صفحات سورية

الممثلة فدوى سليمان “نجمة” للثورة في حمص: لست صنماً ومن نبيذ جدي سأشرب نخب النصر


لأن اجهزة الأمن الأسدية عجزت عن قتل الممثلة الناشطة فدوى سليمان، أوكلت المهمة الى التحريض الطائفي، قائلةً لأهالي حمص التي فرّت اليها: علوية في دياركم، هيا اقطعوا رأسها. هنا بورتريه عنها.

بعد مشاركتها في تظاهرات كتّاب وصحافيين وفنانين وناشطين في دمشق، عقب انتفاضة درعا، اختفت الممثلة السورية الشابة المعروفة فدوى سليمان، وباشرت نشاطاً سرياً متنقلاً، قبل ان تظهر في حمص منذ تشرين الثاني 2011، فشاعت على الشاشات الالكترونية والتلفزيونية اشرطة مصورة تظهر فيها متصدرةً المتظاهرين في الخالدية وبابا عمرو، الى جانب الشاب عبد الباسط الساروت، حارس مرمى منتخب سوريا للشباب في كرة القدم. ثم تكاثرت الاشرطة التي تصوّرها توجه نداءات تدعو فيها السوريين، وخصوصاً تجار مدينة حلب، الى المشاركة في الانتفاضة السلمية، مشددةً على نبذ العنف والنعرات الطائفية. في نداءاتها المصورة هذه، تستلهم الممثلة الناشطة السورية ما سبق ان فعله ناشطون وناشطات في مصر، امثال اسماء محفوظ، عشية الثورة المصرية. جريا على عادتها في تقصي الحوادث الدولية وثورات “الربيع العربي” والتعريف بأعلامه وناشطيه الشبّان والشابات، قامت وسائل الاعلام الغربية، المرئية والمسموعة، الى جانب الفضائيات التلفزيونية العربية، باقتفاء اثر فدوى سليمان وسيرتها ونشاطها، وتناقل اخبارها، بوصفها نموذجاً من ناشطات الثورات العربية المعروفات والمميزات. ومن آخر ما اوردته عنها مواقع ومدوّنات الكترونية كثيرة، تقرير نشرته صحيفة “القدس العربي” اللندنية، نقلته عن صحيفة “يديعوت احرونوت” الاسرائيلية، فوجد اعلام النظام السوري ضالته في هذا التقرير، واتخذه برهاناً دامغاً على عمالة الممثلة الناشطة، وارتباطها بالمؤامرة الدولية على “سوريا الاسد”. اما مضمون التقرير الذي يروي وقائع من تجربة سليمان في الاختفاء والتظاهر، ومن مشاهداتها المروعة في بعض المدن السورية، فلا حساب له في اجهزة الاعلام الأمني السوري المتخصص في صناعة الخونة والعملاء، ومطاردتهم اينما حلّوا. يكفي ان ترد اسماؤهم في وسائل الاعلام الغربية او الاسرائيلية، ليصيروا من المتآمرين. فالاعلام الامني الأسدي وقرينه الصدّامي الراحل، لا يتصور ان للاعلام والثقافة والسياسة عملاً ووظيفة ودوراً تختلف عما يقوم هو به من عبادة القائد ونظامه، ومطاردة الخارجين على طاعته وعبادته لقتلهم. في هذه الحال، كل من ليس من حاشية القائد والنظام وأبواقه، خائن وعميل. هذه حال اسماء محفوظ واسراء عبد الفتاح ووائل غنيم (في مصر، ومعهم نوارة احمد فؤاد نجم) وسمير قصير ومي شدياق (وضمناً جبران تويني وسواه من شهداء “ثورة الارز” في لبنان، وتوكل كرمان في اليمن) وسائر النشطاء السوريين من فدوى سليمان الى رزان زيتونة وسمر يزبك وياسين الحاج صالح وغيرهم. فالاعلام الاسدي أورد معظم هذه الاسماء في سياق تعليقه على ما نشرته “القدس العربي” نقلا عن الصحيفة الاسرائيلية، ثم تساءل عن سر ما حظي به اصحابها من اهتمام وتقصٍ – يسميهما “دعاية” – في الاعلام الغربي والعالمي.

الجواب البديهي والتلقائي: جواسيس ومتآمرون. والدليل أن اساطين الاعلام الامني البعثي وحاشيته الاسدية، من امثال عماد فواز شعيبي (ناصر قنديل سوريا) واحمد الحاج علي وبثينة شعبان وامثالهم، لم يشملهم الاعلام الغربي باهتمامه و”دعايته”. فالإعلام في عرف الديكتاتوريات، وكذلك الثقافة والفن والسياسة، دعاية وامن وعبادة للقيادة.

التحريض على القتل

اما من رفعوا اصواتهم واقلامهم ومدوناتهم ونزلوا الى الشارع احتجاجاً على الجنّات الأمنية، الآمنة والرخية، في تونس زين العابدين بن علي، ومصر حسني مبارك، وليبيا معمر القذافي، ويمن علي عبدالله صالح، ولبنان وسوريا حافظ وبشار الاسد، فهم جاحدون مارقون، وصنيعة الاعلام الغربي والصهيوني ورعايته. والا لماذا “يسوّق” هذا الاعلام اخبار هؤلاء ويقتفي اثرهم؟! في تعليقه على حالة فدوى سليمان، يخاطب الاعلام الاسدي من بقي حياً في جنّته الدموية، على النحو الآتي: “صحيفة اسرائيلية تسوّق لممثلة سورية تسعى لمساعدة من لو اعتقلوها في حمص، لقطعوا رأسها، لأنها مختلفة عنهم طائفيا بالولادة”، أي علوية بين اهل حمص التي فرّت اليها هاربة من المطاردة الامنية.

فالنظام الاسدي يعتبر ان من يخرج على طاعته خائن وعميل، لأنه يحاول اقامة جسور ما بين جماعات النسيج الوطني السوري الذي عمل ذلك النظام على تمزيقه وتدميره واحتجاز اهله وترويعهم ومحو ثقافتهم طوال عقود من تسليط اجهزته الامنية عليهم، فتحولوا مجتمعاً مكتوماً محطماً وصامتاً، إلا في طقوس عبادة الأسد التي جعلها أخيراً، في ظل الانتفاضات العربية الزاحفة، عبادة دموية، ما إن سوّل اللهوُ لأطفال في درعا أن يكتبوا على جدار مدرستهم: “الشعب يريد إسقاط النظام”. تجربة اللبنانيين في زمن الاحتلال الأمني الأسدي لبلدهم، مريرة ومدمرة في هذا المجال. فكل من حاول في لبنان أن يقيم جسوراً ما بين جماعاته، إما اتهم بالعمالة والخيانة، وإما اغتيل. الشاهد الأسطع على ذلك اغتيال رفيق الحريري وسواه من شهداء الاستقلال. ولأن أجهزة الأمن الاسدية عجزت عن قتل فدوى سليمان، أوكلت المهمة الى التحريض الطائفي، قائلةً لأهالي حمص: علوية في دياركم، اقتلوها.

الوصية: لست صنماً

بعد مضي شهرين على بداية الانتفاضة في درعا، خرجت الممثلة فدوى سليمان إلى الشوارع متظاهرةً في دمشق. دفعها الى ذلك – على ما كتبت على صفحتها في الـ”فايسبوك” – مشاهدتها “أفلاماً قصيرة تصوّر أطفالاً حطّم الشبّيحة جماجمهم أمام انظار ذويهم الذين “تحدثوا عن عائلة أبيدت بوحشية مزعزعة”، “حطّمتني”، تقول. مساء، بعد تظاهرة شاركت فيها، اعتقل رسّام الكاريكاتور علي فرزات. بعد ساعتين “عثر عليه في زقاق مظلم”. على مثال ما اقتلعت أظفار أطفال درعا، وذوِّبت بالأسيد يد الصحافي اللبناني سليم اللوزي قبل عقود، واجتثّت حنجرة هتّاف الانتفاضة في حماة، ابرهيم القاشوش، حُطِّمت اصابع علي فرزات الذي، بعد العثور عليه، فرّت فدوى سليمان الى اللاذقية. أما بعد ظهورها في حمص، فقد ظهر شقيقها على شاشة تلفزيون “الدنيا” الدمشقي، معلناً “تبرؤ العائلة” منها. قال إنها “غادرت البيت قبل سبع سنين، وعلمتُ بأنها تتصل بأمي فقط بواسطة أرقام هاتفية سرية. وعندما رأيتها تقود التظاهرة في حمص، صُدمتُ. لقد نسيت القيم التي تربّت عليها، وهي ان المال ليس كل شيء. أنا اعلم انها حصلت على الكثير من المال من خارج البلاد”.

من حمص جاء جواب فدوى سليمان محاكياً وصيةً منها الى الشعب السوري. في ليلة سبت قررت التخلص من العلامة الفارقة التي تميزها، فأخذت مقصاً وجزّت شعرها الاسود الطويل، بلا رحمة، ثم أطلقت وصيّتها المصوّرة: “من المهم أن تعلموا، إذا ارغموني على الاعتراف على قناة “الدنيا”، فتلك علامة على أنني اعتُقلت وأُرغمت على ما قلت، فلا تصدّقوا اي كلمة. ولا تصدّقوا أبناء عائلتي او اصدقائي الذين ستجبرهم الوان التعذيب على القول إنني فاسدة وخائنة. هذه هي طريقة بشار الاسد”. تعقيباً على هذه الوصية كتب عمار ديّوب على صفحته في الـ”فايسبوك”، واصفاً حال حمص: “مدافع تدكّ، ورقص لا يتوقف. شهداء يشيّعون، وأحياء ينتفضون من جديد. يتوقف القنص، فيتنادى الشبان لإحصاء الأحباء وسحب الشهداء (…) في سوريا من الصعب ان يفهم العالم ما يجري، لأن سوريا للأسف، لم تدخل العالم”. لكن قارئ هذه الكلمات لا بد أن يضيف أن سوريا دخلت العالم والتاريخ منذ 18 آذار 2011. هذا ما حمل فدوى سليمان على الاعتراض على قول صديقة لها رأت أنها اصبحت رمزاً للثائرة العلوية الفنانة، ويجب أن تنتبه لتصرفاتها، فكتبت على صفحتها: “لست صنماً، ولا علوية ولا سنية. فالشعب السوري يُسقط الأصنام في بلده. لديَّ حبيب كباقي الناس. أصوم وأصلّي، لكن على طريقتي، وقد أشرب كأس نبيذ من الذي صنعه جدي… ومن نبيذه سأشرب نخب النصر”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى