حسين العوداتصفحات سورية

المعارضة السورية.. مؤتمرات عديدة ونتائج متواضعة

 

حسين العودات

عُقد الأسبوع الماضي مؤتمران للمعارضة السورية، أحدهما في جنيف ضم مئتي مشارك من نشطاء المعارضة الداخلية وبعض الخارجية، واستضاف شخصيات غير سورية عربية وأوروبية، وبحث خلال يومين جوانب الأزمة السورية، وتشابكها، وتوصل إلى توصيات لمواجهتها تمهيداً لحلها، حسب وجهة نظر المؤتمرين. والثاني عقد في باريس شاركت فيه 50 دولة ومنظمة من أصدقاء سوريا.

كما شارك فيه أعضاء من المعارضة السورية الخارجية، وخاصة من الائتلاف ومن المجلس الوطني، ولم تخرج مناقشاته وتوصياته كثيراً عن نتائج وتوصيات المؤتمر الأول، وإن كان كل منها صيغ بأسلوب مختلف وخصوصية مختلفة، كما عُقد في الكويت يوم الأربعاء الماضي مؤتمر للدول المانحة، تدارس دور هذه الدول، والمساعدات التي ستقدمها للشعب السوري.

في عام 2012 عُقدت عدة مؤتمرات للمعارضة السورية، أولها عقدته المعارضتان الداخلية والخارجية معاً كمؤتمر موحد منتصف العام الماضي في القاهرة، بإشراف الجامعة العربية، وقد اتفقت فيه فصائل المعارضة السورية المتعددة على أهداف واحدة محددة، وبرامج محددة، منها تبني موقف موحد من النظام السياسي السوري.

والعمل على إسقاطه بكل رموزه، وصولاً إلى نظام ديمقراطي تعددي تداولي، والاتفاق على المرحلة الانتقالية، والمؤسسات الانتقالية ومهمات هذه المؤسسات، وعلى الموقف من العمل المسلح، و”الجيش الحر”، ومحاكمة المرتكبين من أهل النظام الذين ولغوا في ممارسة العنف وفي الفساد.

وتشكيل لجنة متابعة هي في الواقع بمثابة قيادة موحدة لجميع فصائل المعارضة، إلا أن المجلس الوطني السوري، وهو أهم فصيل خارجي معارض، انقلب على هذه القرارات، وخاصة على تشكيل لجنة المتابعة، لأنه اعتبر أنها يمكن أن تكون قيادة بديلة عنه، ونكص عن تنفيذ القرارات التي وافق عليها، وتعطل بالتالي مفعول قرارات المؤتمر وكأنه لم يكن.

عقدت مؤتمرات ثلاثة لأصدقاء سوريا من دول العالم، خلال الاثني عشر شهراً الماضية، أولها في تونس وثانيها في إسطنبول، وقررا دعم الثورة السورية والمعارضة السورية مادياً ومعنوياً، واعترف هذان المؤتمران بالمجلس الوطني كممثل للشعب السوري، وتجاوز عدد الدول المشاركة في المؤتمر الثاني المائة دولة.

وقد تفاءل المجلس الوطني السوري (المعارضة الخارجية) خيراً بالمؤتمر، واعتبر اعترافه به كممثل للشعب السوري، خطوة استثنائية، تساعد في تقريب زمن إسقاط النظام، وتولي المجلس الوطني السلطة بدلاً عنه، وأخذت قيادة المجلس تتصرف على هذا الأساس؛ أي على أنها حكومة المستقبل.

ولكن بعد أسابيع صرحت وزيرة الخارجية الأميركية بأن المجلس الوطني لا يمثل الشعب السوري، وتحدثت عن تقصيره، بل وعن فشله، ولمحت إلى أن المساعدات الأميركية لن تُقدم للمعارضة السورية (السياسية والمسلحة) بوجود هكذا مجلس، أو على الأقل عن طريقه، ثم اقترحت هيلاري كلينتون تشكيل هيئة معارضة جديدة، فتداعت المعارضة السورية الخارجية إلى عقد مؤتمر في الدوحة في نوفمبر الماضي، وشكل المؤتمرون الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، وانتخبوا قيادة له، وأصبح بديلاً عن المجلس الوطني. وبعد أسابيع قليلة من تأسيس الائتلاف، عقدت الدول من أصدقاء سوريا مؤتمرها الثالث في مراكش.

وشاركت فيه أكثر من 130 دولة إضافة إلى منظمات دولية، وأكد قرارات المؤتمرين السابقين، واعترف بالائتلاف ممثلاً شرعياً “وحيداً” للشعب السوري، وليس فقط ممثلاً شرعياً كما كان الحال بالنسبة للمجلس الوطني. ومرة أخرى تفاءل السوريون خيراً، واعتبروا أن البدائل صارت جاهزة، وأن النصر على الأبواب، ثم خمد حماس أصدقاء الشعب السوري وخاب أمل السوريين مجدداً.

في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، عُقد مؤتمران للمعارضة السورية، أحدهما في دمشق دعت إليه هيئة التنسيق للقوى الوطنية، سمته “مؤتمر الإنقاذ”، شارك فيه حوالي 15 حزباً وفصيلاً معارضاً من معارضة الداخل، واتخذ عدة قرارات منها العمل على تغيير النظام إلى نظام ديمقراطي تعددي، وتشكيل حكومة انتقالية مطلقة الصلاحيات، وإعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن.. وغير ذلك.

وبعد أسابيع عقد مؤتمر في طهران لفصائل من المعارضة السورية الداخلية بدعوة من السلطات الإيرانية، شارك فيه “معارضون” من الداخل، قريبون جداً من النظام والسلطة، وبعضهم مشارك في الحكومة، والبعض الآخر من الموالين لها، والبعض الثالث من أعضاء مجلس الشعب أو من قيادات الأحزاب التي تأسست في العام الأخير بتشجيع من السلطة وأجهزة الأمن. وفي الواقع فإن جميع من حضر المؤتمر كانوا من الموالين بثوب معارض.

ولذلك لم تتجاوز قراراته، توصيات إصلاحية دون أن تتعرض للقضايا الأساسية؛ كالمعتقلين، وتغيير النظام، والمرحلة الانتقالية وحكومتها وصلاحياتها، ومحاسبة المرتكبين، أو ما يشبه ذلك مما يطالب به السوريون، ونادوا بدلاً عن هذا كله بالحوار بين السلطة والمعارضة، دون المطالبة بإيجاد مناخ للحوار أو آفاق له، أو رؤية للمستقبل، وكأنهم كانوا يدعون المعارضة لتدخل تحت جناح النظام، مع الوعد بأن يجري هذا النظام بعض الإصلاحات مستقبلاً.

هكذا تعددت مؤتمرات المعارضة السورية السياسية، الداخلية منها والخارجية، ولم يتجاوز دور هذه المعارضة في الواقع عقد المؤتمرات واتخاذ القرارات والتوصيات، مما ترك أمر حسم الصراع للقوى المسلحة، سواء منها المعارِضة (الجيش الحر) أم الموالية (الجيش النظامي)، وتهمشت فاعلية المعارضة السياسية، ولم يعد لها الدور الحاسم في حل الصراع، وصار ينطبق عليها المثل الشعبي “كثير النط قليل الصيد”، من خلال كثرة عدد المؤتمرات وتواضع نتائجها.

يبدو أن عجز فصائل المعارضة السياسية السورية، الداخلية والخارجية، وفقدان نشاطها للفاعلية والقدرة، لم يترك لها سوى عقد المؤتمرات.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى