صفحات سوريةطيب تيزيني

المعارضة… قضية وإشكاليات


طيب تيزيني

تتسع دائرة الخلافات التي أفصحت عن نفسها في إطار المعارضة السورية في الحالين الجيوسياسيين الاثنين، الداخلي والخارجي، وهي ظاهرة محتملة دائماً في تاريخ المعارضات، عموماً وإجمالاً، بل أكثر من ذلك تمثل المعارضة في الحقل السياسي حاجة وضرورة لاكتشاف ما لا يتضح وما لا يُفصح عن نفسه بسهولة في قضية ما، فـ”الحقيقة” مفتوحة ومتحركة وذات أوجه متعددة، ولذلك فهي نسبية، بمقتضى هذا البُعد المعرفي، وإذا كان هذا البُعد المعرفي لا يظهر غالباً إلا متلبساً بمواقف أيديولوجية، فإن هذا الأمر يغدو أكثر تركيباً، مما يضعنا أمام ضرورة الاحتكام إلى الممارسة التاريخية المركبة، بوصفها صيغة من صيغ المعيارية الكبرى لصدقية أفكارنا وما يكمن وراءها أو أمامها من مصالح أيديولوجية بالمعنى الواسع، ومن شأن هذا أن يشدد على مفهوم التعددية بوصفه مدخلاً منهجياً إلى “الحقيقة”.

هكذا تظهر “المعارضة” أمراً طبيعياً لابد من الإقرار به كي لا يُفصح عن نفسه بكيفية غير مباشرة وقابلة للكبت أو للف والدوران، ونلاحظ أن ذلك يصبح أكثر تعقيداً أو إشكالاً في الحالة التي نحن الآن بصددها، تعني المعارضة السياسية التي ظهرت في سوريا في سباق انتفاضة جاءت بعد أربعين عاماً ونيف من هيمنة نظام أمني شمولي، أما على رأس هذا الأخير، فقد وقف حزب يقبض بيد فولاذية على رباعية السلطة، والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية التاريخية المتمثلة في طُغم أمنية تقود “الدولة والمجتمع”، وعلى هذا المدى الطويل حقق النظام الأمني المذكور هدفين اثنين، تمثل أولهما في أن هذا الأخير أسقط السياسة من المجتمع السوري وأحلّ محلها كل ما يتصل بالحراك المجتمعي الباحث عن سبل لتجديد المجتمع وتحديثه وتطويره، أما ذلك فقد ظهر في الرياضة العابثة، واللهاث وراء خدمة الأجهزة الأمنية، والمنظمات الوهمية، خصوصاً منها ما سُمي بـ”الجبهة الوطنية التقدمية”، وبعض المنظمات التي تضبط الأطفال والشباب والطلاب من نمط “الطلائع – طلائع البعث” واتحادات الطلبة والفلاحين والعمال … إلخ. لكن الهدف الثاني ظهر بقوة ووضوح في ضبطه إمكانات حرية التعبير بمختلف صيغها الحقيقية ضبطاً حديدياً وعبر تدخل فاحش في كل شؤون المجتمع السوري.

نعم لقد سقط المجتمع السوري في قبضة الاستبداد والفساد والإفساد، خصوصاً أن هذا المجتمع راح يعيش حالة من تجفيف احتمالات التغيير والتقدم الديمقراطي، لقد “نسي” الناس الحوار وأصول الاختلاف والنقد الشفاف، وهكذا كذلك أصبح شأن الأحزاب “التاريخية” مثل الشيوعي والبعثي والإسلامي والليبرالي وغير ذلك، حدث ذلك تطويعاً وتعوداً، وانفتحت أبواب محتملة للتخالف والحوار مع ثورة الشباب (هذه الثورة التي تحتاج الكثير من البحث والدرس)، لكن المرحلة الأولى من المذكورة، أي منذ سنة وعشرة أشهر، كانت عامرة بالقلق والشك والخوف، هل سقط الخوف من المخابرات؟ كان هذا سؤالاً كبيراً وصل إلى التجرؤ على الإجابة بـ”نعم”.

وفي هذه الأجواء التي استمرت بصيغة حرب عسكرية تدميرية، لجأ إليها النظام الأمني ضد الشعب السوري المنتفض، أخذت المعارضات تنشأ في وجهه، مع العلم أن أشكالاً من “المعارضة” أنتجها النظام نفسه خِلسة، لتخلق عوائق أمام الصيغ الشعبية الشبابية من المعارضة، مما أنتج اضطراباً في اللوحة الخاصة بالمعارضات السورية.

بناء على ذلك قد نضبط ما حدث ويحدث في حقل تلك المعارضات على النحو التالي، أولاً: جاءت هذه الأخيرة وظهرت كأنها دون نسب تاريخي سابق (وهذا ينبغي البحث فيه تاريخاً وبنية، كما سيكون الحال كذلك بالنسبة لأسئلة أخرى). ثانياً: قدرة النظام في البدء على خلط الحابل بالنابل فيما يتصل بالمفاهيم والإشكاليات مثل الانتفاضة والثورة والإصلاح من طرف والمؤامرة الكونية على سوريا وحرب السلفيين من طرف آخر. ثالثاً: تحديد أسئلة ثلاثة تتعلق بكل أشكال التغيير السيوسيوتاريخي، وهي: مَن هو الحامل الاجتماعي لما يحدث في سوريا؟ ومَن هو الحامل السياسي لما نحن بصدده؟ وأخيراً مَن هو الحامل الثقافي لذلك كله؟ رابعاً: معاناة المعارضة الوطنية الديمقراطية من أمراض الأنانية والسطحية وافتقاد الرؤية لدى بعض ممثليها… والآن نواجه حالة نسبية من التحوّل الإيجابي في تشكيل المعارضة الوطنية في الخارج، وعلينا انتظار ما سيجّد.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى