صفحات الناس

المعضمية: الطعام مقابل العَلَم/ فادي الداهوك

يستغل النظام السوري حصاره للمناطق المعارضة وتجويعها من اجل تحقيق انتصارات قد تبدو غريبة بعض الشيء. على سبيل المثال، خلال الأسابيع الماضية توصل النظام وكتائب الجيش الحر إلى اتفاق هدنة في مخيم اليرموك، يقضي بإدخال المساعدات الغذائية إلى المخيم مقابل خروج المسلحين الغرباء عن المنطقة، ويقصد بالغرباء هنا، المسلحون السوريون الذي قدموا من مناطق مختلفة وانضموا إلى الكتائب المقاتلة في المخيم.

 مجدداً يفتح النظام بازاراً مشابهاً لما فعله في المخيم، لكن هذه المرة مع مدينة معضمية الشام الواقعة غرب العاصمة دمشق. هدنة المعضمية لها أثمان عديدة، أكثر فصولها غرابة هو قطعة قماش يرفعها أهل المعضمية أعلى خزان المياه الموجود في المدينة. تلك القطعة هيَ العلم السوري، الأسود والأحمر بنجمتين خضراوين في الوسط، والذي يصفه المعارضون بـ”علم النظام”.

 التوصل إلى الهدنة التي كان رفع العلم إشارة لبدئها، تفضي بأن يخرج المسلحون الغرباء ويبقى مسلحو المعضمية، فتحصل المدينة على الغذاء والدواء ويتوقف القصف ويخرج معتقلوها. بناءً على ذلك، حددت مدة 72 ساعة كمرحلة اختبار لتنفيذ الهدنة، انقضى 24 منها دون بوادر حول ما إذا كانت الهدنة ستدخل حيز التنفيذ أو تفشل.

 يقول عضو “تنسيقية معضمية الشام”، محمد المعضماني، في حديث لـ”المدن”، إن الهدنة تم التوصل إليها بعد شهرين من المفاوضات، رافضاً ما يقال أن ذلك كان استسلاماً في وجه النظام. وأوضح أن الهدنة نابعة من مسؤولية أخلاقية من الكتائب المقاتلة والنشطاء تجاه المدنيين المحاصرين في المدينة والبالغ عددهم 8500 شخص. وهؤلاء يعانون منذ عامٍ كامل من الحصار الذي فرضته قوات النظام على المدينة ابتداءً من تاريخ 18-11-2012.

 الحصار كان خانقاً لدرجة أن أحداً لم يستطع إدخال أي من المواد الغذائية أو الطبية، وكانت كلفته 11 شخصاً، ستة أطفال، ثلاث نساء، ورجلين مسنين، قضوا من شدة الجوع ونقص الأدوية.

 “الجوع كافر..، والله، سنة كاملة مافي ولا حبة رز، ما حدى حاسس فينا”، يقول المعضماني. ويضيف “السكان اعتمدوا على زراعة مساحات أمام بيوتهم بالخضار لحل مشكلة نقص الغذاء”، لكن ما لم تستطع القذائف أن تطاله من الزرع قضى عليه البرد.

 يوضح المعضماني، أن بمقدور الجيش الحر التصدي لقوات النظام والاستمرار في ردعها عن دخول المدينة، لكن ما ليس بمقدورهم هو إدخال المواد الغذائية والطبية. ومن هنا كانت ضرورة القبول بالهدنة التي طرحها النظام.

وهي هدنة، ستحقق مكاسب مهمة للنظام، يشرحها المعضماني قائلاً “الكتائب المقاتلة في المدينة، استطاعت شلّ حركة النظام عن اوتوستراد الأربعين”. هذا الاوتوستراد هو شريان رئيسي يصل دمشق المدينة مع الغوطة الغربية. ويضيف “طلب النظام تأمين هذا الاوتوستراد وتوقف الكتائب عن استهداف قواته التي تحاول التنقل من خلاله”.

لا يكفي أن يكون الاوتوستراد صلة وصل بين الغوطة الغربية ودمشق حتى يطلب النظام تأمينه، فهناك أسباب إضافية. يوضح المعضماني أن “هذا الخط يشكل خطراً على النظام، هو يخشى كثيراً بقاءه خارج سيطرته، لكونه مدخلاً إلى مدينة دمشق أولاً ومعبراً أساسياً لاقتحام مطار المزة العسكري والفرقة الرابعة من جهة ثانية”.

 بهذا الشكل، يؤمن النظام حماية مقراته الحساسة التي تحيط بالمعضمية، وهي من الجهة الشرقية مطار المزة العسكري والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة التي تؤازر النظام بقوة في أي عملية يخوضها على مداخل المعضمية، ومن الجهة الشمالية تقع الفرقة الرابعة، وفي الشمال الشرقي على أطراف المعضمية تتواجد الأحياء التي توصف بالأحياء الموالية، ومن الجهة الغربية مساكن الضباط والشرطة وكتيبة الكيمياء وكتائب عدنان الأسد.

 ولم يأتِ اتفاق الهدنة بسبب اضطرار النظام لحماية قواته فحسب، بل إن المعضماني يقول أنه أيضاً جاء نتيجة لضغط سكان الأحياء الموالية على النظام من أجل فك الحصار، بسبب تأثرهم به بشكل أو بآخر. على سبيل المثال هم غيروا الطرق التي تؤدي إلى العاصمة حيث أن عدداً كبيراً منهم موظفون، أصبحوا يتخذون طريق صحنايا الذي يقودهم إلى المتحلق الجنوبي ثم أخيراً إلى دمشق.

 وفور إعلان نبأ الهدنة صدر بيان موقع باسم “تنسيقية معضمية الشام” يتهم كتائب من الجيش الحر ونشطاء ببيع المدينة لقوات النظام، الأمر الذي يرد عليه المعضماني بالقول إن “صفحة تنسيقية المعضمية قام الفايسبوك بإغلاقها خمس مرات، فاستغل النظام أو أشخاص متعاونون معه هذا الأمر وقاموا بإنشاء صفحة مشابهة لصفحتنا”. ويضيف “هؤلاء هم وراء البيان الذي تم تناقله على بعض وسائل الإعلام” مشيراً إلى أن الصفحة “صفحة أمنية بامتياز، إذ لا يعقل أن تقوم تنسيقية ثورية بكشف أسماء قادة كتائب ونشطاء”.

 حوصرت المعضمية، بالرصاص والجيش والبرد والجوع، وبعدما كانت أفواج  نساء المعضمية في التظاهرات توصف بأنها “عراضات رجال”، وضاقت الأمور أكثر، إلى درجة أن سوريين من سكان هذه المدينة ماتوا من الجوع، وسيُسمح لهم بالأكل مقابل أن يرفعوا العلم السوري.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى