صفحات سوريةفاطمة ياسين

المعارضة المعتدلة وتحرير مورك/ فاطمة ياسين

 

 

يُعَرِّف الغرب المعارضة العسكرية المعتدلة بأنها كل تجمع مسلح يشكل كتيبة، أو فصيلاً، لا يكون الدين أساساً لقيامه. وثمّة اعتبارات أخرى غير معلنة، أهمها، في الحقيقة، الولاء للولايات المتحدة أو إحدى الدول الحليفة لها في المنطقة. ويقع التعريف نفسه في إحراج، حينما يجنح فصيل “كان معتدلاً” نحو التطرف الديني، مع حفاظه على قياداته وولائه لمموليه، وحصوله على ذخيرةٍ من دولة حليفة للغرب، أو أكثر، كما حصل مع قائد جيش الإسلام، زهران علوش، الذي يسيطر بجيشه على منطقة غوطة دمشق، عندما تراجع، مرة، عن تصريح له، أعلن فيه أنه لا يعترف بشيء يدعى الديمقراطية، حيث لا مرجعية شرعية لهذه الكلمة، ليعترف بها، فيما بعد، عند تلقيه دفعة أسلحة وأموال جديدة كان بحاجة إليها، من دون أن يستوجب منه ذلك أي تغيير في ممارساته التي يقوم بها على الأرض، في مناطق سيطرته حول مدينة دمشق، ومن دون أن يضطر للإفراج عن معتقلي رأي مغيبين في سجونه التي تقع، جغرافياً وأخلاقياً، على مقربة من سجون بشار الأسد. لا يعني ذلك أحداً، فلا زالت الدول في حيرة، وإحجام عن وضع اسم جيش الإسلام على لائحة الفصائل غير المعتدلة التي يتصدرها تنظيما داعش وجبهة النصرة اللذان يجب التخلص منهما، برأي المجتمع الدولي، قبل الخوض في أي حديث عن تسوية أو حل سياسي.

قبل أيام، تحررت مورك، البلدة التي تقع على الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب، وتربط مدناً رئيسية في سورية، من سيطرة نظام الأسد، على يد فصيل يدعى “جند الأقصى”، يُتَداولُ في الحديث الشعبي بأنه أكثر تشدداً من “النصرة”. وفي إثر ذلك، دخلنا في تحليل معنى التحرير من جديد، وتصدرت المقارنة بين حكم نظام الأسد وحكم المتطرفين منطقة تقع تحت سماءٍ تملأها طائرات النظام وحلفائه الروس، واحتدمت النقاشات، وطفا على السطح سؤالٌ افتُقِدَ، أخيراً، من الأسواق، عن جدوى الانتقال المتواتر لهذه المساحات الصغيرة بين أيدي الكتائب المتصارعة، وهل ستحقق الحد الأدنى من المطالب، وتصل إلى بلدٍ يخلو من سيطرة النظام كلياً في المحصلة؟

إذا اتفقنا أن التطرف، أياً كان شكلُه، يَدعم وجودَ الأشكال الأخرى المعادية له، ربما بالرسالة، والمتطابقة معه في التطبيق، ودللنا على ذلك ببروز كتائب جديدة متطرفة تكاثرت منذ دخول الروس سماءنا وأراضينا، واستولت على مساحات جديدة، بينما لم ينحسر وجود داعش، عمّا كان عليه في السابق، وأصبحت ممارسات “النصرة” في مناطق نفوذها أمراً لا يمكن الاعتراض عليه. وقتئذ، يحق لنا التساؤل عن معنى تحرير مورك.

بالطبع، لا تندرج “جند الأقصى” تحت قائمة المعارضة المعتدلة التي يمكن قبولُها، أو غض النظر عن وجودها، في أثناء الاتفاق على الحل السياسي الذي سمعنا أنه سيكون بضمانات الدول السبع عشرة التي اجتمعت في فيينا. وبعض التفاؤل الوهمي الذي نشاهده على صفحات “نقل المعرفة” والميديا الاجتماعية عن وجود مثل تلك الاتفاقية لا ينسجم معه الفرح بـ “تحرير” مورك، ولا يتسق مع تغييب دور الفصائل المعتدلة التي تدعي روسيا رغبتها بضمها، مع بقايا جيش النظام، في أثناء الدخول في العملية الانتقالية التي لا مؤشرات حقيقية على وجودها في ظل الاستقطابات الجديدة الصادرة عن أطرافٍ، غَيبت عن تفكيرها وتصريحاتها الأهداف الوطنية، فعاد كل طرف إلى الهروب إلى الأمام، والولوج في دوامة الشائعات عن هروب الأسد، أو اغتياله، وتعويم شخصية شقيقه ماهر، للتغطية على ضعف الحيلة وانعدام الحلول الأخرى التي تحرقها الطائرات الروسية في كل طلعةٍ جويةٍ تدمِّرُ فيها بيوتاً للسوريين، وتقتل منهم أعداداً كبيرة، لا نعود بعد إحصائها، قادرين على لوم مَن لَمْ يَعُدْ يسعهم الصبر والاحتمال والانتظار، فطفقوا يهللون لتحرير مورك.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى