أكرم البنيابراهيم حميديسمير العيطةصفحات سوريةعلي العبداللهفواز حدادمنذر خدامميشيل كيلو

المعارضة السورية ، المشهد اليوم –مقالات لكتاب سوريين-

“أصدقاء» المعارضة السورية قلقون من انتصاراتها ونكسات النظام/  ابراهيم حميدي

انتصارات المعارضة في شمال غربي سورية، لم تكن مقلقة لـ «حلفاء النظام» في طهران وبيروت وموسكو وحسب، بل كانت أيضاً مقلقة لـ «أصدقاء الشعب» السوري في لندن وباريس وواشنطن وبعض العواصم العربية. القلق مردّه «سقوط النظام قبل الأوان». والقلق آت أيضاً من طبيعة المنتصرين. هم ليسوا من مقاتلي «الفصائل المعتدلة»، بل من فصائل إسلامية بعضها مدرج في قوائم الأمم المتحدة كـ «تنظيمات إرهابية».

وانتكاسات النظام، لم تدفع فقط «حلفاءه» الى التحرك دفاعاً عنه وفي المناطق ذات الأولوية والمنفعة الاستراتيجية، بل دفعت أيضاً «أعداءه» الى التحرك لإنقاذه أو ما تبقّى منه، أو على الأقل منع سقوطه في ما تبقى من الجغرافيا السورية.

نعم، التحرك من «أعداء» النظام لمنع انهيار النظام. ربما بعض «الأعداء» قلق من السقوط أكثر من «الأصدقاء»، ذلك، ان القناعة موجودة لدى مسؤولين كبار في دول كبرى، بأن «النظام على وشك السقوط» وأن بداية النهاية انطلقت. وبصرف النظر عن مدى دقة هذا الاعتقاد فهذه القناعة سائدة، ليس بين محللين وصحافيين و «خبراء»، بل، بالفعل، بات مسؤولون وفي بعض الأحيان، قادة دول عظمى، يعتقدون أن «أيام النظام معدودة». هذه المرة، القناعة ليست من باب التمنيات وأدوات الضغط وفي اطار بيانات الضرورة للاستجابة الى العواطف والتحريض لإبقاء دينامية التمرد لدى المعارضة، كما كانت الحال قبل أربع سنوات، بل من جنس القناعة «المبنية» على معلومات استخباراتية في غرف العمليات التي يفترض انها تعرض وتتابع كل بقعة وحارة وشارع وعشيرة وحزب وفصيل وتنظيم في المسرح السوري.

شغلت هذه المخاوف المشتركة محرك الديبلوماسية بين واشنطن وموسكو. ما يفرقهما هو «اليوم التالي» لسقوط النظام، لكن ما يجمعهما هو الخوف المشترك المضاعف: القلق من سقوط النظام والقلق من البديل. القلق في البيت الابيض من التنظيمات الاسلامية المتطرفة والإرهابيين ليس بأقل من القلق في الكرملين من منعكسات زيادة نفوذ الإسلاميين في الشرق الاوسط وامتداده في الدول الاسلامية في روسيا الفيدرالية.

الأمل معقود في أن يكون هذا القلق بمستوى الهلع وعاملاً جامعاً بين «حلفاء» النظام و «أصدقاء» الشعب. تحرُّك وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى منتجع سوتشي الروسي للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، للاستثمار في هذا والدفع نحو الحل السياسي والاتفاق على «اليوم التالي». انه التحرك الجدي الاول منذ انهيار مفاوضات «جنيف-٢» في بداية العام الماضي والمحاولة الجادة منذ اندلاع الأزمة بين البلدين بعد الأزمة الأوكرانية.

عنوان التحرك، إجراء محاولة معمقة للبحث عن حل سياسي قبل فوات الأوان، وعدم اضاعة فرصة جديدة قبل خروح الشظايا السورية من اصابع اللاعبين.

وينطلق هذا التحرك أيضاً من معطيات جديدة لم تكن موجودة قبل سنتين:

أولها، نكسات النظام وتراجع المناطق التي يسيطر عليها الى أقل من ثلث الجغرافيا السورية وارتفاع حدة الازمة الاقتصادية في مناطق النظام ومعاناته من نقص الموارد البشرية الراغبة في القتال وبعض التوتر والخوف في البيئة الحاضنة للنظام، اضافة الى بدء طرح أسئلة في شوارع دمشق.

ثانياً، ارتفاع حدة مخاطر «داعش» على جميع الاطراف في سورية والاقليم والعالم وسيطرته على مناطق واسعة في العراق وسورية ومحوه الحدود، اضافة الى تذبذب التوقعات في القدرة على محاربة هذا التنظيم ونجاح الاستراتيجية المعلنة بـ «العراق اولاً» و «داعش اولاً» ثم في سورية «المعقدة» التي لا يريد احد ان يتورط فيها، بحسب ما يمكن فهمه من كلام الرئيس الاميركي باراك اوباما الاخير. لكن الوقت سيحين عندما يأتي الاستحقاق: ماذا عن سورية؟ كيف يحارب التحالف الدولي – العربي «داعش»؟ وللإجابة عن هذا السؤال، هناك قناعة بضرورة وجود أمرين: حل سياسي أو بداية عملية لحل لسياسي، وقوات حليفة للغرب على الأرض. اذ تحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ان تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) يسيطر على نصف مساحة سورية.

ثالثاً، الصفقة الأولية بين ايران والغرب ازاء الملف النووي، واقتراب عقد صفقة نهائية نهاية الشهر المقبل، بالتزامن مع معاناة ايران من انخفاض اسعار النفط وتأثير ذلك على دعمها للنظام، اضافة الى الاستنزاف المالي والبشري لميليشياتها في سورية. هنا، لا بد ايضاً من الأخذ في الاعتبار ان قرب التوصل الى الصفقة النهائية للنووي، يعني الاستعداد لإمكان البدء بالبحث في الملفات الاقليمية التي لم تبحث رسمياً، وسورية على رأسها. ألم يقل الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاتفاق الاولي «خطوة» وان توقيع اتفاق نهائي يمكن ان يفتح المجال لبحث ملفات اقليمية.

رابعاً، «عاصفة الحزم» في اليمن بشرعيتين اقليمية – اسلامية وبقرار من مجلس الامن الدولي، التي اظهرت حدود الدور الايراني في المنطقة وضرورة وقف تمدده وأهمية العقدة السورية في هذا الأمر، خصوصاً مع الحديث عن انهيار نظام إقليمي انتهت صلاحيته والبحث عن نظام اقليمي جديد.

خامساً، توتر ضمني بين موسكو والنظام السوري. نعم هناك توتر غير معلن. ليس فقط بسبب قناعة الحكومة الروسية ان النظام لم يتعاط بإيجابية مع جلستي «منتدى موسكو» وحسب، بل لأن رسالة الرئيس فلاديمير بوتين الى دمشق عبر نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف تضمّنت مقترحات بـ «إجراءات بناء الثقة» مثل إطلاق معتقلين وإدخال مساعدات إنسانية والبدء بحوار سياسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية. هنا، نقل عن مسؤول سوري رفيع انه سأل بوغدانوف في دمشق عن «استراتيجية روسيا وتكتيكها» إزاء الازمة السورية، فكان الجواب الروسي بأن «الأزمة هي سورية، وأن الاستراتيجية والتكتيك يجب ان يكونا لدى القيادة السورية». ونصح بعدم الرهان على الدعم المالي الروسي والإيراني لـ «إعادة إعمار» سورية بعد الخراب خصوصاً ان التقديرات الروسية بأن كلفة اعادة الاعمار ستتجاوز ٣٥٠ بليون دولار أميركي، اي بزيادة قدرها مئة بليون عن تقديرات الأمم المتحدة.

سادساً، البدء جدياً بالتخوف من إمكان حصول تطور مفاجئ يغيّر كل «قواعد اللعبة». ماذا لو دخل «داعش» الى دمشق؟ ماذا لو انهارت قطعة عسكرية كبيرة؟ ماذا لو حصل انقلاب؟ ماذا لو استولى الارهابيون على اسلحة غير تقليدية؟ ماذا لو غاب مسؤولون محوريون من المشهد السوري لأي سبب كان؟

هذه العناصر، قد تدفع الى الاعتقاد بتوافر شروط الحل، لكن واقع الحال انها توفر فقط اجراء محاولة جدية للبحث عن حل في المستنقع السوري. لكن هناك عوامل اخرى تجعل منه امراً ليس سهلاً ان لم يكن متعذراً حالياً وفي المستقبل القريب، ما لم تحصل مفاجأة أو يتم وضع الملف السوري على الطاولة الدولية – الاقليمية الحارة بتداخل مع ملفات اقليمية اخرى.

بات واضحاً في الاشهر الاخيرة وربما سيتعزز هذا الانطباع مع مرور الايام، تراجع قدرة واشنطن على التأثير في الاحداث في الشرق الاوسط او تراجع الدور القيادي لادارة اوباما. كان واضحاً هذا في العراق وفي اليمن وايضاً في قمة كامب ديفيد، ولن يختلف الامر كثيراً في سورية. هناك تراجع للنفوذ الاميركي وشراهة في الدور الاقليمي في سورية. وسيزيد هذا مع بدء العد التنازلي لادارة اوباما في الخريف المقبل. تزيد القناعة المقلقة يوماً بعد يوم، بأن ادارة اوباما تتعامل مع ايران «العدوّة» على انها «حليفة» في حل ملفات المنطقة، وتتعامل مع «اصدقائها» في الشرق الأوسط على انهم ليسوا «حلفاء»… ما يشجع بعض اللاعبين الاقليميين على الإفلات من وطأة «الصداقة» ولتخفيف كلفتها الاستراتيجية في شرق أوسط متغير.

ايضاً، لا يزال الخلاف الجوهري بين اللاعبين في المسرح السوري، هو على النظام السوري الجديد او سورية الجديدة وتموضعها الاقليمي. وتقنياً، الخلاف قائم والفجوة عميقة ازاء تفسير «بيان جنيف» خصوصاً ما يتعلق بالحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة. وهنا، لا بد من الاشارة الى ان الاحداث اثبتت ان النظام السوري يأخذ كل شيء من الكرملين، عدا النصيحة. انها علاقة تبادلية ومتبادلة واعتماد باتجاهين.

والمسؤولون السوريون، يفاوضون حلفاءهم في موسكو ويثبتون أهمية استمراريتهم، كما يفاوضون اعداءهم في واشنطن ويلوحون بمخاطر الغياب والفراغ… والبديل المتمثل في «داعش» واخواته. أي ان بقاء مؤسسات النظام ضرورة للمصلحة الاستراتيجية الروسية وانهيارها كابوس استراتيجي لادارة اوباما من ان تتهم بأن عدم تدخلها في سورية قاد الى النتيجة التي وصل اليها تدخل الرئيس جورج بوش في العراق: انهيار المؤسسات. من هنا، تبرر موسكو استمرار تسليح «مؤسسة الجيش».

اما بالنسبة الى «داعش»، فان بعض الدول يرى فيه عدواً لا بد من استئصاله، لكن دولاً أخرى ترى في هذا التنظيم منصة لتحقيق المصالح الاستراتيجية ووضع الارضية لتغيرات كبرى في الخريطة السياسية لكل دولة وإمكان اعادة رسم الحدود. كما ان دولاً اخرى قد ترى فيه بلدوزراً لتمهيد طريق اعادة الحدود الخارجية للدول والحدود الداخلية للانظمة. علاقة المركز بالاطراف وعلاقة الدول بالجوار. وتكفي الإشارة الى سلاسة سيطرة «داعش» على تدمر التي تربط سورية والعراق وذات البعد الرمزي.

إدارة أوباما قررت البحث عن منصة لجمع هذه العناصر في خلطة تحتاج الى الكثير من الديبلوماسية والتركيز والوقت والصبر. ان تستثمر في القلق المشترك. والبحث عن تقاطعات الأجندات الدولية والإقليمية. كلّف أوباما مساعديه باختيار فكرة تأسيس «مجموعة اتصال» تضم الدولتين الكبريين (أميركا وروسيا) والدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري. والأمل، في ان تكون هذه المحاولة جدية قبل فوات الأوان. الأمل، في ان تضع عناصر القلق المشتركة للاعبين الدوليين والإقليميين سورية على سكة الحل الطويل وقبول انصاف الحلول… الا نكون نشهد بداية الطلاق بين الاجندتين الدولية والاقليمية في أرض الشام.

الحياة

 

 

 

 

قراءة سياسية للمشهد العسكري في سورية/ منذر خدام

< كان السؤال الذي يتردد على ألسنة كثير من المراقبين للشأن السوري، ماذا بعد سيطرة المعارضة المسلحة على وادي الضيف ومعسكر الحامدية، إلى الجنوب الشرقي من مدينة إدلب؟ فقياساً بتجارب سابقة كانت الجبهة المشتعلة، سواء حقق النظام فيها نجاحاً أو حققته المعارضة، تأخذ فترة راحة لتضميد الجروح وإجراء بعض الحسابات لتقويم نتائج المعركة. هذه المرة ما جرى في إدلب كان مختلفاً عن كل المعارك السابقة. هنا لم يترك المسلحون فرصة للنظام لكي يلتقط أنفاسه، فشنوا هجوماً واسعاً وكبيراً على قواته في مدينة إدلب، مركز المحافظة، ونجحوا في السيطرة الكاملة عليها، ليتابعوا هجومهم المعد بصورة جيدة، نحو مدينة أريحا الإستراتيجية إلى الغرب من مدينة إدلب ويسيطروا عليها أيضاً. وتقول مصادر محلية إن القوات السورية انسحبت من المدينتين بدون قتال، علما أن الهجوم، خصوصاً على مدينة إدلب، لم يكن مفاجئاً، إذ عمدت سلطات المدينة إلى نقل وثائق حكومية وأموال البنك المركزي إلى أماكن آمنـة قبل حصول الهجوم على المدينة ببضعة أيام، بل أعلمت سكان المدينة بذلك طالبة ممن يريد المغادرة أن يغادر فوراً، وهذا ما حصل بالفعل.

أسفر هجوم المعارضة المسلحة الواسع في محافظة إدلب إلى إحكام سيطرتها على كل المحافظة تقريباً، باستثناء جيب محدود في معسكر المسطومة، وفي مدينة أريحا إلى الجنوب من مدينة إدلب وهو الآخر قد صار جبهة مشتعلة.

ما حصل شمالَ سورية كان حصل شبيه له جنوبَها، في محافظة درعا، إذ سيطرت قوات المعارضة المسلحة على مدينة بصرى الحرير، وعلى المعبر الحدودي الوحيد المتبقي بيد النظام بين سورية والأردن.

وهكذا أعاد هجوم المعارضة المسلحة الناجح على قوات النظام في محافظة إدلب ومحافظة درعا، نوعاً من التوازن النسبي إلى المشهد العسكري على الأرض. غير أن مصادر النظام تقول إنه لا يمكن القبول به، وهي تعد لمعركة استعادة مدينة جسر الشغور ذات الأهمية الإستراتيجية في الشمال، والتعويض في جبهة القلمون. بيد أن السؤال هو: هل من أبعاد سياسية لكل ذلك؟

الإجابة عن هذا السؤال تكمن في تفحص ما يجري على الساحة الدولية من نشاط سياسي ودبلوماسي مصاحب لما يجري على الأرض السورية من معارك عسكرية. وبالفعل، فقد شهدت الساحة الدبلوماسية الدولية نشاطاً سياسياً ودبلوماسياً لافتاً منذ مطلع 2015، فبعدما نجحت موسكو في جمع عدد من المعارضين السوريين مع وفد النظام في «ساحة موسكو» بتشجيع من الإدارة الأميركية، ها هو السيد دي ميستورا المكلف الأممي بالملف السوري يوجه دعوات لجميع الأطراف السورية والدولية المؤثرة في الداخل السوري للتشاور معه في جنيف للبحث عن تسوية سياسية محتملة للأزمة السورية تحضيراً لإطلاق مسار جنيف-3. وها هي الدبلوماسية الأميركية والفرنسية والبريطانية تنشط مجدداً للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية. فبعدما التقى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، رئيسَ الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة في باريس، وبحث معه إمكان تحريك مسار الحل السياسي للأزمة، يلتقي به وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن ويناقش معه آفاق الحل السياسي. وكان لافتاً ما قاله كيري في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع خوجة، أن «الأسد ليس له دور في مستقبل سورية السياسي على المدى البعيد»، الأمر الذي استدعى هجوماً حاداً عليه من المعارض السوري ميشال كيلو، فتصريح كيرى هذا يعني عملياً تخلي واشنطن عن شرط ألا يكون للأسد أي دور في المرحلة الانتقالية.

وبالتوازي مع ذلك، كانت المملكة العربية السعودية وجهت بدورها دعوات رسمية لعدد من الشخصيات المعارضة للقاء يعقد في الرياض للبحث في إمكان توحيد جهود المعارضة استعداداً للتفاوض مع النظام والبحث في تشكيل وفد موحد منها. ومع أن السعودية عادت وطلبت تأجيل لقاء الرياض تأميناً «لأسباب ناجحة» كما جاء في كتاب التأجيل، فإن تحرك المملكة السياسي هذا ينطوي على دلالة سياسية بالغة. وينطوي ما تقوم به القاهرة من تحضير لمؤتمر يجمع طيفاً واسعاً نسبياً من المعارضين السوريين يعقد أواخر الشهر الجاري، على دلالات سياسية كبيرة، خصوصاً أن القاهرة لا تخفي تنسيقها مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بخصوص ذلك، وتحديداً لجهة تشكيل وفد من المعارضة استعداداً للمفاوضات مع النظام في جنيف-3.

وإذا وضعت في السياق ذاته تصريحات الرئيس الفرنسي حول ضرورة التعاون مع روسيا لحل الأزمة فـــي سورية، والنتائج غير المرضية لزيارة وزير الدفاع السوري لطهران، وما يشاع عن ضغوط تمارسها طهـــران على دمشق للقبول بتسوية سياسية، يصير الجــواب واضحاً، وهو أن الأزمة السورية قد وضعت على طريق الحل، وأن التصعيد العسكري في شمال سورية وجنوبها لا يعدو كونه رسالة سياسية لتحسين وضع المعارضة التفاوضي في جنيف 3. ويصب في هذا الاتجاه اجتماع قادة ثلاثة فصائل عسكرية معارضة مهمة، هي «جيش الإسلام» و «صقور الشام» و «أحرار الشام» في تركيا، وما يشاع عن احتمال مشاركتهم ضمن وفد المعارضة التفاوضي.

لا شك في أن المشهد في سورية معقد جداً، لكن الثابت فيه هو أن تنامي أخطار الإرهاب والخوف من احتمال انهيار الدولة السورية بدآ يضغطان على كل الدول المؤثرة في الأزمة ويدفعانها إلى البحث عن حل سياسي.

 

 

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

المشهد السوري: تقدم عسكري وتراجع سياسي/ أكرم البني

قبل أن يهدأ غبار المعارك التي أحرزت فيها جماعات المعارضة المسلحة تقدماً في شمال سورية وجنوبها، ارتفعت أصوات تطالب بتسعير الحرب وبعدم تفويت فرصة تحقيق حسم عسكري سريع على نظام يتهالك ولا يحتاج سوى إلى ضربة كتف حتى ينهار! وتعلن تالياً رفضها الصريح والقاطع للسير في طريق الحل السياسي، متهمة أنصاره بأنهم انهزاميون يسعون، مهما تكن نياتهم صادقة، إلى إنقاذ النظام من مصيره المحتوم!

وهذا ما يفسر تمنع أطراف من المعارضة السياسية عن المشاركة في مشاورات جنيف التي دعا إليها ديمستورا، وارتفاع حرارة المطالبة باستجرار سلاح نوعي وفرض حظر جوي ومناطق آمنة، ثم التشجيع على توجيه المعركة صوب مدن الساحل السوري لإنزال ضربات قاصمة بالنفوذ السلطوي هناك، أو حض الفصائل العسكرية على توحيد صفوفها وتشكيل «جيوش فتح» في حلب ودمشق للاستيلاء على هاتين المدينتين، أسوة بما حصل في إدلب. فكأن هؤلاء قد وقعوا في الفخ ذاته الذي ميّز سلوك النظام على امتداد الصراع وإدمانه الخيار الحربي لتحقيق الغلبة، وكأنهم قد سحبوا أحاديثهم عن عجز السلاح في معالجة المحنة السورية، وعن دور الحل السياسي في الحفاظ على وحدة المجتمع والدولة، وأن الرهان على منطق العنف لن يفضي سوى لإطالة أمد الصراع واستجرار المزيد من التدخلات والمساندات الخارجية مكبداً السوريين المزيد من الدماء والدمار؟!.

ولا نعرف إذا كان هؤلاء يدركون قبل أن يروجوا للخيار العسكري، بأن من حق الناس عليهم، تقديم اعتذار عن تشجيعهم سابقاً لاندفاعات هجومية مسلحة في غير منطقة، سعرت العنف وخلفت خراباً وضحاياً ومهجرين من دون تحصيل نتائج سياسية تذكر، وتالياً عن أوهام دأبوا على إشاعتها حول سرعة تفكك السلطة وانهيار مؤسساتها، وعن مبالغاتهم في تقدير وزن المعارضة المسلحة وقدراتها، وعن تعويلهم على نصر عاجل بالحث على تحويل الجهود العسكرية إلى دمشق لإسقاط العاصمة، وعن عبارات يقينية بدت كرهانات مخفقة بحصول تدخل دولي وفرض حظر جوي ومناطق آمنة! واستدراكاً، ماذا يمكن أن نسمع من هؤلاء في حال لم ينجح خيارهم الحربي في تحقيق الحسم والغلبة؟! هل يقدمون اعتذاراً جديداً ويعترفون بأن رغباتهم وليس الوقائع هي التي قادتهم مرة أخرى نحو مواقف ورهانات خاطئة، وأن جيشان نفوسهم بتحقيق نصر سريع، أعمى أبصارهم عن رؤية تبعات ذلك على حياة البشر ومصائرهم؟!.

صحيح أن النظام يعاني اليوم إنهاكاً اقتصادياً وتشتتاً لقواه وقواته، لكن هؤلاء هم من كانوا يؤكدون بأنه ليس على استعداد للتخلي عن السلطة حتى لو تخلى عن أجزاء مهمة من الوطن، وبأن ثمة خطوطاً حمراً ترسمها المصالح الإقليمية والدولية لا يمكن للنظام أو للمعارضة تجاوزها، يؤكدها إقرار الجميع بأن الصراع السوري بات مسرحاً مفتوحاً للتدخلات الخارجية هي الأقدر على تمكين قواه الداخلية وتقرير مصيره.

ويزيد تراجع السياسة تراجعاً ما أثير عن اشتراط وضعته مؤخراً بعض الجماعات الاسلاموية فور تحقيق «انتصاراتها» بأن لا تمنح ثقتها لمعارضة سياسية إلا في حال أعادت النظر بهدف الدولة المدنية واعترفت بحاكميه الشريعة الإسلامية، ولا تضعف من خطورة هذا الاشتراط بل تعززها محاولة لملمته بسرعة وإقناع أصحابه بأن الوقت مبكر لطرح هذه الأفكار، وأن ثمة حاجة لا تزال قائمة لإظهار الجماعات المسلحة كإطراف معتدلة كي تتمكن من استمالة الغرب وطمأنة قطاع واسع من السوريين يرفض الدولة الدينية، كضرورة لا غنى عنها لإلحاق الهزيمة التامة بالنظام!.

يجوز تفسير هذا الاشتراط كتحصيل حاصل للوزن الجديد الذي باتت تحرزه الجماعات الاسلاموية على الأرض ربطاً بواقع ضعيف ومتهالك للمعارضة السياسية، أو كمحاولة خبيثة من جهات إقليمية دأبت على إلباس الثورة السورية لبوس التدين والإسلام خوفاً على مصالحها واستقرار سلطانها من تقدم التيارات المدنية والديموقراطية، مثلما يجوز لآخرين استثمار هذا الاشتراط لتأكيد ما كانوا يثيرونه بأن لا أمان للتنظيمات الاسلاموية وبأنها تظهر غير ما تضمر وتتمسكن حتى تتمكن، وأن المثال السوري ليس بجديد، فقبله انقلبت هذه التنظيمات على الشعارات الديموقراطية والمدنية التي رفعتها في بلدانها وتبنت حين اشتد عودها أو وصلت إلى السلطة ما تمليه عليها أجندتها الإيديولوجية.

لكن الأخطر أن يتكاثر أنصار هذا الاشتراط والمروجون لمشروعية فرض الأجندة الإسلامية على البلاد مأخوذين بفكرة أن الإسلاميين هم الذين يقاتلون على الأرض وهم الذين يقدمون التضحيات وتالياً هم الأولى بوضع مشروعهم الديني موضع التنفيذ، ساخرين من الشعارات المدنية التي يرفعها السياسيون في المنافي، ومن حقوق أقليات وقفت على الحياد أو ساندت النظام، وعاتبين على الخائفين من استبدال أقلية ظالمة بأكثرية مظلومة، وعلى دعاة الحفاظ على التنوع والتعددية بأنهم يحاولون ذر الرماد في العيون لقطع الطريق على حق الغالبية الدينية في أن تحكم وتسوس!.

يخطئ ويدمر مشروع التغيير الديموقراطي من يريد احتكار التضحيات الشعبية وتوظيفها بما يخدم أجندته الخاصة، وهو يعرف أن الشهداء والمعذبين ليسوا ملكاً لأحد بل مواطنون سوريون يرجون بغالبيتهم العدالة والمساواة، وأيضاً من يسعى لجرف الصراع صوب أبعاد مذهبية مستهتراً بالشروخ العميقة والتشوهات البنيوية التي يحدثها، ثم من يعزز رهانه على الحرب ومنطق السلاح ويتوسل «الانتصارات الأخيرة» للتخلي عن أولوية مطلب وقف العنف بصفته عتبة الإقلاع نحو حل سياسي يلبي مطالب الناس ويضمن حقوقها.

صحيح أن الشعب السوري أثبت أنه شعب حي لم تتمكن كل أساليب التنكيل قهر روحه التواقة للحرية والكرامة، وأنه يزخر بطاقة لا تنضب للتضحية من أجل تحقيق حلمه النبيل، لكن حلمه لا يتحقق بالانتقال من استبداد إلى آخر بل بقطيعة تامة مع منظومة العنف والوصاية والفساد والتمييز.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

سوريا وهجمة التقديرات المتعارضة/ علي العبدالله

حفلت الأيام الأخيرة بتداول تقديرات موقف متعارضة حول الملف السوري بين من يرى أن طريق الحل السياسي بات سالكا وبين من يرى أن الطريق مازال طويلا. وقد وجد كل طرف من الوقائع والمواقف المحلية والإقليمية والدولية مايسند به موقفه ويؤكد صحة تقديره.

واقع الحال أن ثمة تغيرات ميدانية عاصفة وسريعة حصلت على أكثر من جبهة من درعا إلى حلب مرورا بادلب وريف دمشق، تغيرات ميدانية كبيرة صب اغلبها في مصلحة المعارضة حيث منيت قوات النظام وداعموه، حزب الله ولواء الفاطميين الأفغاني ولواء الزينبيين العراقي ومقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة ولواء القدس التابع لجيش التحرير الفلسطيني، بهزائم عسكرية وخسائر بشرية كبيرة.

دفعت التغيرات الميدانية محللين ومعلقين إلى القول بولادة توازن قوى جديد يفتح الطريق أمام الأطراف المحلية للقبول بالجلوس إلى طاولة التفاوض إما لتجنب خسائر اكبر أو لجني ثمار المكاسب الميدانية والحصول على مقابل سياسي مجزي. وقد دعم أصحاب هذا التقدير موقفهم بما يدور في المحافل الإقليمية والدولية من تحركات سياسية من مشاورات دي ميستورا، إلى اجتماعات الروس والأمريكيين، إلى تصريحات أوروبية متفائلة، بالإضافة إلى اللقاءات والمؤتمرات التي ستجمع المعارضة في القاهرة والرياض في الأسابيع القادمة.

غير أن مناقشة الملف والبحث في الفرص والإمكانيات، وما يعنيه ذلك من تحريك له ووضعه على الطاولة، لا تقطع أنه قد وضع على طريق الحل، وان الطريق سالكة والنتيجة باتت مضمونة. لان تعدد المبادرات والاقتراحات دليل على غياب توافق على حل محدد، وان المبادرات المطروحة يمكن أن تكون خطوة في عملية اختبار نوايا أو لي أذرع، ولان بعض هذه المبادرات ليست أكثر من حركة دبلوماسية لملء الفراغ(مشاورات دي ميستورا مثلا) حتى لا يقود الجمود إلى إحساس الأطراف المحلية بانسداد الأفق وتندفع إلى تصعيد عسكري على خلفية اليأس وفقدان الأمل، ولان بوادر الاهتمام الإقليمي والدولي، إذا لم تكن مناورة لجس نبض واستكشاف مواقف الأطراف الأخرى، مرتبطة في الغالب بخطط وبرامج خاصة وبتقديرات وتوقعات لفرص والتحرك لالتقاطها أو مخاطر لاحتوائها والتخفيف من أثارها السلبية، ما يجعلها مادة للمساومة والتنافس الشديد. وقد زاد من جرعة التفاؤل عند هؤلاء المحللين والمعلقين ما لمسوه من تبدل في مستوى الدعم الذي قدم مؤخرا، وبموافقة أمريكية، إلى المعارضة المسلحة من أسلحة متطورة ومن مساع لتوحيدها ودفعها إلى التنسيق فيما بينها على ارض المعركة، وفتح برنامج تدريب المعارضة المعتدلة وتوسيعه بمشاركة عدة دول بحيث يتم التدريب بأعداد اكبر وبمدة زمنية اقصر، واعتبار ذلك مقدمة لتركيز الضغط على النظام وداعميه كي يقبل الذهاب إلى حل سياسي وفق بيان جنيف.

تقديرات أخرى تبنت موقفا يتعارض مع هذه التقديرات المتفائلة وترى في التحركات والمواقف المعلنة سرابا في يوم صيف، فالسيد دي ميستورا كشف عن طبيعة وهدف مشاوراته مبكرا بإعلانه أنها استكشافية وانه غير متفائل في إحراز تقدم على طريق الحل، بينما ما اعتبر تقاربا أمريكيا روسيا جديدا ليس أكثر من نقلة في سياق عملية إدارة أزمة تكررت في السنوات الأربع الماضية عدة مرات، وقد جاء اللقاء بعد قطيعة طويلة على خلفية الخلاف حول الملف الأوكراني، وأي تحرك ايجابي في الملف السوري مربوط حتما بتقدم في هذا الأخير، وهذا ليس واردا الآن، مع ملاحظة أن اللقاءات التي تمت بين الوزير كيري وكل من الوزير لافروف والرئيس بوتين لم تثمر تفاهما حول الملف السوري وقد رُحل الملف للقاءات بين المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا دانيال روبنشتاين ومسؤولين روس يوم 18/5/2015 في موسكو، وقد ربطت تقديرات محللين بين فتح الملف وخوف الجانبين الأمريكي والروسي من تداعيات التغيرات الميدانية الأخيرة وأثرها على بقاء النظام واحتمال انهياره دون معرفة الخطوة التالية التي قد تكون سلطات أمر واقع محلية أو فوضى شاملة، كما في ليبيا، وقناعتهما أن استمرار الصراع سيؤدي إلى انتصار الحركات الجهادية المتشددة، وهذه نتيجة جد خطيرة على مصالحهما، وان واشنطن تريد استثمار هذه القناعة لدفع الروس للقبول بتفسيرها لبيان جنيف، ما يعني التخلي عن رأس النظام، وهذا مستبعد الآن لاعتبارات تتعلق بالحصول على ضمانات بالإقرار بالمصالح الروسية في سوريا من جهة  وبانعكاس ذلك على العلاقات الروسية الإيرانية من جهة ثانية، فروسيا لا تريد خسارة علاقتها مع إيران لأنها جزء من معادلة القوة في الصراع مع الولايات المتحدة في الإقليم. وقد عزز قول الرئيس الأمريكي باراك اوباما في مقابلته مع قناة العربية “أن الحرب في سوريا لن تنتهي قبل مغادرته للسلطة”، أي مازال أمامها قرابة عامين آخرين، موقف أصحاب هذا التقدير. وهذا بالإضافة إلى رفض رأس النظام أي تنازل للمعارضة واقتناعه انه قادر على تحقيق نصر عسكري في نهاية المطاف، دون اعتبار للزمن والخسائر المادية والبشرية التي ستلحق بالشعب والدولة السوريين، وتمسك إيران ببقائه لاعتبارات إستراتيجية(لتأمين طريق إمداداتها إلى حزب الله ولتكريس تمددها الإقليمي) وسياسية (الرد على التحرك السعودي في اليمن بتحقيق انتصار على المعارضة السورية المدعومة منها).

مع إدراك قيمة التغيرات الميدانية وأثرها على الصراع إلا أن الحل السياسي مازال غير ناضج ليس للاعتبارات المذكورة أعلاه فقط بل وبسبب تنامي حضور الحركات الجهادية وطبيعة برنامجها السياسي الذي يتعارض مع التوجهات المنشودة في إقامة دولة مدنية ونظام ديمقراطي يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو المذهب، فشتان بين هذا والدولة الدينية التي تريد هذه الحركات فرضها على المواطنين تحت ذريعة تطبيق شرع الله، فأي تقدم على طريق الحل السياسي مرهون بتغيير معادلة القوة داخل صفوف المعارضة لصالح القوى الوطنية والديمقراطية، واقتناع الحركات الجهادية بالقبول بمقتضيات المرحلة الانتقالية وما يتمخض عنها من دستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية وبالاحتكام إلى الشعب واستفتاء صناديق الاقتراع.

المدن

 

 

 

يوتوبيا لؤي حسين/ ابراهيم حاج عبدي

بعد أكثر من أربع سنوات من الموت والدمار والقصف والنزوح، يطلّ المعارض السوري لؤي حسين، ليخبرنا بأمنيته في بناء يوتوبيا على أنقاض بلاد مهدّمة، إذ طالب بإنشاء جيش وطني يشارك فيه جميع السوريين، وبحلول سياسية طموحة تنهي استبداد النظام، وكذلك تكبح جماح عنف المجموعات المتطرّفة.

المعارض السوري، الذي ظهر ضيفاً في برنامج «بصراحة» الذي تقدّمه الإعلامية السورية زينة يازجي، كان يتفوّه بطلاقة، ويتحدث بشيء من الثقة. لكنه نسي، في غمرة تفاعله مع الأسئلة التي توجّهها إليه محاورته، أنه يقول كلاماً مكرراً، ويعيد الجمل ذاتها التي جاءت على لسان معارضين كثر، الى درجة دفعت بيازجي الى وصف استرساله بـ «الحديث الإنشائي»، ذلك أن الواقع السوري الشائك والمعقّد لم يعد يصلح لهذه المقولات والتنظيرات التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية.

لؤي حسين، الذي كان يُحسب على معارضة الداخل حتى وقت قريب قبل أن يغادر إلى إسبانيا، قال إنه ترك البلاد بعد تهديدات، وإنه سيطرق أبواب دول العالم كي تساهم في إيجاد حلّ للأزمة السورية، وكأن المعارضين الذين تضجّ بهم العواصم والمدن من اسطنبول الى برلين وباريس ولندن وصولاً الى واشنطن، لم يطرقوا من قبل تلك الأبواب، وربما كانت الحكومات التي سيتحدث إليها حسين، كما يفترض أن نستنتج، قد انتظرت هذا المعارض ليطلعها على حقيقة ما يجري في سورية.

كل الإجابات جاءت تلميعاً لصورة معارض مشكوك في حقيقة نواياه، ومغضوب عليه من المعارضين أنفسهم، فهو محسوب على الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري، وزاد في مثل هذا الانطباع حينما طالب بإبعاد «علم الثورة» من مؤتمر صحافي جمعه قبل أيام مع رئيس الائتلاف المعارض خالد خوجة، وهو ما أشعل موجة سخط بين نشطاء سوريين.

«بصراحة»، وهو عنوان البرنامج، تجلّت في إجابة بدت لافتة، فحين سألته يازجي عن التسجيل الصوتي المسرّب الذي يشتم فيه الثورة السورية والمعارضين، ويمدح الجهاز الأمني السوري الرهيب، لم يتبرأ حسين من هذا التسجيل، وهذا يسجَّل لصالحه، ذلك أن التسجيل ذاك يتضمن توصيفات وشتائم يتفوه بها عادةً شبيحة النظام، فإما أن حسين كان من الجرأة بحيث لم ينكر كلاماً حاول تبريره عبثاً، أو أنه مؤمن حقاً بأن الأمن السوري أفضل من الثوار.

وفي الواقع، كانت زينة يازجي من النباهة بحيث لم تغفل سؤالاً طرحته في آخر البرنامج، حول القوة التي يملكها لؤي حسين على الأرض حتى يتحدث بهذه الثقة، ويضع تصورات لمستقبل سورية. وفي حين لم يتفاخر حسين بقوته الضاربة في الأرض السورية، فإن المشهد السياسي السوري يقول إن «تيار بناء الدولة السورية»، الذي يقوده، لا يملك أية قاعدة شعبية، ومن هنا، فإن حديث حسين المنمّق والهادئ لنحو ساعة، هو مجرد كلام عابر في محنة طال أمدها كثيراً.

الحياة

 

 

نحو الحل السياسي/ فواز حداد

يتفق جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المعضلة السورية مع اختلاف مواقفهم منها على ألا حل عسكريا للأزمة الراكدة سياسياً منذ ما يزيد على أربع سنوات، والتي أصبحت حسب مواصفاتها أكثر من حرب واحدة، وأكثر من طرفين متنازعين، مشتعلة على عشرات الجبهات الصغيرة والاستراتيجية، تشارك عدة دولة في دعم المتحاربين، سواء بشكل فعال، أو لمجرد إبقاء الحرب مستمرة، وذلك بدعم محدود. اجماع الداعمين على ان الحل سياسي، لا يبرر استمرار الدعم بأشكاله كافة، إلا ما يؤدي منها إلى تخفيف معاناة المدنيين ريثما تنتهي الأزمة. على عكس التصريحات، أطراف من المتشدقين بالحل السياسي كإيران وحزب الله يحاربون جنباً الى جنب مع النظام وأحياناً يحلون محله، وروسيا تحمي جرائمه وتفاوض بدلاً عنه في المحافل الدولية. أما داعمو المعارضة بمختلف بلدانهم، فللبقاء على قيد القتال، خشية عواقب السقوط في وقت غير مناسب.

حرب بلا نهاية، وقد تأكل اجيالاً من السوريين، فيما لو استمرت على هذه الحال. عموماً، رغم تراجعات النظام، ما زالت الصورة وردية لمجرد أنه مسيطر عليها، لكنها تنهار عندما يتدخل فيها طرف من خارج هذه التشكيلة، ويحيلها إلى سوداء، فتخرج عن السيطرة، ولقد استطاع “داعش” على فترات متباعدة أن يبرز بقوة ويعبث بالحسابات المؤجلة دائماً، وعلى رأسها حسابات الأمريكيين. فالمغامرة الأخيرة باحتلال الرمادي في العراق وتدمر في سوريا، بدت أشبه بمعجزة داعشية مزدوجة أمنت تواجده على مقربة من العاصمتين بغداد ودمشق في وقت واحد، ما ذهب بتلك اللغة الغثة حول الحل سياسي، إلى الانحسار، “داعش” لا يفاوض، “داعش” يفرض بالقوة. في حين على الضفة القريبة، تجري متغيرات لافتة، فصائل المقاتلين الإسلاميين والجيش الحر تتقدم في أدلب وجسرالشغور فالمسطومة، وقريباً ربما إلى أريحا، أما حرب القلمون حسب حزب الله، فبدأت وانتهت، بينما على الأرض مازالت مستمرة.

تعيدنا انتصارات المعارضة المسلحة في سورية إلى الحرب في ذروتها التي لا تكف عن التجدد، ما دام لا رغبة جدية في انهائها بالسياسة، فحتى اليوم لم تتخذ خطوات جدية في هذا الاتجاه، على الرغم من النزوح والبراميل المتفجرة والخراب اليومي.

تقدم المعارضة المسلحة موجه إلى إيران التي تملك مقادير سورية، وتريد ضمانات للمستقبل، وحزب الله الذي يخوض حرباً افتعلها ولم تكن حربه. وإلى الغرب الذي يعلن دائماً خشيته من الفراغ الذي سيحصل لو أن المعارضة انتصرت، أو انهار النظام، فهل استمرار الحرب هو الحل؟

آخر صورة لسورية في منتهى التشاؤم، يتقاسمها النظام والفصائل المعارضة و”داعش”. نحن أمام سورية في طريقها إلى التجزؤ، هل الحدود متفق عليها لدى الجهات التي تدير العملية الحربية على أنها سياسية، هناك مسارعة لاستغلال الوقت المتاح ليثبت كل طرف قواته في مواقع مختارة، فالنظام يعزز جبهاته حول دمشق والساحل، وهي مناطق يستطيع الدفاع عنها من خلال انسحاباته المتسارعة وتجميع قواته. و”داعش” لا يوفر الأرض ليستولي على النفط والغاز، وللمعارضة ما يتبقى لها من سورية. هل هذا هو السيناريو المقترح؟

عندما نسمع كلام الغرب، خاصة الأمريكان، نعتقد أنهم دعاة سياسة وسلام، بما لديهم من أسباب تمنعهم من التدخل أو تزويد المعارضة بالسلاح، أو حتى السماح بتسليحها، وكأنهم لم يخططوا لانقلابات، ولم يدفعهم الجشع إلى احتلال دول بكاملها. أو يقتلوا زعماء وطنيين لمجرد أنهم نادوا بالتحرر. هذه العفة المتأخرة لا تفهم إلا إذا كانت تعادل الثروات التي نهبوها بدون وجه حق، سُلبت من شعوب هم أحوج إليها.

مسؤولية ما آلت إليه أوضاع سورية التي لم تكف عن التدهور، لا تقتصر على إيران وروسيا فقط. في هذا المجال لا تقل مسؤولية الأمريكان عن غيرهم، بل تزيد. خاصة ومنذ سنوات، كان بوسعهم وقف إطلاق النار والحرب الأهلية، وبقاء الدولة وأجهزتها واداراتها ومؤسساتها، وإعادة النازحين إلى بيوتهم. لكنهم امتنعوا عنه بالصمت على الفيتو الروسي، وتوافر الوسائل والأسباب لإنهاء الأزمة من دون تدخل بري. ما يحصل الآن، مع تقدم فصائل المعارضة على الأرض فيما لو استمر، وحده يدفع قدماً الأزمة السورية نحو الحل السياسي.

المدن

 

 

 

 

زمنان.. سباق الأرنب والسلحفاة/ سمير العيطة

يزداد مشهد الصراع السوريّ تعقيداً اليوم ويتسارع كثيراً الزمن العسكريّ، بينما يتباطأ الزمن السياسيّ. المعارضة السياسيّة منشغلة بانقساماتها وبإعادة ترتيب أوضاعها في اسطنبول وأستانا والقاهرة وغير ذلك، بانتظار محاولة الرياض لربط المعارضة السياسيّة والعسكريّة. الزمن التفاوضي يتقدّم على وقع استشارات المبعوث الأمميّ دي ميستورا، بانتظار توافق أميركي ـ روسيّ على عقد «موسكو 3» أو «جنيف 3» مباشرةً من دون أن تبدو ملامح ما يُمكن أن يشكّل حلاًّ سياسيّاً. وتتكاثر الأسئلة الجوهريّة، فمن يتّفق مع مَن وعلى ماذا، في وضعٍ يتكرّس فيه تقسيم سوريا ويأخذ البعد العسكريّ فيه موقع المبادرة والريادة!

تبقى المبادرة أوّلاً بيد تنظيم «داعش» الذي بات يهدّد مباشرة حلب والسلميّة ودمشق ودرعا، برغم كلّ ضربات التحالف الأميركي. وها هو في العراق يتمدّد وصولاً إلى الرمادي قرب بغداد، في حين تتوافق بقيّة الأطراف على محاربته. فما بالنا بسوريا حيث يفتح تصاعد الصراع بين الأطراف الأخرى ثغرات تُضعِف جميع هذه الأطراف على جوانبها. وتبقى المبادرة ثانياً بيد «جبهة النصرة» وحلفائها التي ذهبت إلى «حرب تحريرٍ» جديدة، محطّاتها القادمة حماة وحلب. وتبادر قوّات الحماية الشعبيّة في الشمال الشرقي بالتقدّم لإبعاد «داعش» عن مناطق الحكم الذاتي. ويبادر الجيش السوريّ و «حزب الله»، كما يبدو اكتمالاً للمشهد، من جانبهما لإطلاق معركة القلمون، «تورا بورا» سوريا ولبنان.

استمرار هذا التسارع العسكريّ يعني أنّ الوضع الميدانيّ عندما يحين وقت طاولة التفاوض لن يكون كما هو اليوم. ولن يكون هناك معنى لوثيقة «جنيف 1» التي تصرّ جميع أطياف المعارضة السياسيّة أنّها أساس التفاوض. كانت هذه الوثيقة قد وُضِعَت عندما كان النزاع صراعاً وليس حرباً بين سلطة ومعارضة. أمّا التفاوض الذي سيأتي، فربّما سيكون بين قوى الأمر الواقع التي تسيطر عسكريّاً وأمنيّاً على الأجزاء المقسّمة والمتنافرة من الأرض السوريّة والشعب السوريّ، وليس حقّاً بين «المعارضات» السياسيّة السوريّة والسلطة القائمة. فهل سيتمّ التفاوض في النهاية مع «داعش» أو «جبهة النصرة»، أو مع الميليشيات التي تقاتل إلى جانب السلطة؟!

الزمن العسكريّ المتسارع هو بيد القوى الإقليميّة، وعلى الأخصّ تركيا وقطر من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. ولا يُمكن تصوّر إعادة ضبط وتيرته كي تبقى هناك إمكانيّة لحلٍّ تفاوضيّ حول سوريا موحّدة لا يحكمها المتطرّفون من كلّ صوب، إلاّ إذا جرى توافق إقليميّ/دوليّ جديد، علنيّ كـ «جنيف 1» أو ضمنيّ، يضمّ هذه القوى الإقليميّة التي تضبط الإيقاع العسكريّ كي يتوقّف العزف على سيمفونيّة التقسيم. الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وحدهم، وخاصّة الولايات المتّحدة وروسيا، قادرون على صنع هذا التوافق الجديد، إن رغبوا!

ولكن ما الثمن الذي ستطلّبه القوى المعنيّة لما استثمرته عبر انخراطها في الصراع السوريّ؟ فما الذي يحفظ لإيران مصالحها وروابطها مع جنوب لبنان إذا ما تخلّت عن الأسد ودخلت من خلال الاتفاق حول الملفّ النوويّ إلى آليّات تهدّئ صراعاتها مع دول الخليج؟ وهل ستكتفي تركيا وقطر بخروج بشّار الأسد من السلطة، أم أنّ الأمر أبعد من ذلك، خاصّة في شمال سوريّا؟ وهل يُمكن لها أن تتخلّى عن دعم «جبهة النصرة» والتنظيمات السياسيّة – العسكريّة التي تساندها لمرحلة ما بعد التغيير؟ وكيف ستقوم الدول الأخرى بضبط تقاسم النفوذ بين المحورين، أو عزله؟

بانتظار حلّ هذه المعضلات التي أُقحِمَت سوريا وشعبها فيها يمكن لسياسيي ووطنييّ البلد وقواه المدنيّة، بل أيضاً لتلك المنخرطة في القتال، أن تفكّر جديّاً في معنى «حلّ سياسيّ» لسوريا موحّدة، ليس فقط في ما يخصّ نظام الحكم وإنّما أيضاً السبل لإيجاد مصالحة ولو تدريجيّة بين ما تمّ تخرّيبه في ذهنيّات السوريين، أكثر من ممتلكاتهم.

السفير

 

 

 

ماذا لو تركنا الائتلاف؟/ ميشيل كيلو

لا أدعو غيري، ولا أدعو أصدقائي السياسيين والشخصيين، إلى ترك الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية، لكنني أفكر، منذ أسابيع، بكل جدية بالخروج منه، آسفا كل الأسف على قرابة عامين أمضيتهما فيه، حاولت كل يوم خلالهما إصلاحه، من دون جدوى، فما لا يعطله نظامه الداخلي الذي وضعته جهة خارجية لشخص بعينه، يعطله من يرفضون من أعضائه تغيير أي شيء فيه، في حين تتكفل بالجوانب الأخرى من التعطيل رؤيا يخال أصحابها أنهم يمثلون شيئا يفتقر إليه غيرهم اسمه العقل، وأن كل ما يصدر عنهم يمليه عقلهم الذي لا مثيل له عند الآخرين، مع أن التجربة تؤكد بما لا يدع أي مجال لأي شك أنهم يغرقون في شبر ماء، في كل أمر وشأن، فلا عقل ولا من يعقلون… ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لم يكن دخولي إلى “الائتلاف” دخولا إلى السياسة السورية، بل إنه يكاد يصير خروجا منها، ومن السياسة بوجه عام، فلم أكن بحاجة إلى عضويته، كي أصبح من “المشتغلين بالثورة أو السياسة”، أو ليكون لي مواقف تجاه ما يجري في بلادي. وقد تمتعت دوماً كفرد يعمل في الشأن العام بالقدرة على اتخاذ قرارتي باستقلالية عن غيري: حزبا كان أو جماعة أو شخصاً.

كما دفعت دوماً، وأنا بكامل الوعي، ثمن الالتزام بها، قبل أن آتي إلى جهة سياسية تسمي نفسها ائتلافاً، لكنها تتذمر إلى درجة الرفض من إفصاح أي مكون فيها عن مواقفه، حتى إن كانت لا تختلف عن مواقفها ، فهي دمجية التوجه شمولية الميل، تتوهم أن الاعتراف الخارجي بها ممثلاً للشعب السوري يجعل منها، بالفعل، ممثلا حقيقياً وحصريا له، مع أن هذا الوهم بعيد عن الحقيقة بعد الأرض عن السماء، فالاعتراف الدولي بحق الشعب في أن يكون له ممثل آخر غير النظام، وأتمسك بهذا الاعتراف وأثمنه، لا يعني اعتراف السوريين بالائتلاف، أو تقليص الفجوة الكبيرة بينه وبين القوى الفاعلة ميدانياً التي لا يساوي قلامة ظفر من دون وجودها ودورها، بما أن استمرار الثورة مرتبط بها، لكن الائتلاف أهمل ورفض دوما اعتبار التوجه إليها رهاناً استراتيجياً يبدل أولوياته من التعويل على الخارج إلى الاعتماد على الداخل، فلا عجب أن يكون قد تعامل معها دوماً بطرق انتقائية، جزئية ومتقطعة، لا تخدم وحدتها وتقوي لحمتها، بل تستهدف اختراقها وإفسادها بالمال السياسي وألاعيب ومناورات سلطوية وشخصية، فلا عجب أن يكون الائتلاف قد تحول إلى عبء على العمل الثوري وعالة على الثوريين، حال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، فاعلة ومنتجة، تقف بجدارة على رأس الثورة.

بالهوة السياسية والتنظيمية التي فصلت الائتلاف عن الشعب، وجد الثوار أنفسهم مرغمين على ملء الفراغ السياسي الذي واجهوه، طرفاً يتحمل العبء الأكبر من مقاومة النظام، وشرعوا يطورون رؤى خاصة حول الصراع ضد الأسدية، ويسدون الثغرات في علاقات الائتلاف معهم، ويتداركون القصور في سياساته ومواقفه حيال السلطة، وما تلقيه من أعباء على عاتقهم.

في هذه الظروف، تخلقت تدريجيا أجواء حتمت استكمال الجهد العسكري برؤية سياسيةٍ، تعبر عن حملته، من أركانها امتناع القسم الأعظم من القوى المقاتلة عن الاعتراف بالائتلاف ممثلاً لها وقائداً لنضالها، ورفض الامتثال لسياساته وخياراته. بذلك، تهاوت مكانته تحت وطأة ضروب من اجتهادات سياسية جزئية ومليئة بالتخبط، تبنتها تنظيمات عسكرية ومقاومة متنافسة غالباً، أسهمت في البلبلة التي أنتجتها مواقفه وسياسات التنظيمات التي وقف عاجزاً حيالها، ليس لديه ما يقوم به غير كلام مكرر لا يسمن ولا يغني.

بيد أن الأشهر الأخيرة شهدت تطورات مهمة تشير إلى تبدل في مواقف التنظيمات، عبر أولها عن نفسه على الصعيد التنظيمي من خلال عمليات تجميع القوى المقاتلة في منطقة واحدة، التي قررت الانضواء في غرف عمليات مشتركة، أطلقت على المنتسبين إليها اسم “جيش الفتح”، وقد خاض نموذجه الأول، بنجاح لافت، معركة إدلب وجسر الشغور ومعمل القرميد والمسطومة، فأخذت أمثولته تنتشر في كل مكان، نمطاً تنظيمياً يعد بإحراز انتصارات سريعة على النظام. واليوم، تغطي “جيوش الفتح” معظم أرجاء سورية، فإن اتحدت تحت قيادة مشتركة وفرت للثورة نواة جيش وطني، هو مناط الأمل ومدار الرهانات الوطنية، والقوة التي ستحمل الثورة إلى دمشق الحرة. بينما تجلى ثاني التطورات في ميل جلي لدى تنظيمات إسلامية مقاتلة كثيرة إلى القبول بالخيار الانتخابي الحر وسيلة لحسم مصير السلطة السورية بعد الأسد، لاعتقادها أن الشعب السوري سيختارها بملء حريته، وأنه لا داعي لاستعمال القوة، للوصول إلى الحكم بعد الانتصار.

“الاعتراف الدولي بحق الشعب في أن يكون له ممثل آخر غير النظام” ثمة ساحة تسمح باستكمال وإنضاج رؤية سياسية ودور ثوري يتفق مع التطور الذي يشهده الصف المقاوم، ويغطي، في الوقت نفسه، الفراغ القائم بين الشعب والائتلاف، فيتخلص من يغادر صفوفه من مشكلتين: تحمله مسؤولية أخطاء لم يشارك في اقترافها بل قاومها، تجعله فرداً في مجموع مبهم لا ملامح له، ولا هوية تميزه، يفتقر إلى الخبرة والمعرفة، هو فيه رقم كغيره، يقبل ما يحدث بالنيابة عنه وباسمه، وإلا لما بقي في الائتلاف. المشكلة الثانية، عجزه عن المشاركة الفاعلة في التطورات الحقيقية خارج الائتلاف، السياسية والعسكرية.

بالخروج من الائتلاف، يضع المرء نفسه في موقعٍ يتيح له الارتباط بالحراك الجاري على الأرض، وتطويره في اتجاه وطني، وسد الفجوة بين تنظيم عاجز ومثقل بالترهل، يتوهم السذج من أعضائه أن انتماءهم إليه يجعل منهم قادة تاريخيين للثورة، وبين الشعب السوري الباحث عن جهة يضع يده في يدها، من أجل خير سورية وخلاصها من مأساة رهيبة، يتعايش الائتلاف معها ويلعب دورا لا يستهان به في استمرارها، وصارت ممارساته جزءاً منها.

ثمّة بوادر قيادة بديلة تتخلق خارج صف “الممثل الشرعي” العاجز والهامشي التأثير، إن ساندها أصحاب الخبرة والتاريخ من الثوريين السوريين، التقى الحراك العملي المتصاعد مع ما هو بحاجة إليه من رؤى ومواقف، وتكاملت، لأول مرة، بعد قيام الثورة حركة الواقع في صعيديه العملي والنظري، وانتقل مغادر الائتلاف من العجز إلى الفاعلية، ومن الانطمار تحت ركام خلافات سخيفة، تتصل بتكتلات ليس في برامجها أي محل للوطنية، إلى شمس الحرية ونسيمها المنعش، ووجد نفسه، أخيراً، في موقع صحيح يمكنه من خدمة شعبه ووطنه.

هناك عملية فرز شهدها الائتلاف خلال العام الماضي، وهناك كتلة وازنة من أعضائه تستطيع، بخروجها منه، أو تغيير دورها فيه، انتشال العمل الوطني من الهاوية التي أسهمت سياساته وقياداته في دفعه إليها، ولم يحل دون قضائها على الثورة غير تضحيات الشعب الذي صحح أخطاء قيادته المزعومة بزكي دمائه، من دون أن تفهم إلى اليوم معنى ذلك، أو تقلع عن اقتراف جميع أنواع الأخطاء الكبيرة والصغيرة، أو تستخلص العبر الصحيحة من ممارساتها الكارثية.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى