أكرم البنيصفحات مميزة

المعارضة السورية وانتقادات الخارج!

أكرم البني

شجعت هيلاري كلينتون في دعوتها لتجاوز زعامة المجلس الوطني وتوسيع تمثيل المعارضة السورية بعض أطرافها على إحياء مبادراتهم واجتهاداتهم لتطوير العمل المعارض ومعالجة وجوه العجز والتقصير التي رافقته لأكثر من عام ونصف العام من عمر الثورة، وكان الوليد الائتلاف الوطني السوري.

ليس أمرا جديدا أو مستغربا أن تحفز انتقادات الخارج حراكا في الوسط المعارض، وهو المعروف بحساسيته وسرعة استجابته لما يسمى النصائح العربية والغربية الداعمة للثورة، وكلنا يذكر كيف تسابق المعارضون لعقد المؤتمرات بين أنطاليا وإسطنبول وإعلان مجالس وطنية تلبية لإشارات صدرت عن هذا الطرف الخارجي أو ذاك، كشرط لتقديم الدعم الضروري للثورة وتشبها بالدور الذي لعبه المجلس الوطني الانتقالي الليبي.

وفي السياق ذاته، لا ننسى حماس المعارضين لتوحيد صفوفهم بعد الدعوات التي أطلقها مؤتمرا تونس وإسطنبول، وتلبيتهم نداء رئاسة الجامعة العربية لعقد اجتماع موسع في القاهرة أثمر وثيقتي «العهد الوطني» و«رؤية مشتركة لتحديات المرحلة الانتقالية» للظهور بحلة جديدة وللتكلم بصوت واحد أمام مؤتمر باريس لأصدقاء الشعب السوري، كما لا ننسى سرعة التقاط بعض المعارضين لتصريح وزير الخارجية الفرنسي عن استعداد بلاده للاعتراف بحكومة انتقالية تشكلها المعارضة، للبدء بنشاط مكثف من أجل تشكيل هذه الحكومة وطرح مبادرات متعجلة لأسماء وشخصيات يعتقد من يرشحها أنها محط قبول من الجميع!

كل ما سبق هو إشارات واضحة تدل على حجم الاهتمام الذي تعيره أهم أطراف المعارضة السورية للانتقادات والاقتراحات الخارجية، ولا يغير من هذه الحقيقة تصدي المجلس الوطني السوري لدعوة كلينتون عندما انتقدت دوره القيادي، ومجاهرته باستقلاليته، وبأن سياسته ومواقفه وخططه التنظيمية لا تخضع لإملاءات أحد.

ولكن، وبعيدا عن لغة الاتهام، فإن ما يجري هو أمر مفسر، ويعود إلى أسباب كثيرة:

أولا، ارتباك المعارضة السورية وهشاشة حضورها وضعف ثقتها بنفسها أمام دور مفاجئ لملء فراغ سياسي لم يكن في حساباتها، ولنقل: ألقي على عاتقها في غفلة من الزمان، ربطا بجذور تشكلها وخصوصية تطورها بعد سنوات طويلة من الاستبداد ومعاناة مريرة من القمع والإقصاء، تركت آثارا سلبية عميقة على صحة أحوالها وحاصرت دورها وحدّت من فاعليتها، ناهيكم عن حضور الحسابات الأنانية وروح التنافس المرضي بين بعض أطرافها، مما يفسر تكاثر الأخطاء وأجواء التنابذ وتبادل الاتهامات، زاد الطين بلة انسداد أفق الحلول السلمية، وانعدام أي فرصة لوضع الحالة السورية على سكة المعالجة السياسية، مما أفقد المعارضة الدور المنوط بها، الذي كان يفترض تعويضه بتقديم إجابات شافية عن أسئلة ملحة تشغل بال الكثيرين حول سياق عملية التغيير وشروطها وما يكتنفها من منزلقات ضمن خصوصية المجتمع السوري بتعدديته وحساسية ارتباطاته الإقليمية والعالمية.

ثانيا، ضعف تأثيرها في الحراك الشعبي بسبب قوة عفويته وتباين النشأة والتكوين والتجربة بينهما وانجرار الكتلة الأهم منه نحو منطق الغلبة والسلاح، لتبدو المعارضة السورية مع وجود جسمها الرئيسي في الخارج، كأنها تركض لاهثة لتلحق بنبض الشارع، وفي أحسن الأحوال، كرد فعل أو صدى لصوت الثورة وما يحققه الوجود العسكري على الأرض.

وللأسف، بعد هذا الزمن الطويل وفداحة ما قدم من دماء وتضحيات، لم تستطع المعارضة السورية تدارك هذه النقيصة أو تنجح في استحضار دور سياسي نشط يتفاعل مع مكونات الحراك الشعبي وهمومه، خاصة مع المكون العسكري وتوحيد صفوفه وتصويب مساره، والأهم عدم نجاحها في كسب ثقة الناس أو على الأقل إزالة إحساسهم بأن قوى المعارضة على كثرتها وتنوعها لم تقدم لهم شيئا إلى الآن وتبدو كمن تدور في حلقة مفرغة، أمام حاجة ملحة لسد فراغ سياسي حيوي ومد الثورة بأسباب الدعم، مما أشاع حالة من الشك حول كفاءتها ومدى جديتها في قيادة التغيير، وبأن بعضها يحاول ركوب الموجة، ليبيع ويشتري، على حساب دماء الحراك الشعبي وتضحياته.

ثالثا، الدور الكبير الذي يحتله العامل الخارجي والإرادة الدولية وطابع قراراتها في تقرير نتائج الكثير من الأزمات الإقليمية والصراعات الوطنية، عزز حضوره في الوعي السوري فاعليته في الثورات العربية الأخرى، والأسوأ طموح شخصيات معارضة لتبوء موقع أو دور سياسي يقارب أدوار معارضة المهجر في تونس وليبيا، وانشغالهم بالتحضير لهذا الدور والموقع في ضوء رهانهم على سقوط سريع ودراماتيكي للنظام السوري، زاد الأمر تعقيدا السلوك المستفز لهذا الأخير في توظيف تحالفاته الخارجية من أجل تعزيز سيطرته واستجرار مساندتها ودعمها في مواجهة الاحتجاجات والتنكيل بها.

والحال، لم تعد ثمة قوة من المعارضة السورية ذات وزن لا تقول بدور خارجي مساعد للثورة، حتى من كانوا من أشد المدافعين عن التغيير الداخلي الصرف، ليس فقط بسبب انكشاف حجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه النظام، أو لاستهتاره المريع بالمعالجات السياسية أو بأي مبادرة لتخفيف حدة العنف، بل بسبب شدة معاناة المهجرين والمشردين والمنكوبين وازدياد الحاجة للتدخل الدولي ولما تقدمه هيئات الإغاثة الإنسانية.

لا تزال الأوضاع السورية تتفاعل، ويحتمل دخولها في أطوار جديدة، يصعب التكهن بأنماطها وبماهية المخاطر أو الآفاق الكامنة وراءها، وإذا كانت العوامل الإقليمية والدولية مرشحة للتطور، خاصة بعد تشكيل الائتلاف الوطني، فإن المرء لا يحتاج إلى التأمل كثيرا كي يستنتج أنه إذا كان من المهم وجود حساسية لالتقاط جديد مواقف الخارج وانتقاداته، فإن المهم هو قدرة المعارضة على تفهم صحة تنوعها وتباين أدوارها، والأهم أولوية تنمية قدراتها على خلق قنوات للتنسيق والتكامل مع الداخل، بما يرسخ أقدام الحراك الثوري ويطمئن الجميع، خاصة القطاعات المترددة، على مستقبل البلاد، وربما لن يتأخر الوقت كثيرا إلا ويقف الجميع أمام صورة جديدة لمعارضة سورية تسعى بالأقوال والأفعال كي تنال ثقة الناس، وهمها الرئيسي هو التنافس الصحي على المزيد من الإيثار والتضحية لنصرة مجتمع الحرية والكرامة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى