صفحات الناسلقمان ديركي

المنحبكجي/ لقمان ديركي

 

المنحبكجي شخصية بلا شخصية. شخص لا يستطيع الحياة بدون ولي الأمر، وولي الأمر يأتيه دائماً على شكل قائد خالد لا يهرم ولا يموت في خياله. فإذا مات في الواقع فإنه يقبل بابنه ولياً على أمره حتى لو كان بعمر اولاده.

ومن البديهي أن لا يثق المنحبكجي بنفسه، فهو بلا شخصية لهذا السبب، ولا تغرك ثقته العميقة بنفسه عندما يحكي عن أمجاد القائد وبطولاته. ولا تأخذك ثقته بنفسه وهو يقبل الصرامي العسكرية والمدنية، فهو يكتسب هذه الثقة المفاجئة من رضا القائد وأولي الامر عليه، فهو ليس من نوع “اللي ادفشه وشوف ما اجحشه” فحسب. بل على العكس، فهو يبادر. يبادر بالنفاق حتى تنتبه إليه وسائل إعلام القائد، فيدخلونه بعد التقاطه إلى الغرفة المظلمة، ويحمضونه، ثم يظهرونه على الشاشات بصورة ناصعة واضحة لا لبس في ريائها ونفاقها ودونيتها.

وحتى لو قتل الأب القائد كل عائلة المنحبكجي فإنه لا يتأثر، لكنه يستخدم تأثره المفترض ويظهر من جديد باكياً لاعناً الإرهابيين الذين قتلوا أهله كما يريد أن يعتقد وممجداً القاتل. وبالطبع فإن القائد يغدق عليه، لأن وجود هذا الشخص هو من ضرورات وجود القائد. هذا الشخص عديم الشخصية، لا مواهب لديه سوى الكذب، وحتى لو كانت لديه مواهب من الأساس فسيكون قد أجهز عليها لعدم  ثقته بوجودها فيه.

لذلك فإن المنحبكجي يكره الموهوبين، يحاربهم كما يحاربهم القائد. فلا وجود للمواهب بوجود الأب القائد، فهو المعلم الأول والفنان الأول والكاتب الأول والشاعر الأول والمهندس الأول والطبيب الأول. يركض المنحبكجي بكل قواه للمشاركة في ردم المواهب ببلده. ينضم إلى حشد المنحبكجية من زملائه في الزحف عند سفوح نعل حذاء القائد، ويدنس التراب بيده وهو يتناول حفنة منه ويرميها فوق جسد الموهبة القتيل.

يشارك في دفن الجريمة حتى لو على أهله، فلا عزيز لدى المنحبكجي سوى القائد ولا غالٍ. ولا يغرك هذا الإنتهازي .المنحبكجي بكونه “مصلحجياً” سينتهي من حب القائد حال انتهاء مدة صلاحيته وسقوطه. هو يتخلى عن شخص القائد فقط، لكن عن القائد فمستحيل، فهو سرعان ما سيظهر كمنحبكجي للقائد الجديد دون تحميض وطبع حتى. إنه يجد مواهبه هنا، يجيد دوراً ضرورياً لكل الطغاة. دور الخاروف الراضي المبتسم السعيد في ظلال القائد الكريمة.

لا يستطيع المنحبكجي العيش دون حذاء على رأسه، سقفه الذي يحتمي به هو الحذاء. سقفه الذي لا يطرق رأسه فيه أبداً لأنه لم يجرب أن يرفعه أصلاً. يلمسه فقط عندما يتطاول لتقبيله، ويبالغ في إظهار محنه حتى ينتشي، وتنتشي معه قلوب المنحبكجية. لكنه ليس وديعاً كما تلاحظون إلى هذه الدرجة، لا، إن هذا الخروف يتحول إلى كلب شرس يقتل كل من تسول له نفسه أن لا يركع للقائد. يسفقه تقريراً يودي بسنسفيل أجداده. فالمنحبكجي يعرف أنه لا يستطيع التحرر من الحذاء، لذلك يتمنى أن يصبح الجميع مثله تحت الحذاء. لا أمل عنده بالتساوي مع البشر إلا إذا أصبحوا فاشلين مثله. المنحبكجي آخر قلاع المجتمع الأبوي، المنحبكجي أيقونة الطغاة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى