صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

المعارضون الجدد والقدامى


محمد سيد رصاص

سادت تحليلات،في وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة والمقروءة،تقول أن القوى”التقليدية”قد أزيحت جانباً عقب”الثورات الشبابية”التي أعطت تلك التحليلات المشار إليها هذه الصفة للثورتين التونسية والمصرية في عام2011.في انتخابات(الجمعية التأسيسية التونسية)و(مجلس االشعب المصري)فازت بأغلبية المقاعد قوى تونسية كانت في العمل السري والسجون والمنافي،وقد أتى من هذه الأماكن الثلاثة رئيسا الجمهورية ورئيس الوزراء الجديدين والكثير من النواب والوزراء،فيمافازت في مصر بالبرلمان الجديد وبأغلبية الثلثين قوتان أصولية وسلفية(“الحرية والعدالة”و”النور”)خرجتا من العمل المعارض المقموع والسرية والسجون وكانتا معبرتين عن قوتين،هما(الإخوان المسلمون)و(الجماعة الاسلامية)،الأولى عمرها ثمانية عقود والثانية ثلث قرن.أيضاً،في تلك الانتخابات كانت أغلبية الأحزاب، التي لم تنل أكثرية برلمانية ولكن فازت بأغلبية المقاعد الباقية ، قوى قديمة(مثلاً:”الديمقراطي التقدمي التونسي”و”الوفد الجديد المصري”)فيما لم نرى “القوى الشبابية”فازت بشيء يذكر.

تعطي تلك الصورة الكثير عن هشاشة وسطحية مانراه ونسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام العربية،وعن فوات تحليلات تصبح مثل”الخبز البايت”بعد قليل من حصولها.إلاأن كل هذا لايخفي حقيقة وجود ظاهرة يمكن أن نطلق عليها اسم(المعارضون الجدد)إلى جانب القدامى،أومايمكن وضعهما،كماراج في عام2011،تحت مصطلحي(االمعارضة التقليدية)و(المعارضة الجديدة)،وهذا أمر لم نره فقط في تونس ومصر وإنما ظهر أيضاً في اليمن وسوريا خلال حراك اجتماعي هزَ البلدين المذكورين خلال العام الماضي.

في تونس2008-2010ظهرت قوى شبابية ،وهي ظاهرة فايسبوكية أساساً،أثناء مرحلة بان فيها الرئيس بن علي وكأنه قد مسح المعارضة من طاولة العمل السياسي التونسي.في مصر2006-2010برزت حالات مثل(حركة كفاية)و(6إبريل)ثم ظاهرة الدكتور محمد البرادعي ومن التف حوله من مثقفين وأكاديميين وشباب.في يمن مابعد3فبراير2011بانت قوى شبابية كانت طوال تسعة أشهر لاحقة ،حتى توقيع اتفاقية المبادرة الخليجية،أكثر تشدداً من (أحزاب اللقاء المشترك)المعارضة.في سوريا مابعد18آذار2011كانت ظاهرة(المعارضون الجدد)قوية بحكم الضربات الشديدة التي تلقتها قوى المعارضة السورية بمختلف أجنحتها،الاسلامية والعروبية والماركسية،طوال ثلاثة عقود سابقة،والتي كادت أن تصل لحدود تجفيف الينابيع،وقد ظهر تعثر وعجز قوى المعارضة السورية القديمة عن أن تستطيع تأطير الحراك الإجتماعي الكبير،مع تسجيل سبق أكبر نسبي للاسلاميين في ذلك،وهو ماكان ربما السبب في انتظام الكثير من هؤلاء المعارضين الجدد السوريين تحت خيمة(المجلس الوطني)الذي تهيمن عليه(جماعة الاخوان المسلمين)وأيضاً مايفسر الإضطراب الذي يشهده منذ تأسيسه هذا المجلس نتيجة تصادم عقليتين،وهو وضع تعيشه بحدود أقل(هيئة التنسيق الوطنية)بحكم كونها من قوى حزبية قديمة أساساً.

هذا التصادم بين عقليتي المعارض القديم وذلك الآتي من جديد إلى المعارضة،بعد أن كان في البيت أوفي أعماله الخاصة أوفي العمل الثقافي أوالأكاديمي أوعند النظام الحاكم،هو طبيعي لأنه صدام بين متمرسين في العمل السياسي التنظيمي،الذي يقوم ويتمأسس على مؤسسات هي مطبخ القرار الذي يكون مبنياً على براغماتية وتمرحل و”إدارة للممكنات” ،وبين طارئين على العمل السياسي بلاخبرات سابقة والذين يظنون بأن التصريح السياسي أوالبيان أوالوثيقة وكذلك الممارسة السياسية يشابه قصيدة الشعر أوأية قطعة أدبية أخرى أونص أكاديمي في عملية التشكيل وبالتالي فإن ماتريده يمكن أن يوضع تلقائياً في النص السياسي وفي الشعار من غير أن يدركوا بأن “إدارة الممكنات”في العملية السياسية تؤدي إلى “اقتصاد في القول والفعل”وفقاً للتوازنات القائمة في المرحلة المحددة التي يمر بها السياسي آنذاك.أيضاً إن عدم تعود (المعارضون الجدد)على عمل المؤسسات يقودهم إلى الكثير من الفردية والهوائية فيمامن يشتغل في المؤسسات لايكون كذلك،كماأن الملاحظ أن الفردية تتساوق مع حب الأضواء والصفوف الأولى فيمامن هم خارجون من عمل مؤسسات حزبية لايكونون كذلك،ويلاحظ هنا أن من يكون خارجاً من العمل السري ،بشكل عام،لايحب الأضواء ويفضل دائماً أن يمارس التأثير من وراء الستارة .

تصادم كهذا يتجسد أساساً بين حالتين:الحزبيون والمستقلون،حيث أن هؤلاء الأخيرين يأتون غالباً من أوساط ثقافية وأكاديمية وفي الفترة الأخيرة من أوساط رجال الأعمال،وإن كان الأخيرون أكثر قدرة على التأقلم بالقياس إلى المثقفين والأكاديميين مع بحر السياسة،فيمايلفت النظر أن المستقل الآتي”في ربع الساعة الأخيرة”إلى المعارضة من أوساط النظام الحاكم يكون غالباً ميالاً إلى المزاودة ورفع السقف ربما من “أجل غسيل ماضيه”وربما من أجل المرور من بين الصفوف إلى الصف الأول،ولكنه يختلف عن حالات المستقلين المعارضين الجدد في أنه أكثر خبرة في حرفة السياسة وفي كواليسها وطرقها،وليس مثل نظرائه الآخرين من المعارضين الجدد الذين يمكن أن يظهر الواحد منهم عند وجوده في مناظرة تلفزيونية أمام معارض حزبي قديم وكأنه مثل فريق محلي سوري بكرة القدم أمام فريق ريال مدريد.

في المجمل،من الطبيعي أن تظهر ظواهر مثل(المعارضون الجدد)عند تآكل وانتهاء صلاحية أنظمة سياسية سادت لعقود طويلة من الزمن،وذلك في مرحلة انتقالية تخوض غمارها غالبية الشرائح الاجتماعية في مجتمعات عربية عديدة،وأن تأتي ظواهر مثل هذه نتيجة انقطاع أجيال العمل السياسي المعارض عن أن تسلم العصا لبعضها،كمافي سباقات الألعاب الأولمبية،حيث كانت تنتقل الخبرات في الأحزاب من الجيل الأقدم إلى الجديد،ولأن يظهر بعض القياديين الجدد للمعارضة أووجوه اعلامية تعاني نقصاً خطيراً في فهم حرفة السياسة بكافة أبعادها وجوانبها.

السؤال الآن،بعد أن قامت المجتمعات التونسية والمصرية،وعلى مايبدو أن المجتمع اليمني كذلك،بتفادي تسليم مقود السياسة إلى المعارضين الجدد بدلاً من القدماء:هل سيحصل هذا كذك في مجتمعات عربية أخرى،أم لا؟….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى