صفحات سورية

المعارضات السورية أمام مفترق الطرق


جميل حنا

في الثاني من شهر تشرين الأول عام 2011كان لتأسيس المجلس الوطني السوري في أسطنبول وقعا إيجابيا بين أوساط الشعب السوري المنتفض ضد النظام. وكذلك بين الغالبية الساحقة من قوى المعارضة للنظام من مختلف التيارات السياسية ومكونات الطيف الاجتماعي بتنوعه العرقي والديني.( المجلس الوطني السوري يمثلني )كان تأسيس المجلس الوطني بعد مضي أكثر من ستة أشهر على الثورة السورية حدثا تاريخيا هام.سجل بداية منعطف أساسي في المزاج العام لدى الجماهير وقوى من عزائم الكثيرين وأثره سينعكس بشكل فعال على نوعية الحراك الشعبي في الداخل وكذلك في الخارج على الساحة الدولية. حيث أصبح للمعارضة أو الجزء الأكبر من المعارضة تتمثل في هذا المجلس وأصبح يملك الشرعية الثورية لأن يمثل الشعب السوري في المحافل الدولية ويقوم بالإتصالات الدبلوماسية والسياسية بمختلف دول العالم والمنظمات العالمية لنيل الإعتراف به. والدفاع عن الشعب السوري الذي يتعرض إلى مجازر حقيقية على يد الأجهزة القمعية وميليشيات الشبيحة والجيش.

أن المهام الملقاة على عاتق هذا المجلس كبيرة جدا ولكنها نبيلة في الوقت عينه وهذه المهمة المقدسة تتلخص في تحرير الوطن والمواطن من نظام الاستبداد وتحقيق الحرية والديمقراطية والكرامة للمواطن. والتحديات المنتصبة أمام المجلس أكبر سواء في الساحة الداخلية أو الخارجية, لا يمكن تجاوزها والتغلب عليها إلا بالإرادة الفولاذية والتفاني والتضحية الجسيمة, والإنفتاح والشفافية المطلقة بين مختلف فصائل المعارضة المكونة للمجلس. وكذلك الإنفتاح على بقية المعارضات في الداخل والخارج التي ما زالت خارج المجلس الوطني. إن الاستماع إلى آراء وأصوات المعارضات الأخرى مهم جدا لبناء قيادة مشتركة,وتشكيل قيادة معارضة حقيقية موحدة تضم الكل من أجل إسقاط النظام, لتكون فعلا وحقيقة الإطار الموحد للمعارضة في الداخل والخارج. ولكي تكون المرجعية السياسية الموحدة للشعب السوري بعد إنضمام الجميع أو الغالبية المطلقة من القوى الفاعلة في الساحة الداخلية وفي الخارج. وعدم إستثناء أي قوى تسعى لإسقاط النظام, وتسعى لبناء الدولة الديمقراطية المدنية العلمانية.وكما جاء في البيان التأسيسي للمجلس الوطني(إقامة دولة مدنية دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي, وهو مجلس منفتح على جميع السوريين الملتزمين بمبادىء الثورة السلمية وأهدافها).

ومن الأولويات الكفاحية الهامة للوصول إلى الهدف المنشود هو التفاعل المطلق مع نبض الشارع, وأمتلاك القدرة على التحرك والتنظيم والتخطيط والتوجيه والسيطرة والمبادرة وزيادة قدرة الصمود والمثابرة في تحمل أعباء إسقاط النظام.إن استكمال بناء الهيكلية الموحد ة للمعارضة وتوحيد الجهود المشتركة سيدفع بالجميع أن يعمل كخلية النحل في إطارغرفة قيادة موحدة. ولكنها متفرعة إلى لجان تخصصية تدير الشؤون المالية والإعلامية والإتصال والصحة وكافة الشؤون التي تضمن استمرارية الثورة على المدى الطويل.

والتحدي الأكبر هوكيفية كبح جماح النظام في أستخدام العنف بكل أنواعه ضد المتظاهرين سلميا والمعارضين, وإيقاف القتل والأغتيال والتعذيب وزج الأحرار في السجون, حتى تحقيق إسقاط النظام . وبدون أن يستطيع النظام إلى إدخال البلاد في حالة حرب أهلية والفتنة الطائفية واالتدخل الخارجي.

لا شك أن توحيد صفوف المعارضة سيعطي دفعا وزخما أكبر للثورة, وسيكون تفائل الجماهير أكبرفي هذه الظروف الصعبة والخطيرة من حياة البلاد. إن الأمال الإيجابية التي أنطلقت لدى الكثير من أبناء الشعب ستتعاظم بتوحيد جهود كافة القوى الداعية إلى إسقاط النظام.وإسقاط نظام متمرس في إرهاب الشعب على مدى أربعة عقود من الزمن, ويملك قدرات عسكرية ضخمة وسيطرة على كل مفاصل الدولة وموارده لن يكون أمرا سهلا. بل يحتاج إلى كفاح مرير من قبل شرائح واسعة من المجتمع السوري.الشعب بمختلف مكوناتهم الإجتماعية وقوى المعارضة الوطنية المكافحة من أجل التغيير الديمقراطي السلمي للنظام, أن تبذل مزيد من الجهود لإقناع أكبر قطاعات من الجيش السوري بالعودة إلى الثكنات العسكرية ,وإلى حدود الوطن لحمايته وتحريرأرضه المحتلة بما أنهم حماة الديار .لا أن يمارس العنف ويقتل الجماهيرالمتظاهرة سلميا,هذا الجيش الذي أقسم بشرفه العسكري أن يدافع عن الوطن والشعب وحاميه من كل إعتداء.والشعب السوري يؤكد على أن يبقى بعيدا عن إرتكاب القتل بحق المتظاهرين سلميا ولذا أطلق الثوار على هذا اليوم جمعة أحرار الجيش لأن ثقتهم مازالت قائمة بالجيش الوطني .ولذا يجب أن يكون هذا الجيش مع الشعب في قضيته العادلة وليس قمع المطالبين بالحرية والديمقراطية, وأن لا يكون أداة قمع وشريكا للشبيحة في جرائمهم بقتل أبناء الوطن .

والتحدي الأخر الكبير هو كسب التأييد العالمي لثورة الشعب السوري في الواقع العملي وليس على مستوى التصريحات التي لم تستطع حتى الآن إنقاذ حياة أي طفل في سوريا, يقتل على يد الشبيحة والأجهزه القمعية.أن الظروف الدولية الشائكة والصراع بين مختلف الأقطاب على الساحة العالمية والصراع الإقليمي, وتضارب المصالح مع بعضها البعض ,والتقاطع في مكان ما يجعل من تحرك المجلس الوطني على الساحة العالمية بنجاح من أكبر التحديات.ويحتاج الأمرإلى البراعة في العمل الدبلوماسي والسياسي وقيادة العمل المشترك بين مختلف الفصائل. وأعطاء صورة واضحة ومقنعة بأن سوريا المستقبل لن تكون جزء من أي تحالف ضد تحالف أخر وأنما سينطلق في علاقاته الدولية والإقليمة من منطلق المصالح الوطنية للشعب السوري بكافة مكوناته.ولن ينخرط في مشاريع الدول الأقليمية والدولية وسف لن يدعم الارهاب ولن تكون أرضه قاعدة إنطلاق إرهابيين إلى الدول المجاورة والعالم .وإنما سيصنع الشعب النموذج السوري المميز المنسجم مع الأنظمة العالمية لبناء دولة عصرية تلتزم المعاهدات والقوانين الدولية,القائمة على حرية الانسان وحقوقه والمساواة والعدالة في المجتمع. سوريا المستقبل ستكون ديمقراطية مدنية تعددية يتم تداول السلطة فيها سلميا على أساس دستور ديمقراطي علماني يضمن الحقوق الدينية والقومية لكل مكونات المجتمع السوري, دستور يفصل الدين عن الدولة.

الأختبار الكبير أمام المعارضات السورية هي في النهج الفكري والسلوكي وكيفية التعامل مع مختلف القضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية والأقتصادية, وكيفية معالجة مختلف المشاكل التي يعاني منه المجتمع.إن تراكمات العقود الخمسة من الحكم الديكتاتوري الشمولي للحزب الواحد في السلطة كان عنصريا ومدمرا في الحياة السياسية وقيادة البلد والسلطة وتوزيع الثروة الوطنية وسياسة التنمية وقضية القوميات والأديان والمذاهب.و ستكون جميع هذه القضايا المحك الفعلي أمام المعارضات السورية لبناء دولة عصرية حضارية تنسجم مع مطالب التغيير في إنتهاج سياسة مختلفة كليا عما هو سائد الآن . ان طبيعة النظام الديكتاتوري القائم على الغاء الرأي الآخر والتهميش والأقصاء وسلب الحريات العامة وعدم الأعتراف بالتنوع القومي في المجتمع وإتباع سياسة عنصرية تجاه هذه المكونات ترك أثرا سلبيا على الوحدة الوطنية .

المجلس الوطني السوري بالرغم من مرور أقل من أسبوعين على تأسيسه وتركه الأبواب مفتوحة لأنضمام قوى معارضة أخرى إلى هذا التحالف إلا أنه مدعو للعمل بجهود أكبر لتوحيد صفوف المعارضة وليس التقوقع من منطلق حزبي وسياسي وشخصي والوقوع في متاهات الغرور والإنانية التي ستنعكس سلبا على أداء المجلس في تحقيق هدف إسقاط النظام.

المعارضات السورية تمثل طيف المجتمع السوري بكل مكوناته الدينية والقومية والجميع عانى من النظام الديكتاتوري على مدى العقود الأربعة وعندما يتحرر الشعب من الإستبداد ونظام الطاغية لا بد من تحقيق العدالة للجميع وليس منح مكاسب لأحد وحرمان البعض الأخر منه تحت أي حجة كانت.

عندما يقر البعض بحق تقرير المصير للعلويين فلماذا لا يقرللدروز وإذا أقر للأكراد فلماذا لا يقر بحق تقرير المصير للآشوريين وأن قرر فرض الشريعة الإسلامية على الدولة والمجتمع فلماذا لايقربتعاليم الدين المسيحي على المجتمع والدولة, كل هذه قضايا مصيرية لا بد من التأكيد عليها.

أن منح حق تقرير المصير لفئة وإنكاره لفئة أخرى سيكون له عواقب وخيمة على كيان وحدة التراب الوطني والوحدة الشعبية وعلى مستقبل كيان الوطن.وفرض عقيدة دينية بحد ذاتها خرق لحقوق الانسان وفق المواثيق والمعاهدات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الانسان .

أن منح الجميع حقوق قومية متساوية في اللغة والثقافة والإعلام والتعليم وتبوأ المناصب في الدولة على أسس المواطنة المشتركة, بدون تمييز على أسس دينية وقومية. وفق دستور ديمقراطي علماني مدني يضمن المساواة الفعلية بين كافة المكونات الاجتماعية هو الضمانة لإزدهار الوطن وتقدمه وعدم الوقوع في الفتنة الدينية والطائفية والقومية في سوريا الديمقراطية العلمانية.

إن ثقة الجماهير وخاصة المكونات العرقية غير العربية من الآشوريين والأكراد تأتي بقوى المعارضات السورية أو الجز الأكبر منها. بأن هذه المعارضات تقر بالحقوق القومية لهذه المكونات ضمن الكيان الموحد للتراب الوطني السوري. وهذا يعتبر تقدما يخدم مصلحة الوطن وهذا التنوع الثقافي سيكون أداة تطور المجتمع السوري إذا ألتزم الجميع بالدستور الديمقراطي العلماني. وأن لا تحاول أي قوة بساعدة قوى خارجية إقليمية الإنقضاض على منجزات الثورة لفرض مشاريع سياسية عنصرية

في الوقت الذي ندعوى إلى وحدة المعارضات السورية بكافة طيفها الديني المسيحي والإسلامي بمذاهبهم المختلفة وكل المكونات القومية العربية والآشورية والكردية وكافة القوى السياسية بجميع تياراتها الفكرية التي تسعى لإسقاط نظام الإستبداد في سوريا. كذلك ندعوا قوى المعارضات الآشورية إلى توحيد صفوفها ضمن إئتيلاف آشوري أو جبهة المعارضة الآشورية أو تحت أسم مجلس أو تيار آشوري. كل ذلك يهدف إلى تعزيز مطالب الشعب الآشوري وتحقيق الأهداف القومية, والأعتراف بكيانه دستوريا كمكون أصيل, صاحب حضارة بلاد مابين النهرين وبلاد الشام .ويعزز كذلك الحراك الشعبي الآشوري والمساهمة بفعالية أكبر في حراك ثورة الشعب السوري من أجل إسقاط النظام. أن توحيد جهود قوى المعارضات الآشورية في الداخل والخارج على غرار المعارضات الوطنية سيكون تأثيره أكثر فاعلية ونتائجه أفضل.وفي الختام نؤكد مرة أخرى على أهمية توحيد صفوف المعارضات الوطنية السورية بكل مكوناتهم الدينية والقومية من أجل بناء الدولة الديمقراطية العلمانية المدنيةالتعددية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى