صفحات مميزة

الموقف الروسي من الأزمة السورية – محموعة مقالات –

 

روسيا التي ذهبت بعيدا/ علي العبدالله

لم تنجح الحركة الروسية، السياسية والعسكرية، النشطة في إخفاء عوامل الضعف التي تعانيها في ضوء العزلة السياسية والانهيار الاقتصادي الناجم عن اجتماع عاملي العقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط والغاز، ليس تراجعا فقط بل ووفرة اكتشافات ما يعني استمرار التراجع لفترات طويلة.

اعتمدت روسيا في ظل رئاسة بوتين الثالثة سياسة تصعيدية إن في دول الجوار القريب أو في أرجاء أخرى من العالم، وتبنت موقفا استراتيجيا أساسه استعادة نفوذها أيام الاتحاد السوفياتي، فرغم انخراطها في منظمة شنغهاي ومجموعة دول البريكس إلا أن موقفها الحقيقي هو استعادة موقعها في نظام ثنائي القطبية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، فالعمل على محاربة النفوذ الأمريكي وعرقلة خطط واشنطن وبرامجها مدخلا لإقناعها بالقبول بهذا المطلب/الخيار، والاعتراف بها كلاعب ومحاور دولي، وعقد اتفاقات ثنائية لمعالجة الأزمات الإقليمية والدولية. وقد انعكس ذلك في تحركاتها العسكرية والسياسية فقد اندفعت إلى التصعيد السياسي والعسكري فعملت على تعزيز وجودها العسكري في الساحة السوفييتية السابقة، من خلال قواعد عسكرية في طاجيكستان وقرغيزيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأرمينيا، ومن خلال تقوية منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم حالياً ست دول، هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأرمينيا، وتبنت عقيدة عسكرية قائمة على تعزيز الدفاعات الصاروخية، وتطوير المكونات القادرة على حمل رؤوس نووية(أنـــظمة الصواريخ غواصات نووية قاذفات إستراتيجية) ردا على نشر الدرع الصاروخي الأمريكي في أوروبا، ناهيك عن تحديث الأسلحة التقليدية ، وتم تشكيل قيادة عملياتية في البحر الأبيض المتوسط، حيث ترابط حالياً مجموعة سفن تابعة للأسطول الحربي الروسي بشكل دائم، بالإضافة إلى إنشاء شبكة قواعد عسكرية في منطقة القطب الشمالي، وجهت رسالة إلى الأمم المتحدة تطالب فيها بتسجيل مساحة مليون كيلو متر مربع من ارض القطب الشمالي كأرض روسية، ونشر قوات الدفاع الجوي ـ الفضائي الروسية في أرخبيل “نوفايا زيملا”، وقيام ألوية التدخل السريع وسفن الأسطول الحربي بالانتشار على طول طريق الشمال البحري. هذا مع الإكثار في استعراض العضلات وتبني تكتيك حافة الهاوية بتحليق طائراتها فوق دول أوروبية وتنشيط أسطولها في المحيط الأطلسي، وتلويحها باحتمال انفجار حرب عالمية.

ترافق هذا مع تحرك سياسي عبر تشكيل اتحاد جمركي، يضم دول الاتحاد السوفييتي السابق تحت اسم الاتحاد الأوراسي، إطارا موازيا ومنافسا للاتحاد الأوروبي، وتطوير دورها في منظمة شنغهاي والانخراط في مجموعة دول البريكس( الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل)، والاعتراض على تمدد الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو نحو حدودها الغربية واعتراضها على دخول جورجيا وأوكرانيا في الاتحاد والحلف ودعم الناطقين بالروسية في دول الجوار، وخاصة دول البلطيق، والضغط على بولندا والمجر وبلغاريا، كما تبنت مواقف مضادة للتوجهات الغربية، الأمريكية بخاصة، في سوريا ونسقت مع الصين وإيران لدعم النظام السوري وحمايته سياسيا عبر استخدام الفيتو أربع مرات ومده بالأسلحة والمال والخبراء العسكريين والفنيين، واستغلت العقوبات الغربية على إيران وعززت علاقاتها التجارية والعسكرية معها، واستثمرت حالة الفتور السائدة بين الولايات المتحدة وعدد من حلفائها، دول الخليج العربية على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، ومصر على خلفية تحفظها على القمع السياسي والإفراط في استخدام العنف ضد الإخوان المسلمين وتسييس القضاء، فعقدت معهم صفقات تجارية وتسليحية واستثمارية، وعقودا لبناء مفاعلات نووية مدنية، كل هذا على أمل إجبار واشنطن على التعاطي معها كالقوة العظمى الثانية والعودة بالعلاقات الدولية إلى نظام ثنائي القطبية.

لكن وعلى الرغم من الحركة النشط والسياسة الصدامية والعدوانية فليس أمام روسيا فرصة تحقيق حلمها بالعودة إلى النظام ثنائي القطبية لاعتبارات بنيوية وتقنية فاقتصادها أسير كعب آخيل، فاغلب موارد الدولة يأتي من مصادر غير إنتاجية رأسمالية، مصادر احفورية: النفط والغاز، وأسعارها خاضعة لتقلبات العرض والطلب، وقد انهارت بفعل الفائض الجديد الذي دخل السوق، وصناعتها تعاني من تدني تقني، وسياستها الصدامية تقود إلى سباق تسلح مع الولايات المتحدة(زادت ميزانية الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة بنسبة 17%، ومن المقرر أن ترتفع هذه النسبة في 2015 إلى30% وفي 2020 من 70- 100%، وهي قابلة للزيادة إذا تطورت المواجهة إلى سباق تسلح وحرب باردة)، مخصصات مالية ضخمة استنزفت موارد الدولة وحدّت من قدراتها على الإنفاق في مجالات تنموية وخدمية، خاصة مع استمرار العقوبات الغربية واحتمال فرض المزيد بالتوازي مع تطورات الوضع في أوكرانيا، وانهيار أسعار النفط وهروب رؤوس الأموال الخاصة إلى الخارج واضطرار الدولة لدعم الشركات التي أوشكت على الانهيار بسبب المقاطعة الغربية وسحب استثمارات الشركات الغربية(87 شركة صفت أعمالها أو خفضتها) وتراجع النمو إلى ما دون الصفر. وقد اضطرها تفاقم أزمتها الاقتصادية، بعد تراجع أسعار النفط إلى النصف وانهيار سعر الروبل وتضخم حجم الدين الداخلي والخارجي(الاحتياطي الروسي 414 مليار دولار، في حين أن الدين الخارجي 700 مليار، وديون الشركات الروسية 500 مليار دولار، خُمسها يجب أن يسدد عام 2015)، إلى إبرام عقود مقايضة مع إيران: نفط إيراني مقابل مواد غذائية، والى عقود غير مربحة كالعقد مع الصين لتزويدها بغاز لمدة ثلاثين سنة بقيمة تقدر بـ 400 مليار دولار بأسعار مخفضة مع تحملها كلفة تمديد الخط من سيبيريا إلى الأراضي الصينية بكلفة 55 مليار دولار.

اللافت أن واشنطن ليست مستاءة من التحرك الروسي ومن اتساع علاقاتها مع دول حليفة لها لأن في ذلك خدمة لإستراتيجيتها الجديدة بالتوجه شرقا لتطويق الصين والحد من تغوّلها على دول الجوار الحليفة للولايات المتحدة، بل يمكن القول إنها مرتاحة له لأنه يمنح روسيا حصانة ضد الوقوع في حضن الصين التي تسعى واشنطن منذ بعض الوقت لاحتواء تمددها العسكري وتقييد صعودها الاقتصادي والحد من هيمنتها على دول شرق آسيا بشكل خاص، خاصة وهي تلمس عدم الارتياح الروسي لصعود الصين وتطورها الاقتصادي والعسكرية وتحركها لأخذ موقع سياسي معادل لمكانتها الاقتصادية وقد عبرت عن هذا الاستياء بموقفها المتحفظ من خطط الصين الاستثمارية في البنى التحتية في دول في آسيا الوسطى تقع على طريق الحرير الجديد وتتجنب، في الوقت نفسه، الأراضي الروسية مما يسمح للصين بالسيطرة والهيمنة في مناطق نفوذها التقليدي ويهددها بالتهميش، خاصة وإنها لا تستطيع منافسة الصين في تحركها في الإقليم بسبب حجم الأموال المطلوبة لذلك.

يبدو حال روسيا بوتين كحال بطل رواية الشيخ والبحر للروائي الأمريكي ارنست همنغواي ففي محاورة في داخل بطل الرواية(الشيخ) الذي فشل في حماية سمكة أبو سيف عملاقة، اصطادها وربطها إلى المركب، من مهاجمة اسماك القرش لها وأكل معظم لحمها، يسأل نفسه: من الذي هزمك؟. ويجيب: لا أحد أنا الذي ذهب بعيدا.

المدن

 

 

 

الدوامة الروسية لن تصنع سلاماً في سوريا!/ غازي دحمان

تتصرف روسيا في الملف السوري بزعم أنها تملك تفويضاً من المجتمع الدولي لحل عقدة هذه الازمة، وينعكس ذلك على سلوكها تجاه الأطراف المحلية والإقليمية، حيث تحضر المكابرة الروسية بكثافة في كافة تفاصيل تعاطيها مع الملف، بالأحرى تتعامل روسيا تعامل المنتصر والذي بيده مصير الملف السوري برمته ولم يبق سوى انتظار خروج الدخان الأبيض من الكرملين ومعرفة كيف سيكون عليه مستقبل سوريا!.

وتتصرف أميركا وكأن سوريا أرض سائبة توزعها كيفما تشاء وترضي حلفاءها وخصومها الإقليميين، فهي من جهة تمنح روسيا تفويضاً لإدارة الجغرافيا والسياسة في سوريا، ومن جهة ثانية تتفق مع تركيا على إجراءات معينة في شمال سوريا، ومن جهة أخرى تغض النظر بما يصل إلى حدود إعطاء الضوء الأخضر لإيران لتتصرف كيفما تشاء في مناطق واسعة من سوريا؟.

من هذين السلوكين الشاذين يراد توليد عملية سلام في سوريا، وتحضر الأمم المتحدة بوصفها القابلة، غير أن مبعوثها الخاص ديمستورا يرى أن الولادة لن تكون طبيعية بل قيصيرية ولكن ليس من الخاصرة بل من الأرجل، القاعدة، لضمان إنقاذ المولود، فيما يحضر العالم الباقي مباركاً هذه العملية، المهم هو الخلاص.

تستدعي موسكو وفود المعارضة الواحد تلو الآخر، في عملية لم تعد مفهومة، وربما الشيء الوحيد القابل للفهم فيها هو أن المعارضة التي تصمّمها موسكو وتهندسها باتت تشمل طيفاً واسعاً ومكونات عديدة تضم وزراء حكوميين وأبناء عائلات في السلطة وبعض المعارضة القديمة، وحتى اللحظة لم يغلق باب الاستقبالات في موسكو ولم تنتهي عملية الاستمزاج، وقد نصل في نهاية المرحلة إلى ولادة جسم معارض لا علاقة له بالمعارضة المعروفة ولا بمطالبها، إذ يكفي لمعرفة طبيعة هذه المعارضة الموسكوفية أن أغلبها يؤيد بقاء بشار الأسد في السلطة ويدعم ما يسمى «الجيش السوري»، ويطالب بمحاكمة الشعب الذي ثار على الفساد والقهر ويحمله المسؤولية!.

وتستقبل موسكو وفود الأنظمة العربية الرسمية، حيث زارها زعماء كل من الأردن ومصر وولي عهد الإمارات، ومن المقرر أن يزورها العاهل السعودي وأمير قطر وملك المغرب وأمير الكويت قبل نهاية 2015، ومن أسف ان هذا الزخم العربي لا يملك خطة محدّدة ولا تنسيقاً موحداً ولا مطالب متقاربة من موسكو، بل أن بعض هؤلاء يذهب إلى موسكو لتجاوز الإجماع العربي حول سوريا والطلب منها الاستمرار في سياساتها الداعمة لنظام الأسد بذريعة الخوف من الفوضى على سوريا بعد رحيل الأسد!.

بالمختصر المفيد، هذا نمط من الدبلوماسيات المتهافتة والتي لن تنتج سلاماً ولا عملية سلام من أصله وذلك لعدة أسباب:

أولاً: لان روسيا لا تعتمد مبادئ حسن النوايا في دبلوماسيتها بل تتعاطى مع الأمر وفق تكتيكات سياسية تعتقد من خلالها أنها قادرة على ليّ عنق الحقيقة وإجبار العالم على التسليم برؤيتها للحل في سوريا، وكل ما تصرح به عن عدم تمسكها بالأشخاص وأن تركيزها منصب على المحافظة على مؤسسات الدولة السورية ووحدة أراضيها ما هو الا تكتيكات لقبول الاخرين بالانخراط في العملية. ثم بعد ذلك تصل روسيا إلى خلاصاتها المجهّزة سلفاً انه لا يمكن الحفاظ على مؤسسات الدولة من دون بقاء أجهزة الجيش والأمن على حالها دون المساس بهيكليتها. وأنه لا يمكن الحفاظ على وحدة سوريا من دون بقاء بشار الأسد ونظامه وأن الشيء الممكن والمتاح تشكيل حكومة يكون للمعارضة فيها بعض الوزراء، لن تنتج روسيا غير هذه الصيغة ولن تجترح شيئاً ذا قيمة حتى لو أرادت ذلك فإن التكتيكات والمنهجية لن تخرج عن هذه الخاتمة.

ثانياً: لن تكون عملية سلام من أصله لأن القضية تجاوزت الأطراف المحلية وتجاوزت حتى قضية ثورة على نظام، فأين النظام الذي ثار عليه السوريون؟ ما هو موجود مجرد حاكم وكيل لإيران التي تمده بالسلاح والمال وتقود العمليات العسكرية والمفاوضات، ولم يعد ذلك مخفياً بل يجري في العلن. العالم هو الذي يتعامى عن رؤية هذا الواقع، وبالتالي كيف يكون هناك سلام وأجزاء كثيرة من الجغرافية السورية» القلمون من الزبداني حتى القصير» تحتلها إيران؟، إضافة إلى عمليات التطهير العرقي التي تقوم بها إيران وفي وضح النهار في دمشق العاصمة وفي أريافها الجنوبية والغربية بعد أن أنجزت العملية في حمص!.

ثالثاً: لأن الفاعلين على الأرض غير مدعوّين ولا معنيين أصلاً بكل تلك الحركة الفارغة في موسكو وغيرها من العواصم الأخرى وعينهم مصوّبة على دمشق، بمعنى أنه ما لم يتم حل جذر القضية المتمثل بتنحية بشار الأسد وتغيير منظومته من أجهزة أمنية وبقايا جيش طائفي فإن كل ما يجري هو أقرب إلى سيرك سياسي روسي يصدقه العالم لكن لا تصريف له على أرض الواقع.

لا دهاء روسيا في الوقت الضائع ولا إنتهازية أميركا وتذاكي إدارة اوباما ولا حرتقة بعض العرب ستجلب السلام لسوريا، كما أن إجراءات إيران لن تدوم وهي كمثل من يخط خطوطاً في البحر، بل أن كل هذه السياسات سترتد على صانعيها ما دام العالم مصراً على أن ينحرف عن الهدف الواضح والجلي في القضية السورية وهو الاعتراف بأن منظومة بشار الأسد برأسها وقاعدتها سبب كل خراب في سوريا والمنطقة.

المستقبل

 

 

 

 

 

جعجعة دولية من دون طحين سوري/ لؤي حسين

تكثر في الآونة الأخيرة أصوات في غير مكان موضوعها سورية وكيفية إنهاء الأوضاع فيها: اجتماعات، تصريحات، مبادرات، لقاءات، تسريبات، مجلس الأمن، الدوحة، طهران، موسكو، وبعض من حركة هنا وتحرك هناك، وإشاعات يتكرس تأكيدها بالتواتر الإعلامي فقط، كزيارة السيد علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني السوري، السعودية وعُمان. وتكثر إزاء ذلك التحليلات والتوقعات من جانب الصحافيين والمحللين والباحثين والمعارضين. وغالبية هذه التحليلات تستبشر قرب انتهاء الأزمة السورية، وإن بسيناريوات مختلفة يقارب بعضها حدود الخرافة.

لكنني أعتقد أن كل ذلك ليس غير جعجعة من دون طحين، كما يقول المثل الشهير. فإذ لا يختلف كثيرون على أن مبادرة السيد دي ميستورا لن تكون سوى مجاراة لزمن القتال إلى أن يحين إيقافه، وهذا يعني بعرف الأمم المتحدة تكريس ملف دائم للقضية السورية، فورشات العمل التي تقوم عليها المبادرة لن تتمكن سوى من إنتاج أوراق ووثائق يتطلبها «ملف القضية السورية» هذا. وقد لا يتأخر الوضع كثيراً حتى تُنشئ المنظمة الدولية هيئات ولجاناً دائمة لهذا الملف وغير ذلك من حاجيات التحول لتكون قضية ذات ديمومة غير مُقرّة، بل حتى عقد مؤتمر جنيف ٣، الذي يتم الحديث عنه ضمن هذا الضجيج، والذي من المفترض أن يُعقد بعد انتهاء عمل الورشات الأربع، من المؤكد أنه مثل سابقه لن ينتج عنه شيء مهم، إلا ربما وثائق جديدة تضاف إلى وثيقة جنيف التأسيسية.

غير أن الجعجعة الأعلى هي تلك التي تصدر من العاصمة الروسية، موسكو، التي تشهد تحركات مكثفة وعالية المستوى يشارك فيها حتى الرئيس بوتين من خلال لقاءاته مع زعماء ومسؤولين عرب ودوليين، إضافة إلى الاجتماعات التي عقدها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسية، مع وزراء خارجية آخرين، في مقدمهم جون كيري، الوزير الأميركي، وكذلك الاجتماعات التي عقدها معاونه السيد ميخائيل بوغدانوف، وأهمها اجتماعه في طهران بوزيري الخارجية الإيراني والسوري، واجتماعه بالسيد مايكل راتني، المبعوث الأميركي إلى سورية. هذا إضافة إلى تصريحات مسؤولي الخارجية الروسية بأنهم يعملون في شكل جدي على عقد موسكو ٣ تمهيداً لجنيف ٣.

تُظهر التحركات والتصريحات الروسية كأن الموضوع السوري قد وُضع جدياً على سكة الحل، وتكثر في خضم ذلك تسريبات عن قبول روسي بتنحي الأسد، وأخرى عن توكيل أميركي لروسيا بحل الأزمة السورية، وغير ذلك من حكايات وروايات تُظهر مسارات الصراع كأنها تحت السيطرة المطلقة، وأن إنهاء هذه المسارات ما زال متاحاً بيسر وسهولة، وأن طهران ستكون مفتش المحطة لهذه السكة، وأن إسرائيل لا علاقة لها ولا دور ولا مشورة بكل ما يجري.

يقوم العرض الروسي المدعوم إيرانياً على أن الإرهاب يجب أن يكون على رأس أولويات الاشتغال الدولي، بخاصة في سورية، وأن الخط البياني لتنامي «داعش» ما زال صاعداً، وأن التحالف الدولي الحالي ضد «داعش» غير قادر على ردعه أو إيقاف تمدده خارج حدوده قبل تشكيل التحالف، أي في العراق وسورية. بل وصل وجوده وعملياته إلى أكثر من بلد خليجي، فضلاً عن مصر وليبيا، وأخيراً تركيا. وهذا كله يقتضي بالضرورة، وفق موسكو، تشكيل تحالف دولي أوسع ضد الإرهاب (يمكن أن تشارك فيه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن روسيا لا تسعى إليه ضمن إطار المنظمة الدولية)، يكون النظام السوري شريكاً رئيساً فيه باعتباره صاحب أرض الصراع الأساسية مع «داعش»، وصاحب العدّة العسكرية الأهم بين أطراف الميليشيات الموجودة في سورية وربما في العراق. والزبدة في ذلك أن روسيا جاهزة، مع إيران، لضمان مشاركة النظام في مثل هذا التحالف والإشراف عليه وتزويده بالسلاح اللازم. وأنه تسهيلاً لهذا الأمر، فإن روسيا قادرة، إضافة إلى إيران، على إقناع النظام السوري بالمشاركة بتسوية مع معارضيه استناداً إلى وثيقة جنيف، بل ضم مجموعات «الجيش الحر» إلى هذا التحالف بعد تجميد صراعها مع النظام.

الخطة الروسية لتحقيق ذلك تنطلق من إضعاف الثقل الأميركي، وثقل مجموعة «أصدقاء سورية»، في الموضوغ السوري من خلال أطروحة توحيد المعارضة في وفد واحد مقابل النظام، وذلك بعد اعتماد مؤتمر موسكو مجموعات سياسية موالية للرئيس الأسد على أنها قوى معارضة، وهذا من شأنه إضعاف موقع الائتلاف السوري كـ «ممثل شرعي ووحيد للشعب السوري»، وفق اعتراف دول مجموعة «أصدقاء سورية»، والمكلف النطق بما تقول الدول المصنّعة له.

لكن المبادرة الروسية عموماً لا تتعدى تشكيل حكومة موسعة، تعطى لها الصلاحيات الاقتصادية والاجتماعية، وإبقاء الصلاحيات العسكرية والأمنية بقيادة بشار الأسد وتصرفه، لأن أي تغيير في هيكلية المؤسستين العسكرية والأمنية، أو أي تغيير في قياداتها، وفق الرؤية الروسية والإيرانية، سيعطي فرصة أكيدة لانتصار «داعش» والمجموعات الإرهابية الأخرى في سورية وفي دمشق تحديداً (أي هي الشروط ذاتها التي عرضها علينا النظام عبر وسطاء منذ أكثر من سنتين، ورفضناها حينذاك).

وترى موسكو، إضافة إلى الأخطار التي ستنجم عن أي مساس بتركيبة نظام الحكم في سورية، أنه لا يوجد أي بديل كفء للنظام، كما لا يوجد أي كيان عسكري يمكن أن يكون بديلاً عن مؤسسة الجيش السوري في مواجهة «داعش». هذا الرأي توافقها عليه واشنطن وغالبسة دول «أصدقاء سورية»، ما يجعل بعض دول الإقليم تقول أنها لا تشترط تغيير جميع قادة الحكم السوري بل تكتفي بتنحية الرئيس الأسد والإتيان بأي شخص بديل عنه، حتى لو كان علوياً! فتؤكد طهران وموسكو أن ذلك كفيل بانهيار النظام وتحوّل دمشق إلى فوضى عارمة، وهذا أيضاً توافقها عليه واشنطن وعدد من العواصم الغربية.

خطر شد الحبال هذا الذي يُمحور موضوع الأزمة السورية حول «داعش» والأسد لا يقتصر على استبعاد مطلق لإرادة السوريين، بل يزيح أساس الصراع من كونه صراعاً على الحقوق والحريات بين النظام ومعارضيه، إلى مجرد صراع مع الإرهاب أو عقاب لرئيس خرج عن الطاعة.

ما عرضته أعلاه ليس موقفاً من المبادرة الروسية بل رأي فيها، إذ على رغم قناعتي المطلقة بعدم وجود أي إمكان لحل الأزمة السورية بعدما تبددت مقومات الحل، فإنني لست ضد نجاح المبادرة أو المساعي الروسية إن كان يمكن أن ينجم عنها عمل جدي لإنهاء الأزمة السورية. لكنني لا أرى في هذه المساعي سوى محاولة روسية لاقتناص فرصة بهدف انضمامها إلى النادي الدولي وكسر العزلة الدولية عنها. وقد لا تكون كل هذه التحركات الدولية سوى إجراء جردة حساب دولية لإعادة رسم الحدود والتخوم بعد متغيرات ميدانية مهمة، ليس في سورية فقط بل في غير بلد عربي يشهد صراعاً مسلحاً، وبعد مضي سنة على بدء عمليات التحالف الأميركي ضد «داعش»، إضافة إلى إعادة التموضع الدولي في المنطقة بعد الاتفاق النووي مع إيران.

* رئيس تيار بناء الدولة السورية

الحياة

 

 

 

العرب: خيبة أمل من روسيا… بعد أميركا؟/ جورج سمعان

العرب يتوجهون هذه الأيام إلى موسكو. والروس أيضاً يحجون إلى المنطقة ويضعونها في سلم أولوياتهم. ثمة مصلحة مشتركة ورغبة مشتركة في بناء علاقات جديدة مختلفة. والواقع أن الطرفين ليسا وحدهما في هذا التوجه. أولويات جميع المعنيين بالشرق الأوسط واللاعبين فيه اختلفت في السنوات الأخيرة عما كانت عليه مطلع العقد. تبدل المشهد الاستراتيجي كلياً: دول عربية خلعت أنظمتها أو حكامها القدامى أو تسعى إلى ذلك. وأخرى سقطت في حروب أهلية لا تزال تعمل فتكاً بالحجر والبشر. ومسيرة المفاوضات لتسوية “القضية المركزية” لأهل المنطقة وقفت في العقبة الإسرائيلية. وإيران تتلمس طريق العودة إلى المجتمع الدولي. الاتفاق النووي فتح لها الأبواب واسعة. وانسحبت القوات الأميركية من العراق وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان. وتضاعفت تحديات الإرهاب بعد قيام “الدولة الإسلامية” في بلاد الشام وتدافع المبايعون لـ “خليفتها” في أنحاء كثيرة من العالم، من أفريقيا إلى آسيا. فضلاً عن تدني أسعار النفط فيما الاقتصاد العالمي لم يتعافَ بعد من أزماته وتداعيات الانهيار الذي ضربه نهاية العقد الماضي. ويستعر في خلفية المشهد السباق على سلاح الطاقة، خصوصاً خطوط الغاز وطرق امداده. وأبعد من الشرق، عادت الجدران ترتفع بين روسيا والغرب عموماً على وقع ما حدث ويحدث في أوكرانيا، وقبلها في جورجيا العام 2008. ويتصاعد التوتر في بحر الصين بين بكين وعواصم كثيرة في المنطقة وبينها وبين واشنطن.

لم تبقِ هذه التحولات شيئاً من الصورة السابقة. والأخطر أن كل هذه الأزمات لا تزال تعصف بلا أفق لحلول أو تسويات. بل هي تتناسل ويتوالد المزيد وتفرض تحديات تتعدى أهل المنطقة لتشمل العالم. فإلى تنامي الإرهاب وانتشاره وتوسع بنك أهدافه، يواجه العالم، خصوصاً أوروبا، تدفق اللاجئين من مناطق الصراع، من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي أزمة لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ منتصف القرن الماضي. وتواكبها تعقيدات ومآسٍ انسانية يبدو الجميع عاجزين عن مواجهتها. في حين أن المطلوب التوجه إلى معالجة أسبابها ودوافعها، أي الانخراط الدولي الجدي لإيجاد تسويات وحلول للحروب الناشبة قبل البحث عن توفير مأوى لجيوش من اللاجئين. والتكاتف الدولي أيضاً في جبهة مشتركة واسعة لمواجهة حركات التطرف بالبحث عن جذور المشكلات التي توفر لها بيئات لا تزال تمدها بعناصر القوة الفكرية والبشرية والمادية.

يعبر العرب في توجههم نحو موسكو عن رغبة في توسيع شبكة العلاقات والمصالح وتنويعها. ليس في الأفق جو استقطاب، كما في ايام الحرب الباردة. فلا روسيا ولا الولايات المتحدة عبرتا عن رغبة في العودة إلى زمن الحرب الباردة وحشر الدول الأخرى إلى الاختيار بين هذا المعسكر وذاك. العناصر التي قامت عليها تلك الحرب الباردة لم تعد قائمة. لا في الميدان العسكري ولا الاقتصادي ولا الايديولوجي. ولا تبحث موسكو بالتأكيد عن سبل وأعذار لمواجهة واشنطن بقدر ما تسعى إلى حماية مصالحها. ومثلها إدارة الرئيس باراك أوباما الذي أعلن منذ وصوله إلى البيت الأبيض أنه يعول على إشراك القوى الدولية الأخرى للمساهمة في إدارة شؤون العالم وتسوية أزماته. لم تعد أميركا قادرة بمفردها على هذه المهمة. ولا شك في أن العالم يدور في دوامة البحث عن قطب ثانٍ آخر أو أقطاب لبلورة النظام الدولي الجديد الذي سقط مع سقوط جدار برلين وما تبع ذلك من تداعيات على مستوى القارات كلها. وخير مثال أن البيت الأبيض والكرملين تعاونا معاً، في عز الأزمة الأوكرانية لطي صفحة السلاح الكيماوي في سورية. مثلما تعاونا في دفع إيران إلى تجميد برنامجها النووي، في ضوء حرصهما على منع انتشار السلاح النووي. ويبديان اليوم رغبة أكيدة في التعاون لمواجهة الإرهاب وحركاته. أبعد من ذلك يستعد الأميركيون للابتعاد عن الشرق الأوسط غير مبالين بما سيحدث في خريطة العلاقات والمصالح في هذه المنطقة. ومثلما أوكلوا أزمة أوكرانيا إلى أوروبا، أوكلوا أيضاً إلى الروس وبعض الشركاء في القارة العجوز وأخيراً تركيا مهمة البحث عن تسوية للأزمة السورية.

من حق العرب، وأهل الخليج خصوصاً، أن يبحثوا عن سبل جديدة لمراكمة مصادر القوة وتوسيع خريطة هذه المصادر وتنوعها وتعددها. ويلتقي الروس معهم في هذا المسعى. فليس قليلاً ما حل بالنظام العربي من ضعف وتفكك. وتحاول دول مجلس التعاون من سنوات نفخ الروح في ما بقي من هذا النظام. دعت الأردن والمغرب إلى مجلسها. ووقفت بقوة مع مصر التي ترى مصلحة استراتيجية في استقرار نظامها الحالي وتعزيز قوته العسكرية والاقتصادية. وأعاد بعضها فتح الباب أمام تركيا. هي لا ترغب في الابتعاد عن الولايات المتحدة أو الاستعاضة عنها. فالعلاقات التاريخية في شتى الميادين لا تسمح بمثل هذا الانقلاب الكامل الشامل. لكن تبدل صورة العلاقات الدولية في المنطقة بعد الاتفاق النووي يفرض عليها البحث عن قوة كبرى أخرى تستند إليها في الدوائر الدولية العليا. تلكأت في التوجه إلى موسكو بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. ولا تريد ملازمة هذا الخطأ. هي تدرك أن لروسيا حضوراً ودوراً في أزمات المنطقة، من اليمن إلى سورية وحتى العراق. وأن لها كلمتها في إيران أيضاً. وهي تراقبها في سعيها الحثيث إلى تنويع مصادر قوتها في الشرق الأوسط الذي خرجت منه مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار أنظمة عربية كانت تشكل لها سنداً وقاعدة، من “اليمن الجنوبي” إلى ليبيا والعراق وسورية.

وروسيا نفسها لم تهتم في العقد الماضي بتوسيع شبكة علاقاتها. انصب اهتمامها على بناء علاقات متينة مع الولايات المتحدة وأوروبا. واكتفت في الشرق بالقاعدة البحرية في طرطوس. مثلما اكتفت ببناء علاقات لا بد منها مع إيران جارتها الجنوبية وشريكتها في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. وأفادت من الصراع الغربي – الإيراني. ولم تتوان عن ابتزاز الغرب في علاقاتها مع طهران. لكنها تشعر اليوم، بعد المواجهة في أوكرانيا والاتفاق النووي، أنها تحتاج إلى تعويض خسائرها السياسية والاقتصادية بفعل العقوبات بالتوجه إلى شراكة مع العالم العربي المستاء أصلاً من التوجه الأميركي نحو الجمهورية الإسلامية. ولا تخفي قلقها من خسران الورقة الإيرانية. لم تعد هذه تصلح للمساومة والابتزاز. كما أن انفتاح الأبواب الدولية أمام الجمهورية الإسلامية يعفيها من وضع بيضها في سلة الروس وحدهم. كما أن الشركات الروسية قد لا تكون قادرة على منافسة غريمتها الغربية في السوق الإيرانية. وهذه خسارة أخرى. ولكن رغم ذلك يجب ألا يضع العرب في حساباتهم أن موسكو يمكن أن تتخلى عن علاقاتها مع طهران أو أن تدير لها ظهرها.

ترغب روسيا في ملاقاة العرب إلى علاقات استراتيجية ولكن ليس على حساب علاقاتها مع إيران. فهذه جارتها الأقرب وتنافسها في بحر قزوين وفي الحضور في أرمينيا وأذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى وفي العلاقات النفطية والغازية مع تركيا، مثلما تنافسها في سورية والعراق أيضاً. بالتأكيد لا ترغب موسكو في رؤية طهران تعود إلى دورها السابق “شرطياً” مدججاً بالسلاح والميليشيات من اليمن إلى بلاد الشام برمتها. ولا ترغب في أن تراها مجدداً حليفاً للغرب وهي تشعر بأن حلفه الأطلسي يسعى إلى تطويقها. ما تسعى إليه في صراعها المتجدد مع الغرب أن تستعيد ما كان لها من مكامن قوة، من مصر إلى العراق مروراً باليمن وسورية، وحتى الأردن الراغب هو أيضاً في علاقات متميزة معها نظراً إلى ما يربطها بالدولة العبرية حيث هناك أكثر من مليون إسرائيلي من أصل روسي.

المهم أن يدرك العرب أن روسيا لا يمكنها تلبية طموحاتهم، لئلا يصابوا بخيبة أمل مماثلة لخيبتهم من الولايات المتحدة. لعلهم يدركون أن سعيها إلى استعادة مواقعها القديمة في الشرق دونه عقبات ليس أقلها قدراتها الاقتصادية. وأن الاتفاق النووي كان ثمرة حوار بين إيران وأميركا أكثر مما كان ثمرة حوار بينها وبين الستة. وتظل أميركا الأكثر تأثيراً وفاعلية في ممارسة الضغوط العسكرية والاقتصادية في العالم. لذلك يمكن العرب ملاقاة رغبة موسكو في التعاون التجاري والاقتصادي والنفطي والغازي، بما يسمح لها بملاقاتهم في ميادين سياسية كثيرة. وعلى رأس هذه الحد من جموح طهران الإقليمي. وقد بعثت إليها برسالة واضحة بتسهيل مرور القرار 2216 الخاص باليمن. ومن ثم التعاون في محاربة الإرهاب والسعي إلى رؤية مشتركة لتسوية الأزمة السورية، ما دام أن أميركا نفسها تواكب التحرك الروسي لإيجاد مثل هذه التسوية. ومثلما أن الكرملين لا يرغب في مواجهات لا مع إيران ولا مع الغرب عموماً بقدر ما يسعى إلى حماية مصالح الدولة، يجب أن يبقى همّ العرب، مثلما كان، عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع جارهم الشرقي، أو إدارة الظهر لأميركا. هناك مصلحة مشتركة للحفاظ على الحضور الروسي والعربي والخليجي خصوصاً في سورية، فلا تقع بيد إيران ولا تقع بيد “داعش” وغيرها. وهناك أيضاً رغبة مشتركة في إعادة بناء سورية ومنع انهيار الدولة لئلا تنهار بلاد الشام برمتها.

الحياة

 

 

 

زعماء عرب بموسكو.. تدوير للمواقف أم احتواء لروسيا؟/ عامر راشد

تزامن الزيارات

تغيير أم ثبات؟

نقاط تقاطع

الحصيلة في الميزان

تواصل الدبلوماسية الروسية تركيزها على سياسة قنوات الحوار المفتوحة مع البلدان العربية، واستطاعت أن تحقق نجاحا ملحوظا في الآونة الأخيرة، وإن كانت نتائجها مازالت أقل من الخروج بمقاربات قادرة على خلق فارق في معالجة الملفات الساخنة.

أثار تزامن زيارات ثلاثة من القادة العرب إلى موسكو، ملك الأردن عبد الله الثاني وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد آل نهيان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جدلا واسعا في وسائل الإعلام العربية، تداخلت فيه تحليلات وتكهنات متضاربة ومتباعدة، لكن يكاد يجمع عدد غير قليل منها على بروز تقاطعات في المواقف السياسية من شأنها أن تحدث فارقا في غير ملف، من الملفات الساخنة في بلدان عربية.

فهل حقا أن تلك الزيارات كانت قادرة على إطلاق مقاربات جديدة، تخرج الدبلوماسية الروسية عن سكة المواقف التقليدية، التي سارت عليها موسكو خلال السنوات الأربع الماضية، أو على العكس من ذلك جذب دول عربية محورية إلى صفها، بقبول دول بعينها للمقاربات الروسية السابقة، وانخراطها مع روسيا في عمل مشترك؟

تزامن الزيارات

تنطلق التحليلات والتكهنات المتفائلة من أن تزامن زيارة ثلاثة من القادة العرب يعد حدثا مهما بحد ذاته، ودليلا على اختراق حققته الدبلوماسية الروسية، من شأنه أن يعيد زخم الحضور الروسي إلى المنطقة، في استذكار لعهده الذهبي، خلال حقبة الاتحاد السوفياتي السابق والمد القومي والناصري في العديد من البلدان العربية.

ويصل التفاؤل بأصحاب التحليلات والتكهنات المتفائلة إلى اعتبار أن زيارة القادة الثلاثة، وما سبقها من زيارات، ستقود إلى تحولات مفصلية في المواقف الروسية حيال الملفات العربية الساخنة، وفي المقدمة منها الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، جنبا إلى جنب مع ارتقاء العلاقات الثنائية الروسية العربية، على قاعدة تطوير المصالح المشتركة وتوسيع نطاقها، بينما تتراجع مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة، وباتت سياساتها تجاه الملفات العربية عاملا نابذا لحلفائها التقليديين.

في الضفة الأخرى، لا يجد بعض المحللين السياسيين إمكانية حصول تغيرات دراماتيكية في المواقف الروسية، وبالتالي يجب عدم المبالغة في الحديث عن تحولات وازنة، سواء في المواقف الروسية أو مواقف دول عربية، مثل الأردن والإمارات ومصر، تم التسليط عليها نظرا لتزامن زيارات قادتها إلى موسكو.

كنقطة معلومات، الهدف المباشر لزيارة كل من ملك الأردن، وولي عهد إمارة أبو ظبي، هو حضور المعرض الجوي الفضائي الدولي “ماكس 2015″، بينما كانت زيارة الرئيس المصري، مقررة سلفا منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي ينقض كل التحليلات والتكهنات التي تنطلق من حيثية تزامن زيارات عبد الله الثاني ومحمد آل نهيان والسيسي، دون أن يعني ذلك الانتقاص من أهمية المباحثات التي جرت بينهم وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعدد من كبار المسؤولين الروس، وما اشتملت عليه المباحثات والاتفاقيات الثنائية.

تغيير أم ثبات؟

بصرف النظر عن طبيعة الزيارات الثلاث، من حيث المهمة والتوقيت، إذا ما دققنا في جدول أعمال تلك الزيارات، وربطناها بموقع الأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر من الأزمات الساخنة، والقدرة على التأثير في مجرياتها أو في مواقف أطراف رئيسية في الصراع، لا يوجد ما يزكي الاعتقاد بأن المباحثات التي تخللتها تخطت حاجز تبادل وجهات النظر حول الأزمات المحتدمة في المنطقة.

ويلاحظ أن التغطية الإعلامية الروسية الرسمية توخت نسبيا وضع الزيارات والمباحثات في حجمها وسياقها، بتقديم بحث العلاقات الثنائية على ما سواها، وتناول الجانب السياسي من زاوية “تبادل الآراء في بعض القضايا الدولية” مع التركيز على الملفات الإقليمية الساخنة، وبالأخص ملفات سوريا والعراق واليمن وليبيا.

ورغم المكسب السياسي الدعائي الذي حازت عليه موسكو من أبداء القاهرة تأييدها لإنشاء “تحالف ضد الإرهاب” بمشاركة نظام الرئيس الأسد، فإن هذا المكسب غير قابل للصرف، حتى وإن كانت هناك دول عربية أخرى تؤيده من تحت الطاولة، فالدبلوماسية الروسية تدرك تماما أن مصر، أو أي بلد من البلدان التي تؤيد مثل هذا المقترح، لا تمتلك مفاتيح لحل الأزمة السورية أو اليمنية أو الليبية أو العراقية، ولا حتى التأثير في مجرياتها بعيدا عن مواقف القوى الإقليمية المحورية، مثل تركيا والسعودية وإيران، ناهيك عن مواقف الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية، لاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وبالعودة إلى تصريحات روسية سابقة، فإن شرط نجاح إقامة “تحالف دولي وإقليمي جديد لمكافحة الإرهاب” يتمثل في مشاركة تركيا والمملكة السعودية، وعلى قاعدة قبولهما بنظام الرئيس الأسد كشريك، بالإضافة إلى ألا يكون التحالف الجديد تحت قيادة الولايات المتحدة، وإلا فلن يتغير من واقع الأمر شيء، ومن المستبعد تحقيق هذين الشرطين.

نقاط تقاطع

مرة ثانية، لا يخفى وجود تقاطعات ملموسة بين مواقف موسكو ومصر والأردن والإمارات إزاء الملف السوري، وملفات أخرى ساخنة في المنطقة، فحكومات البلدان الثلاثة مواقفها متراخية -بدرجات متفاوتة- نحو الأزمة السورية، ولا تمانع في أن يكون للرئيس الأسد شخصيا دور في المرحلة الانتقالية، وفقا لبيان “جنيف1”.

وكشف الرئيس الأسد، في مقابلة تلفزيونية مؤخرا، أن الجهات العسكرية والأمنية المختصة في النظامين السوري والمصري، تقوم بالتنسيق والتعاون المشترك. كما أن حكومات مصر والأردن والإمارات تدعم حكومة برلمان طبرق وقوات حفتر، وتؤيد حكومة العبادي، ورحبت بالاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران، وتأخذ مواقف متشددة من جماعة “الإخوان المسلمين”، وهي كلها نقاط تتقاطع مع المواقف الروسية، وتستفيد منها موسكو.

بيد أن مواقف البلدان الثلاثة تظل ضمن دائرتي تأثير تحالفات دولية وإقليمية، تجعلها معنية بضبط إيقاع سياساتها على الصعيد العملي، وفي نهاية المطاف، وليس من قبيل المبالغة، هي لا تستطيع أن تحلِّق خارج سرب التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية دوليا، ولا خارج سرب التحالف الذي تقوده المملكة السعودية إقليميا، دون إغفال وزن تركيا الكبير في المعادلة الإجمالية.

وفي الحقيقة، وبإقرار محللين روس، فإن زيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى موسكو في يونيو/حزيران الماضي كانت أهم، وما يمكن أن يقال عن احتمالات تغيير في المواقف قيل في الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية الذي استضافته العاصمة القطرية “الدوحة” بداية الشهر الجاري، فمحصلة نتائج اللقاء الثلاثي أكدت أن لا تغيير في مواقف أي من أطرافه.

لكن الاعتقاد السائد بأن الحرب في اليمن قد غيرت من أولويات دول مجلس التعاون الخليجي، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، جعل دولة مثل مصر تتخذ المواقف التي أعرب عنها السيسي في موسكو خلال زيارته الأخيرة.

الحصيلة في الميزان

في الحسابات الروسية حضور زعيمين عربيين افتتاح معرض “ماكس 2015” يعوض مقاطعة كثير من القادة الغربيين، وعدد غير قليل من الشركات الأوروبية والأميركية للمعرض المهم لروسيا الراغبة في إظهار قوتها العسكرية.

ويمكن لموسكو أن تستفيد من الزيارة في سياق التسويق لسياستها على أنها سياسة واقعية وموضوعية تجاه أطراف الصراعات المحتدمة في بعض البلدان العربية، وأنها تقف على مسافة واحدة بين بلدان الخليج العربي وإيران، وترغب بعلاقات متوازنة مع الطرفين، لا تكون على حساب أي منهما بالضرورة.. إلخ.

كما أن موسكو ستستفيد من الزيارات لإثبات أنها غير معزولة سياسيا، بل وأنها قادرة على التحرك واستقطاب حلفاء جدد لها في المنطقة، تعيد من خلال التحالف ترتيب حضور قوي ونشط في المنطقة، إلى جانب التعاون الثنائي في مجالي الاستثمار والطاقة، بما فيها عقود تشييد محطات كهروذرية، هي الأولى من نوعها.

بالمقابل، ربما حازت زيارة السيسي على أضواء الإعلام، أكثر من زيارتي عبد الله الثاني ومحمد آل نهيان، في التصريحات الصحفية والتحليلات المتعلقة بعودة زخم الحضور الروسي في المنطقة، نظرا للدور المفترض الذي يمكن أن تضطلع به مصر، وحاجة نظام السيسي لدعم الكرملين، فروسيا سارعت منذ البداية إلى دعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وعلى خلاف المواقف الدولية -ولو لفظيا- لم تقم بإدانة أحكام الإعدام بحق المعارضين للانقلاب.

لكن سقف ما يمكن أن تحصل عليه مصر عمليا يبقى محدودا، بالقياس إلى ما تعول عليه، فمصر تعاني مشكلات معقدة وصعبة تحد من إمكانية لعب دور كبير في المحور الذي يرغب بوتين في إنشائه للوقوف في وجه تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ولهذا فإن إطار الحديث لن يخرج عن تبادل الآراء ووجهات النظر، يبالغ نظام السيسي في البناء عليه من الاعتقاد بأن موسكو ترغب في لعب دور عالمي أكبر يعيد أجواء الحرب الباردة، ما يعني إمكانية اللعب على حبل العلاقات مع واشنطن والبلدان الغربية من جهة وموسكو من جهة أخرى.

باستثناء ذلك، موسكو ليست قادرة على مساعدة القاهرة اقتصاديا، نظرا للأزمة التي تمر بها بسبب تراجع النفط والعقوبات الغربية ومشكلات الاقتصاد الروسي الهيكلية، وخلافا لما صرح به مصدر في وزارة الخارجية المصرية بخصوص موضوع سعي القاهرة إلى الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وتشكيل منطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أكدت موسكو غير مرة أن الحديث عن انضمام مصر إلى “بريكس” سابق لأوانه، وأن تشكيل منطقة للتجارة الحرة سيخضع لدراسة من قبل خبراء.

في المحصلة، ما سبق يعني أن الزيارات الثلاث ونتائجها، دون الانتقاص من أهميتها، وضعت في سياق توظيف أكبر مما تحتمله.

صحيح أن روسيا استطاعت تحقيق نجاحات على صعيد إيجاد قنوات حوار مفتوحة مع العديد من البلدان العربية على نحو ملحوظ في الآونة الأخيرة، لجهة الزيارات المتبادلة والرفيعة المستوى، غير أن نتائجها مازالت أقل من الخروج بمقاربات قادرة على خلق فارق في معالجة الملفات الساخنة، ذات الاهتمام المشترك، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة. وقد تكون الزيارة الأهم التي تنتظرها موسكو هي زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز.

الجزيرة نت

 

 

 

جهود أميركية – روسية لإعادة تأهيل الأسد بقيادة السيسي/ حسين عبد الحسين

سمعت واشنطن من موسكو، نهاية الأسبوع الماضي، نية روسيا تجديد جهودها في اتجاه التوصل الى حل للأزمة السورية، وإعادة شن حملة ديبلوماسية دولية في هذا الاتجاه، بعدما فشلت في الماضي جهود مشابهة في السياق نفسه، على ان يقود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هذه المرة، الجهود الروسية – الأميركية المبنية على اعتبار مكافحة الإرهاب داخل سوريا أولوية تتقدم على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وتتشارك الولايات المتحدة، التي زار مبعوثها المكلف الملف السوري الديبلوماسي مايك راتني موسكو الجمعة، رؤية روسيا تجاه الحل المزمع التوصل اليه لإنهاء الحرب السورية. ولطالما حاولت العاصمتان الدفع بهذا الاتجاه، كما بدا جليا في مؤتمر “جنيف 2″، و”حوارات القاهرة” التي سبقته، و”حوارات موسكو” التي تلته.

ويتشارك مع أميركا وروسيا رؤيتهما تجاه الحل السوري كل من الأردن، ومصر، والامارات. وكان زعماء هذه الدول المذكورة زاروا روسيا، والتقوا رئيسها فلاديمير بوتين، على مدى الأسبوع الماضي. ومما قاله الروس للأميركيين ان هؤلاء الشركاء العرب، أبدوا استعدادهم الكامل لتجديد المجهود للتوصل الى حل سوري، وان السيسي وعد بإطلاق حملة جديدة في هذا الاتجاه.

ويشبه التصور الأميركي – الروسي – المصري – الاماراتي – الأردني، للحل في سوريا، الحرب الاضطرارية، التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في التسعينات، ضد الانفصاليين الشيشان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. كما يشبه تصور هذه العواصم للحل السوري ما يقوم به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حربه ضد الإرهاب في مصر، بما في ذلك اصدار احكام بالسجن، تصل الى عقود، بحق صحافيين معارضين للنظام، بعضهم معاد لتنظيم “الإخوان المسلمين” في الوقت نفسه.

وكما بوتين، كذلك السيسي، ساهم الرجلان بدعم الأسد سياسيا وعسكريا، وقام نظاميهما بتزويد الأسد بأسلحة وذخائر على مدى السنوات الأربع الماضية، ومازالا يقومان بذلك. وكما بوتين، الذي لا يكل من محاولة بناء قوة دولية لمكافحة الإرهاب يكون الأسد شريك فيها، كذلك سبق ان اوعز السيسي للجامعة العربية باقتراح تشكيل قوة عربية للتدخل في سوريا لإنهاء الحرب الدائرة فيها. وبعدما أبدت دولٌ عربية حماستها، اتضح ان اقتراح السيسي للتدخل في سوريا يتطابق مع الرؤية الأميركية القائلة بإن وجهة التدخل تكون فقط في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، من دون الدخول في أي مواجهة، حتى لو دفاعية، في وجه قوات الأسد وحلفائها التي قد تزحف على مناطق الثوار و”المعارضة المعتدلة”.

أما السؤال الأبرز فهو حول السبب الذي يدفع الدول، التي تستميت على إبقاء الأسد في الحكم واعادة تأهيله دولياً، لتجديد جهودها بعدما فشلت جهود مشابهة مرات متعددة في الماضي.

وكما في الماضي، كذلك اليوم، يتسلح المعارضون السوريون سياسيا وعسكريا بدعم وازن من كل من قطر والسعودية وتركيا، وهو الدعم الذي سمح لهؤلاء المعارضين بالوقوف ضد سيناريوهات موسكو وواشنطن والقاهرة، وهي سيناريوهات تبدو وكأنها دعوة للثوار للقضاء على أنفسهم فيما هم يخوضون مواجهة على جبهتين، واحدة ضد الأسد وحلفائه وأخرى ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لا إجابات واضحة داخل واشنطن حول سبب تجدد الجهود الروسية – المصرية – الإماراتية لإبقاء الأسد وادخاله في تحالف عسكري دولي مزعوم لمكافحة الارهاب. احد المسؤولين الاميركيين اجتهد، اثناء جلسة خاصة بالقول: “ربما نعرف ويعرفون ان المعارضة السورية وحلفاءها الإقليميين لن يتراجعوا عن شرط رحيل للأسد للمشاركة في تحالف ضد الإرهاب”. وأضاف المسؤول: “لكن مع تمسك كل معسكر برؤيته للحل السوري، تنحصر التحركات الديبلوماسية في إعادة تكرار المواقف نفسها، الى ان يحدث تغيير يملي مواقف جديدة وربما يؤدي الى اختراق لإنهاء الحرب السورية”.

المدن

 

لافروف ومنطق الدفاع عن الأسد/ طارق الحميد

في معرض شرحه لمبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب، دافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن شرعية بشار الأسد، وعدم منطقية المطالبة برحيله بالقول: «من المستحيل أن يكون الأسد شرعيًا فيما يخص أغراض تدمير الأسلحة الكيماوية، في الوقت الذي ليست له شرعية لمكافحة الإرهاب. يبدو أن المنطق ناقص هناك».

والحقيقة أن هذه هي المرة الثانية التي يكرر فيها الوزير لافروف هذه الجدلية، أو التبرير، وبشكل علني، دفاعًا عن الأسد. ونحن هنا أمام أمرين؛ فإما أن الوزير لافروف مقتنع تمامًا بما يقول، وإما أنه يكرر هذا التبرير لأنه لم يجد من يتصدى لهذا المنطق، ويفنده. تعاون الأسد من خلال تسليمه لأسلحته الكيماوية، وذلك بعد التهديد الأميركي باستخدام القوة ضده، أي الأسد، لا يمنح مجرم دمشق الشرعية، ولا يعني أنه قد تم الاعتراف به، عربيًا أو دوليًا، فتسليم الأسد لأسلحته الكيماوية لم يكن نتاج صفقة تنتهي بتبييض صفحة النظام الدموية، بل كانت لتجنيبه عواقب دولية كان يفترض أن تنتج عنها ضربة عسكرية في وقتها. وكان الأولى بالروس، وغيرهم، ممن يتشدقون بالقوانين الدولية، أن يشرعوا وفور تسليم الأسد لأسلحته تلك بالتحقيق حول كيفية حصوله عليها؟ وعبر من؟ وكان الأولى بالروس أيضًا أن يسعوا إلى تحقيق دولي حول استخدام الأسد لتلك الأسلحة ضد الشعب السوري الأعزل، وهي جريمة مثبتة، وكان ولا يزال، من المفروض معاقبة الأسد على استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السوريين، وليس اعتبار تسليمه لتلك الأسلحة حجة للتعاون معه، أو تبييض صفحته.

وطالما أن الحديث هنا هو عن مبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب في العراق، وسوريا، وغيرهما، فما الفرق بين بشار الأسد الذي استخدم، ويستخدم، الكيماوي لقتل السوريين، هذا عدا عن إلقاء البراميل المتفجرة عليهم يوميًا، و«داعش» التي تحرق، وتجز الرؤوس؟ ما الفرق بين الأسد و«داعش»؟ بالطبع لا فرق، كله قتل وحشي وهمجي، فهل إذا تعاونت «داعش»، مثلا، وأوقفت الذبح بالسكين، يمكن التعاطي معها لأنها توقفت عن استخدام أساليب وحشية في ترويع الآمنين، وكما فعل الأسد حين سلم أسلحته الكيماوية؟ بالطبع لا، وهذا منطق لا يستقيم، وحجة ضعيفة واهية.

وعليه، فإن أفضل سبل مكافحة الإرهاب في المنطقة، ليست الدفاع عن المجرمين، بل في تشديد حرمة الدم، وعدم التساهل حيال ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب وقف التدخلات الطائفية، وكما تفعل إيران وأتباعها من حزب الله وغيره، في لبنان وسوريا والعراق الذي هو بحاجة ماسة لنبذ الطائفية الرسمية، وضرورة الشروع بمصالحة سياسية. حينها ستكون محاربة الإرهاب معركة مضمون الانتصار فيها، ولو طال الوقت، أما الدفاع عن الأسد، وتبرير جرائمه، ومحاولة منحه الشرعية، فإنه لن يؤدي إلى نجاح «داعش» وحسب، بل وإلى ظهور ما هو أسوأ منها، وحينها سيكون الضرر أكبر مما نرى بكثير، وعلى الجميع.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

 

عن الانشغال بروسيا ودورها في سورية/ محمد برهومة

ثمة انشغال إعلامي وسياسي بطبيعة الدور الروسي في منطقتنا وحدوده وآفاقه وغاياته، ويكاد يصيب البعض منّا الوهم والمبالغة وهو يقرأ هذا الدور بقوله أن الروس يسحبون البساط من تحت أرجل واشنطن في المنطقة ويملأون الفراغ الذي تتركه، ليغدو – وفق هذه القراءة الواهمة – بوتين كأنه يسدد اللكمات لأوباما، وليظهر لافروف بموقع القوي الداهية في مقابل ضعف كيري وتردده وارتباكه الديبلوماسي!

روسيا نفسها تدرك حدود قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية أمام الولايات المتحدة، وهذه المحدودية لا تُسعف موسكو بأن تحل بدلاً من واشنطن في التأثير قي ملفات المنطقة المختلفة والانخراط فيها. استدعاء مبدأ أوباما «القيادة من الخلف» مفيد في هذا السياق، لضبط جموح الخيال السياسي، وهو استدعاء لا يتناقض مع الإقرار بأن الموقع الروسي اليوم في إدارة التناقضات في المسألة السورية وتدوير زوايا الصراع السوري مهم، ولولا انتظار الأطراف كافة من موسكو «شيئاً ما في النهاية» لما كان هذا الإلحاح على زيارة موسكو وقبول دعواتها بالزيارة، ولما قبلت واشنطن لموسكو هذا الدور بالتنسيق معها، بعدما لم تتمكن واشنطن من إنتاج حلول ومبادرات تدفع باتجاه وقف المأساة السورية. هذا التوصيف المركب لا يتناقض، أيضاً، مع قناعة الجميع بأن واشنطن تستطيع عرقلة أي جهود روسية لا ترضى عنها في سورية، وأن موسكو، كذلك، بمقدورها تعطيل أي جهود أميركية في سورية لا تحوز موافقة الكرملين.

لعل أهم ما يكشف عنه الحراك الذي تقوده موسكو حيال المأساة السورية هو تزايد اقتناع الأطراف الإقليمية والدولية بحل سياسي شامل لهذه المأساة في أقرب ما يمكن. وعلى رغم أن الموقف الروسي حيال بقاء بشار الأسد في الحكم أو ضمن أي مرحلة انتقالية مقبلة ينطوي على الالتباس وعدم الوضوح الكافي، فإن هذا الحراك يؤكد أن ثمة تمايزاً في المواقف الروسية عن المواقف الإيرانية. والتحدي الأكبر أمام الديبلوماسية العربية، بخاصة في مصر والسعودية والأردن والإمارات، هو القدرة على إقناع الروس بصيغة مقبولة من قبلهم في ما خصّ مسألة بقاء بشار الأسد. هذا لن يأتي، على الأرجح، بسهولة وفي وقت قريب، بل يحتاج إلى كثير من المحاولات والتراكمات والحوارات، لأن موسكو لن تتنازل عن مسألة بقاء بشار إلّا إذا أحسّت بضغوط قوية عليها في هذا الجانب، ولا تبدو إغراءات المصالح وصفقات الأسلحة العربية قادرة حتى اللحظة على القيام بهذه المهمة، ما يعني أن الأمر يتطلب مزيداً من الإلحاح الديبلوماسي والنجاح السياسي، ومقابلة «الابتزاز» الروسي بعقلية براغماتية، على رغم قسوة هذا الخيار وتعقيده وكلفته الأخلاقية، خصوصاً في التعاطي مع مأساة إنسانية كالمأساة السورية. لا يستطيع أحد حتى اللحظة أن يؤكد أن موقف موسكو من الأسد تغيّر، هناك تكهنات وآمال في هذا الاتجاه، ولعلّ ذلك ما دفع البعض للقول أن تعديل المواقف وقع عبئه الأكبر على الجانب العربي وليس الروسي. أما من ينظر إلى الأمور بدرجة أكبر من التفاؤل فيقول أن من المرجح أن روسيا بصفتها دولة عظمى تولي مصالحها في المنطقة الأهمية الأولى، وإذا ما تعارضت هذه المصالح بسبب التمسك بالأسد، فإن من الطبيعي لموسكو أن تسلك طريقاً آخر. هذا يتفق مع قراءة الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربا الذي قال في مقابلة تلفزيونية أنّ موسكو أدركت أنّ «الأسد حصان خاسر، لكنها لا تقول ذلك في العلن وتنتظر نضوج حلّ للأزمة السورية».

* كاتب أردني

الحياة

 

 

 

خلف الأسد… روسيا وإيران ليستا وحدهما!/ د. مدى الفاتح

مرة أخرى خلال الأسبوع الماضي أعلنت روسيا عبر عدد من مسؤوليها إنحيازها لنظام بشار الأسد مبددة بذلك كل الأوهام التي تم تداولها خلال أسابيع حول إمكانية تغير موقفها أو تخليها عن الرئيس السوري الذي ما تزال تعتبره شرعياً.

أنصار الموقف الروسي، وهم ليسوا قلة بالمناسبة، يعتبرون أن روسيا وإيران لا تدعمان الأسد بقدر ما تدعمان الدولة السورية وخيارات الشعب السوري الذي اختار رئيسه في انتخابات حرة وأن على من يطالب بتنحية الرئيس أن يعود إلى الشعب وينتظر كلمته.

هو كلام غريب، والأغرب أن تضطر لمناقشة شرعية انتخابات لم تشتمل لا على كل المناطق السورية ولا على كل السوريين الذين كان معظمهم إما مهجّرين أو مبعدين أو ممنوعين من حق العودة والانتخاب.

الرئيس السوري المعترف بشرعيته من قبل هؤلاء يتحدث عن «ملايين الإرهابيين السوريين» الذين لا يستحقون هم وذووهم الاستماع إلى ما يقولون أو التمتع بأي حقوق مواطنية باعتبارهم مجرد «خونة» و»عملاء».

طبعاً نحن هنا نتكلم عن ما تبقى من السوريين بعد أن مات منهم مئات الآلاف من «المدنيين الإرهابيين» بواسطة قنابل وطائرات تم استيرادها، للأسف، من أنظمة ودول لا تفكر سوى بمصلحتها المادية.

المفارقة هي أن روسيا التي لا تظهر حزنها على مقتل عشرات السوريين بشكل يومي، هي من تتحدث بحزم عن ضرورة احترام خيارات الشعب السياسية، فكأن حق الممارسة السياسية عندها أهم من الحق في الحياة.

البراميل المتفجرة التي لا يستخدمها سوى «الجيش النظامي» المدعوم من الشرق والغرب والتي تمثل أقصى درجات الاستهانة بحياة الإنسان ينكرها هؤلاء ببساطة، فيكون ما يزيد عن الثلاثة عشر ألف برميل متفجر سقطت منذ بداية هذا العام فقط على مناطق متفرقة مجرد تهيؤات أو فوتوشوب.

لكن معسكر «الأسد» يبدو وكأنه في عالم آخر وهو يحدثنا عن معركته ضد الإرهاب ويكرر اسطوانته التي يعلم قبل غيره أنها كاذبة والتي تقلب الحقائق وتصور جيش النظام في حالة دفاع عن النفس وعن السوريين ضد الأشرار القادمين من البعيد.

لكن قصص الخيال لا تنتهي بل تضاف إليها قصة ثانية عن تطوير العاصمة الذي يقضي بتهجير أهلها، من السنة، من أجل التوسعة والتحديث وقصة ثالثة تتعلق ببدء مشاريع إعادة الإعمار ورابعة عن السياحة..

كل ذلك في بلد لا يسيطر فيه النظام إلا على مساحة السدس وتتوزع أرضه بين المعارضة المسلحة المعتدلة والمتشددة وتنظيم الدولة.

على ذكر تنظيم الدولة يمكن التفكير بنظرية مجنونة منطقياً لكن مقبولة كمعادلة رياضية وهي، إذا كانت روسيا مستميتة في الدفاع عن حليفها الأسد وإذا كان تنظيم الدولة بأفعاله الإجرامية وتكفيره لغيره من المعارضين ومساعيه لإضعافهم يقدم أكبر خدمة للنظام، بل يمنح كل قسوته وعنفه شرعية من خلال تبريره لما يفعل على أساس أنها حرب ضد تنظيم لا يختلف المجتمع الدولي على إرهابه وإجرامه، إذا كان ذلك كذلك، فسنجد أن روسيا تقف في ذات معسكر تنظيم الدولة الذي يستميت في خلق الفوضى وتشتيت المعارضة وجرها إلى معارك في غير معترك، خاصة وهو يرى في المسلمين، «غير الحقيقيين»، عدوه الأول. هل يمكن أن يرقى ذلك الوقوف لدرجة الدعم؟ نظرياً قد يبدو ذلك مستبعداً خاصة مع عداء روسيا المعروف لكل التشكيلات الإسلامية التي دخلت وتدخل معها في صراعات مستمرة منذ عقود، لكن السياسة الدولية لا تعرف في أحيان كثيرة المنطق، ولعل الروس قد وقعوا في الفخ نفسه الذي وقع فيه غريمهم الأمريكي من قبل حين دعم القاعدة وقوّاها ليستفيد منها في الحرب على السوفييت.

هنالك مثل حديث على دعم تنظيم الدولة لأسباب سياسية وهو ما تابعناه خلال الأسابيع الماضية من اتهامات لمسؤولين عراقيين قصروا عن عمد في صد تمدد التنظيم مما جعل المئات منه يسيطرون على مدن وبلدات عراقية يفترض أنها كانت محصنة.

على كل حال لا يهم الآن البحث عن من يقف خلف هذا التنظيم الأسطوري فالأيام كفيلة بكشفه، ما يهم هو دعم روسيا المعلن للرئيس بشار الأسد وهنا نعود للسؤال الكبير: لماذا تستميت روسيا في الدفاع عن النظام السوري رغم تكاليف ذلك الكبيرة لدرجة التضحية بعلاقاتها العربية والغربية مقابل عدم تغيير موقفها؟

لقد تحملت روسيا أزمة أسعار النفط وتابعت تحديها للغرب من خلال قضية القرم ولم تخف علاقتها الوطيدة مع طهران ومع غيرها من الدول البعيدة عن الفلك الغربي. السؤال مرة أخرى: لماذا كل هذا..؟

إذا طرقنا محركات البحث فسنجد إجابات كثيرة وبكل اللغات تقريباً إذ شغل هذا السؤال جميع المهتمين والمتابعين. تنوعت التحليلات بين من يرى أن السبب قد يعود لقاعدة طرطوس البحرية والتي تمثل منفذاً استراتيجياً لروسيا أو من يرى أن السبب اقتصادي بحت ومرتبط باتفاقيات التسلح التي تربح منها روسيا مليارات أو من يرى أن الأمر يتعلق فقط بتطويق المجموعات الإسلامية التي لا تريد روسيا أن يكون لها موطىء قدم في هذه المنطقة لما يمكن أن تشكله لاحقاً من تهديد عبر تقوية ودعم المجموعات المتشددة داخل الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة.

هدفي هنا ليس مناقشة أسباب الدعم الروسي للنظام السوري، بل مناقشة الفرضية التي تقول أنه لولا روسيا وإيران لسقط نظام الأسد منذ أمد.

رأيي أن فيما نقول ونعتقد تضليل كبير وتضخيم خاصة لدور روسيا التي ليست سوى مجرد دولة تبحث عن مصلحتها الوطنية التي رأت، ببساطة، أن موقفها الحالي يفيدها، وما تعلنه في هذا الإطار منسجم مع ذلك بوضوح.

السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه والذي يتهرب منه أولئك الذين يشغلوننا بقضية روسيا وإيران هو: لماذا لم يستطع ما يسمى بـ»المجتمع الدولي» لجم النظام السوري وتوقيفه كأحد أهم مهددات السلم والأمن في المنطقة، بل في العالم؟ الناتو الذي اعتبر أن واجبه الإنساني يحتم عليه التدخل في ليبيا وإنهاء حقبة القذافي الذي يقتل شعبه أعلن منذ أول أيام الثورة أنه لن يتدخل في سوريا لأن وضعها «مختلف»، والولايات المتحدة التي أنهت حكم صدام حسين دون استشارة أحد هي التي أعلنت منذ أول يوم أنها لن تفعل شيئاً بانفراد.

الولايات المتحدة وروسيا يتفقان على حماية الكيان الصهيوني الذي ساهما في ولادته وإذا كان الموقف الروسي الداعم للأسد واضحاً فإن الموقف الأمريكي والغربي بعامة هو الغامض خاصة حين يحاول تسويق روسيا كجزء من الحل أو كوسيط نزيه.

الحقيقة أن «المجتمع الدولي» الذي يتهم روسيا بدعم النظام القاتل في سوريا هو الذي سعى منذ البداية لتطويق المعارضة المسلحة وحصارها ومنع وصول السلاح إليها بحجج مختلفة، وهو الذي يقف عاجزاً اليوم عن منع الطائرات حاملة الموت من مواصلة تدميرها وقتلها للإنسان والمكان. حين نقول «المجتمع الدولي» فنحن نعني أيضاً الدول العربية التي تلقفت منذ البداية العبارة الأمريكية: «نريد أن ندعمكم بالسلاح ولكننا نخشى أن يصل إلى الأيدي الخطأ!».

للأسف فإن معظم الدول العربية كانت مشغولة بحرب الحركات الإسلامية السياسية أكثر من انشغالها بمصير الشعب الذي يقتل كل يوم وكانوا، مثل النظام تماماً، قلقين من صيحات التكبير ومن الأسماء التراثية التي كانت تسمي بها المعارضة نفسها فكانوا على الدوام، وما يزالون، بانتظار ولادة جيش معارضة جديد لا انتماء إسلاميا له حتى يدعموه بصدق!.

لكن الوضع الآن أسوأ، فدول المنطقة انتقلت اليوم من مرحلة حصار المعارضة ومنع السلاح عنها إلى مرحلة دعم جيش النظام المجرم بالسلاح والإعلام بالطريقة الفجة التي يمارسها بها أحد الأنظمة العربية «المعتدلة».

نغمة إلقاء اللوم على روسيا «الشريرة» التي فرضت رغبتها على العالم تذكرني بالنغمة التي سادت لسنوات والتي تباكت على إيران «الصفوية» التي سيطرت على العراق والشام. هذه النغمات، ومهما أجدنا العزف عليها بحزن، لن تمنع الأجيال المقبلة من طرح أسئلة مثل: لماذا لم يكن للعرب دور في مرحلة ما بعد صدام رغم أنهم كانوا شركاء داعمين لإسقاطه..؟

٭ كاتب سوداني

القدس العربي

 

 

 

 

بوتين والأسد.. وتقاسم السلطة/ طارق الحميد

إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمس عن استعداد بشار الأسد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في سوريا، واقتسام السلطة مع «معارضة بناءة» يعني بكل بساطة رفض الأسد رسميًا للمبادرة الإيرانية المعدلة، وسعي الأسد لجر الأزمة السورية إلى مربعها الأول، دبلوماسيًا، أي العودة إلى الوراء.

مقترح تقاسم السلطة هذا كان مطروحًا منذ اندلاع الثورة، وطرحه الأسد، وحلفاؤه، بأشكال مختلفة، لكن دون مصداقية، وبإجراءات شكلية كلها ألاعيب وحيل، وحتى وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه اليوم من خراب ودمار، ومأساة إنسانية لم يكن أولها مصرع الطفل السوري غرقًا، والذي هزت صورته العالم، ولن تكون بالتأكيد آخرها، ما دامت جرائم الأسد مستمرة هكذا. موافقة الأسد هذه، غير الجديدة بالطبع، على تقاسم السلطة، لا تعدو إلا أن تكون محاولة مستميتة من قبل الأسد للنجاة، والبقاء في الحكم على أنقاض دولة خربة، وكل آماله معقودة الآن على الروس، وليس الإيرانيين، ولذلك قرر الأسد الآن منح موافقته على تقاسم السلطة للروس، مما يقول لنا إن القصة حاليًا ليست في كسر الأسد المكسور أساسًا، ولا في إيران، بل هي في إقناع الروس، وبوتين تحديدًا، من أجل التخلي عن الأسد. فالمهم، والأهم هنا، أن الأسد رفض المبادرة الإيرانية، بينما قبل بمنح روسيا دورًا لتقديم حلول علها تساعده على البقاء، ومحاولة إقناع العالم العربي، والمجتمع الدولي، بضرورة تقبل الأسد، وإعادة تأهيله.

وعندما نقول إقناع الروس، فالواضح أن الأسد بات مقتنعًا الآن بأن إيران ليست بالقوة الخارقة، حيث تبدو طهران غارقة بأزمة نفايات لبنان، وانقطاع كهرباء بغداد، وأكثر من ذلك بالطبع، ولذا فإن الأسد يحاول التمسك بالروس، سياسيًا، وأثنى عليهم مطولا بمقابلته الصحافية الأخيرة، وبشكل يذكّر بأيام كيف كان الأسد يمتدح إردوغان بقصة التفاوض مع إسرائيل! وعليه فالواضح الآن هو أن الأسد يريد بالموافقة على تقاسم السلطة استخدام نفس اللعبة المكررة منذ بدأت الثورة من أجل تعزيز موقفه مع الروس الذين يرون ببقاء الأسد، ولو لحين، تحقيقًا لأهداف أكبر بالنسبة لهم، ومن المؤكد أن الروس يعون أن موافقة الأسد على تقاسم السلطة ليست بالجديدة، ولا تصدق، ولا تقبل، خصوصًا بعد كل جرائم الأسد هذه.

وقد يكون من الجائز القول الآن، ورغم الموقف الروسي الذي قد يبدو محبطًا للسوريين وغيرهم، إن الأسد لم يتنازل بلعبة تقاسم السلطة هذه، وإنما موسكو هي من بدأت تتنازل، وباتت أكثر قناعة بأن وجود الأسد غير مقبول، وصعب تسويقه، ولذا فإن موسكو تحركت إلى المنتصف الآن بالأزمة السورية، فبدلا من القول ببقاء الأسد مطلقًا فإنها تتحدث عن «تقاسم»، وقد تتحدث موسكو غدًا عن «منصب شرفي»، وصولا إلى فكرة الرحيل بعد فترة محددة، وهكذا. والسؤال هنا هو: لماذا يفعل الروس كل ذلك الآن؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه غدًا بإذن الله.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

 

الخيار الروسي!/ محمد الرميحي

غير خاف أن هناك نشاطا دبلوماسيا عربيا ودوليا باتجاه موسكو، والبعض يرى أنها قادرة بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين على تقديم جهد للانفراج في عدد من القضايا التي تستنزف منطقة الشرق الأوسط العربية، كونها على الأقل (لها دالة) على النظام السوري! ولها علاقة معقولة مع النظام الإيراني! هل هذا الافتراض صحي أم هو فقط محاولة دبلوماسية للبحث عن مخارج، لأن الأبواب الأخرى يبدو أنها مؤصدة أمام أي تطور إيجابي يحقن دماء كثيرة يمكن أن تراق على مسرح التشبث بالسلطة، كما أريقت دماء سابقة في السنوات القليلة الماضية، ذلك سؤال يستحق البحث عن إجابة اجتهادية له؟

قصة عجيبة عن السيد فلاديمير بوتين، أريد أن أشرك القارئ فيها، روتها السيدة هيلاري كلينتون في مذكراتها الأخيرة «الخيارات الصعبة» وربما شكلت ذكريات طفولته رؤيته للعالم المحيط بعد ذلك: قالت إنها بصفة وزيرة خارجية الولايات المتحدة كانت في اجتماع لمنظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والباسفيك في سبتمبر (أيلول) 2012 في فلاديفوستك، اعتذر السيد أوباما عن الحضور للقمة، فكانت هي رئيسة الوفد، لم يسمح لها برتوكوليا، كما تقول، وبسبب موقف متعارض مع بوتين حول سوريا، بلقاء السيد بوتين إلا قبل خمس عشرة دقيقة من موعد العشاء، ولكن لأنها كانت نائبة لرئيس دورة المنظمة الأسبق (أوباما) كان لا بد أن تجلس على يمين الداعي (بوتين) في وقت تناول العشاء، وقتها تبادلت الحديث العام معه، وعرج الكلام حول مقاومة مدينة «لينينغراد» نحو ثلاث سنوات للحصار الألماني في الحرب العالمية الثانية، أعيد اسم المدينة القديم لاحقا، وهي مسقط رأس بوتين (بطرسبورغ)، فقص لها قصة المدينة وبطولة أهلها، قال: كان الحصار محكما على المدينة، أحد الجنود أخذ إجازة قصيرة من الجبهة ليقضيها مع أسرته، وهو في الطريق إلى المنزل وجد مجموعة يلتقطون الجثث من الشارع الذي يسكن فيه، ويرمونها فوق بعضها في السيارات المتوقفة على جانب الطريق، بعد غارة ألمانية هوجاء، وعند اقتراب الجندي، وجد إحدى السيارات تتدلى منها رجل سيدة تلبس حذاء أحمر، عرف من الحذاء أنها زوجته، فتضرع لمن يجمع الجثث أن يأخذ تلك الجثة أو ما بقي منها، لأنها زوجته، وبعد نقاش، سُلم الرجل الجثة التي تبين أن بها بقية من روح، وطببها لفترة فتعافت، وبعد سبع سنوات من ذلك الحادث رزقت تلك المرأة بطفل اسمه فلاديمير بوتين! (القصة في صفحة 243 الطبعة الإنجليزية) هي قصة لافتة ولا شك، قد تبيّن ما تكنه بعض أعماق شخصية فلاديمير بوتين وتأثير الحرب والفاقة من جهة، وشعوره بالفخر بوطنيته الروسية وتصميمه (الوطني) على بث روح القيصيرية في روسيا الحديثة. نبقى مع مذكرات هيلاري كلينتون التي تقول إنها بذلت جهدا كبيرا لمعرفة شخصية بوتين دون نجاح كبير!

ما يشاع أن الولايات المتحدة قد (فوضت) السيد بوتين لإيجاد حل في الشرق الأوسط، هل هذا التفويض صحيح على أرض الواقع أم هو فرط خيال المحللين، قراءة موضوعية مرة أخرى في مذكرات وزيرة الخارجية تقول، إنها اتفقت مع السيد أوباما على سياسة تجاه روسيا ثلاثية المداخل، نتعاون في المصالح المشتركة، ونقف بقوة ضد اختراق مصالحنا، وثالثا، نتعامل مع الشعب الروسي (تلك الفكرة الأخيرة جاءت من بعض نجاحات تكتيكات الحرب الباردة) سُميت الخطة الثلاثية بسياسة (جبر الكسر)، هل يعني أن (جبر الكسر) ما زالت قائمة، ومن يقوم بتنفيذها هو وزير الخارجية الأميركي الحالي السيد جون كيري! إحدى القراءات الثابتة لسياسة بوتين هي اهتمامه الأول بـ«الحرب ضد الإرهاب» حتى عندما قررت الولايات المتحدة حربا على أفغانستان في عام 2001، كانت تحتاج إلى قواعد وسط آسيا للوصول إلى مسرح العمليات، وقتها صرفت روسيا النظر عن استخدام الولايات المتحدة قواعد في كل من أوزباكستان وقرغيزستان، فقد وافقت روسيا بالسماح للبلدين وقتها بشرط عدم إبقاء الأميركان وقتا طويلا!! اهتمام بوتين بحرب الإرهاب، جاء من منطلقين، الأول، هو إبعاد الجمهوريات الإسلامية في جنوب روسيا وما بعد الجنوب عن العدوى المتفشية، خصوصا أنه خاض حربا ليست سهلة في الشيشان، وثانيا، ميله (الطبيعي) لنصرة الديكتاتورية التي يرى أنها أفضل لتسير الدول!! تلك الحقيقة (القلق من الإرهاب) نجد لها صدى في وصف كوندوليزا رايس وزيرة خارجية (بوش الابن) في كتابها «أسمى مراتب الشرف» أن أول لقاء بين بوتين وبوش الابن في يونيو (حزيران) 2001 كان إصرار السيد بوتين على «الحرب ضد الإرهاب» علينا أن نتذكر أن اللقاء كان قبل أشهر من «غزوة مانهاتن» في 11 سبتمبر من ذلك العام!

اهتمام روسيا بالشرق الأوسط ليس جديدا، فالبعض ينسى أنها كانت شريكة في معاهدة سيئ ذكرها عند العرب، عقدت إبان الحرب العالمية الأولى، وهي اتفاقية سايكس بيكو، فقد كان لروسيا القيصرية قطعة من كعكة ما سمي «الرجل المريض» (الدولة العثمانية)، إلا أن الثورة البلشفية وانغماس روسيا في الشأن الداخلي بعد الثورة، جعلها أولا تفضح تلك المعاهدة الشائنة، وثانيا، تنسحب منها كشفا للتآمر الغربي. فلاديمير بوتين مهتم بما يعرف اليوم بالجغرافيا السياسية، وتعتبر الأوضاع المتدهورة في الشرق الأوسط فرصة مواتية للعودة من جديد للحصول على ذلك الجزء من الكعكة الذي تخلى عنه البلشوفيك (فلاديمير لينين ومن أتى من بعده) قبل مائة عام تقريبا.

وما دام الأمر يوفر له أوراق مقايضة مع الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة، التي تناقص اهتمامها تحت إدارة السيد أوباما بالمنطقة، فإن روسيا التي أصبحت عاصمتها «محجة» للأطراف المتنازعة، تستطيع أن تفرض شروطا تحقق لها مصالح، فقط لمن يدفع أكبر ثمن سياسي، فموسكو ليست في وارد أن تكون جمعية خيرية! على الدبلوماسية العربية أن تبحث بجد عن ذلك الثمن، فحتى الساعة يبدو أن موسكو تغير في شروط اللعبة كلما دفع لها ثمن ما، ولا يبدو منها إلا مطالب مكررة: هي هل من مزيد! فهل أزف الوقت للقول لموسكو كما يقول المصريون «هات من الآخر» فالناس تموت بالآلاف جراء مساندتكم للنظام السوري، وقد يفوق عدد الضحايا في سوريا الرقم الذي سقط من الجيش الأحمر (332 ألفا)!! في بطرسبورغ!!!

آخر الكلام:

في العام القادم سوف يتذكر بعضنا أنها سنة ذكرى مرور مائة عام على اتفاق سايكس بيكو المشؤوم!

مؤلّف وباحث وأستاذ في علم الاجتماع بجامعة الكويت.

الشرق الأوسط

الروس وسوريا.. كيف نفهم موسكو؟/ طارق الحميد

طوال عمر الأزمة السورية، ومنذ اندلاع الثورة، كان السؤال المطروح دون إجابة هو: ما الذي يريده الروس بسوريا؟ ما هو الثمن؟ دون إجابة واضحة. الجمعة الماضي تحدث الرئيس فلاديمير بوتين واستفاض شارحًا موقف بلاده، ورؤيته للمنطقة، وذلك على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي بأقصى شرق روسيا.

تحدث بوتين عن رؤيته للمنطقة، ومبادرة مكافحة الإرهاب التي يتبناها، معلنًا أنه بحث مبادرته المتعلقة بتشكيل تحالف إقليمي واسع لمواجهة الإرهاب، مع الرئيس الأميركي والتركي، وممثلي قيادة السعودية، والأردن، والرئيس المصري، و«شركاء آخرين». وانتقد الرئيس الروسي السياسات الأميركية بالمنطقة، وكذلك الأوروبية، وقدم مرافعة حول نظرته للديمقراطية، واحترام الأديان، والمعتقدات، والمذاهب، والعادات والتقاليد، وضرورة مراعاتها عند أي تغيير، أو إصلاح سياسي، وحمل الغرب مسؤولية عواقب أزمة المهاجرين دون أن يحمل بشار الأسد مسؤولية ما يحدث بسوريا مباشرة، ودون لوم الدعم الإيراني للأسد، وعمل إيران التخريبي بالمنطقة.

وخلاصة مرافعة بوتين المهمة تلك حول نظرته للمنطقة، وكيفية محاربة الإرهاب، تظهر، ولأول مرة، ما يريده الروس حقيقة بالمنطقة، والهدف الذي خططوا له من خلال مواقفهم الأخيرة طوال الأربع سنوات الماضية، حيث بات من الواضح أن الروس يرون فرصة تاريخية لملء الفراغ الأميركي بالمنطقة، وأن الرئيس الروسي يرى أن بلاده هي الوريث الشرعي للأميركيين، ويتأهب بوتين لاستثمار ما خلفه الرئيس أوباما من سياساته بالمنطقة التي تقدم الآن على طبق من ذهب للروس، حسب رؤيتهم، خصوصًا بعد الاتفاق الإيراني النووي. ولذا، فإن الروس يتحركون لدخول المنطقة من تحت مظلة مكافحة الإرهاب، وكما فعل الأميركيون بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أن الفرق هنا هو أن الرئيس الروسي يصور بلاده كقوة أكثر معرفة بالمنطقة من الأميركيين. ولذا، فإن بوتين يتحدث بلغة لا تختلف كثيرًا عن لغة إيران، أو خطابات الأسد عن الحاجة للإصلاح، ولكن من خلال السرعة، وليس التسرع، وما إلى آخره من هذه اللغة التي ظاهرها حق وباطنها خراب.

اليوم يريد الرئيس الروسي استلام المنطقة من الأميركي المنسحب مسوقًا نفسه كصديق للإيرانيين، ومدافعًا عن الأسد، وأكثر تفهمًا للمصريين، وقائلاً للخليجيين والمعتدلين العرب إنكم لم تحققوا الهدف المنشود بسوريا، وبمقدوري مساعدتكم هناك. اليوم يسوق الرئيس الروسي بلاده كدولة تمتلك كثيرًا من المفاتيح بالمنطقة، وعينه؛ أي بوتين، على العقود المالية الإيرانية، والانفتاح الخليجي، ودعم مصر عسكريًا، والتلويح بمقدرته على دحر «داعش» بالعراق وسوريا، وبمقدور الروس بالطبع فعل ذلك أكثر من الأميركيين، فبمجرد دخولهم المعركة، فإنهم سيحرقون الأخضر واليابس على «داعش» غير مكترثين ببرلمان، أو إعلام، أو حقوق إنسان.

وعليه، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتضح فيها حقيقة الموقف الروسي من المنطقة حاليًا، وخارطة تحركاته، وهو الأمر الذي يظهر أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لواشنطن، وعقده لقمة مهمة مع الرئيس أوباما، وهذا ما سنناقشه غدًا بإذن الله.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى