صفحات الناس

المهاجرات في صفوف تنظيم الدولة/ جلال زين الدين

 

 

يدور لغط كبير حول وضع المهاجرات في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، كما دار من قبل حول جهاد النكاح، لكن الواقع يثبت أن عدد هؤلاء المهاجرات آخذ في الازدياد، ولولا عمليات التشديد الأمنية لتضاعف عددهن. وتشير التقديرات إلى وصول قرابة 300 مهاجرة، خلال الشهرين الماضيين إلى مناطق التنظيم في سوريا، أما العدد الإجمالي لهنّ في صفوف التنظيم، فيقدر بين 2500 و3000 مهاجرة.

غالبية النساء المهاجرات غير عاملات ولا نشاط لهنّ، فقد حضرن مع أزواجهن أو محارمهن، ومنهن من يقمن بنشاط ميداني ودعوي ولا سيما الخليجيات. يقول أبو غيث الأنصاري: “معظم ما يتداوله الإعلام كذب وتحوير للحقائق، وتشويه لسمعة النساء العفيفات، فالنساء المهاجرات لا يختلفن عن نساء أهل البلد”. أما عن كيفية تجنيدهن في صفوف التنظيم، وشروط الالتحاق به، فيوضح أبو غيث: “أغلب النساء المهاجرات قدمن مع أزواجهن المجاهدين، ومحارمهن من الإخوة والآباء، ومعلوم أن معظم المهاجرين من فئة الشباب، ونادراً ما تأتي امرأة دون زوجها، وهؤلاء لا تتجاوز نسبتهن 2%”. ويعزو أبو غيث ذلك “لحرمة سفر المرأة من دون محرم من الناحية الشرعية، كما أننا لا نقبل في صفوف التنظيم المرأة دون سن الثامنة عشرة، طبعاً لكل قاعدة استثناء، ولكن الإعلام الكافر يركز على الاستثناء”.

ويلاحظ السوريون صدق هذا الكلام، فأغلب المهاجرات جئن مع أزواجهن، يقول مالك أحد محلات الأزياء: “كل زبائني الأجانب نساؤهم أجنبيات، ولم أر حتى الآن أجنبياً واحداً جاء بصحبة زوجة سورية”.

وتتفاوت العقبات التي تواجه النساء المهاجرات تبعاً لجنسياتهن، وأكثرهن تأقلمن مع المجتمع السوري، من أردنيات وخليجيات. ويفيد مقرّبون من التنظيم أن 40 في المئة من المهاجرات هنّ من مناطق القوقاز، و30 في المئة من التونسيات، و30 في المئة من بقية الجنسيات.

ومن العقبات التي تواجه المهاجرات، اللغة، وعدم تقبل المجتمع السوري لهنّ، ولا سيما من النساء السوريات. وقد قامت المهاجرات بسد هذه الثغرة، عبر اقتصار الاختلاط على نساء التنظيم. الشعور بالغربة والخوف دفع نساء التنظيم لحمل السلاح، حتى وهنّ يمشين مع أزواجهن. واللافت أن السوريات المتزوجات من عناصر التنظيم، بدأن بدورهنّ يحملن السلاح وكأنه موضة. ولعل مشكلة العودة للوطن تبقى العقبة الكبرى أمام المهاجرات. كما تواجه المهاجرات بعد مقتل أزواجهن، مشاكل اجتماعية، ومنها البقاء وحيدة بلا زوج، إذ أن الكثير من المهاجرين جاؤوا بأسرهم كاملة، والفتيات لا يجدن الراغبين بالزواج منهنّ.

زوجة أبو قتادة المصري القوقازية، هي نموذج للمهاجرة التي تقطعت بها السبل؛ فقد قتل زوجها، ثم اضطرت للزواج من أبو قتادة المصري، علماً أنّ لها ولدين أحدهما يقاتل في عين العرب والآخر في دير الزور. يقول أبو غيث: “أعراض أخواتنا المهاجرات أعراضنا، ونحن نحرص على صونها وحمايتهن، ونسعى ألا تبقى أي امرأة من دون زوج بعد استشهاد زوجها، فما أن تنتهي عدتها حتى يكون الزوج بانتظارها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أسوة حسنة”.

ويرجع أحد المحامين، ويدعى مدين، ذلك إلى عوامل عقائدية وشخصية “فالتنظيم لا يسمح لنساء المهاجرين بالعودة لاعتقاده بحرمة السفر لبلاد الكفر، فالتنظيم يعتقد أن كل البلاد بلاد كفر لأنها لا تقيم شرع الله، وبالتالي لا يحل للرجل فكيف للمرأة السفر لبلاد الكفر. ناهيك عن خشية التنظيم من كشف بعضهن لأسراره، فمنهن زوجات قيادات رفيعة، وسفرهن سيكشف بلا شك أسراراً عميقة للتنظيم”. ويوضح الأستاذ مدين مجموعة عوامل شخصية قد تلعب عامل سلبياً: “ومنهنّ من يرفضن العودة لأنهن فقيرات لا يجدن ما يسد رمقهن في بلادهن. وخاصة الدول القوقازية”. ومنهن من يخشين محاكمات الإرهاب والمساءلة والملاحقة القانونية في بلادهن”.

ولا يعني ما سبق، أن نساء التنظيم غير مؤمنات بفكر الدولة، إذ أن معظمهن يؤمنّ بالتنظيم ومنهجه، وقصة المرأة التونسية التي قتلها الثوار قبل أن تنجح بتفجير نفسها في معبر باب السلامة باتت على كل لسان؛ فبعد أن قتل زوجها في معارك أعزاز، صممت على الثأر له ولنساء التنظيم، تقول أم فؤاد من الريف الشمالي: “تفاجأت لدى سماعي أن هذه المرأة التونسية تركت طفلاً عمره ستة أشهر عند النساء المهاجرات، وأوصتهن به خيراً قبل أن تقدم على تنفيذ عملية انتحارية”.

فالمهاجرة تعتقد بأن مصيرها ارتبط مع التنظيم، ولعل قوانين الدول التي جئن منها وظروفها المادية تعمق وتزيد من هذا الارتباط. ويرى مدين أن هذه الأسباب وغيرها تقف عائقاً أمام المهاجرات: “بعض المهاجرات أشد شراسة من الرجال، فمن يرى تصرفاتهن (كتيبة الخنساء) مع نساء الرقة، يدرك أن هناك عقداً ومشاكل وراء هذه التصرفات، ناهيك عن الإيمان بفكر التنظيم”. ويتابع “النساء اللاتي حضرن –رغماً عنهن- دورات شرعية للتنظيم، يذكرن عجائب عن شدة وتعسف نساء التنظيم، على عكس المحاضرين من الرجال، الذين يحرصون على إظهار اللطافة والود”. فالمهاجرة التي تلقي محاضرة، تحرص على وجود البندقية إلى جانبها إظهاراً للقوة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى