صفحات العالم

المواقف العربية والدولية من الأزمة السورية


د. يوسف نور عوض

ظللت منذ فترة طويلة أتابع ما يجري في سوريا التي لم تعد تأتي منها سوى أخبار القتل والانفجارات والدمار، وجعلني ذلك أتساءل لماذا يحدث ذلك كله؟ فالمعروف أن أنظمة الحكم تحافظ على أمنها عندما تكون منتخبة من الشعب أو ممثلة له، لكن نظام الحكم في سوريا نظام مورث ولا يمثل إرادة شعبية، وحتى لوكان يمثل إرادة شعبية فلا يحق له أن يقتل شعبه على النحو الذي نراه الآن في هذه البلاد، ولو افترضنا نظريا أن حربا نشبت بين سوريا وإسرائيل، فهل كانت إسرائيل ستقتل من الشعب السوري مثل هذه الأعداد التي يقتلها بشار الأسد كل يوم؟ الإجابة بكل تأكيد لا، وذلك ما يجعلنا نتوقف لنقرأ خريطة المواقف العربية والدولية بالنسبة لما يجري في سوريا ولتكن وقفتنا الأولى مع جامعة الدول العربية التي من المفروض أن تكون لديها مسؤولية خاصة تجاه الأحداث التي تجري هناك.

ونبدأ بالدكتور خالد المهندس مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي صرح قبل نحو عام بأن الموقف العربي سيكون حاسما بعد أن تنتهي المهلة التي حددتها الجامعة العربية لإرسال مراقبين لوقف إطلاق النار في سوريا، لكن انقضى الآن عام ولم يتوقف إطلاق النار ولم تفعل الجامعة العربية ما هددت به، وكان أقصى ما فعلته هو أنها أوقفت عضوية سوريا في الجامعة العربية ولا يدري أحد كيف يمكن أن تكون تلك عقوبة توقع على النظام السوري من مؤسسة لا تؤثر عضويتها في أعضائها.

وإذا توقفنا عند مجمل ما قامت به الجامعة العربية تجاه الموقف السوري، وجدنا أنها بدأت باجتماع لوزراء الخارجية العرب في شهر مايو من العام الماضي لبحث اختيار خلف للأمين العام السابق عمرو موسى، وعلى الرغم من اعتصام عدد كبير من السوريين أمام الجامعة العربية من أجل أن يتخذ الوزراء قرارا يخص الوضع في بلادهم فإن الوزراء لم يحركوا ساكنا.

وفي شهر يوليو قام الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بزيارة إلى سوريا قال إنه طالب خلالها الرئيس بشار الاسد بأن يجري إصلاحات في بلاده، وأكد في الوقت ذاته أنه لا يحق لأي فرد أن يطلب من رئيس الجمهورية أن يتنحى عن منصبه، دون أن يحدثنا ما إذا كان رئيس الجمهورية قد أتى إلى منصبه بطريقة شرعية وما إذا كانت الإصلاحات هي مطلب الجماهير في شوارع سوريا ؟

وأما في شهر أغسطس من العام نفسه فقد قال نبيل العربي إنه يشعر بالانزعاج من تطور الأحداث في سوريا ولكنه لم ير أن الفرصة فاتت لإجراء الاصلاحات التي تنقذ الموقف السوري .

وفي شهر سبتمبر قام نبيل العربي بزيارة ثانية إلى دمشق قال إنه نقل خلالها إلى الرئيس السوري رغبة وزراء الخارجية العرب في إيجاد حل للأزمة الراهنة، وكأن حل الأزمة يكمن في يد الرئيس بشار الاسد دون سواه، وفي الشهر نفسه عقد اللقاء بين العربي ووفد المعارضة السورية وهنا جاء نقد ‘علي سالم الدقباسي ‘ لمواقف الجامعة العربية التي وصفها بأنها أضعف من مواقف مؤسسات أخرى.

وأخيرا قال ‘أحمد بن حلي ‘ نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية إن الأمل ضعيف في تحقيق هدنة بين النظام السوري والمعارضة بمناسبة عيد الأضحى.

وإذا نظرنا إلى مواقف الجامعة العربية كلها وجدنا أنها تعكس طبيعة هذه المؤسسة التي لا تملك من وسائل الضغط ما يمكنها من أن تفرض مواقفها على الدول الأعضاء

كذلك إذا نظرنا إلى مواقف الأمم المتحدة وجدنا أنها لا تقل ضعفا، إذ هي لا تتجاوز، إبداء القلق والخوف ويحدث ذلك لأن الأمم المتحدة لا تتحرك إلا بقرار من مجلس الأمن وهو المجلس الذي لا يستطيع أن يتجاوز في قراراته مواقف أي من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن مثل روسيا والصين اللتين تعارضان حتى الآن أي تدخل في سوريا، وذلك ما دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى أن يقول بأن موقف الأمم المتحدة يسمح للرئيس السوري بشار الأسد أن يقتل شعبه، ويقول ‘أردوغان’ ما لم تغير بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن مواقفها فإن الموقف في سوريا سوف يستمر في التدهور وستظل الأمم المتحدة عاجزة مثل ما كانت في حرب البلقان، وقال ‘أردوغان’ إن من حق الشعب السوري أن تتحقق له العدالة وهي عدالة لا يمنحها له الرئيس بشار الاسد.

وفي مقالة نشرت في صحيفة الغارديان البريطانية ورد ان هناك فشلا واضحا للأمم المتحدة والدول الغربية بشأن الموقف في سوريا، وترى الغارديان بحسب رأي عضو مجلس العموم البريطاني ‘بيتر هين ‘ أن الحل في سوريا يحتاج إلى تسوية سياسية تشارك فيها روسيا وإيران، ويرى هين أن العناصر المشاركة في المواجهة العسكرية في سوريا لن تكسب المعركة، ويذهب ‘هين’ إلى أن المطالب الغربية بتغيير النظام لن تفلح لأن الصراع في سوريا ليس بين النظام والشعب كله بحسب رأيه، وقال ‘هين’ إن الصين وروسيا لن تنخدعا مرة أخرى بتغيير نظام لم يقراه كما حدث في ليبيا.

وإذا نظرنا إلى كل ما كتب تبين لنا أن الجميع يقرون أن الأزمة في سوريا مستعصية لأنها ليست بين طرفين لهما أهداف ظاهرة، بل هي بين أطراف عدة خفية وظاهرة لكل منها غرضه غير المعلن، وذلك أخطر ما تواجهه الأزمة السورية التي لن يسمع الناس منها على مدى طويل سوى سفك الدماء بكون عناصر الصراع لم تتوقف لدراسة أبعاده بصورة شاملة، و لكن في كل الظروف فإن المآسي التي خلفتها هذه الأوضاع في سوريا يجب ألا تستمر ويجب أن يكون هناك نوع من التفاهم الدولي بحيث تتوقف أعمال القتل إذ لا يجدي أن تكون هناك مواقف دولية مؤيدة لنظام الأسد بينما تخلف المواجهات عشرات القتلى في كل يوم إلى جانب الدمار الذي يلحق بالمدن السورية ويؤدي إلى تشريد الآلاف من المواطنين ويجعلهم بدون مأوى . ولا نريد هنا أن نعفي النظام السوري من مسؤوليته لأنه حتى لوكان النظام لا يرضى عن الثورة القائمة ضده فيجب أن يدرك أنه يقتل أبناء شعبه، وبالتالي يجب أن يتوقف كل ذلك بكونه سيخلف مرارات في النفوس لن تندمل، كما أنه لا يجوز لأي نظام حكم أن يقتل أبناء شعبه على النحو الذي نراه في سوريا اليوم، ولا شك أن الأزمة السورية قد عكست ضعف النظام العربي بصفة عامة، لأنه على الرغم من وجود أكثر من عشرين دولة عربية فهي لم تستطع أن تنظم نفسها في كيان فاعل يمكنه مواجهة مثل هذه المواقف، ولا شك أن ضعف الجامعة العربية هو انعكاس لواقع الأمة التي لم تجد حتى الآن أرضية مشتركة يمكن أن تقف عليها.

‘ كاتب من السودان

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى