ابرهيم الزيديصفحات الثقافة

الموت رجلٌ أعمى/ إبرهيم الزيدي

 

 

في كل يوم أرسم طريقاً إلى البيت، وألوّنه، لعل أحلامي تسير عليه. أحياناً، أزرع على جانبيه أشجاراً، وأمحوها، خشية أن تتحول إلى حواجز، تستوقف الأحلام، وتدقق في بطاقاتها الشخصية. أحلامي ليس لها انتماءات طائفية، أو عرقية تحميها، لذلك سأجعلها تمشي بعيداً من الدروب، لعلها تصل إلى عينيّ قبل أن أنام.

أحياناً أرسم طريقاً ضيقاً إلى وطن لا أعرفه؛ وطن لا يعرفني؛ فينكر الطريق خطواتي، ويبقى محض افتراء!

لن أرسم طريقاً بعد اليوم. سأخرج من حديقة الأوهام، قبل أن ينتشر المتحاربون في محيط غيابي، وأبحث في أوقات الفراغ عن أسماء القتلى الذين سقطوا من شريط الأخبار، وأتحدث إلى الأرامل والأمهات عن فضائل الشهادة بروح ميتافيزيقة. فخداع الثكالى من الأرامل والأمهات أسهل من إقناعهن. سأنزع من ساعاتهن عقاربها قبل أن تفرّغ سموم الوقت في سماء انتظارهن. ربما سأبحث للموت عن معنى، وأمضي غير آسف سوى أن اللغة حاولت استعارته منيّ، ولم تنل سوى المجاز!

سأعتذر لأطفالي عن عدم اهتمامي بهم، وأخبرهم أني قد أهديتُ إليهم وطناً من كلام، ثم أرسم حفرة وأدفن فيها أحلامي، قبل أن تعود الحرب من تعبها، أو أشتري لها قبراً، أزيّنه بشاهدة، وأكتب عليها بالخط الكوفيّ: الموت رجل أعمى، ولم يبق في سوريا أطفال يساعدونه على عبور الشوارع. ثمة رتل من الأمنيات يراود خيالي:

أريد أن أخرج من رياء العرب الاجتماعي، وأبحث عن امرأة قادرة على انجاب الوطن. لا أريد لقصائدي أن تعيش لاجئة. امرأة تستحق أن أستهدف حصونها براجمات الحب، وأرسم لها وردة على جدار يتوكأ على ما بقي من أحلامنا، لعل صوتي يمشي في تفاصيلها، قبل أن نسقط في إثم النسيان، أو نضيع في فرق التوقيت.

لا أريد امرأة من حبر، أكتبها على هامش الوقت، وتموت بين صفحات كتاب. أريد امرأة تعرف أن الحب هو الملعقة الوحيدة القادرة على الوصول إلى قاع هذه الحياة وتحريك السكّر الراكد هناك. امرأة تنثر جمرها في مواقد روحي، أتلمس طيفها كلما تماديت في خيالي، فالشجاعة الحقيقية التي تليق بإنسانية الإنسان، لا يمكن ملاحظتها خارج حلبة الحب. هناك، هناك فقط، يمكننا أن نشفى من انحطاطنا، ومن رغبتنا بما لا نحتاجه.

لقد أصبح وجعي الآن أكثر نضجاً، وأدركت أن سوريتي ليست ياسمين دمشق، أو فرات الرقة، ولا هي نواعير حماه، أو قلعة حلب. وهي ليست مزاراً للسيدة زينب، أو كنيسة في معلولا. سوريتي كل هذا بتاريخه، وتاريخه لا يمكن أن تصرفه أو تتصرف به الأحزاب المالية، أو العمائم، وإن طالت تحتها اللحى.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى