صفحات سوريةفايز ساره

المعارضة والثورة في سوريا/ فايز سارة

تعيش المعارضة السورية مأزقاً عاماً في تعاملها مع الثورة في سوريا، يتمثل في ابرز مؤشراته في عجز المعارضة السورية عن القيام بدورها في تحقيق انتصار الثورة، التي تكاد تكمل عامين ونصف العام من عمرها، قدم فيها السوريون فاتورة ربما كانت هي الاكبر في تاريخ ثورات العالم في خلال الخمسين عاماً الماضية، والتي في اهم معالمها خسائر بشرية، تمخضت عن قتل وتغيب واعتقال وجرح حد الاعاقة نحو مليون شخص، وتشريد نحو عشرة ملايين شخص من بيوتهم، منهم اكثر من اربعة ملايين نسمة اصبحوا لاجئين في بلدان الجوار، والبقية مشردين في انحاء مختلفة من البلاد، التي شهدت تدميراً واسعاً في البنية التحتية للدولة والمجتمع، شمل ممتلكات عامة وخاصة وموارد عيش أكثر من عشرة ملايين شخص، اضافة الى تدمير منظومات وروابط عامة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ورغم قسوة المحصلة السابقة، فانها ستستمر متواصلة متصاعدة، ان لم تصل الثورة الى هدفها في تغيير النظام وبناء نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، وهو ماتعجز المعارضة عن تحقيقه لعوامل مختلفة ابرزها نتيجة التشتت السياسي والتنظيمي والصراعات الداخلية من جهة، والاختلالات القائمة في موقف المجتمع الدولي من حيث التقصير في تقديم الدعم والمساندة للمعارضة وقواها في الوقت الذي تقدم اطرافاً دولية واقليمية دعماً ومساندة غير محدودين للنظام في معركته ضد الشعب والمعارضة.

ورغم وجود الائتلاف الوطني باعتباره الوعاء الاكثر تمثيلية وصاحب الاعتراف الدولي الواسع، فان المعارضة بحاجة الى مزيد من الوحدة السياسية لتندرج في اطارها تكوينات المعارضة الأخرى اضافة الى التنظيمات الكردية، وحشدها في اطار سياسي تنظيمي واحد، لاشك ان الائتلاف الوطني هو الاقرب اليه، ويؤدي تحقيق هكذا انجاز الى تحجيم المشاريع المتصادمة مع هدف ثورة السوريين، وابرزها مشروعات ابرزها ثلاثة، اولها مشروع الدولة الاسلامية الذي تزايد طرحه من قبل جماعات التطرف من جبهة النصرة الى دولة العراق والشام، وثانيهما مشروع كيان كردي، والثالث مشروع تقسيم سوريا الى كيانات متعددة.

ومما يدعم الانجاز السياسي التنظيمي في حشد المعارضة، السعي الى توحيد قوى الجيش السوري الحر وتعزيز هيكليته وقدراته بعد ما اصاب تشكيلاته ومهماته من تدهور، افسحت المجال لنمو تشكيلات عسكرية تعمل خارج خط الثورة، بل ان بعضها يعمل في مواجهة هدف الثورة في تغيير النظام، كما هو حال تشكيلات جبهة النصرة ودولة العراق والشام.

ويتطلب تحقيق تقدم ايجابي في حشد سياسي تنظيمي للمعارضة وتوحيد وتفعيل قوى الجيش الحر، السعي الدي الى وقف ظاهرة الصراعات الداخلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بما فيها الاقتتال بين التشكيلات المسلحة التابعة للتنظيمات الاسلامية وقوات الحماية الشعبية الكردية، حيث تستنزف قدرات وامكانيات كبيرة، وتقدم خدمة غير محدودة للنظام، مما يجعل اقتتال تلك الاطراف خارج دائرة البراءة في ارتباطه بالاجندة السياسية والامنية للنظام، ويجعل من وقف القتال والصراعات المؤدية اليه مهمة عاجلة وملحة امام المعارضة، بل وردع اي قوة تصر على استمراره.

ومن البديهي القول، ان تقدماً تحققه المعارضة في المهمات الاساسية وخصوصاً الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، سوف يقلب ويبدل البيئة السياسية العامة المحيطة بثورة السوريين في داخل البلاد وخارجها، مما سينقل القضية السورية الى سياق مختلف عن سياقها الراهن.

ان الاثر المباشر على الشعب للتقدم في سياق مهمات المعارضة، انه سيحي الامل بوصول الثورة الى هدفها ووضع حد لمعاناة السوريين التي طالت، واعادة تطبيع حياتهم في حدود مستقبل مقبول، وسيدفع هكذا تبدل الى تحولات عميقة في مزاج ودور ومشاركة قوى شعبية جوهره دعم الثورة مما يسهل مهمة انتصارها. ولن يكون اثر انجازات المعارضة على النظام في حال تحققها، اقل اثراً مما ستخلفه في الاوساط الشعبية. اذ سيجد النظام نفسه امام حقائق جديدة، تمثل تحولاً جدياً في معادلات الصراع القائم واحتمالاته، الامر الذي سيضع النظام امام انهيار مؤكد وربما سريع او السعي نحو تسوية سياسية، مما يفرض انقلاباً في استراتيجية الاخضاع بالقوة، التي يتابعها باصرار منذ البداية، ويرى في الوقت الحالي انه يحقق تقدماً بواسطتها بالسير نحو هدفه في اعادة احكام القبضة على سوريا والسوريين.

والاثر الذي يتركه قيام المعارضة بتقدم سياسي وتنظيمي في سياق مهماتها، يمكن ان يترك اثاراً مباشرة في البيئة الاقليمية والدولية المحيط بالصراع في سوريا، ربما يكون الابرز فيها توجه الدول “الصديقة” للشعب السوري الى تعزيز دعمها وتحوله من دعم لفظي ومحدود من الناحيتين المادية والعسكرية الى دعم فعال من شأنه حسم الصراع سواء عبر مسار سياسي مباشر او عبر ضغط لا يستبعد استخدام القوة، وسيكون امام القوى الداعمة للنظام اعادة النظر في سياستها الحالية وخاصة من الجانب الروسي، وان كان لايعول على تغيير جوهري في الموقف الايراني، فان من الصعب على طهران تجاهل اثر مايمكن ان تقوم به المعارضة من تبدلات على طريق انجاز مهماتها في الواقع السوري.

ان المعارضة والائتلاف الوطني يواجهان تحديات ومهمات صعبة، تتطلب القيام بانجازات سياسية تنظيمية وعسكرية، يكون لها اثار عملية في الواقع بجوانبه المختلفة في ابعاده اليومية والاستراتيجية، ويتطلب تحقيق مثل هذه الانجازات وضعها في سياق رؤية واضحة اولاً، وتوفير امكانات وقدرات عملية لانجازها، والاهم مما سبق كله هو توفير ارادة سياسية للمضي في هذا الطريق.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى