابل للتكرار،هذه الإنجازات اليومية التي تظهر كإنجازات بسيطة غير واضحة النتائج،ستغدو في النهاية شرطاً لازماً يتحقق من خلاله التراكم النضالي المفضي للنتيجة الثورية الحاسمة.

        -1-

        كأي إنتفاضة شعبية في شروط تاريخيةمن التعقيد السياسي وقوة نارية للطغمة العسكرية الحاكمة وسكون إجتماعي ممتد من نصف قرن ،وبغياب حركة سياسية فاعلة وثورية في آن،لن يظهر الإستقطاب السياسي للموقع الشعبي الثوري نتائجه النهائية بسرعة ووضوح.

        تم ويتم الترحيب بأفضل ما يكون بتوسع الإنتفاضة الشعبية،لتشمل قطاعات إجتماعية جديدة بتسميات مختلفة :طوائف حيناً ونساء حيناً آخر ومدن وأحياء..الخ في تأكيد يتكرس كل يوم على سعة المجال العمومي لمشاركة كل من له مصلحة حقيقية وقناعة في التغيير،مندفعاً إلى هذه المساحة التي تتسع كل يوم،لكن إتفق أخيراً على تسمية جمعة جديدة مناضلة ب”ثوار وتجار………”من كافة التنظيمات الحقيقية والإفتراضية التي تشارك فيها.

        ويبقى السؤال: هل التجار هم ما إنضم للإنتفاضة أم شبه لمن أسماهم؟

        للإجابة عن هذا التساؤل لابد من العودة إلى أكثر من عقدين من الزمن،حين بدأت تظهر الميول الإحتكارية(إحتكار النشاط الإقتصادي السوري وموارده)من خلال الإعلان عن شركات ومؤسسات ومجموعات إقتصادية هي الوجه المطلي بالمراهم لرجالات السلطة السياسية من العسكريين والمدنيين.

        حيث بدأت تقضم الفاعليات الإقتصادية الأكثر ربحية وتتحول إلى حيازة هذه المجموعات الإحتكارية وخططها الإستثمارية ،ساعدها في تحقيق ذلك التراكم النقدي السريع والضخم توسع حركتها الإقتصادية المحمية بقوانين وتشريعات إقتصادية تقبل التأويلات المتعددة ولا تأول إلا لمصلحة هذه المجموعات،والتهرب الضريبي وتوفير قروض مصرفية بشروط ميسرة، وتمددها على الإقتصادين اللبناني والعراقي،ولكل من هذين أسبابه،لبنان حيث التواجد المستمر للقوات العسكرية والأجهزة الأمنية السورية منذحزيران1976 والقدرة الفائقة على التلاعب بالقوانين الناتج عن ضعف الدولة ورقابتها وفساد بورجوازيتها وإداراتها،وفي العراق حيث حصار العقوبات الإقتصادية وقانون النفط مقابل الغذاء…..تمكنت الفئة المهيمنة من البورجوازية السورية بجناحها العسكري والأمني بإستثمار هذين الشرطين التاريخيين من تحقيق تراكمات نقدية مهولة….لتصير حسب وزير الإقتصاد عامر لطفي-صحيفة البعث 27أيار2007 حصة القطاع الخاص 68%من الناتج القومي،وبالطبع لا يدخل في هذا التقييم حصة الإقتصاد الأسود المبني على التهريب من وإلى سوريا،والذي تسيطر عليه جماعات إجتماعية محددة.

        -2-

        إنتزع هذا الجناح الرأسمالي،ذو الميول الإحتكارية،الصاعد بقوة وبغياب أي إمكانية أو فرصة للمنافسة،معظم الوكالات الحصرية من أصحابها،ومن عجز عنها بفعل تمسك الشركات الأم بوكلائها،وهو ما تشدد عليه الشركات الأوروبية عادة،دفع بهم إلى نوع من الشراكة الإكراهية،أو إغراق السوق بسلع بديلة من الصين وشرق آسيا وبأسعار ودعاية منافستين.

        بات معروفاً من جميع المتابعين للكتابات الإقتصادية عن القدرات المهولة لهذه الشركات التي باتت تستحوذ على الحصة الأكبر والأكثر ربحية من الإقتصاد السوري،وظهرت نتائجها على شكل تقاسم للسوق،شركات تسيطر على توريد المواد الغذائية(سكر-أرز-زيوت-لحوم معلبة-البن-الشاي……)وشركات تسيطر على توريد السيارات والحافلات وشركات على مواد البناء(الخشب-الحديد-الإسمنت) والتعهدات والنفط….وغدت معروفة أسماء أصحابها الحقيقيين ومن يقف في الظل داعماً لهم.

        هذه السيرورة الطبقية التي دفعت نحو تكريس الإحتكار،ضيقت موضوعياً القاعدة الطبقية للبورجوازية الحاكمة،حينها بدأت تتآكل وتتهاوى المواقع الإقتصادية-الطبقية للجماعات التجارية التقليدية لعدم توفر أي قدرة على المنافسة التي إختلت شروطها بشكل نهائي لصالح هذه الفئات الصاعدة.

        وأدت السياسات الليبرالية الإنتقائية بدلالاتها السياسية كالإنفتاح غير محسوب النتائج على الإقتصاد التركي،إلى تهاوي آلاف الورشات الصغيرة والمتوسطة وإنحدار أصحابها إلى مواقع الفقر المطلق والعجز عن المنافسة وتسديد القروض وإعادة تدوير عجلة إنتاج ورشاتهم ومعاملهم ،،إستيقظ الناس على آلاف السلع بمواصفات جيدة-أوروبية- تملأ المحلات في أسواقهم وبأسعار في قدرتهم الشرائية ومنافسة في أحيان عديدة كذلك،كانت بمثابة إعلان موت مجموعة من القطاعات الإنتاجية التقليدية(النسيج وتوابعه من ألبسة وقطنيات/الصناعات الغذائية/الأثاث المنزلي/الجلديات/العطور وأدوات التجميل/مواد البناء ومستلزماته….) أهملت السلطة السياسية أوضاع هذه القطاعات ولم ترغب في التدخل لإنقاذها بما يتماشى مع إنحيازها لصالح الميول الإحتكارية وتعمقها.

        آلاف الورشات الصغيرة والمتوسطة التي تنتج الألبسة من خامة الجينز،توردها لهم شركة (صباغ-شرباتي)التي تستحوذ على حصة شبه إحتكارية لصناعة وتوريد قماش الجينز للسوق السوري،وآلاف أصحاب الدكاكين وهم(التجار المضربين او الذين سيضربون في الأسابيع القادمة)تتكفل خمسة أو ستة شركات بتوريد المواد الغذائية لهم(فراس طلاس-مجموعة جود-سمير الحسن”يوني سيريا”…)من أبرزها…..وهذه الشركات هي من يحدد هوامش الربح المحدودة لأصحاب هذه الدكاكين مقابل دعمهم بهوامش أوسع لمراكز التسوق الكبرى(المولات وغيرها)….

        وبدأ يصل التململ والتشكي على الشركات الكبيرة أيضاً بعد الأزمة الإقتصادية الرأسمالية2008بعد إلغاء أوتخفيض كميات العقود الخارجية والقيمة النقدية للسلع المصدرة(تخفيض الأرباح)،متمظهراً بالعجز عن تسديد القروض ،التي تمنحها المصارف الحكومية(التجاري-الصناعي-العقاري…) وفق عمولات كبيرة تقتطع من قبل البيروقراطية قبل الحصول على القروض وإدراجها في العملية الإنتاجية،مما دفع بعضها المثّقل بشراكات قسرية إلى إعلان إفلاسه(مجموعة الديري لإنتاج الخيوط التركيبية ومجموعة كويفاتي لصناعة الألبسة الخارجية الحائزة على إمتياز شركتي ألفابيت وأبسوربا الفرنسيتين لألبسة الأطفال واليافعين)بعدهما تم التكتم من البيروقراطية على مجموعات أخرى أظهرت عجزها عن تسديد القروض(مجموعة دعبول-مجموعة جربوع-وفرزات والجندي…..وغيرهم)،التي دفعت البيروقراطية إلى خيار جدولة الديون….التي هي من أموال المودعين الصغار والمتوسطين في المصارف الحكومية،والتي بدورها بدأت تتآكل بالتضخم النقدي المتواصل،هذه الفئات(الموصوفة بالتجار والصناعيين)و التي كانت يوماً بورجوازية متوسطة تهاوت إلى مواقع الشغيلة والعاطلين عن العمل والمفلسين.

        تكاملت مع الجناح الذي تشكل الزراعة حقل عمله وفاعليته،بعد رفع سعر المازوت 265%،تبين للعاملين في هذا القطاع أنهم يعملون مع أسرهم بالمجان عند”الدولة”التي تحتكر تسعير منتجاتهم من المحاصيل الزراعية(الحبوب-القطن-الشمندر-الذرة الصفراء…)دون أخذ إرتفاع أسعار الوقود والزيوت المعدنية والمواد الزراعية (الأسمدة-المبيدات-…)التي تحتكرها شركات محددة(سليمان-المقدادي-باتنجانة-دبانة…) وتفرض أسعارها،مما أدى لنزوحات واسعة لآلاف العائلات وهجرة مشاريعم الزراعية الصغيرة والمتوسطة وإلتحاقهم بالفئات المهمشة في المدن الكبرى إضافة للهجرة إلى الخارج لبنان والأردن بغرض البحث عن فرص عمل……………

        رغم هذا العرض الموجز الذي رأيته ضرورياً لتوضيح لوحة الإصطفات الطبقية،بعد تعمق سياسات الإحتكار،إلا انه لابد من التوضيح إن العامل الإقتصادي على أهميته ليس بعامل وحيد في دفع هذه الفئات المترددة إلى خيار الإنتفاضة الشعبية الثورية التي لم تكن إنتفاضة الأمعاء والجيوب الخاوية في أصولها الحورانية اللاهبة ولا في إمتداها على الأرض الوطنية،ربما لكون قدر الإنتفاضات أن لاتفصح عن دوافعها النهائية لتباغت التاريخ بتحقيق مكرها هذه المرة لامكره البليدالرابض،تبقى حزمة من العناصر السياسية والأيديولوجية التي بدأت تنهض و تتوضح ويشتد عودها في السياق الدامي للمواجهة الملحمية بين الشعب الأعزل والفاشية الدموية.

        حلب-حزيران2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى