خولة دنياصفحات سورية

المعارضة السورية بين رهاب الشارع واللعب على عواطفه


خولة دنيا

قال أحد الأصدقاء أن الثورة تــــمارس نوعاً من الإرهــــاب الفكري على المعارضين والمثقفين، بمعنى أنه لا يستطيع إزاحة الشـــارع ومطالبه حين يريد طرح رأيه بما يحصل أو رؤيته للحل، فيكون محكوماً بشعارات الشارع، وردود أفعاله خوفاً من التخوين أولاً، ومن الرفض وعدم القبول ثانياً، وكذلك نوعاً من المداهنة عند البعض حين يرفعون شعارات الشارع كما هي بدون أن يحيلوها للتحليل الفكري أو السياسي لتكون قابلة للتطبيق أو النقاش حولها.

فيبدو خوف هؤلاء المعارضين والمثقفين خوفاً من أن يتم شطب كل ماسبق وقدموه من تضحيات قد تصل للسجن سنوات طويلة أو النفي أو التمييز، بسبب طرحهم لما هم مقتنعون’ بأنه صحيح.

بينما يبدو معارضون آخرون وهم يحاولوا كسب الشارع وتأييده من خلال رفع سقف لهجتهم وعرض وجهات نظر بسيطة وقريبة من مفاهيم الشارع، كي يحصّلوا مايمكن تحصيله من دعم حتى لو كان على حساب رؤية ناضجة أو حل ناضج للوضع.

فيبدو شارع المعارضة والمثقفين تابعاً للشارع الفعلي الذي يحتاج حقيقة لبلورة مطالبه ووضعها في أطر سياسية قابلة للتطبيق، وهو شارع مليء بالطرح العاطفي والانفعالات التي يمكن تقبلها وفهمها في إطار ما يعانيه الناس يومياً من قمع وإرهاب وقتل ومضايقات، يضاف إليها طول المدة التي استهلكتها الثورة دون أن يبدو أفق النهاية قريباً أو محدداً.

فالشارع السوري بثورته التي استطاعت الصمود طوال هذه المدة بدماء وتضحيات أبنائها رفعت سقف شعاراتها لتلبي رغبات الناس وهمومهم فوصلت إلى إسقاط النظام، واليوم تطالب بإعدام الرئيس وهو المسؤول الفعلي عن الجرائم والانتهاكات التي طالت أبناء المدن والبلدات السورية شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.

هذا الوضع يطرح علينا أكثر من تساؤل:

فمن جهة هل يمكن الانجرار لطرح الشارع ولو كان صعب التحقيق؟ ومن جهة أخرى هل يمكن قبول تخوين المعارضين والمثقفين لتجرؤهم على طرح بديل مختلف عن طموحات الشارع؟

مع استمرار الثورة السورية ودخولها في الشهر السابع لها، يبدو أننا بحاجة لكل ما يتم طرحه، وكأننا نريد التعويض عن سنوات الصمت الطويلة التي عانى منها السوريون، وهنا يجب أن نميز بين طرح مثقفي الداخل ومعارضيه، وبين طرح مثقفي الخارج ومعارضيه كذلك، فلا يمكن إنكار أن معارضي الداخل يعانون بالإضافة إلى ما تفرضه سلطة الشارع عليهم، من رهاب النظام الذي مازال قوياً ومتشبثاً بالحكم، ويقوم باستخدام كل وسائل القمع التي يمتلكها، ويسخر كل وسائل إعلامه والإعلام الصديق له، كي يقضي على الثورة، وعلى معارضيها ومثقفيها، فيحاول إما استمالتهم إليه، أو إخراسهم أو إخفات صوتهم، وهو ما يعطي التصور لدى الشارع بأن هؤلاء ليسوا بقدر الجرأة المطلوبة منهم.

وعلى الرغم أن الأصوات أخيراً بدأت تعلو لتكون على مستوى طرح الشارع ورغبته بإسقاط النظام (وهي رغبة مشتركة لدى المعارضة والشارع معاً)، إلا أن هناك خلاف واضح في طريقة تحقيق ذلك، فبينما يصر المعارضون والمثقفون على طرح آليات واضحة للإسقاط تعتبر بالنسبة لهم ترجمة عملية للعبارة الذهبية (الشعب يريد إسقاط النظام)، لا يعترف الشارع بتلك الطروحات ويتوقف على ورود العبارة بنصها الحرفي كما هي واردة أي (الشعب يريد إسقاط النظام). وهو ما خلق نوع من فجوة وهمية بين المعارضة والشارع دعمه عدم قدرة المعارضة التقليدية على التأسيس بقوة في الشارع وعدم قدرتها على قيادته وبالتالي توضيح مفهومها لإسقاط النظام، وتحميله للشارع.

وقامت المعارضة في الخارج على اللعب على الوتر نفسه، إذ أوردت تلك العبارة الذهبية في أدبياتها التي تصدر عنها وفي مواقفها المعلنة على شاشات التلفزة والإعلام المكتوب والالكتروني، فاكتسبت شعبية كبيرة من خلال التقرب من الشارع والكلام بلغته دون أن تكلف نفسها بالبحث في الآليات الممكنة لترجمة تلك العبارة على أرض الواقع، مستفيدة من استمرار الثورة وتمسك الشارع بالتظاهر رغم القمع والقتل اليومي.

بسبب الوضع السابق عانت المعارضة في الداخل بمثقفيها وأحزابها رغم الإمكانيات المتواضعة التي يمتلكونها للتعبير عن أنفسهم من مشاكل أبرزها لغة التخوين التي يتم استخدامها ضدهم باعتبارهم لا يعبرون عن حاجات الشارع والثورة.

فكيف يمكن قبول لغة التخوين تجاهها بهذا الشكل رغم التضحيات التي قدمتها على مدار عقود طويلة من الاستبداد؟

ما يهمنا حالياً التوصل إلى جمع شتات المعارضة كل المعارضة التي بكل الأطياف والتيارات في الداخل والخارج لتكون يداً واحدة لإسقاط النظام، قبل العمل على كسب الساحة والشارع والمحاصصة باسمه، من خلال الإساءة لأشكال المعارضة الأخرى.

كما علينا رفض ممارسة الإرهاب الفكري من أي طرف جاء وبأي طريقة كانت فالصدق والحرية والديمقراطية يجب أن تكون مبدءاً وممارسة منذ الآن.. أعجبنا كلام الآخرين أم لم يعجبنا.. فمن حق الجميع أن يقدم تصوراته ورؤيته… ووأن يتم مناقشتها بما هي تصورات ورؤى وليس على انها صادرة من طرف أو شخص مهما موقفه أو موقعه أو قناعاته.. والاختلاف يجب أن لا يكون مبرراً للتهجم على الآخرين أو تخوينهم أو رميهم خارج الثورة.

نريد الجميع ونريدنا كلنا في هذه اللحظة.. لإسقاط النظام ولبناء سورية حرة وديمقراطية

فمن يبدأ بالتخوين اليوم لن يتوقف عنه في المستقبل، ومن لا يستطيع قول ما هو مقتنع به اليوم لن يستطـــــيع قوله في المستقبل.

فالثورة هي نحن في دواخلنا وخوارجنا… وكما نتشاركها اليوم بكل أطيافنا’علينا أن نتشاركها غداً دون أن نفقد هذه ميزة تنوعنا واختلافنا.

لا نريد أن نكون نسخة واحدة مدموغة بختم الثورة وصالحة للاستهلاك اليومي فحسب.

‘ كاتبة سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى