صفحات العالم

المفاجأة السورية

 


ساطع نور الدين

الشرخ يزداد عمقاً بين النظام والشارع في سوريا. ما جرى يوم الجمعة الماضي كان شاهداً على أن كل ما سجل طوال الأسابيع الخمسة الماضية من إشارات متبادلة لم يكن كافيا، ولا كان مقبولا. أسوأ ما فيه انه كشف ان النظام ما زال في حالة إنكار للأزمة، والشارع ما زال في حالة استشكاف لها.. والجانبان يعبران عن الرغبة في المواجهة، وفي اختبار موازين القوى، من دون أي حساب للخسائر، ولا للخاتمة الحتمية في مثل هذه الحالة.

الحوار مقطوع، لأنه ليس لديه قنوات. فلا النظام ترك قناة واحدة يمكن أن ينتظم فيها مثل هذا الحوار، ولا الشارع يستطيع أن يعثر على تلك القناة، التي يفترض أن تستبعد المؤسسة الأمنية، وتفتح الأفق لتسوية سياسية ما زال كثيرون في الداخل والخارج يراهنون عليها، ويتوقعونها ويدفعون من أجلها.. مع أنها تكاد تصبح مستحيلة، في ضوء اللغة الرسمية التي تغرق في التشدد وفي ضوء اللغة الشعبية التي تميل نحو التجذر، وفي ضوء تكوين الجانبين وتاريخ الافتراق بينهما.

لم يقل النظام كلمته الأخيرة. وكذلك الأمر بالنسبة الى الشارع. ما زال الاعتقاد الرسمي الشائع أن الامر هو مجرد عارض تونسي أو مصري سيزول بسرعة باللجوء الى بعض المهدئات الموضعية. وما زال الاقتناع الشعبي الراسخ هو أن السوريين ليسوا أقل وعياً وجرأة من بقية أشقائهم العرب. القاسم المشترك الوحيد بينهما هو الإيمان العميق بأن الآخر سيتراجع في أي لحظة، ليتفادى المواجهة الكبرى، التي لا تخدم مصالح أحد، وتكون كارثة على الجميع.

النظام يكرر أخطاء زملائه العرب بشكل حرفي وممل، في السياسة والأمن والإعلام. والشارع ايضا يكرر تجارب الشارعين التونسي والمصري وحتى اليمني بشكل متقدم ومفاجئ فعلا، ما يساهم في بلورة خطاب يحمي الوحدة الوطنية ويحفظ التعدد الديني والثقافي والاجتماعي، ويمهد لمخرج هادئ من الازمة، ثم لبديل سياسي يتمتع بالشرعية والمصداقية أكثر من الوضع الراهن.

الجانبان في وضع صعب. في مرحلة تجريبية حرجة. لكن المفاجأة السورية يمكن أن تكون باهرة: المواجهة ليست قدراً، والحرب الأهلية التي يخشاها كثيرون من السوريين وأشقائهم وأصدقائهم ليست خياراً. ثمة دلائل على أن خطرها يبتعد شيئاً فشيئاً ليحل محلها خطاب هادئ ومتزن حتى من أشد المتطرفين من داخل النظام ومن صفوف المعارضة، التي اختارت أن تتعالى على الجراح المتلاحقة، والتهديدات المتكررة، وأن تكون أقرب الى النموذج المصري الذي حقق مصالحة تاريخية فعلا بين أحزاب وتيارات كانت حتى الأمس القريب تنفي وجود الآخر وتطمح الى استئصاله.

ليس متوقعاً من النظام سوى أن يستمر في حالة الإنكار والقمع، التي تعمق مأزقه وتخرج معارضة منظمة، تجمع، للمرة الأولى في التاريخ السوري الحديث، العلماني مع الإسلامي والقومي مع الوطني (والسني مع العلوي..) في جبهة واحدة، تبدو لغتها وحواراتها المتداولة على شبكة الانترنت أشبه بالوعد لسوريا الحديثة وشعبها الذي يستحق الإصلاح والتغيير مثلما استحقهما المصريون والتونسيون.. بأقل قدر ممكن من الدماء والآلام، ما سيفاجئ أعداء ذلك البلد العزيز.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى