صفحات سوريةهوشنك أوسي

المعارضة السورية ومسألة التدخّل الخارجي


هوشنك أوسي()

مع بداية الانتفاضة السورية، كانت فرضيّة التدخّل الخارجي مرفوضة بشكل قاطع، من قبل الحراك الانتفاضي، وقوى المعارضة السوريّة، التقليديّة منها و”الحداثويّة” _ الشبابيّة. ذلك أنه كان يُفهم من التدخّل الخارجي _ الدولي، على أنه عسكري وحسب، على غرار ما حصل في العراق وليبيا. وبعد مضي سبعة اشهر على الانتفاضة، وارتفاع عدد ضحاياها لما يزيد عفلى 5 آلاف، بحسب تقارير حقوقيّة دوليّة، وازدياد حالات التسرّب والانشقاق من الجيش السوري، وتراجع زخم التظاهرات الاحتجاجيّة، بشكل نسبي، واستهداف المدن بشكل أكثر همجيّة، وبدء استخدام النظام السوري الطيران الحربي في محاولة سحقه للانتفاضة الشعبيّة والمنشقّين عن الجيش، ولجوء المنشقّين للعنف، كل ذلك، جعل خيار اللجوء للسلاح، واستدعاء التدخّل الخارجي، بحجّة حماية المدنيين، ليس وارداً ومطروحاً في سياقات النقاش بين أطياف المعارضة السوريّة وحسب، وبل تُطالب به بعض الاطراف المعارضة أيضاً. ولئن كانت المعارضة السوريّة مشتتة أصلاً، بفعل عوامل عدّة لا يتسع هذا المقام للخوض فيها، فقد جعل خيار الدعوة الى التدخّل الدولي المعارضة السوريّة، مرتبكة ومنقسمة على نفسها أكثر وأكثر. والحقّ أن ذلك، ضالة النظام وجلّ مسعاه ومبتغاه في أن تزداد العطالة بين صفوف المعارضة وانهماكها تحت خيمة النقاشات البيزنطيّة، والنظام موغلٌ في بطشه ومساعيه لإطفاء الانتفاضة وسحق حركة الاحتجاج الجماهيريّة.

وغنيّ عن البيان أن طبيعة الانظمة، ومدى دكتاتوريّتها، هي التي تعزز احتمالات التدخّل الخارجي. ذلك ان النظامين التونسي والمصري، صحيح أنهما كانا دكتاتوريّين، عسكريّين، إلا أنه كان هنالك تقاليد للمؤسسة العسكريّة في تونس ومصر. في حين ان النظام السوري، محكوم بدوائر ضغط عدّة، منها ما هو قومي _ عروبي، وأمني _ عسكريتاري، وأقواها، الحلقة الطائفيّة _ العلويّة، التي كان وما زال النظام ناجحاً في تجييش وتجيير وتحشيد الطائفة العلويّة الكريمة ورائه، ناصباً من نفسه عماد وخيمة مصالح هذه الطائفة في سورية.

والحقّ أن حافظ الأسد، ومن بعده، نجله بشار، نجحا أيّما نجاح في ضرب كل مركز القوى والثقل في الطائفة العلويّة السوريّة، بحيث تكون مذعنة وراضخة لأوامر النظام، ومنقادة للهواجس والمخاوف التي يثيرها لديها، إذا ما هو سقط. وبحلقات الضغط تلك، لم يتلف النظام المجتمع والدولة فقط، بل اتلف المؤسسة العسكريّة والأمنيّة أيضاً، ما يطرح استحالة حدوث تمردّ النظام على نفسه، وحدوث انشقاقات استراتيجيّة وعميقة في الجيش والامن لصالح الانتفاضة السورية وقوى التغيير، حتّى يتمّ استبعاد فرضيّة التخدّل الخارجي، إذ ما انزلق البلد، بتحريض النظام، إلى كارثة الحرب الاهليّة.

ومنشأ رفض المعارضة السورية لفرضيّة التدخّل الخارجي، رغم معرفتها التامة بطبيعة النظام وتركيبته ووحشيّته في تعاطيه مع أي حراك معارض يريد التغيير والتحوّل الديمقراطي الجدّي والحقيقي، يتأتّى جزء منه من مزايدة المعارضة على النظام. بدليل، أن الكثير من المعارضين للنظام، (ميشيل كيلو وحسن عبدالعظيم نموذجاً)، يبرران رفض التدخّل الاجنبي، بأن ذلك سيجعل من سورية تابعة لأميركا، ودائرة في الفلك الأميركي… وما إلى ذلك من مبررات، ليست ببعيدة كثيراً عن قاموس النظام وحاشيته!. وفي هذا إقرار ضمني بوطنيّة وقوميّة النظام السوري من قبل معارضته!، (لكأنَّ النظام، لم يكن دائراً في هذا الفلك، وكل ادعاءاته حول المقاومة والممانعة، كانت صحيحة!؟). من جانب آخر، يتأتّى رفض التدخّل الدولي أيضاً، من كون المعارضة السورية، قد أعلنت رفضها للتدخّل الاميركي في العراق، رغم كل التاريخ الدموي لنظام صدام حسين. ناهيكم ان الكثيرين من المعارضين السوريين، كانوا يتباكون على نظام صدّام، ومنهم من كان يعتاش عليه أيضاً!.

في مطلق الاحوال، التدخّل الدولي في سورية، حاصل فعلاً. فالضغوط والعقوبات الأوروبيّة والأميركيّة، وحتّى لو لم تكن صادرة من مجلس الامن الدولي، في أسّها وأساسها، هو تدخّل دولي في سورية. ناهيكم عن أن الدور التركي القوي والفاعل في شؤون المعارضة والانتفاضة السورية، هو أيضاً سماح من لدن المعارضة، بالتدخّل الاجنبي في سورية. ثم أن مطالبة المعارضة السوريّة، مجلس الامن باستصدار قرار يدين نظام الاسد، هو أيضاً، في جوهره، مطالبة بزيادة التدخّل الدولي في سورية. ذلك ان التدخّل، هو تدخّل، سواء أكان سلميّاً أو عسكريّاً. وبالتالي، لا يوجد أيّ معنى لطرح مقولة نعم للحماية الدولية، ولدور الامم المتحدة ومجلس الامن، ولا للتدخّل الاجنبي!.

وبالضدّ مما يراه بعض المعارضين من أن التدخّل العسكري سيدخل البلاد في حرب أهليّة، الحقّ أن النظام سيدفع سورية لهذا المهلك، مع التدخّل العسكري أو من دونه. وهذا ما فعله صدّام والقذافي، ويسعى اليه الاسد. وربما يكون التدخّل أهون الشرّين، أمام الشعب والانتفاضة السورية، لجهة حسم الخيارات؛ إمّا البقاء تحت نيران الاستبداد وتوحّشه، وبقاء البلاد سجناً ومذبحة وغابة، لنصف قرن آخر، أو الاستنجاد بالخارج، سياسيّاً وعسكريّاً، مع دفع أكلاف هذا التدخّل من القرار السياسي والاقتصادي السوري في نظام ما بعد الاسد.

والمشكل العويص هنا، ان الانظمة التي من طينة نظام البعث السوري، هي كالورم السرطاني، لا يمكن التعايش حتى ولو مع جزء منها. ذلك أن بقاء خليّة سرطانيّة واحدة، كفيلة باتلاف كل الانسجة. وبالتالي، لا مناص من عملية الاستئصال الكلّي والجذري والحقيقي، حتى لو كانت مؤلمة ومكلفة. إذ لن تنفع مع النظام أيّة مضادات داخليّة وطنيّة بحتة وصرفة، تطيحه وتبرئ البلاد من شروره وتركته وأضراره ومنابعه، ما لم يتمّ الاستعانة بالمبضع الخارجي. وهذه هي الفرضيّة الأرجح، والأسرع، والأقلّ كلفةً بشريّاً، في حال بقيت المؤسستان العسكريّة والأمنيّة على تورّطهما الأعمى في جرائم نظام الاسد، وارتضت ان تكون جزءاً لا يتجزّأ من هذا النظام الفاشي، بدلاً من أن تكون جزءاً لا يتجزّأ من الدولة _ الوطن.

مقصد القول: لا تبريرات هيئة التنسيق الوطنيّة لقوى التغيير الديموقراطي، في ما خصّ رفض التدخّل الأجنبي، هي مقنعة، بل تصبّ في طاحونة النظام السوري، ولا ترد نيرانه المصبوبة على الانتفاضة السوريّة، ولا ارتباك خطاب المجلس الوطني الانتقالي المعلن عنه في اسطنبول، مقنع، لجهة رفض التدخّل الاجنبي، وقبول الحماية الدوليّة من مجلس الامن والامم المتحدة. وينبغي الجزم والحسم في هذه المسألة، لصالح حماية الشعب والانتفاضة من بربريّة النظام السوري والسعي نحو اسقاطه بكل الوسائل المتاحة. ذلك أنه اذا نجح النظام في سحق الانتفاضة، فإن الدول العربيّة والاقليميّة والاجنبيّة التي تتعاطف مع حركة الاحتجاج السورية الآن، ستتراجع عن مواقفها، وسيخرج النظام من نطاق المحاسبة الدوليّة أيضاً، لأن دورة المصالح الاقليميّة والدوليّة مع النظام السوري، ستعود الى سابق عهدها، وتُدخِل سورية والسوريين لخمسين سنة أخرى من الاستبداد والفساد والافساد، لن يستيقظ السوريون منها.

() كاتب كردي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى