صفحات العالم

المعارضة السورية ترقص رقصة الموت


فراس الأسعد

إنَّ ما أَصطلحُ على تسميتهم المعارضون الجدد (الذين كان لهم أول ظهور علني بعد اندلاع الثورة السورية) تسببوا من خلال نشاطاتهم غير المنظمة في شق صفوف المعارضة, من خلال مؤتمرات استعراضية كأنها حفلات فنية, من أولوياتها التنقل هنا وهناك, وعقد لقاءات سرية مع ممثلي دول المصالح الاقليمية لعقد الصفقات والبحث عن دعم في السباق المحموم لاقتسام قالب الحلوى, ما أدى إلى اشارات استفهام عديدة ظهرت على السطح حول فعالية المعارضة السورية, و بدا جلياً أن الخلاف على تشكيل المجلس الانتقالي العتيد ليس على مصالح الشعب, ما يُبعد المعارضون الجدد عن صفة رجال الدولة, ويعيدنا بالذاكرة الى القاعدة الذهبية في التغيير المتمثلة بالآية الكريمة »إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم«.

إن التغيير الحقيقي هو التغيير في ثقافة المجتمع, وشخصية المواطن وهي عملية تتصف بالتراكمية وقد تمتد عقوداً أو أجيالاً , الى أن ُتترجَم واقعاً ملموساً, إما  أولاً : بالممارسة الدستورية عبر مؤسسات الدولة, أو ثانياً : بالممارسة الثورية عبر الشارع .

كيف استطاع حزب العدالة والتنمية قلب المعادلة في تركيا من دون ثورة أو عنف عندما عدل عام 2002 الدستور العلماني الديكتاتوري الذي أقره مصطفى كمال أتاتورك, ليحد من صلاحيات الجيش ويعطي الدولة الديمقراطية زخَماً جديداً.

إن الشخصية التركية بحكم انفتاحها على أوروبا هي أكثر فهماً وممارسةً للديمقراطية من الشخصية العربية, والسورية خصوصا بحكم التشابه الكبير بين الشعبين التركي والسوري من حيث التركيبة الديموغرافية والدينية.

لقد عاش شعبنا السوري الفترة ماقبل ثورة مارس عام 1963 على وقع انقلابات عسكرية غير وطنية الأهداف في مجملها , ثم ما بين مارس  1963 الى ثورة مارس 2011 في ظل غياب تام لكل أشكال الحياة البرلمانية و المؤسساتية, يصحو من سباته يريد التغيير.

 لا شك أن الفاتورة ستكون هائلة اذا لم يكن التغيير تدريجياً وفي قواعد المجتمع .

وفي النموذجين التونسي والليبي نسأل : هل تغير النظام ?

نعم . تغير . ولكن جزئياً . فرَ الرئيس التونسي والزعيم الليبي وعائلتاهما, وحُوكم بعض قادة النظام, ودفع الشعب فاتورة تبدو متوافقة مع نسبة التغيير.

وهذا يتوافق مع القاعدة الذهبية في التغيير من حيث التدريجية والتراكمية, ويدعونا للتساؤل:  ما هي فاتورة التغيير الجذري الكامل لنظام فولاذي متجذر?

– ما نراه على الأرض هو أن الشعب السوري وحيد أعزل في مواجهة المحور الرباعي السوري ¯ الإيراني ¯ العراقي ¯ اللبناني المدعوم من روسيا والصين, الأمر الذي يجعل نتائج الحصار الجوي أو الاقتصادي – لو افترضنا حصوله – محدودة للغاية .

وإن غياب المجلس الانتقالي, أو القيادة المنظمة للثورة, يزيد من كارثية الوضع الانساني , فالثائر الذي يُقتل ذووه أو ُينتهك عرضه هو قنبلة انفعالية , يخرج للشارع بحالة هستيرية ليطلق الشتائم والسباب, والمطالبة باعدام الرئيس دون محاكمة, وهذا من حقه طبعاً, لكن المسؤولية تقع على قيادة الثورة في منع وصول هذه الفيديوهات للإعلام,حفاظاً على أخلاق الثورة ومبادئها , فالثورة حتى الآن تقودها المشاعر الثورية والضغوط النفسية وردود الفعل, والشعب الثائر يبقى في مرحلة الصدمة لايشعر بنتائج القمع والدمار لأنه في حالة مواجهة واندفاع تمنعه من التفكير بالنتائج, لكن بعد توقف نشاطه الثوري عندها تبدأ مرحلة الشعور بالواقع المرير الكارثي للقتل والدمار, ولولا بعض الحكماء الذين وجهوا إلى سلمية الثورة لكان للحديث عن الكوارث الإنسانية شأن آخر.

على الأرض لا يوجد في الأفق غير مؤشر وحيد فقط يدعو شعبنا الى التفاؤل : هو اندلاع الثورة الايرانية, الذي سيكون انجاز للشعب السوري وحده لا دخل للمعارضة ولا للعالم المتخاذل به, سيؤدي الى زعزعة قواعد المحور الرباعي بكامله, وإلى دعم حاسم وسريع للثورة السورية.

فقد أكدت الحركة الإصلاحية الإيرانية إن مصادمات وقعت اخيرا في طهران بين متظاهرين وقوات الأمن, إضافة الى دعوات متكررة تنطلق على »فيسبوك« تدعو الى تجمعات شبابية في العاصمة, كما تشير مصادر شعبية ومعارضة إيرانية في أوروبا إلى حالة من الترقب و الاستنفار تسود الداخل الإيراني على وقع الثورة السورية, في ظل نشاط ملحوظ للجنة »التضامن مع الشعب الايراني« في واشنطن خلال شهر سبتمبر الجاري.

مثلما نقول في الطب : ما الفائدة اذا نجحت العملية, لكن مات المريض, نستطيع أن نقول في السياسة : ما الفائدة اذا نجحت الثورة, لكن انهار الاقتصاد, وقُتل ثلث الشعب?

وهذا طبعاً لايهم ولا يدخل في حسابات المعارضة السورية أبداً, فالمهم اقتسام قالب الحلوى الذي سيصبح أكبر لو سقط الرئيس الأسد نفسه, على حساب التدهور المضطرد في الأوضاع الإنسانية, فالرئيس محشور في زاوية ضيقة وخاضع لضغوط الحرس القديم وقادة الأجهزة الأمنية, وهو قادر على قيادة التغيير يداً بيد مع المعارضة.

أيها المعارضون الجدد , يا رجال المصالح, اتقوا الله في هذا الشعب الذي سيدوسكم بأقدامه.

يا شعبنا السوري  إن الثورة منتصرة, لكن الوضع الإنساني يتعلق ب :

 1- تنظيم الثورة  وانتخاب مجلس وطني.

2- الاستفادة من تجارب الثورات الأخرى.

 3- مراعاة التغيير التدريجي.

يا سيادة الرئيس نتمنى أن تتسامى فوق الجراح, وأن نراك في صفوف المتظاهرين تنادي بإسقاط النظام.

السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى