صفحات العالم

المعارضة السورية الوطنية … في الداخل أم الخارج ؟

 


محمد حسن فقيه

ظنّ النظام بداية المظاهرات والإحتجاجات في سورية أن القمع حلا ، وأن ممارسة الإرهاب من قبل الأجهزة الأمنية ضد المواطنين العزل من قتل وخطف وإذلال وإهانة ، واعتداء على الأعراض والأموال والممتلكات بمؤازرة ملحقاتهم من الشبيحة والعصابات المرتزقة ( السيئة السمعة ) ، قد يؤدي إلى نتيجة من قمع الانتفاضة وإخماد حركتها وإسكات صرخات الحق المدوية في أرجائها وخنقها في مهدها ، مما يعود بالأمور في البلاد إلى ما كانت عليه من استقرار النظام الحاكم وأجندته الرجعية المتخلفة ، من سياسة الاستبداد والفساد ونهج الذل والاستعباد .

إلا أن اتساع رقعة المظاهرات ضد النظام وانتشارها لتعمّ جميع المحافظات السورية في المدن والقرى والبوادي ، مع تصاعد زخمها وعلو صوتها وارتفاع سقف مطالبها منادية بإسقاط النظام ، بعد أن سالت الدماء أنهارا على جميع محافظات الوطن من شباب أطهار، وأطفال وأشبال بعمر الورود مع شيوخ وعجائز وحرائر ، وضباط وجنود شرفاء قتلوا غيلة من الخلف برصاص آثم وغادر ، من قبل عصابات الأمن والشبيحة والمرتزقة ، لأنهم رفضوا توجيه سلاحهم إلى صدور أبناء شعبهم العزل ، والذين ما خرجو بالمظاهرات يتحدون الموت إلا ليطالبوا بالحرية والكرامة ، رغم سياسة النظام القمعية بأدواته الأمنية الغاشمة وتعاملها بشكل همجي ووحشي ، وأسلوب انتقامي مع المظاهرات الوطنية السلمية ، مما يدلل على عقلية متخلفة ونفوس مريضة وطبيعة انتقامية حاقدة .

مع ارتفاع أصوات المظاهرات واتساع رقعتها في الداخل ، ونشاط المعارضة في الخارج ، ومؤتمراتها في إنطاليا وبروكسل وحراكها الدولي مع منظمات حقوق الإنسان والعفوالدولية والشخصيات الإعتبارية المؤثرة …. وغيرها ، ومع تزايد الإدانات الدولية والتنديد بجرائم النظام ضد الشعب بعد المجازر التي اقترفها بحق المواطنين في درعا وتلكلخ والرستن وجسر الشعور… وغيرها ، مما أدى إلى نزوح المواطنين وتشريدهم ، واتساع العقوبات الدولية على رموز النظام وأدوات قمعه البوليسية ، وإعلان بعض البلدان والمنظمات سقوط الشرعية عن النظام السوري ، ضاق الخناق على النظام ووقع في حيرة من أمره بعد فشل حلّه الأمني ، والنتائج السلبية التي انعكست عليه في الداخل والخارج سياسيا واقتصاديا وإعلاميا … وغير ذلك .

فكرالنظام بالتقاط أنفاسه للإستفادة من الوقت ، وإعادة ترتيب أوراقه ، فأطلق عن طريق مستشارة الرئيس بثينة شعبان حوارا للمعارضة في الداخل للبحث عن خروج من الأزمة السورية الخانقة .

لن أحكم على المبادرة قبل أن تظهر نتائجها وإن كان الشك واضحا في أسباب دعوتها ، كما أني لن أعود للوراء وأحداث الثمانينات لأذكر بمثل هذا المؤتمر ونتائجه التي يعرفها من يذكرها أو عاصرها … بل إني سأترك أمرها وتقييم نتائجها للمستقبل وما يمكنه أن يقدم لأبناء هذا الوطن ، وإن كان المعيار في نجاحه أوفشله هو ما يستطيع تقديمه من حقن للدماء بكبح آلة القمع البوليسية ، وتحقيق المطالب الجماهيرية والشعبية من الحرية والكرامة والعدالة ، والتي يمكن أن تكون عنوانا تندرج تحتها جميع أهداف الثورة ، لما تستوجب من حرية الكلمة والإعلام والدين والمعتقد والتعددية الحزبية بعيدا عن الإحتكار والشمولية ، وما يقتضى ذلك من فصل السلطات واستقلاليتها ، وانتقال سلمي للسلطة بعد انتخابات حرة ونزيهة ، وإعداد دستور جديدة من لجان مختصة ينظم ذلك .

إلا أن اللعبة التي يلعبها النظام وقد يقع البعض في شركها محاولة التفرقة والخلاف بين معارضة الداخل والخارج ، وقد ظهرت أولى فقاعاتها .

هذه لعبة خبيثة من النظام لشق صفوف المعارضة وتقسيمها إلى معارضة داخلية وأخرى خارجية ، وهذه وطنية وتلك ليست وطنية ، وهذه تمثل مطالب الشعب وتلك لا تمثله ….

على أي مواطن سوري غيور في الداخل والخارج أن لا يقع في فخها وتنطلي عليه مثل هذه اللعبة ، فجميع أشكال المعارضة وأطيافها تؤدي دورها بحسب موقعها والمساحة المتاحة لها ، فهناك أمور يمكن أن تقوم بها المعارضة في الداخل لا تستطيعها المعارضة في الخارج ، والعكس صحيح فهناك أمور تستطيع القيام بها معارضة الخارج لا تستطيعها معارضة الداخل .

وهناك أمور تقوم بها المعارضة العربية وأخرى الكردية ، أو هناك أنشطة تقوم بها المعارضة الإسلامية هنا ، والمعارضة القومية هناك والعلمانية في مكان آخر …

إن معارضة الخارج كانت بالأمس القريب أو البعيد في الداخل ، ومعارضة الداخل قد تصبح في الغد القريب أو البعيد في الخارج .

هذا ليس مقياسا ولا معيارا لغيرة أو حب أو وطنية أو حرص على الوطن وأبنائه ومقدراته ، فلعلك تجد معارضا سوريا في أقصى الشرق أو الغرب ، لديه من الحرص والوطنية والغيرة والخوف على الوطن أكثر من شخص يتربع على كرسي المسؤولية في القصر الجمهوري أوالحكومة … أو مجلس الشعب .

إن المعارضة الصادقة أنّى كانت : هي التي تستطيع وقف نزيف الدم السوري ، واستبدال الاستبداد بالحرية ومحاسبة الفاسدين وملاحقة المجرمين والقتلة .

المعارضة الصادقة والمخلصة والغيورة في الداخل مهددة بالخطف والتهديد ولي الذراع …. والقتل ، والمعارضة في الخارج كل ذلك وأشد منه تعرضت له ومورس عليها على مدى ثلاثين أو أربعين عاما، حرمت من جواز سفر أكثرمن ربع قرن ومازال بعضها محروما منه إلى يومنا هذا ، وشردت في أنحاء المعمورة وقار اتها السبع ، وطال شرفاءها في الخارج الخطف والإغتيال والابتزاز والتهديد … قدمت الكثير من التضحيات وصمدت على مواقفها ومبادها كأنها تقبض على الجمر ، وكان امتدادها وأنصارها في الداخل جمرة تحت الرماد ، اتقدت بشرارة شباب الثورة وهبت معها .

ليس هناك معارضة في الداخل ومعارضة في الخارج … مادامت هذه المعارضة أو تلك شعارها الوطنية وهدفها مصلحة الوطن والغيرة عليه ، والحرص على أبائه ومقدراته هو عنوانها .

لا تسمحوا للنظام بشق الصف فلديكم ما يجمعكم أضعاف أضعاف ما يفرقكم ، فلا تدخلوا في جدل بيزنطي ، ولا تثيروا اليوم الخلافات والجزئيات ، لأن دولة مدنية شعارها الحرية والكرامة والعدالة ، تدير أمورها بطريقة شوروية ديمقراطية ، كفيلة بحل كل الخلافات الجزئية ، لأن مرجعيتها جميع أبناء الوطن الشرفاء من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بجميع أطيافة واثنياته ، وليس حزبا خاصا منزها ،أو طائفة مميزة معينة أو صنما مقدسا يسجد له من دون الله .

المعارضة المخلصة تكمل بعضها بعضا ، وكل يؤدي دوره بحسب إمكانيته والظروف المحيطة به .

إن جمال المعارضة في تعدد ألوانها وتنوع أطيافها واختلاف قومياتها واثنياتها ومعتقداتها … عكس النظام المستبد ، الذي يحتكر السلطة لحزب واحد ، ولا يفهم إلا خطابا واحدا ، ولا يسمع إلا صوتا واحدا ، ولا يقدس إلا شخصا واحدا ، ولا يرى إلا نفسه … في مرآة مكسورة مشوهة صنعها بنفسه ولنفسه .

كاتب يمني

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى