صفحات الحوار

المفكر اللبناني الياس خوري: الثورة السورية متروكة في العراء


حوار: سيد محمود حسن : الاهرام

يصنف الكاتب اللبناني الياس خوري بين فئة من الكتاب يسمونهم كتاب الضمير فكتاباته الروائية كما كتاباته الصحفية والنقدية تسعي الي خلق سؤالها المجتمعي انطلاقا من مسؤلية الكاتب في التغيير.

لذلك نالت اهتماما نقديا واسعا وترجمت الي عدة لغات ومنها: الجبل الصغير والوجوه البيضاء و باب الشمس وكأنها نائمة وكل هذه الروايات سعت الي بلورة سؤالها حول خصائص الهوية اللبنانية الي جانب بناء سردية خاصة عن الماسأة الفلسطينية. واليوم يركز خوري كتاباته الصحفية كلها باتجاه دعم الثورة السورية وتفكيك خطاب الاستبداد الداعم لنظام بشار الاسد سواء كان خطابا تنتجه الجماعة الثقافية أو تفرزه تحالفات القوي الاقليمية.

و في الحوار التالي يكشف الياس خوري الذي زار القاهرة مؤخرا للمشاركة في مؤتمر نظمته الجامعة الامريكية عن الادب والثورة يكشف رؤيته لما جري في سوريا وافاق الثورة المصرية وهي تخوض مخاضها الصعب نحو بناء نظام ديمقراطي. كما يتحدث عن العقدة التي لم تتخلص منها الرواية اللبنانية حتي اليوم

– منذ الأيام الاولي للثورة السورية وانت من الداعمين لها فعلي أي اساس اتخذت موقفك في ظل تعقد علاقة المثقفين اللبنانيين بالنظام في سوريا ؟

كان طبيعيا أن انحاز للثورة السورية منذ اللحظة الاولي, فمعلوماتي عنها مستقاة من مصادر حية و من أصدقاء أعزاء كانوا دائما مصدر ثقة لي ومنهم ميشيل كيلو وياسين الحاج صالح والمخرج أسامة محمد وكنت مع هؤلاء في نقاش مستمر حول الاوضاع في بلادهم وبالتالي انا متابع دقيق لما يجري هناك منذ التحركات التي بدأت في العام2001 خلال ما عرف بـ ربيع دمشق و شرفت في المساهمة في هذا الربيع خلال رئاستي لملحق النهار الثقافي الذي تبني خطاب هذا الربيع الذي كان يبشر بالديمقراطية ويسعي لبناء دولة علي أسس اخري غير أسس دولة الاسد الاستبدادية ومن ناحية فقدت علي الصعيد الشخصي أصدقاء لبنانيين في حومة تعقد الوضع اللبناني السوري سواء علي يد عملاء النظام السوري في لبنان أو حلفائه بداية من المفكر مهدي عامل وصولا الي صديقي المؤرخ سمير قصير وأخيرا أنا قادم من تجربة سياسية في المقاومتين اللبنانية الفلسطينية ولدي خبرة مريرة مع النظام السوري منذ مذابح تل الزعتر وحتي حرب المخيمات وطوال تاريخي ربطت بين النضال من اجل الحرية ومن اجل تحرير فلسطين ومقاومة الاحتلال جنيا الي جنب مع نضالي ضد الاستبداد كل ذلك وجوه لما اسميه النضال الوطني و بالنسبة لي كان الموقف واضحا وبسيطا, هناك نظام يقمع شعبه وهناك شعب ينتفض لكرامته بعد ان فرض عليه الصمت وتحولت سوريا كلها الي مملكة للصمت وعندما رأيت الشعب يريد الخروج من هذه المملكة أخترت ان اكون في صف الناس.

وكيف تفسر التباس مواقف المثقفين اللبنانين من احداث الثورة السورية ؟

– هذه الالتباسات لها علاقة بالتركيبة الداخلية في لبنان وهي تركيبة أفخر بأنني لست جزءا منها, فهي تركيبة سياسية قائمة علي الولاء للطوائف وانا لا انتمي لاي طائفة, فقط أنا مواطن عندي قناعاتي الفكرية وهناك التباس أخر علي المستوي الثقافي قائم علي نوستالجيا يروج لها بعض يساري الماضي وتبرر دعمها للديكتاتور بزعم تبنيه لخطاب قومي يقود تحالفه مع حزب الله بهدف مواجهة اسرائيل وما لا يعرفه بعض هؤلاء ان النظام السوري يدعم حزب الله في سياق حلف اقليمي مركب وليس في سياق النضال ضد اسرائيل

شخصيا لا اعرف كيف يكون هناك نظام وطني يقاتل شعبه وكيف يمكن ان يكون نظاما مقاوما ولم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان بل انه قام عمليا بطرد الفلسطينين من لبنان فطرد الفلسطينيين فعل سوري بامتياز, صحيح ان اسرائيل طردتهم من بيروت لكن حافظ الاسد هو من اخرجهم من لبنان واعتقد اليوم أن اي دعم لنظام بشار الاسد هو موقف لا اخلاقي. واي تبرير لجرائمه يدل علي كسل فكري.

وكيف تري الأوضاع في سوريا.

هذه الثورة متروكة لوحدها واي حديث عن دعمها هو حديث كاذب, فالدول الكبري تعرف ان اقامة نظام سوري ديمقراطي سيكون سؤاله الاول عن وضع الجولان وبالتالي السعي الي ادارة مختلفة للصراع مع اسرائيل.

– تؤمن اذن بأن النظام السوري استخدم صراعه مع اسرائيل لتعطيل أي تطور ديمقراطي.

* النظام السوري في جوهرعلاقته مع اسرائيل لا يختلف كثيرا عن نظام مبارك, صحيح ان مصر ذهبت باتجاه تسوية للصراع في كامب ديفيد الا ان النظام السياسي في بنيته ظل نظاما ديكتاتوريا قاد الناس الي ثورة ضده, الامر الذي يكذب دعاوي نظام الاسد من أن المقاومة تعطل الاصلاح, فالديكتاتورية قائمة علي بنية تفرغ المجتمع من طاقاته وخطاب المقاومة السورية لفظي فقط ويكفي أن تقارنه مثلا مع تجربة نظام جمال عبد الناصر في حرب الاستنزاف لتكشف اكذوبة المقاومة, كما أن بنية التسلط الاستبدادي داخله قامت علي تخويف المجتمع من الاسلاميين وبالتحديد المثقفين كأن هؤلاء لم يتعرضوا للقمع من الاستبداد ورأيي هذه هي الفزاعة الحقيقية التي استخدمت في سوريا منذ اللحظات الاولي لتشويه الثورة.

– كأنك هناك تشير الي مواقف بعض المثقفين الذين عارضوا الثورة السورية في البداية بزعم أن المظاهرات تخرج من المساجد.

القول بأن الثورات العربية مؤامرة من الغرب لاعادة انتاج اتفاقية سايكس بيكو جديدة هو ترويج لكذبة كبري, لأن واقع الحال يؤكد أن الغرب ظل يؤيد زين العابدين بن علي حتي ليلة سقوطه في تونس كما أن الولايات المتحدة ظلت تؤيد مبارك حتي بعد خروجه من القصر وبالتالي أنا اسأل: كيف يتآمر الغرب علي اكبر حليفين له في شمال أفريقيا ؟

ما اعرفه أن الغرب براجماتي غير مواقفه من الثورات حماية لمصالحه و بالتالي أي حديث عن مؤامرة كسل فكري لا يليق بمثقف حقيقي لا يريد ان يعترف بالعجز عن قراءة نبض المجتمع, أما فكرة الخوف من الاسلاميين فهي مريبة أيضا لأن اي مثقف يخاف من الاسلاميين هو غير واثق من ثقافته, فالمثقف النقدي اقوي فكريا بكثير من الأصوليين و من الإسلاميين و من ثم فالترويج ل اسلاموفوبيا في منطقتنا خيبة تؤشر علي عدم القدرة علي خوض نقاش جدي أمام ظاهرة حقيقية هي الصحوة الاسلامية التي سعي الي تحليلها مفكرين كبار تناولوا ما سمي بالصحوة الاسلامية واذا كنا جادين في عمل صحوة علي هذه الصحوة فعلينا أن نصغي جديا لما يجري في الشارع ونعمل علي تحليله من دون التعالي عليه و علينا ان ندخل في نقاش لنثبت أن الثقافة المدنية هي ثقافة المستقبل, لانها مع الحياة ومن ناحية أخري لا اعتقد أن أي نظام مهما كان يستطيع أن يعيدنا الي الاستبداد ودرس الثورات العربية كان واضحا جدا في تأكيد أن السلطة تسقط في الشارع وليس في الكتب ولذلك لا اخاف من اي ديكتاتور والنقطة الاخيرة يجب ان نفرض الحوار مع الاسلاميين فهم ليسوا بعبعا وعبر الحوار يمكن أن نستعيد تراث ثورة1919 القائل بأن الدين لله والوطن للجميع.

– انتقدت في المعارضة السورية ووصفتها بأنها معارضة تلفزيونية ؟

– أود أن اوضح أولا أن برهان غليون الذي تولي رئاسة المجلس الوطني السوري لفترة صديق حميم لي, و احترم مساهماته الفكرية وأري أن كتابه بيان من اجل الديمقراطية من اوائل الصرخات التي صاغت الأصوات التي تنادي اليوم بمقاومة الاستبداد, لكن المشكلة ان مجالس المعارضة تبني في الخارج وعبر اشخاص أغلبهم بلاخبرات تنظيمية سياسية والمعارضة السورية تحديدا ارتكبت اخطاء بسبب وجودها في الخارج وقد دعوتهم للنضال من الداخل مثلهم مثل الناس كما ان هناك ضرورة لتوحيد صفوف هذه المعارضة لتحيي التنسيقيات التي رعت الثورة في مراحلها الاولي

وتقديري أن نظام بشار الأسد سقط فعلا بعد أن أدي مهمته المجانية في تدمير سوريا لصالح القوي الاستعمارية التي استوعبت درس العراق جيدا و المشكلة علي الأرض أن القوي العالمية لا تقدم دعما حقيقا للثورة وتصوري أن دعم الاغاثة هو ضرورة انسانية اكثر منها سياسية ولا أظن انها محل خلاف كما أن المعارضة بحاجة الي سلاح لوقف الحرب, وهي ليست حربا اهلية كما يسعي البعض لتصويرها, لكنها حرب بين نظام استبدادي عشائري و بين الشعب السوري بالكامل.

– هل تعتقد أن المسار السياسي يمكن أن يعطل مسار الربيع العربي كما حدث في انتفاضة اطفال الحجارة ؟

التاريخ في النهاية نتاج صراع مارادات, وبالتالي الثورة لها مسار وانتصارها أو هزيمتها مرهون بسؤال هو كيف تدافع القوي الثورية عن نفسها ؟ وفي مصر آن الأوان أن تتعلموا السياسة بعد اربعين عاما من القحط السياسي لبناء مؤسسات تواكب العملية الثورية قبل فشلها, فالتاريخ يؤكد أن الثورات التي هزمت اكبر من التي انتصرت ومن ثم فانتصار قيم الثورة المصرية يلزمه بناء مؤسسات عقلانية ديمقراطية تؤمن بالتنوع وتعمل علي اجندة سياسية, لا مجال فيها للهوية الدينية, علينا ان ندير الخلاف علي اسس اجتماعية سياسية وليس علي اسس دينية فالخلاف علي الهوية اضاعة للوقت, فالهوية المصرية نتاج لتراكم طبقات لا يجوز التخلص من طبقة لصالح طبقة واحدة, فالفاشية التي تصنع هوية واحدة وتتمسك بها وبدلا من ان نضيع وقتا في النقاش حول هويتنا فلنجتمع علي برنامج اجتماعي ينقذ المجتمع كله وهنا سيتم انقاذ الثورة التي لابد وان تنتصر احتراما لما جري فيها من تضحيات.

_ تحدثت عن عملية تهميش جرت للمثقفين في العالم العربي, فكيف تنظر لوضع المثقف في سياق الثورات العربية ؟

قبل الثورة المصرية كنت أقوم بتدريس رواية ذات لصنع الله ابراهيم لطلابي في الجامعة و خلال الفصل الدراسي استنتجت أن المجتمع المصري مهيأ للانفجار في اي لحظة وتقديري ان الروائيين المصريين صاغوا ما اسميه وعي الاختناق وساهموا في صناعة لغة رفض النظام وبالتالي كان دورهم متميزا وعلينا ان نتذكر دلالة وقفة صنع الله ابراهيم لرفض جائزة الرواية العربية, وقف صاحب اللجنة ليفضح التحالف الرديء بين التنوير الزائف وعائلة مبارك. ولدي تصور ان كل الروائيين العرب صاغوا لغة الرفض ولكننا لانزال بحاجة لمن ينبي لغة المستقبل ورأيي الشخصي أن المجتمع المصري الآن بحاجة لمثقف كبير مثل نصر أبو زيد كانت لديه القدره علي خلق توليفة تضمن لنا الحوار الذي نطمح اليه في ادارة العلاقة مع الاسلاميين بشكل عقلاني, فنحن لدينا مشكلة عميقة في الفكر السياسي واليوم نجد أنفسنا مضطرين للعمل علي بناء فكر المستقبل.

– لدي ملاحظة عامة عن اعمالك, وهي انك ازاء مسألة اعادة تركيب الهوية اللبنانية انطلاقا من تجربة الحرب الأهلية والمسألة الثانية ارتباطك العضوي بالمقاومة الفلسطينية ؟

– رأيي انهما مسار واحد, اعادة صوع رؤية لمسائل المجتمع اللبناني ومنها الهوية لا يمكن فصل فلسطين عن هذه التركيبة فأنا جزء من بلاد الشام المترابطة بشكل وثيق/ فسايكس بيكو لم تغير واقع الجغرافيا السياسية ولا حتي علي تفاصيل الحياة اليومية وتقديري أن المأساة الفلسطينية اكبر ماسأة عرفها الضمير العالمي, فهي نموذج للقصة التي منعت من أن تروي وعند صدور رواية باب الشمس فوجيء العرب كيف صارت النكبة, فالقضية الفلسطينية منعت من أن تروي وكان هناك مخطط لمحو اسم فلسطين وقد استخدمت المحرقة النازية لتغطية الماسأة الفلسطينية وبالتالي فسؤال الهوية والطائفية والتفكك الاجتماعي سؤال واحد ضمن اعمالي يرتبط بما اسميه اكتشاف الحاضر فأنا اقرأ تاريخي من الراهن وليس العكس ورأيي ان المقترب السردي الذي اوجدته الف ليلة وليلة من خلال لعبة المرايا المتقابلة, هو القالب الامثل لبناء عالمي الروائي وجوهر فهمي لكتابة الرواية حيث تسلم الحكاية لحكاية اخري.

هل يعني أنك سعيت لبناء سردية مضادة للسردية الاسرائيلية عن الصراع العربي الاسرائيلي ؟

سعيت فعلا لبناء سردية فلسطينية مضادة لاسرائيل بحكم الواقع وعندما كتبت رواية باب الشمس كنت أرغب في كتابة قصة حب بين يونس ونهيلة المنفصلين بحكم الحدود التي وضعتها اسرائيل وبسبب مسار الزوجين في الجغرافيا تمت رواية عملية الشتات والقول بأن النكبة مستمرة, فالنكبة الفلسطينية بدأت عام1948 لكنها لا تزال مستمرة والمحاولة قادتني لبناء رواية من لسان الضحايا واقول ان هذه السردية مضادة أيضا للسردية العربية الشائعة, فالأدب الفلسطيني لم يكتب النكبة, صحيح هناك اشارات لدي غسان كنفاني واميل حبيبي ولكن لا يوجد نص للنكبة ربما بفعل الصدمة او بفعل الخجل من رواية الهزيمة.

في تقديري لا يوجد أدب نكبة, هناك خرس فلسطيني, عندما بدأت جمع روايات من شهود عيان واجهت صمت حالة خرس عام, لا اعتقد ان هناك اما تستطيع أن تروي كيف تركت ابنها تحت اقدامها وهربت, مثل كل النكبات في تاريخ البشرية وما فعلته باب الشمس انها أظهرت هذه الممارسات بحجمها الإنساني وفتحت باب الكلام عن النكبة.

– كنت من اوائل من كتبوا رواية الحرب اللبنانية و لا تزال الرواية اللبنانية غير قادرة عن التحرر من هذه العقدة ؟

لدي افتراض وهو أن الرواية اللبنانية ولدت في الحرب وقبل الحرب كان هناك روائيون رواد, لكن لم تكن هناك رواية, وكانت اللغة المهيمنة عليها لغة شعر وأغنيات الرحبانية وعندما جاءت الحرب خلقت لغة جديدة وكانت روايتي الجبل الصغير أول رواية عن الحرب وكان همي انطلاقا من دراستي للتاريخ, نحن بلد عاش موجات من الحرب, فحرب1863 لم تكن مذكورة في الأدب اللبناني وكان تحليلي هوأن اسقاط الحرب من الذاكرة النقدية والحفاظ عليها في الذاكرة الشفاهية دعم لفكرة التكرار وكان علينا أن نكتب تجربة الحرب الأهلية في السبعينيات لتصحيح خطأ اجدادنا, والنقطة الثانية هي تصحيح افتراض آخر وهو أن الحرب الاهلية لم تنته في العام1990 كما هو شائع فكل لبناني برأيي يعيش دائما علي حافة الحرب, فتسوية الطائف كانت هشة وقائمة علي تفتيت لبنان بين الطوائف وليس السعي الي توحيده ومن ثم فالحرب مستمرة ونحن نكتبها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى