بيانات الانتفاضة

المعارضة السورية أمام لحظة الحقيقة


المنبر الديمقراطي السوري

تلقينا قبل أيام دعوة موجهة إلينا من الجامعة العربية وتركيا لحضور لقاء للمعارضة السورية في اسطنبول. في الماضي، لم نكن نذهب إلى هناك، لأنّ الدعوات كانت غامضة أو ملتبسة، فهي تارة تلمّح إلى أنّ قبولها يعني الانتساب إلى سياسات أو جهات معيّنة أو الانخراط فيها وتبنّي نهجها، وطوراّ تثير الريبة في أنّ القصد منها هو ربط سوريا ومعارضتها بدول وخيارات من خارج بيئتها وخياراتها التي تنتمي إليها بقوّة التاريخ والمصير. واليوم، ولأنّ الدعوة لا تشير أو تلمِح إلى شيءٍ من هذا، فإنها لم تثر مخاوفنا وتوجّسنا، وجعلتنا نقبل المشاركة في اللقاء التشاوري، الذي يجمع أطياف المعارضة المختلفة على القاعدة الوحيدة الممكنة لأيّ تشاور يمكن الانخراط بنجاعة فيه: النديّة والمساواة والمشاركة، ورفض الإقصاء والانجرار وراء سياسات ومواقف مسبقة لا رأي لنا فيها.

نأتي اليوم إلى اسطنبول كأنداد أحرار يمثّلون خياراً وطنياً، كي نحاور بقية أطراف المعارضة أو من سيشارك منها في اللقاء، وصولاً إلى رؤية وطنيّة جامعة تقوم على التوافق عبر التفاعل والتواصل والتكامل، وتعبر عن مصالح شعبنا، التي نعتقد أنّه لم يتمّ التعبير عنها إلى اليوم في سياسات ومواقف موحّدة تبنّتها المعارضة، من شـأنها ردم الهوّة العميقة بين الحراك المجتمعي والمعارضة، التي لم ترتق في أدائها ومواقفها إلى مستواه أو تمدّه برؤية استراتيجية وخطط تكتيكيّة تسهّل استمراره ونجاحه، بل بقيت إمّا عائمة على سطح الحراك أو غريبة عنه.

لا بدّ لنا اليوم من وقفة صريحة مع الذات، ولا مفرّ من توفّر قدر من النزاهة لدينا جميعاً يتيح لنا الإقرار بأخطائنا وإصلاحها، والانتقال من مواقفنا المتفرّقة والمتناقضىة غالباً، إلى مواقف وتوجّهات موحّدة في مسائل أساسيّة هي حوامل نضال شعبنا الفكرية والسياسية، التي يجب أن يمكّننا إحياؤها من إعادة الروح إلى مسعى الحريّة والديموقراطية كهدفين استراتيجيين لشعبنا ولنا، علينا ترجمتهما إلى خططٍ تنفيذية تقبل التطبيق على يد قوى موحّدة، تستطيع الالتزام التقريبي ببرامجٍ زمنيّة محدّدة تضع حدّاً في المرحلة الراهنة من صراعنا لظاهرتين سلبيتين هما: الانسياق وراء عفويّة الشارع من جهة، والتناقض والتخبّط في مواقفنا كمعارضة، والصراع الخفيّ والمعلن فيما بيننا من جهة أخرى.

إلى هذا، نحن نرى في لقائنا الحالي فرصة لبلورة الصوت الوطني السوري كصوت مستقل، متمحور على ذاته وليس تابعاً لأحد، يستمدّ مقوماته ومقولاته من تطلعات وطموحات الشعب، ويخضع علاقاته العربية والإقليمية والدولية لمصالح الحراك المجتمعي ويراها من خلاله، علماً بأنّنا لا نريد الدخول في متاهة مناقشات ومداولات ومباحثات لا نهاية لها، ولا نتطلّع إلى الحصول على حصصٍ أو لتقاسم مغانم، ونرى اللقاء في ظلّ توافقنا على مباديء جامعة لا خلاف عليها وملزمة لنا جميعاً، مهما تنوّعت قراءتنا لها أو اختلفت، فلا اجتماعات بلا نهاية، ولا نقاشات لا حدّ لها، ولا حوار من أجل الحوار، بل عمل يخدمه الحوار ويكون جزءاً منه، ولا مؤتمرات بلا نهاية، وإنّما لقاءات مدروسة ومكثّفة حول موضوعات محدّدة تتفرّع عن الأساسيات وتترجمها، ولا تبعية لأحد أو لطرف، بل تنسيق وتعاون وروحية تفهّم نقديّة لكلّ جهدٍ ورأي.

لذلك ، سنعمل كلّ ما في وسعنا كي لا يفشل اللقاء، فإن فشل أو أُفشل لن نعتبر فشله حدثاً عابراً أو عادياً، بحيث لن نحضر أيّ لقاء بعده إلاّ وفق الأسّس المحدّدة في موقفنا هذا، التي نعتقد أنّ أيّ جهد نضاليّ يجب أن يقبل بها ويمرّ من خلالها، خاصّة وأنّها تقوم على وحدة المجتمع واتساع الحراك وتجذّر سلميّته ونضاليته، وترى في هذا كلّه جوامع وقيم وطنيّة لا يجوز أن يكون هناك أيّ خلاف حولها أو أن يناهضها ويقلّل من أهميّتها أحد، ما دامت وحدة المجتمع شرط نجاح الحراك، وما دام العمل من أجلها يجعل منها رافعة نضالية؛ إن اختلفت مواقف أطراف المعارضة منها، أحجمنا عن قبولها تحت أي ظرف.

تقف بلادنا اليوم أمام مفترق طرق خطير. وتقف المعارضة أمام امتحان جدراتها الأخير، بعد أن رسبت في عديدٍ من موادّه طيلة العام ونصف العام الماضيين. إن مهمّة اللقاء يجب أن تركّز على تحويل معارضتنا من نقطة ضعفٍ إلى نقطة قوّة للشعب، الذي يموت كي يصحّح أخطاءنا. فهل نفعل ؟ هذا هو السؤال الذي سيقرّر كلّ شيء، والذي نتعهّد أن نعمل لإيجاد إجابات مرضية وفاعلة عليه، بكل ما لدينا من معرفة وخبرة.

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى