أكرم البنيصفحات سورية

المعارضة السورية.. سنة أولى ثورة!

أكرم البني
نعترف بداية وبعد سنة من انطلاق الثورة السورية بأن المعارضة السياسية وبكافة أطيافها لم ترق إلى مستوى التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا يبرَّر ذلك التذكير بما عانته طيلة عقود من جور السلطة وظلمها أو القول إنها المرة الأولى في تاريخها التي توضع أمام امتحان حقيقي لدورها وقدرتها في قيادة حراك شعبي واسع يطالب بالتغيير الجذري.
سنة مرت ولم تنجح المعارضة في مواكبة حركة الناس في ثورتهم، أو على الأقل كسب ثقتهم، ولم تستطع أن تبدع أشكالا وطرائق للتواصل والتفاعل معهم، وهي ثغرة كبيرة في ثورة كالثورة السورية، تتسم بأنها جاءت مفاجئة وعفوية، لم يخطط لها مسبقا ونهضت بمعزل عن البرامج الحزبية، ومن دون قوى سياسية عريقة تقودها، أو شخصيات تاريخية أو كاريزمية تتصدر صفوفها.
وطبعا لا يمكن للمعارضة السورية أن تعالج هذه الثغرة وتنجح في نيل ثقة الناس ودعمهم ما لم تنجح في إظهار نفسها كطرف متميز، ينقض التعامل الفوقي مع المجتمع ويشكل قدوة ومثلا يحتذى في المثابرة والتضحية وتقديم المبادرات بوتيرة سريعة لتلبية مطالب الحراك الشعبي ودعم صموده، وتغذيته بالتوجهات والخبرات السياسية والمعرفية.
بعد سنة من الثورة تبدو المعارضة السورية كأنها رد فعل أو صدى لصوت الشارع، فلا تزال مقصرة في تقديم رؤية متكاملة لمسار الصراع والخطط الكفيلة بتبديل المشهد والتوازنات القائمة بأقل تكلفة، ولنقل مقصرة في تقديم إجابات شافية عن أسئلة ملحة تشغل بال الكثيرين حول سياق عملية التغيير وشروطها وما يكتنفها من منزلقات ضمن خصوصية المجتمع السوري بتعدديته وحساسية ارتباطاته الإقليمية والعالمية، وخاصة إدراك حدود الرهان على التدخل الخارجي الداعم، المشروط بالأمن الإسرائيلي وبمصالح إيران وروسيا وبتخوف من حدوث هزة في الاستقرار السياسي في المنطقة، بما يعني أن تضع في الحسبان خيار تمكين الحراك الثوري وتعزيزه على أنه قد يواجه مصيره وحيدا وأن قدره أن يصنع مستقبله بسواعد أبنائه.
بلا شك لا نستطيع القول إن العمل المعارض لم يحرز تقدما ملموسا على صعيد إثارة قضايا الثورة السورية ومعاناتها في المحافل العربية والدولية، ولم يبذل جهدا سياسيا وإعلاميا مساندا للحراك الشعبي، خاصة احتلال بعض المعارضين حيزا من المشهد الإعلامي لمساندة مطالب الناس وحقهم في التظاهر والاحتجاج وتفنيد أكاذيب الإعلام الرسمي وادعاءاته عن مؤامرة خارجية وعصابات مسلحة وغيرها، لكن مثل هذه الخطوات لا تكفي أمام استمرار القمع المعمم والأثمان الباهظة التي يتكبدها الناس بصورة يومية.
والحال، في خصوصية المجتمع السوري التعددي، تقع على المعارضة السياسية مسؤولية كبيرة في طمأنة الرأي العام وقطاعاته المترددة، وخاصة الأقليات الخائفة على مصيرها ومستقبلها، وإقناعها بالعلاقات الصحية المفترض صياغتها بين مكونات المجتمع الواحد، فلن تنمو الثقة بالتغيير ويشتد عود الثورة وترسخ أقدامها في الأرض وتصان من الانزلاق إلى العنف وإلى صراعات متخلفة تحرفها عن أهدافها، إذا لم تتوسع دائرة انتشارها وتزداد نسبة المشاركين فيها وتكسب فئات المجتمع السلبية والصامتة إلى صفوفها، وما يعزز هذه الثقة أن تحرص المعارضة بمختلف فصائلها على ممارسة سلوك ينسجم مع شعارات الحرية والتعددية التي ترفعها، عبر مراقبة حازمة لأفعالها، وإبداء أعلى درجات الاستعداد للتسامح والتعاون والتكافل، وأن تثبت للجميع أنها على اختلاف فئاتها ومذاهبها وطوائفها وقومياتها ومشاربها الآيديولوجية قادرة على التوافق وعلى احترام تنوعها والاحتكام لقواعد العملية الديمقراطية السلمية وأنه يمكن الوثوق بها لتجنيب البلاد احتمالات الفوضى والصراع الأهلي والتفكك والتذرر.
سنة مضت ولا تزال المعارضة السورية تتعثر في توحيد صفوفها، أو على الأقل في ضبط إيقاع خطابها السياسي، وللأسف فإن دل المشهد المزدحم بالعديد من التكتلات السياسية والمبادرات وبتواتر عقد المؤتمرات والاجتماعات، داخل البلاد أو خارجها، على حيوية الحقل السياسي والثقافي السوري المعارض وتنامي استعداده عموما في ضوء الأحداث المستجدة للمشاركة وتحمل المسؤولية، لكنه دل أيضا على وجود أسباب عميقة وبنيوية لتشتته ودوافع مقلقة تعيق رص صفوفه، في إشارة إلى التنافس المرضي والمؤذي بين أهم أطرافه، وإلى من تحكم سلوكه الأساليب المتخلفة والحسابات الخاصة والمصالح الحزبية الضيقة، أو من لا يزال يدعي ملكيته الحق التاريخي في الزعامة والريادة، فيحاول مرة التلويح بسيف تضحيات الشارع والاستقواء بها لفرض رأيه، ولا يخجل مرة ثانية من استخدام وسائل فوقية وسلطوية يعيبها على غيره في السيطرة وتعامله مع الآخر المختلف! لتبدو المعارضة السياسية مع تزايد عدد الهيئات والائتلافات التي لا تزال تعلن عن نفسها تحت مسميات متنوعة، حتى بعد تشكيل «المجلس الوطني» كمن تدور حول نفسها أو في حلقة مفرغة، وكأن ما يحصل ليس خيارا تاريخيا ملحا لسد فراغ سياسي خطير، والأهم للتفاعل مع التحركات الشعبية المطالبة بالحرية وتجذيرها ومدها بكل أسباب الاستمرار والدعم!
أخيرا، لا يصح القول إن التوقيت غير مناسب لتناول أحوال المعارضة نقديا، بل العكس هو الصحيح، إذ من واجب الجميع، الآن قبل الغد، تقديم النقد لها بما يمكنها، قبل فوات الأوان، من تجاوز ما تعانيه من مثالب وعثرات، خاصة أنه لم يتسن، قبل اليوم، للنخب السياسية والثقافية المعارضة الوقوف أمام امتحان الثورة الكبير كي تختبر قناعاتها وممارساتها وإمكانياتها السياسية، ولم تكن، قبل اليوم، مدعوة بهذه الصورة الملحة لتحمل المسؤولية التاريخية المنوطة بها، وبداية للمسارعة في مراجعة نفسها بجرأة وإدراك ما وصلت إليه وكيفية تجاوزه، فليس أكثر من الوقوف عند النقائص وتحديد أسبابها، ما يدفع قوى المعارضة الجادة والصادقة إلى الأمام ويحفزها على رص صفوفها وتطوير دورها وفاعليتها.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى