صفحات مميزة

الموقف الروسي والثورة السوري –مقالات مختارة-

 

 

“الشرق الأوسط الجديد” بين الزمنين الديموقراطي والروسي/ أكرم البني

لا يخطئ من يدرج التداعيات السياسية للتدخل العسكري الروسي في سورية وما يرافقه من تحالفات دولية وإقليمية تحت عنوان «شرق أوسط جديد» تؤسس له موسكو، في مقاربة ومقارنة بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الموسع الذي كان، منذ عقد من الزمن، عنواناً لخطة الولايات المتحدة الأميركية في إعادة ترتيب شؤون هذه المنطقة من العالم.

والمقاربة تستند إلى أن التدخل العسكري المباشر لكلا الطرفين في المشرق العربي جاء تحت يافطة واحدة، هي مواجهة الإرهاب الإسلاموي… أميركياً، عبر حرب العراق للنيل من تنظيم «القاعدة» انتقاماً لأحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وروسياً، من خلال الحرب السورية والادعاء بمواجهة تنظيم «داعش» وأخواته. وتستند تالياً إلى أن هدف التدخل المضمر كان واحداً عند كليهما وجوهره التأثير، كدولة عظمى، في توازنات القوى والنزاعات القائمة لتعزيز ركائز الحضور والهيمنة في الشرق الأوسط، وتوظيف التحكم بممرات منابع الطاقة، من نفط وغاز، في صراع مكشوف للاستحواذ على مزيد من مناطق النفوذ الاستراتيجية، وتالياً على مزيد من الأوراق للتنافس على زعامة العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

صحيح أن مشروع كل طرف ما كان ليتقدم لولا انحسار دور الطرف الآخر، إن في زمن تفردت فيه واشنطن في تقرير شؤون المعمورة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإن مع تقدم دور موسكو اليوم لملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأميركي من المنطقة، وصحيح أن انكفاء واشنطن منح موسكو الإرادة السياسية والهيبة الدولية للتفرد في ترتيب الفوضى الشرق أوسطية الناجمة عن تفاقم الصراعات البينية وتصاعد العنف الأهلي والتطرف الإسلاموي، لكن الصحيح أيضاً أن مسار ووسائل كل من المشروعين تبدو متباينة بشدة، وكذلك فرصهما وآفاقهما.

والمعنى أن البيت الأبيض قرن تدخله العسكري المباشر بإشهار سياسة من نوع مثير تتطلع الى نشر الديموقراطية وفق نمط حياة يقارب النموذج الليبرالي ومعاييره، قاصداً خلق مجتمعات موالية تستند الى علاقات مؤسساتية يجعلها أقل قابلية للارتداد وأكثر استقراراً في مواجهة القوى العالمية المنافسة، بينما حضرت روسيا عسكرياً عبر سياسة تكريس الواقع القائم ودعم استمرار الأنظمة السائدة وتمكينها من مواجهة شعوبها، بغض النظر عن طبيعة هذه الأنظمة، وعن مشروعيتها وطرائق حكمها.

وبعبارة أخرى، إذا كانت واشنطن قد توسلت في مشروعها لشرق أوسط جديد هجوماً ديموقراطياً وتنموياً لإنجاح حملتها المحمومة ضد الأصولية الإسلاموية وفق اعتبار يقول إن الأنظمة الاستبدادية تربة خصبة لنمو وترعرع الإرهاب، وأن الديموقراطية وتنمية المنطقة اقتصادياً وتعليمياً، تشكلان، في المقابل، أفضل المناخات المساعدة على تجفيف منابع الإرهاب وسحب البساط من تحت أقدام قوى التعصب والتطرف، وتخفيف النزعات العدوانية وردود الأفعال الحادة والعنيفة، فإن موسكو عملت وتعمل على محاربة الإرهاب عبر وسائل الإرهاب ذاتها، متوسلة منطق القهر والغلبة، ومستهترة بالمظالم العربية وبالأسباب الاجتماعية والسياسية المحرضة على نموه، ومستقوية بجدوى تجاربها الأمنية في مواجهة أشباهه على أراضيها، والأهم بنجاح القوى المناهضة للديموقراطية في إفشال خطط الإصلاح السياسي والتنموي الكفيلة بمحاصرة التطرف والإرهاب.

واستدراكاً نسأل، ألا يجب أن نخشى من أن تكون الأسباب التي أدت إلى إفشال مشروع بوش عن الشرق الأوسط الجديد وأجهضت محاولات نشر الديموقراطية، هي ذاتها التي تساهم اليوم في نصرة مشروع بوتين، مدعومة بتغطية أميركية بعد وصول ترامب الى البيت الأبيض وبتحالفات إقليمية مع أنظمة مناهضة بنيوياً لأية معالجة جذرية للتطرف والتخلف ولأي تقدم نحو الديموقراطية والمشاركة واحترام حقوق الإنسان؟! وألا يعني الكثير تمكن موسكو من بناء تحالف مع إيران وتركيا لتخميد الصراع السوري وتقاسم النفوذ في المنطقة، مستثمرة ضعف أنقرة وتهتك وضعها الداخلي واستعدادها بعد فشل المحاولة الانقلابية لتقديم تنازلات تمنع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، ومتوسلة طمأنة طهران بأن روسيا ستبقى خير معين لحماية نفوذها في المنطقة ولإخماد التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي الجديد ضدها، والأهم مستقوية بسلبية عربية مزمنة وبتواطؤ إسرائيلي ومناخ دولي علامته الواضحة فراغ استراتيجي ناتج من الانكفاء الأميركي وحالة ضعف أوروبية لافتة؟!

وإذ نعترف بأن المشروع الأميركي لشرق أوسط جديد وسم مرحلة من الحض على الإصلاح السياسي واحترام التعددية وحقوق الإنسان، ما وفر موضوعياً مناخاً جديداً ينأى عن استخدام العنف في تسوية النزاعات ويدعو للانفتاح والحوار، مخففاً دوافع الحقد والكراهية وفاتحاً نافذة آمل لتمكين الشعوب من المشاركة ومحاسبة القيادات السياسية عما تقوم به، فإن المشروع الروسي يكرس وللأسف مناخاً عالمياً عنوانه تغذية منطق التسلط والحق للأقوى ولغة العنف والسلاح، ويفتح الباب موضوعياً أمام المزيد من القهر والظلم، موفراً غطاءً مريباً لتمرير أفظع الانتهاكات والارتكابات، ما يغذي ردود الأفعال العنيفة والنزاعات المتخلفة الإثنية والطائفية، والتي لن تقف عند حدود، طالما لم تعالج أسبابها العميقة سياسياً واقتصادياً ومعرفياً.

والحال، إذا كان تطلع واشنطن لنشر الديموقراطية في مشروع تعزيز هيمنتها على الشرق الأوسط قد شكل دعماً موضوعياً لمختلف القوى الديموقراطية في معاركها ضد الاستبداد، فإن الخيار الأمني لموسكو في مواجهة الإرهاب ولإعادة تشكيل هذه المنطقة المضطربة سوف يلقي بظلاله الثقيلة على أمل الشعوب العربية بمجتمعات حرة وواعدة، الأمر الذي يزيد شروط نضال الديموقراطيين، صعوبة وتعقيداً، ويضعهم في مأزق لا يحسدون عليه، ليس فقط بسبب التداعيات الإنسانية المريرة للتدخل العسكري الروسي في سورية، وإنما أيضاً بسبب تنامي شعورهم بالضعف والعجز أمام تمدد الشعبوية والعنصرية في الغرب وتنامي تأثير دور خارجي مريض في تحديد راهنهم ورسم مستقبلهم، يحدوه تقدم مقلق للمصالح الروسية وأهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والتي تتعارض اليوم مع حلم الشعوب العربية ببناء مجتمعات ديموقراطية تضمن لها حقوقها وكراماتها وسيادتها الوطنية.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

“الفيلق الخامس|… “جيش الشرق” الروسي لقمع رفاق السلاح وتثبيت السلم/ ابراهيم حميدي

يواصل الجيش الروسي الضغط على حلفائه في دمشق لاستعجال تشكيل «الفيلق الخامس – اقتحام» ليكون عموداً عسكرياً في النفوذ الروسي في سورية يشبه إلى حد كبير «جيش الشرق» الذي أسسته فرنسا خلال الانتداب على سورية بداية القرن الماضي مع احتمال أن التشكيل الجديد يرمي إلى مواجهة النفوذ المتصاعد لـ «قوات الدفاع الوطني» وميليشيات مدعومة من إيران وتثبيت السلم بعد قمع ما تبقى من جيوب للمعارضة.

وفي نهاية ٢٠١٢ ومع تراجع عدد القوات النظامية جراء الانشقاقات والتهرب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية إلى حوالى مئة ألف، نجحت طهران في إقناع دمشق بتنظيم «اللجان الشعبية» في «قوات الدفاع الوطني» بإشراف وتدريب وتمويل الـ «باسيج» وباتت منتشرة في معظم مناطق النظام وجبهات القتال ليصل عددها إلى حوالى ٧٠ ألفاً من السوريين وغير السوريين بينهم أفغان وباكستانيون وعراقيون بإشراف مباشر من ضباط «الحرس الثوري الإيراني»، ما ساهم في وقف تقدم فصائل معارضة في مناطق عدة.

وبعد التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية أيلول (سبتمبر) ٢٠١٥، أعلن رئيس الأركان في الجيش السوري العماد علي أيوب في تشرين الأول (أكتوبر) من القاعدة العسكرية الروسية في حميميم نية تشكيل «الفيلق الرابع – اقتحام» بهدف «تحرير جميع البلدات والقرى». لكن لم تنجح محاولات موسكو دمج حوالى ١٨ فصيلاً مدعوماً من طهران ضمن «الفيلق الرابع – اقتحام» وبقي التنسيق العسكري بالحد الأدنى بأولويات مختلفة.

في تشرين الثاني (نوفمبر) وبالتوازي مع تغلغل ضباط الجيش الروسي في المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية في دمشق ومدن «سورية المفيدة»، وزّع بيان تضمن تشكيل «الفيلق الخامس» بـ «تمويل وتدريب من روسيا» ويضم حوالى ٤٥ ألف عنصر موزعين في وحدات مشاة وهندسة وآليات واقتحام «بعد تدريب على حرب العصابات في مناطق محمية روسياً»، بحسب مسؤول مطلع على تفاصيل المشروع.

وإذ أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة «تشكيل فيلق جديد من المقاتلين المتطوعين، باسم «الفيلق الخامس – اقتحام»، بهدف القضاء على الإرهاب»، دعت «جميع المواطنين الراغبين في الانضمام للفيلق إلى مراجعة مراكز الاستقبال في المحافظات، وتقع في قيادة المنطقة الجنوبية، وقيادة موقع دمشق، وقيادة الفرقة العاشرة في قطنا، وقيادة المنطقة الوسطى في حمص، وقيادة موقع حماة، وكلية الشؤون الإدارية في مصياف، وقيادة المنطقة الشمالية في حلب، وقيادة موقع طرطوس، وقيادة المنطقة الساحلية في اللاذقية، وقيادة الفرقة الخامسة في درعا، وقيادة الفرقة 15 في السويداء»، من دون أن يشمل ذلك مناطق سيطرة المعارضة السورية أو «داعش». وشملت الدعوة «غير المكلفين بخدمة العلم أو فارين منها ممن أتموا 18 سنة من عمرهم والراغبين ممن أدوا خدمة العلم من جميع الفئات ضباط وصف ضباط وأفراد إضافة إلى الراغبين من العاملين في الدولة بموجب عقد لمدة سنة قابل للتجديد شرط الحصول على موافقة الجهة التي يعملون لديها».

تعليمات

وبالتوازي مع صدور مراسيم رئاسية بالعفو عن «الفارين» من الجيش وغير الملتحقين بالخدمة العسكرية وتشديد إجراءات مغادرة الشباب وتسير دوريات في الشوارع لسحبهم من دون تدريب كامل إلى جبهات القتال، صدرت تعليمات إلى وزارة الأوقاف والمؤسسات الحكومية والجيش وشركات الهاتف النقال ووسائل الإعلام والإعلان للحض على الانضمام إلى القوة الجديدة. وفي مذكرة خطية، دعت وزارة الأوقاف أئمة المساجد إلى «التحدث على المنابر وحض المواطنين على الالتحاق بالفيلق الخامس وعرض ميزات ذلك» بينها «تسوية وضع المتخلفين عن الخدمة الاحتياطية وتسوية أوضاع الفارين وموظفي الدولة المتخلفين عن أعمالهم بحيث يتقاضي الشخص مئة ألف ليرة شهرياً» (الدولار الأميركي يساوي ٥٠٠ ليرة). وبين المذكرات، وثيقة من «عميد المعهد العالي للفنون الجميلة» جيانا عيد دعت فيها العاملين إلى «تسجيل أسمائهم لدى مدير الشؤون الإدارية والقانونية».

وحض محافظ اللاذقية مؤسسات الحكومة في اللاذقية على إلزام الموظفين وخصوصاً النازحين (سبعة ملايين نازح داخل البلاد) بـ «الالتحاق في معسكر طلائع البعث في الرمل الجنوبي» ما شمل الأشخاص بين ١٨ و٥٠ سنة. وأضاف في تعميم: «في حال عدم الالتحاق ينهى تكليف الموظفين». وطلبت مديرية التربية «تشجيع» الأساتذة ممن هم تحت سن 42 سنة على الانضمام إلى «الفيلق الخامس» و «ضرورة اقتياد المدرسين النازحين عنوة إلى الفيلق خلال مدة 48 ساعة»، علماً أن تقديرات تشير إلى وجود ١.٥ مليون نازح في طرطوس واللاذقية جاؤوا من حلب وإدلب وحمص. وترددت أنباء عن اختبار خطة لإعادة لاجئين من دول الجوار إلى سورية (حوالى خمسة ملايين) شرط موافقتهم على القتال ضمن هذا «الفيلق».

كما اجتمع المدراء العامون في دمشق مع موظفيهم لشرح مميزات الانضمام إلى هذه القوة بينها «الحفاظ على نصف الراتب الشهري وكسب راتب شهري يصل إلى ٣٠٠ دولار».

وتسلّم السوريون رسائل نصية على هواتفهم المحمولة بينها «كن واحداً من صانعي الانتصار» و «انضم للفيلق الخامس اقتحام» و «ندعوكم للانتساب إلى الفيلق الخامس اقتحام والمشاركة في صناعة الانتصار»، فيما تبلّغ رجال أعمال جدد بضرورة تمويل هذه القوة شرطاً لحصولهم على امتيازات مالية جديدة.

وإضافة إلى بعض أنباء العشائر شرق البلاد، تراهن موسكو المنخرطة عبر ضباط قاعدة حميميم في «مصالحات» على دمج مقاتلين معارضين جرت «تسوية أوضاعهم» في القوة الجديدة بحيث «يقاتلون رفاق السلاح السابقين خصوصاً عناصر جبهة النصرة وداعش».

ولوحظ أن بين عناصر مسودة الاتفاق الذي عرض لتسوية أوضاع ثلاث بلدات جنوب دمشق، تشكيل قوة لقتال «النصرة» و «داعش»، الأمر الذي حصل سلفاً في مناطق أخرى بينها التل شمال شرقي العاصمة. وباعتبار أن آلافاً ممن لم يوقعوا «التسويات» نقلوا مع أسرهم إلى محافظة إدلب، قد تشهد المرحلة المقبلة مواجهات مباشرة «بين رفاق السلاح السابقين»… معارك بين عناصر «الفيلق الخامس» ورافضي «التسويات»، خصوصاً في جبهات إدلب التي تريد دمشق استعادتها بـ «أي كلفة».

«جيش الشرق»

ربط خبراء التغييرات الأخيرة في الجيش السوري بالتشكيل الجديد وقيادته المرتقبة واستعجال موسكو توسيع قاعدة طرطوس وتحويلها إلى قاعدة مشابهة لحميميم. وذكر خبراء في مؤسسات ونشرات غربية مختصة بينها مركز «ستراتفور» الاستخباراتي أن أحد أسباب تشكيل «الفيلق الخامس» موازنة نفوذ إيران، خصوصاً أن موسكو التي توصلت إلى تفاهمات مع أنقرة إزاء وقف النار في بعض مناطق سورية، ستقدم معظم الدعم بما في ذلك الأسلحة والتدريب وراتباً شهرياً يصل إلى ٥٨٠ دولاراً لعناصر «فيلقها». لكن مؤرخين سوريين يشبهون هذه القوة بـ «جيش الشرق» الذي شكلته فرنسا بعد انتدابها على سورية في ١٩٢٠. وقال أحدهم: «بعد فكرة تقسيم سورية إلى دويلات، استقطبت فرنسا الأقليات في سورية وبعض مقاتلي دول مستعمرة مثل السنغال في تشكيل جيش الشرق لقمع الحركات الوطنية السورية بما فيها ثورة ١٩٢٥-١٩٢٧، بحيث كان قادة هذا الجيش من الفرنسيين وعناصره من الفقراء والمهمشين في سورية».

وزاد: «الإقبال على جيش الشرق كان أكثر نجاحاً في الساحل السوري حيث كان الناس مهمشين عبر التاريخ، وحيث وفر جيش الشرق السلطة والنفوذ ما شكل أساساً في بداية العقيدة العسكرية عند أبناء الساحل المضطهدين، الأمر الذي ظهر لاحقاً في التاريخ السوري» في تسلم السلطة في دمشق. وبعد الاستقلال في نيسان (أبريل) ١٩٤٦، أصبح «جيش الشرق» نواة للجيش السوري وسط مساعي «نخبة دمشق» لتهميش هذا الجيش ما كان أحد أسباب النكبة في ١٩٤٨ وإن كان بعض أعضائه مثل حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وراء انقلابات عسكرية وعبدالحميد السراج وراء تأسيس «الدولة الأمنية» مع الرئيس جمال عبدالناصر.

وارتفع عدد أفراد «جيش الشرق» من ١٣ ألفاً في ١٩٢٠ إلى أكثر من مئة ألف لـ «الحفاظ على السلم» بعد قمع الثورة السورية الكبرى في ١٩٢٧. وهما هدفان يشبهان ما ترمي إليه روسيا من تشكيل «الفيلق الخامس» بعد سنة على تدخلها العسكري المباشر من بوابة الساحل السوري، إضافة إلى تنظيم السلاح الخارج عن «سلطة الدولة»، بحسب مؤرخ سوري. وتساءل: «هل يعكس اعتراف موسكو بفصائل إسلامية وقبولها شريكاً في وقف النار والحل السياسي، نية روسية بالاعتماد على الغالبية بالتعاون مع تركيا؟».

الحياة

 

 

 

 

في أبعاد التفاهم الروسي ـ التركي/ حسين عبد العزيز

لماذا اختار قادة الكرملين تركيا للاتفاق معها حول سورية؟ ولماذا وضع الكرملين تركيا طرفاً رئيساً وحيداً معها في ضمان وقف إطلاق النار؟ أليس من شأن هذا الاتفاق، ومن ثم منصة أستانة، أن يعطيا تركيا موقعاً عسكرياً وسياسياً كبيراً في سورية كان ممنوعاً منذ سنوات؟

كثيرة الكتابات التي ذهبت إلى اتهام تركيا، بشكل غير مباشر، بإجرائها انعطافةً سياسية، والتخلي عن الثورة السورية في مقابل الشراكة مع روسيا، بدءاً من خفض سقف مستوى خطابها السياسي تجاه الأسد، مروراً بترك مدينة حلب للمصير الذي حدّده الروس لها، وإبعاد الفصائل المعتدلة عن جبهة فتح الشام، وانتهاءً بالمشاركة في منصة أستانة شريكاً رئيسياً فيها على حساب الهيئة العليا للمفاوضات.

نعم، أحدثت تركيا تحولاً في سياستها تجاه سورية، لكنه ليس تراجعاً أخلاقياً عن دعم الثورة، بقدر ما هو قراءة واقعية وموضوعية للأزمة السورية بمستوياتها المحلية والإقليمية والدولية كافة، وهو تحوّل لن يكون على حساب المعارضة، كما ستبين الأيام المقبلة. فمصير الأسد، على سبيل المثال، موقف دولي وليس روسياً فقط، حيث لم تلحظ الوثائق والقرارات الدولية المتعلقة بسورية أية إشارة إليه (بيانا فيّنا الأول والثاني، القرار الدولي 2254)، باستثناء ترك مصيره للسوريين، والأمر كذلك فيما يتعلق بجبهة فتح الشام المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للفصائل الإرهابية.

أما مدينة حلب، فقد أخذت تركيا مقابلها منطقةً جغرافيةً تمتد من جرابلس، أعلى نهر الفرات، وحتى تل رفعت غرباً، وانتهاء بمدينة الباب في الجنوب، ضمن مثلث جغرافي حقق هدفين رئيسيين، يصبان في مصلحة المعارضة:

منع قيام كانتون كردي، ليس فقط بين شرق الفرات وغربه، وإنما أيضاً داخل منطقة غرب

“الأزمة السورية تعكس المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة” الفرات، عبر منع التواصل الكردي بين عفرين غربا وعين العرب (كوباني) إلى الشمال الشرقي من حلب. إعطاء منطقة جغرافية صافية لفصائل “الجيش السوري الحر”، تحت غطاء عسكري تركي وبتأييد روسي، واعتبار هذا الجيش شريكاً أساسياً في الواقع العسكري والسياسي الجديدين.

ومن شأن هذه المنطقة أن تشكّل، في المستقبل القريب، قاعدة سياسية، وليس عسكرية، للمعارضة، بحيث تكون موطئ قدم للحكومة الانتقالية للعمل داخل الأراضي السورية، وليس خارجها، وهذا تطورٌ مهم إن حصل، لا يجوز إغفاله.

وقد نقلت الهدنة العسكرية تركيا من حالة القوة إلى الفعل نداً للروس في سورية، ومكملاً لها في مشروعها الذي يحظى بدعم أميركي مضمر، وقد نجحت أنقرة في فرض وقف إطلاق النار على الفصائل، وسحبت البساط من ادّعاءات النظام السوري وإيران بعدم وجود قيادة موحدة لفصائل المعارضة، من شأنها أن تفرض وقف النار على الجميع.

وقد كشفت هذه الهدنة التباين الحاصل بين روسيا من جهة وإيران والنظام من جهة ثانية، بحيث يمكن القول إنه إذا كان هذا المحور موحّداً إزاء المخاطر، فإنه متباينٌ إزاء الحلول، كما بدا واضحاً في تصريحات إيران والنظام السوري، ومدى استيائهما من الاتفاق الروسي ـ التركي، بشقيه العسكري والسياسي، ومحاولاتهما عرقلته بشتى الطرق.

ولم يكن مفاجئاً أن يعلن موقع تابناك الإيراني، التابع للجنرال محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني الأسبق، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن كافياً لحفظ مصالح طهران في سورية، لعدم وجود الإيرانيين على الأرض في ضمان وقف النار.

كما نجحت تركيا وحدها في الفصل بين المعارضة المعتدلة وتلك الإرهابية، وهذا سيخدم

“لن تتخلى تركيا عن دعمها الائتلاف الوطني مرجعية أساسية للمعارضة السورية” المعارضة، ولو جرى هذا الفصل قبل سنة لكان المشهد العسكري اليوم مختلفاً عما هو عليه. وبطبيعة الحال، سيساهم هذا الفصل في إدخال القوة المعتدلة المدعومة من تركيا في أفق التسوية، وبالتالي شرعنتها، وهو أمر طالما سعت دمشق إلى عدم حصوله.

وفيما يتعلق باجتماع أستانة، فهو ليس بديلاً عن جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، كما يتصور بعضهم، وإنما يمكن وصفه بـ”إعلان إطار”، فالمسألة السورية لا يمكن اختزالها ضمن محور بمفرده، ولا يمكن حلها وفق مصالح محور بمفرده. إنها أزمة تعكس المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة، ولا يكون حلها إلا بمظلة دولية، وهو ما أكّده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أثناء المؤتمر الصحفي الثلاثي لحظة صدور الإعلان.

ولن تتخلى تركيا عن دعمها الائتلاف الوطني مرجعية أساسية للمعارضة السورية، ولن تتخلى أيضاً عن صيغةٍ للتسوية تكون جادّةً، لا شكلية، هدفها إعادة إنتاج النظام، ولن تقبل القوى العربية الداعمة للمعارضة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتسوية شكلية، وهذا ما تدركه روسيا جيداً التي لن يكون في صالحها استمرار المعارك إلى أجلٍ غير مسمى.

هدف منصة أستانة توسيع دائرة المعارضة، وتعديل شروط التسوية وتقديم حلول قابلة للتطبيق، تحظى بإجماع دولي، لكي يكتب لمفاوضات جنيف المقبلة النجاح، على عكس ما جرى في السنوات السابقة.

العربي الجديد

 

 

 

 

بوتين والسلام الصعب في سوريا/ عبد الكريم أبو النصر

“السلام الحقيقي الذي يحتاج اليه الرئيس فلاديمير بوتين ويريد أن يصنعه في سوريا من أجل قطف ثمار تورطّه العسكري الواسع في هذا البلد وتعزيز دوره إقليمياً ودولياً لن يتحقق بقرار ذاتي منه يفرضه على الآخرين بل يتطلب منه أن يتجاوز عقبتين أساسيتين: العقبة الأولى هي المعادلة الدولية – الاقليمية المستمدة من حقائق الأوضاع والتي تفرض ذاتها على جميع اللاعبين وتؤكد أن الحل السياسي الجدّي الشامل الذي ينهي الحرب يتطلب ضرورة الانتقال من طريق عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة الى نظام جديد تعدّدي مختلف جذرياً عن نظام الرئيس بشار الأسد. والعقبة الثانية هي طبيعة العلاقة الشديدة العداء والكراهية بين نظام الأسد والشعب السوري المحتجّ التي تمنع انجاز المصالحة الحقيقية الشاملة وإبرام اتفاق سلام يعيد الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية الى البلد”. هكذا اختصر مسؤول دولي معني بالملف السوري في لقاء خاص معه في باريس حقيقة الجهود والاتصالات الدولية والاقليمية التي تجريها القيادة الروسية بهدف اطلاق محادثات سلام في استانا ولاحقاً في جنيف بين النظام والمعارضة.

وركّز المسؤول الدولي في هذا الشأن على الأمور الأساسية الآتية:

أولاً، ثمة حقيقة دولية تفرض ذاتها هي أنه لم يصدر عن مجلس الأمن منذ انطلاق الثورة الشعبية في آذار 2011 أي قرار دولي يعترف بنظام الأسد على أنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ويدعو تالياً الى التفاوض والتفاهم معه من أجل وقف الحرب وتسوية الأزمة سلمياً. وقد فشلت روسيا وإيران في اقناع الدول الغربية والاقليمية المؤثرة الأخرى بالتعامل مع نظام الأسد على أساس أنه مفتاح الحل والسلام في سوريا وعلى أساس أنه الطرف الوحيد الذي يجب التفاوض والتفاهم معه.

ثانياً، الأسس والشروط التي حددتها القرارات والتفاهمات الدولية لوقف الحرب وحل الأزمة السورية والتي شاركت روسيا في صوغها وأقرها مجلس الأمن تشدد بوضوح على أن الحل السياسي الوحيد الدائم يتطلب الانتقال السياسي الى نظام جديد تعددي من طريق التفاوض في رعاية الأمم المتحدة بين ممثلي النظام والمعارضة المعتدلة والمعترف بها اقليمياً ودولياً على نطاق واسع.

وهذا مردّه الى أن بناء سوريا الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب يتطلب قيام نظام جديد مختلف جذرياً عن نظام الأسد ويكون تعددياً وشاملاً وغير طائفي ويحقق الأهداف والمطالب المشروعة لكل مكونات الشعب السوري ويمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم في انتخابات حرة وشفافة تشريعية ورئاسية تعددية تنظمها الامم المتحدة الأمر الذي يرفضه الأسد ولم تشهده سوريا منذ العام 1963.

ثالثاً، الصراع بين نظام الأسد والشعب المحتج بات بعد سنوات الحرب صراعاً حقيقياً على الوجود. فالأسد ينكر وجود شعب محتج له مطالب وحقوق مشروعة معترف بها إقليمياً ودولياً ويصف جميع معارضيه بأنهم إرهابيون ويشكلون تهديداً لسوريا الوطن والدولة وليس فقط لنظامه ويجب تالياً القضاء عليهم. وفي المقابل يرفض المعارضون والمحتجون، وهم الغالبية من السوريين ويضمون الثوار والمشردّين واللاجئين والنازحين، العيش في ظل حكم الأسد الأمر الذي يجعل بناء علاقة سلمية طبيعية شبه مستحيل ولن يتحقق من طريق القوة العسكرية والقمع.

رابعاً، العلاقة بين أركان التحالف الثلاثي الروسي – التركي – الايراني المفترض فيه أن يضمن توقيع اتفاق سلام بين النظام والمعارضة علاقة غير متجانسة وغير واضحة المعالم فعلاً.

فإيران ليست راغبة في وقف القتال وفي تكريس نفوذ روسيا الواسع في سوريا. وتركيا تتمسك علناً وسراً بضرورة رحيل الأسد من أجل تحقيق الانتقال السياسي للسلطة الى نظام جديد. وروسيا ليست راغبة أو قادرة على الدخول في مواجهة مع أي من تركيا وإيران من أجل تحقيق أهدافها الأساسية في سوريا.

وخلص المسؤول الدولي الى القول: “استناداً الى هذه الحقائق والمعطيات يبدو السلام الذي تريد القيادة الروسية أن تحققه في سوريا مرتكزاً على طموحات وحسابات صعبة التحقيق بقطع النظر عما يقوله الروس وحلفاؤهم علناً، فليس ممكناً تغيير الوقائع من طريق انكارها وليس ممكناً إلغاؤها من طريق القوة العسكرية بل يجب الاعتراف بها وتقبلها ومعالجتها من طريق الحوار والتفاوض وتقديم التنازلات الضرورية المطلوبة التي تحقق للشعب السوري أهدافه المشروعة”.

النهار

 

 

 

الأوهام الروسية في سورية/ سمير الزبن

استطاعت روسيا، خلال فترة البطة العرجاء للإدارة الأميركية التي تمر بها في أثناء الانتخابات الرئاسية وما بعدها، تحقيق وقائع جديدة على الأرض في الصراع السوري، وتمثل ذلك في إخراج المعارضة السورية والسكان من شرق حلب. وتعتقد روسيا أنها في الطريق إلى تكريس هذه الوقائع، باتفاق سياسي بين النظام السوري وقوى المعارضة. بذلك تكرس نفسها لاعباً مركزياً وأساسياً في الصراع القائم في سورية يستطيع التحكم في مساره.

هل هذه الصورة حقيقية، وهل هي معطى ثابت وقابل للدوام في الصراع الممتد منذ ما يقارب الست سنوات في سورية؟ تبدو اللحظة السورية، هذه الأيام، لحظةً روسية بامتياز، فقد استطاعت روسيا جمع طرفين مؤثرين وفاعلين في الساحة السياسية السورية على تناقض موقفيهما واصطفافهما على جبهتي الصراع في سورية إلى جانبها، وهما إيران وتركيا، وتوقيع الدول الثلاث اتفاقاً نصّ على “تأكيد احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية كدولة ديمقراطية علمانية، متعدّدة الأعراق والأديان”. كما جاء فيه أن الدول الثلاث على قناعةٍ بأنه لا وجود لحل عسكري للأزمة في سورية. تبعت ذلك دعوة روسية إلى مفاوضاتٍ بين أطراف الصراع في سورية في أستانا عاصمة كازاخستان، لتتوّج هذه الوقائع التي ظهرت بوصفها انتصارا للنظام بدعم روسي حاسم.

لا يمكن استكمال المسار الروسي، والوصول إلى تسويةٍ للصراع في سورية، كما يعتقد الروس، لأسبابٍ كثيرة، وإن ظهر الروس بمظهر القادرين على إنجاز هدنةٍ مؤقتة، لأنهم قادرون على لجم عدوانية النظام، ليس لأنهم يملكون نفوذاً على النظام فحسب، بل ولأنهم شركاء في هذه الوحشية، حيث القوات الروسية تشكل الغطاء الجوي لمليشيات النظام والمليشيات الإيرانية التي باتت العصب الأساسي للمقاتلين في خندق النظام في كل الأراضي السورية.

السبب الأول لعدم صلاحية الروس لإنجاز اتفاق مصالحة أو سلام في سورية، هي أنهم ليسوا

“جوهر الحل الروسي يقوم على المحافظة على بنية النظام الأساسية وتطعيمه ببعض المعارضة” طرفاً محايداً، يقف على مسافةٍ من كل الأطراف المتصارعة، بحيث يكون قادراً على لعب دور الوسيط بينها، فروسيا دخلت الصراع في سورية من باب الوقوف مع طرفٍ ضد طرف آخر. وروسيا التي باتت تشكل جزءاً أساسياً من مكونات الصراع في سورية، وتصطف إلى جانب النظام، وتقوم بتغطيةٍ جويةٍ شديدة العدوانية، وحمت النظام سياسياً في مجلس الأمن، من خلال تكرار استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد قراراتٍ تدينه، لا تصلح أن تكون الطرف الذي ينجز التسوية، لأنها ببساطة ستكون تصفيةً للصراع في سورية، والانتصار لطرف على آخر.

السبب الثاني أن روسيا تريد الاستفراد بالتسوية وفرض شروطها، وأي طرفٍ لا يتوافق مع هذه الشروط غير مدعوٍ للمشاركة في مفاوضات أستانا، فإيران وتركيا ليسا الطرفين الفاعلين الوحيدين في الصراع السوري. وهناك دول إقليمية أخرى لها تأثيرها على الصراع، لكنها غير مدعوة للمشاركة، إلا إذا استجابت للشروط الروسية في حل الصراع المنحاز لصالح النظام. والمملكة السعودية بوصفها طرفاً فاعلاً في الصراع على رأس هذه الأطراف غير المدعوة، وقد قالت موسكو إنها مستعدة لضم كل من الأردن والسعودية ومصر للمفاوضات، وظهر التصريح الروسي كأنهم يريدون هذه الأطراف شاهد زور على ما تريد تكريسه، وليس دعوةً جديةً للمشاركة في مفاوضاتٍ لحل الصراع.

السبب الثالث والأهم، تعتقد روسيا أنها يمكن أن تكرّس وقائع جديدة على الأرض في سورية بتجاهل الإدارة الأميركية التي تكون عادة، في فترة الانتخابات والرئاسية وما بعدها، في فترة انتقالية بين رئيسين من حزبين مختلفين، إدارة مشلولة ريثما يحل الرئيس الجديد مكان المنتهية ولايته. وإذا اعتقد الروس أن هذا الشلل سيبقى بعد استلام الإدارة الأميركية الجديدة، سيبنون وهماً سرعان ما سوف يتبدد. فلا يمكن حتى لإدارة دونالد ترامب التي عبرت عن تقارب مع روسيا في الموضوع السوري أن توافق على استبعادها من أي حل في سورية. وليس متوقعاً أن إدارة دونالد ترامب، على الرغم من كل الملاحظات التي تقال عنها، ستتعامل مع الصراع من منطق التاجر، لأن التنازل في هذه المنطقة عن الدور الأميركي في إنجاز الحل سيكرّس سابقةً يمكن تكرارها في بحر الصين، أو في شرق أوروبا. وبالتأكيد، لن تسمح الولايات المتحدة بهذا الأمر. والحل الذي لم تستطع أن تنجزه الإدارة الأميركية بالدعوة المشتركة مع روسيا إلى مفاوضات جنيف الأولى والثانية، لن تسمح باستبعادها وتحقيق اتفاق مصالحةٍ بتجاهلها، فالولايات المتحدة، على الرغم من كل المواقف المتخاذلة من إدارة الرئيس باراك أوباما، طرفٌ رئيسيٌّ ومؤثر في الصراع في سورية، ولا يمكن إنجاز أي اتفاق سوري ـ سوري بعيدا عنها، وعن حلفائها في المنطقة.

السبب الأخير، أن روسيا تتعامل مع طرفي الصراع في سورية كطرفين متساويين في

“روسيا تريد الاستفراد بالتسوية وفرض شروطها، وأي طرفٍ لا يتوافق مع هذه الشروط غير مدعوٍ للمشاركة في مفاوضات أستانا”  المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، وتتناسى مسؤولية حليفها الداخلي عن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، وتحاول أن تصوّر الأوضاع صراعاً بين طرفين قابلاً للتسوية، وليس صراعاً ارتكب النظام فيه جرائم حرب بحق شعبه دفاعاً عن سلطته الاستبدادية، فجوهر الحل الروسي يقوم على المحافظة على بنية النظام الأساسية، وتطعيمه ببعض المعارضة، والحفاظ على بشار الأسد في موقعه، على الرغم من مسؤوليته المباشرة عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري. وهي تريد إعادة تسويق النظام دولياً، بوصفه يمثل الشرعية، كما ادّعى النظام طوال الصراع، وكما برّرت روسيا مشاركتها في الصراع، بوصفها تلقت دعوةً من السلطة الشرعية في سورية. في الوقت الذي تحوّل النظام، خلال سنوات الصراع، إلى مليشيات طائفية فجة وحاقدة، ومستوردة من دول أخرى بتمويل وإشراف إيرانيين.

التسوية التي تريدها روسيا في سورية هي تكريس واقع إجرامي، يتجاوز حقيقة الصراع الذي انفجر ودفع السوريون ثمنه، صراع شعبٍ يريد حريته في مواجهة نظام مستبد ومجرم ووحشي، وهذا النظام الذي اختبر الشعب السوري ست سنوات دمويته من المستحيل أن يعود هذا الشعب ويقبل التسليم بسلطته، بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحقه.

لذلك، ما تحاول روسيا تكريسه بعد الإنجاز الذي تعتقد أنها حققته في حلب، هو “طبخة بحص” ليس إلا، وإعادة احتلال شرق حلب من النظام بدعم روسي، وما يعتبر إنجازا للنظام وحلفائه ليس معركة فاصلة، يمكن الاستناد إليها لكسر إرادة الطرف الآخر بالقتال. لذلك، تحاول روسيا أن تبني حلاً على وهم الانتصار. لكن الأسابيع المقبلة ستكشف السراب الذي يراه الروس في طريقٍ ليس له وجود أصلاً.

العربي الجديد

 

 

 

 

تفاهم روسي – أميركي – تركي يكبح إيران؟/ جورج سمعان

رسائل كثيرة تتوالى يومياً من قادة الحلف الثلاثي في سورية. مواقف متبادلة من أعلى القمة في كل من موسكو وطهران وأنقرة. بعضها ودي وبعضها الآخر يحمل في طياته صراعاً خفياً. وثمة أوساط في المعارضة السورية تراهن على صدام مقبل بين روسيا وإيران. أو بالأحرى تأمل بقيام حلف ثلاثي بديل تحل فيه الولايات المتحدة محل الجمهورية الإسلامية. وترى إلى مثل هذا التطور خطوة تعوضها الكثير من الخسائر التي منيت بها بعد استرجاع النظام مدينة حلب. المواقف التي يعلنها أهل الحلف القائم لا تشي بأنهم على سكة واحدة، أقله في النظر إلى مستقبل الأزمة السورية وسبل تسويتها. يكفي أن طرفاً، ومعه النظام، لا يزال يعتقد بأن الحسم العسكري هو الحل الوحيد. ويصر على مواصلة هذا النهج. فيما طرفان آخران ينشطان لإطلاق مسار سياسي يبدأ من آستانة لينتقل إلى أيدي الأمم المتحدة مجدداً في جنيف. لكن تعويل المراهنين على صدام حتمي بين بعض الأطراف الثلاثة، أو على انفراط عقدهم، قد لا يكون في محله. فهؤلاء يدركون خطر مثل هذه المجازفة الكبرى، لأن أحداً منهم لن يخرج منها منتصراً، فيما فصائل مقاتلة لا تزال على سلاحها، شمال سورية وجنوبها. وفيما قوى سياسية تنتظر تولي السيد دونالد ترامب مهماته، ليساهم في تقويض بعض دعائم هذا الحلف لعلها تستعيد ما خسرت من دور في الميدانين السياسي والعسكري.

الرئيس فلاديمير بوتين أمر بسحب قطعاته البحرية من المتوسط. رسالة واضحة أنه لم يعد معنياً بمزيد من القتال. لم يعد بحاجة إلى مزيد من العمليات الكبرى. حقق ما يريد. «نصره» في حلب أعاد إلى روسيا صورتها كقوة دولية. وكسب مزيداً من الشعبية في الداخل ساهم في رفعها تحسن أسعار النفط والاتفاقات التي توصل إليها مع «أوبك» وشركاء آخرين من خارجها. رسخ أقدام بلاده في الشرق الأوسط. باتت لاعباً رئيسياً ترفدها شبكة من العلاقات والتحالفات، من مصر إلى تركيا. وضمن «شرعية» دائمة لقاعدتيه في حميميم وطرطوس. وأعاد إلى المؤسسة العسكرية السورية بعض الثقة بالنفس، مثلما أعاد هيكلة أركانها وقطعاتها. وهو منكب على تأسيس «الفيلق الخامس» للملمة عناصر ميليشياوية وضبطها في إطار عسكري منظم. لكنه يعي جيداً أن له شركاء آخرين في هذا «النصر» أبرزهم طهران وأنقرة، فضلاً عن الذين صموا آذانهم وأشاحوا نظرهم عما كان يحدث في العاصمة الاقتصادية السورية. وهو يراهن منذ اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء الخارجية الروسي والإيراني والتركي وحتى الاستعداد لاجتماع آستانة، على بناء حد معقول من التوازن في علاقته بهذين الطرفين الضروريين لوقف النار أولاً ولإطلاق العملية السياسية ثانياً. لكن الواقع لا يعكس هذه الصورة.

الواضح أن الرئيس بوتين عزز تفاهمه مع تركيا أثناء معركة حلب ثم في ضمانهما وقف النار. وهو يعول على دورها في إقناع المعارضة السياسية والمسلحة بالمشاركة في المسار السياسي. لكن هذا التفاهم الثنائي عكس تضارباً بين موسكو وإيران يتعمق أكثر وأكثر. الأخيرة انتقدت موافقة روسيا على القرار الأخير لمجلس الأمن الخاص بحلب. وكانت عارضت التفاهم الروسي – التركي على خروج المقاتلين من عاصمة الشمال السوري إلى أن شمل بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين. وعبر «الحرس» وحلفاؤه عن اعتراضهم على دعوة فصائل عسكرية معارضة إلى العاصمة الكازاخية، فضلاً عن دعوة مفتوحة إلى قوى أخرى بينها السعودية وقطر. وهو ما تحرص عليه روسيا حرصها على عدم وصمها بالوقوف في وجه السنة عموماً في الإقليم. علماً أن دعوة الفصائل المقاتلة إلى آستانة بدعم تركي يشكل اعترافاً صريحاً بهذه الفصائل من جانب جميع المشاركين وفي مقدمهم النظام وإيران. لذلك يواصل هذان الطرفان خرق وقف النار. ويصعدان خطابهما بوجه تركيا، مرة بدعوتها إلى سحب قواتها من الشمال السوري ومرة بالتهديد بحملة لاستعادة إدلب وريفها.

والواقع أن الهوة واسعة بين أجندات «الحلف الثلاثي». موسكو لا تشعر بأنها حققت القسم الأكبر من استراتيجية تدخلها في بلاد الشام فحسب. بل تستعجل الخروج وبيدها إنجاز كبير يتيح لها استثماره في السياسة، سواء مع الولايات المتحدة أولاً ثم مع تركيا وأوروبا ومع دول الخليج أيضاً بإصرارها على المسار السياسي اليوم. أي أنها ليست في وارد مواصلة حرب ستطول لتحقيق نصر عسكري ناجز. وليست مستعدة للمجازفة والغرق في مستنقع مشابه لما حل بالسوفيات في أفغانستان، أو حتى لما حل بالأميركيين في العراق. وقد حقق لها التفاهم مع أنقرة خروجاً للمقاتلين من حلب وحفظ بعض ما يمكن أن يحافظ عليه وسط الحملة التدميرية التي قادتها الميليشيات. وهو التفاهم نفسه الذي سيوفر عليها الانسحاب التدريجي من المستنقع السوري. إنها تعول على قدرة تركيا في ضبط الفصائل المعارضة بعدما بات القسم الأكبر منها تحت رحمة القوات التركية ورعايتها في الشمال والشمال الغربي لبلاد الشام. ويشكل هؤلاء المقاتلون قوة عسكرية كفيلة بتعديل ميزان القوى مع الميليشيات التي ترعاها إيران. لذلك تنادي هذه بخروج القوات التركية من سورية لأنها لم تدخل بناء على طلب حكومة دمشق! وهي رسالة جوابية على مطالبة أنقرة بوجوب خروج «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية الوافدة. وتصر طهران على مواصلة القتال، كما هي الحال في اليمن، حتى تثبت أقدامها في «العواصم العربية الأربع». وهي تشعر بأن استراتيجيتها لا تزال تواجه تهديداً مشتركاً، في شبه الجزيرة من جانب «أهل الحزم»، وفي المشرق العربي من جانب شريكيها في الحلف. خصوصاً أن روسيا تجهد الآن لاستيعاب آلاف المقاتلين من الميليشيات في الفيلق الجديد. وهي خطوة تهدف إلى انتزاع هذه الورقة من يد «الحرس الثوري» قبل أن يحولها جيشاً رديفاً يخدم أهداف الجمهورية الإسلامية ويعطل أي تسوية سياسية. أو يكون هو الحاكم الفعلي في أي تركيبة سياسية تكون ثمرة صفقة هنا أو هناك.

يبدو واضحاً من مواقف إيران التعطيلية في سورية أنها تلتزم في اللقاءات الثلاثية شيئاً وتنفذ على الأرض سياسة مختلفة تدفع بالنظام ورئيسه إلى أحضانها بعيداً من موسكو. كأنها لا تعترف بفضل تدخل روسيا الذي أتاح أسطولها الجوي والبحري سهولة تحقيق ما تحقق من «إنجازات»! بخلاف تركيا التي توحي لقاءاتها مع أطياف المعارضة أنها واثقة من سعي الكرملين إلى تسوية سياسية. وتحاول إقناع «الهيئة العليا للمفاوضات» بأن آستانة ليست بديلاً من جنيف، خصوصاً في غياب الأميركيين وغيرهم أيضاً، بل هي مقدمة لها. لذلك كانت آخر رسائلها الإصرار على تمثيل المعارضة الحقيقية. ولذلك جاءت تصريحات الفصائل المدعوة إلى العاصمة الكازاخية أنها على تنسيق مع الهيئة. وعلى رغم ذلك لا تستخف روسيا ولا تركيا بنفوذ الجمهورية الإسلامية في دمشق. قد لا يقل أهمية عن نفوذ موسكو. فهي فضلاً عن مساهمتها الميدانية الواسعة بالمقاتلين، قدمت دعماً مالياً واسعاً إلى النظام المتوجس من الأجندة الروسية. ويرى مصلحته في الانحياز إليها ما دام أنها تصر على بقائه في المدى المنظور ضماناً وحيداً لاستكمال بناء استراتيجيتها.

ما يبدل في ميزان النفوذ لمصلحة موسكو في سورية ليس الصدام المباشر مع طهران. فالرهان على ذلك ليس في محله. ما يحقق للمعارضة بعضاً من آمالها هو تفاهم محتمل بين الإدارة الأميركية المقبلة والكرملين. فلا يخفى أن أجواء الوجوه الجديدة في إدارة الرئيس ترامب معادية لإيران، وتنذر بصراع مقبل معها. وهي لن تكون مرتاحة إلى أي صفقة بين الكرملين والبيت الأبيض. ما يعزز قبضة روسيا في سورية، ويرجح كفتها في سورية، التفاهم على آلية لتنفيذ القرار 2254 تصدر بقرار عن مجلس الأمن تسمح بإطلاق المرحلة الانتقالية بتشكيل حكومة مشتركة تعد لدستور جديد يحمل تغييرات حقيقية سياسية وعسكرية، وتهيئ لانتخابات عامة ورئاسية. وأي تسوية تستهدف إعادة إنتاج النظام نفسه بقادته وأدواته ستكون تسوية تجميلية موقتة… ولن توفر مناخاً مقنعاً لعشرات آلاف المقاتلين في جبهتي الشمال والجنوب بإلقاء السلاح والانضمام إلى المؤسسة العسكرية. والإصرار على مواصلة الحل العسكري بلا مدد روسي لن يؤدي إلى الحسم الناجز. لن يتحقق ذلك في ظل المعطيات القائمة والتفاهم بين تركيا وروسيا. كان الأميركيون وغيرهم يطمئنون أهل الخليج والغاضبين من تدخل إيران إلى أن هذه لا يمكن أن يكون لها في بلاد الشام ما لها في بلاد الرافدين، نظراً إلى التركيبة الديموغرافية في البلدين الجارين. وهو ما دفعها إلى الاستنجاد بالقوة الروسية خريف العام 2015. وتبقى هذه القوة حاجتها الملحة إذا أرادت لنفوذها وحضورها أن يترسخا… إلا إذا كانت قادرة والنظام على فرض «سورية المفيدة»!

الحياة

 

 

 

النزاع السوري: التحكم الروسي على محك محطة أستانة/ د. خطار أبودياب

تبذل موسكو قصارى جهدها وتكثف التنسيق مع أنقرة بهدف التئام مؤتمر أستانة المخصص للتفاوض حول النزاع السوري، في موعده المبدئي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، أو خلال الأسبوع الأخير منه على أبعد تقدير.

هذا السباق مع الوقت يتزامن مع تمركز إدارة دونالد ترامب وعشية دعوة ستيفان دي ميستورا الافتراضية لمؤتمر جنيف 4 في فبراير القادم. والواضح أنه في منعطف ما بعد حلب تسعى روسيا لإثبات قدرتها الريادية والأحادية في قيادة العملية السياسية في سوريا، وأنه بإمكان التنسيق مع تركيا (ضمن ترويكا إعلان موسكو مع إيران بالطبع) أن يكون أكثر فعالية من إدارة العراب سيرجي لافروف والمايسترو جون كيري للمسار السوري بين 2012 و2016. يفترض هذا الرهان قدرة على التحكم بالورقة السورية عسكريا وسياسيا، وهذا ما لا تملكه موسكو لوحدها ولا توفره لها الترويكا. ولذا ستكون محطة أستانة اختبارا للأداء الدبلوماسي الروسي بعد إنجازات “الاختراق الاستراتيجي” في السنوات الأخيرة على حساب الدور الأميركي.

مزج الرئيس الروسي فلاديمير بـوتين بين “القوة الصلبة” و“القوة الناعمة” في إدارته للحيز الأخير من معركة حلب. قبل انتهاء المعركة رسميا كان بوتين يعلن من طوكيو التـوافق مع تركيا على عقد مفاوضات في أستـانة، وعلى ذمة عدة مصادر “منعت موسكو الرئيس السوري بشار الأسد من إلقاء خطاب النصر في حلب”. وبعد ذلك تيسر تجاوز تناقضات الأضداد بين روسيا وتركيا وإيران، وحياكة إعلان الترويكا في موسكو من أجل فتح الطريق نحو أستانة.

إبان “الوقت الأميركي الضائع” وغياب الأطراف العربية والأوروبية عن دائرة الفعل، لم تكتف الدبلوماسية الروسية بغطاء الترويكا، بل طلبت تدويل الهدنة بقرار من مجلس الأمن الدولي ونجحت نسبيا لأن المجلس اكتفى بالترحيب وليس بالدعم، وأصر على وضع محطة أستانة تحت سقف مرجعية جنيف وإشراف الأمم المتحدة.

طغى الاستعصاء على الحراك الدبلوماسي بخصوص الملف السوري وفشلت مؤتمرات جنيف ومبادرة فيينا وغيرها، بسبب تفاقم الصراع الداخلي والاستقطاب الإقليمي والدولي في “اللعبة الكبرى”. ومن أبرز أسباب الفشل الغموض غير البناء في وثيقة جنيف 1 (يونيو من العام 2012) لناحية ربط تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بالإجماع، وهذا ما سمح عمليا بتعطيل أي حل. وبعد تدخل روسيا الكثيف في آخر سبتمبر 2015، صدر القرار الأممي 2254 (ديسمبر 2015) الذي جرى فيه التوافق على خارطة طريق لتطبيق جنيف يعتمد القراءة الروسية، ويدعو لإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة على أن يتم التحول السياسي بقيادة سورية. وإذا وضعنا جانبا رفض النظام السوري لأي تسوية سياسية لأنه كان يعتبرها التمهيد لنهايته، وربط الحراك الثوري بالقرار الخارجي أو استخدام ورقة الإرهاب لمنع التغيير، فإن الأدهى تمثل بعدم نفاد وظيفة النزاع السوري الجيوسياسية المتمثلة باستكمال تهديم وتفكيك سوريا وضرب الوزن العربي وتركيب الشرق الأوسط الجديد وفق هذه المتغيرات.

ومن هنا يبدو التساؤل مشروعا إذا كان مؤتمر أستانة سيقدم جديدا وهل نضجت ظروف الحل على الطريقة الروسية ويرتكز على إعادة تأهيل النظام وإدخال بعض التجميل عليه.

اللافت هذه المرة أنه بالرغم من غياب الآلية الواضحة لمراقبة وقف إطلاق النار، وعدم رفع الحصار وعدم إدخال المساعدات استنادا إلى أقوال الأمم المتحدة، فقد شهد الوضع- على خلاف المرات السابقة- احتراما نسبيا للهدنة باستثناء منطقة وادي بردى، وهذا يدلل على قدرة روسيا وتركيا على التأثير الميداني وحماية الاتفاق “الهش” حسب اعتراف الرئيس بوتين نفسه. وفي هذا الإطار، قبل عشرة أيام من موعد أستانة الافتراضي، أقدمت أنقرة وموسكو على خطوة إضافية في التقارب بينهما مع إقرارهما مذكرة مشتركة لضمان سلامة الطلعات الجوية خلال العمليات العسكرية في الأجواء السورية.

على الصعيد العملي، للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا، تقتضي خطة مباحثات أستانة أن تلتقي وفود عسكرية تمثل النظام والمجموعات المعارضة المسلحة الموقعة على اتفاق وقف إطلاق النار، وتكمن الأهمية القصوى لهذا التطور، حسب التصور الروسي، في مشاركة الفصائل الفاعلة على أرض الواقع. للوهلة الأولى، تسجل المعارضة السورية مكسبا لأن موسكو التي كانت تنحاز للرأي الأسدي القائل إن كل معارض إرهابي، اعترفت بفصائل مثل “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” (كانت تطالب بوضعها على لائحة الإرهاب) وذلك ضمن التنسيق مع أنقرة.

بيد أن هذه التوليفة يمكن أن تطيح بشرعية تمثيل المعارضة حسب وثيقة جنيف والقرارات الدولية، حيث أن استبعاد الهيئة العليا للمفاوضات لصالح الممثلين العسكريين، يمكن أن يعقد لاحقا مسألة تمثيل المعارضة في المحطات التالية للعملية السياسية. بيد أن تجاوز مطبات الفيتو التركي على تمثيل الاتحاد الديمقراطي الكردي، والتصور الروسي لتغيير شكل وفد المعارضة السياسية عبر الإصرار على التوازي بين ما يسمى منصات، أدى إلى التوافق على مثل هذه التركيبة. وعلى ضوء الخلل في ميزان القوى والغلبة الـروسية وإذا نظرنا إلى النصف الملآن من الكأس، يمكن الاكتفاء بانتظار تثبيت الهدنة وخلق منـاخ ثقة كمحصلة لمبـاحثات أستانة في حال التئامها وعدم تعثرها في اللحظة الأخيرة.

كثرت التسريبات في الأيام الأخيرة حول رفع السقف السياسي والآمال المعلقة على مؤتمر أستـانة، ووصل الأمر بالبعض لضمان التسليم ببقاء بشار الأسد إلى الأبد أو حتى إلى انتخـابات 2021، وطـالعنا أسمـاء مجالس عسكرية وحكومات مؤقتة وتواريخ محددة للانتقال السياسي. وفي كل ذلك مبـالغة كبيرة لأن التفـاهم غير متـوفر بين روسيـا وتركيا وإيـران على هـذه المخـارج، ولأن المتـاعب المنتظرة لمـوسكو ستكون مع حليفها الإيـراني الذي يرفض التسليم بدورها الريادي، ويرفض عمليا الحل على الطريقة الروسية. وفي ما يتعدى هذه الإشكـالات بين الداعين للقاء أستـانة، برز إصرار أنقرة على مشـاركة واشنطن وعدم غيابها عن محطة أستانة، وهذا يعني أن بدء الكلام الحقيقي في تصورات الحل السياسي المرحلي سينتظـر الـربيع القـادم أي بدء شروع إدارة ترامب عملها بشكل فعلي.

في الخلاصة، إذا تيسر لقطار العملية السياسية في سوريا أن يصل إلى محطة أستانة، ستدور المفاوضات حول تفاهمات بين موسكو وأنقرة، مع قبول إيراني حذر وترقب إقليمي وتربص أميركي، بانتظار محطات أخرى على درب الآلام السورية.

ستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

ضرورة دعم موسكو وأنقرة في سورية/ مطلق بن سعود المطيري

تسير انقرة وموسكو في خط واحد نحو الوصول لحل سياسي للأزمة السورية، فبعد نجاحهما بعقد هدنة تلتزم بها جميع الأطراف، ومن ثم دعوة أطراف الصراع لعقد مفاوضات في أستانا في 23 من الشهر الجاري لبحث جميع المعطيات التفاوضية للخروج بصيغة توافقية تخدم الحل السياسي، فالتقارب الروسي التركي جاء بهدف التوصل لحل نهائي للأزمة السورية، وليس لاستئناف القتال تحت ذرائع تخدم النظام وطهران اللذين يريدان أن تنتهي الأزمة بهزيمة ساحقة للمعارضة، وليس عن طريق المفاوضات الدبلوماسية..

هل نحن أمام اختلاف روسي إيراني حول الوضع في سورية ؟ قد يكون هناك اختلاف بأهداف، فطهران تريد السيطرة الكاملة على سورية ولن ترضى بأقل من ذلك، وهذا الهدف يتطلب تصفية المعارضة المسلحة نهائيا، وروسيا لا تريد ان تتورط بصراع طويل ربما يعرضها للخسارة العسكرية، وهي تقرأ التجربة الأميركية في العراق، فقد كان الجيش الأميركي يسلم العراق لطهران بدون تحقيق الأهداف المعلنة للاحتلال الأميركي، نشر الديمقراطية وهزيمة الإرهاب، وهذا السيناريو التي تتخوف منه روسيا وتركيا، أو في جملة أكثر وضوحا هو ما يعارضانه، فموسكو ليس لديها أسباب أيديولوجية تدفعها للاستمرار في الحرب، مثلما هو لدى إيران، فتحالفها مع طهران يقوم على حماية النظام وهزيمة الإرهاب، وهذا تحقق جزء كبير منه من جهة هزيمة الإرهاب، أما حماية النظام فروسيا ترى انه يتمثل بإيجاد صيغة سياسية تكون مقبولة من النظام والمعارضة، فروسيا لا تريد ان تسلم سورية لإيران على طبق من ذهب، كما عملت واشنطن في العراق، لذا نرى طهران حريصة على إشراك اطراف عربية في الشأن السوري مثل مصر لكي تعطل الوصول لحل سياسي، لانها تعلم ان القاهرة وانقرة لا يوجد بينهما توافق على عدة ملفات من بينها الملف السوري، وهذا يجعل من المفيد، ان بعض الأطراف العربية ان تبعد عن المفاوضات ليس لضعف دورها أو أهميتها، ولكن من أجل ان لا تستخدم كعنصر معطل للمفاوضات..

الأمر الذي يجب بحثه بعناية هو إمكانية عمل تدريبات عسكرية بين موسكو وقوات التحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب،فالاستعداد للدخول بشراكة عسكرية مع موسكو لحماية الحل السياسي المتوقع الوصول إليه أمر في غاية الأهمية، أولاً لإثبات فاعلية هذا الجيش في الحرب على الإرهاب، وثانيا أن الحل السياسي يحتاج لقوات من دول متعددة لحمايته من الاختراقات، أما فشل الحل السياسي فهذا يعني أن الحرب الأهلية في سورية سوف تستمر أعواما طويلة، وخاصة ان طهران تدفع نحو ذلك.

الرياض

 

 

روسيا وإيران: حدود التعاون والتنسيق في سوريا

تبحث هذه الورقة في حدود التعاون والتنسيق بين روسيا وإيران في سوريا، وتناقش الموقف الإيراني من دخول تركيا على خط التسوية السياسية والسيناريوهات التي ترسمها إيران للتعامل مع الأزمة السورية في مرحلة ما بعد حلب واتفاق وقف إطلاق النار ومفاوضات أستانا.

عبد القادر فايز

ملخص

تبحث هذه الورقة في حدود التعاون والتنسيق بين روسيا وإيران في سوريا، وتحاول أن تستعرض المشتركات ونقاط الالتقاء فضلًا عن مكامن الاختلاف والتباين. وتناقش الورقة نظرة كلٍّ من البلدين إلى الأزمة السورية وتحاول الإجابة على السؤال التالي: هل ستشكِّل سوريا نقطة انطلاق لبناء علاقة شراكة استراتيجية حقيقية بين طهران وموسكو أم أن المعوقات والتحديات ستُبرز الخلافات بين الطرفين اعتمادًا على أسباب تاريخية وجيوسياسية؟

وتستعرض الورقة الموقف الإيراني من دخول تركيا على خط التسوية السياسية والسيناريوهات التي ترسمها إيران للتعامل مع الأزمة السورية في مرحلة ما بعد حلب واتفاق وقف إطلاق النار ومفاوضات أستانا.

وتخلص الورقة إلى أن إيران وروسيا تشتركان في العناوين الكبرى الخاصة بشكل وآليات الحل للأزمة السورية وفي أن التباين في التفاصيل ربما يكون سببًا في بروز تضارب في المصالح بينهما, لكنها ترى أن هذا الصراع على المصالح لن يكون كافيًا لإحداث خلافات استراتيجية حادَّة بين الجانبين على الأقل في المرحلة الراهنة.

“أهداف متقاربة وطرق متوازية” يبدو هذا الوصف هو الأكثر دقة حين نتحدث عن حدود التعاون الروسي-الإيراني في سوريا, وكأن البلدين يتفقان على هدف مشترك في وقت يختار كل طرف طريقًا موازيًا لطريق الطرف الآخر لتحقيق ذلك, فأكثر ما يميز التعاون الروسي-الإيراني في سوريا أنه جاء على قاعدة أن لكل منهما مصالح مختلفة عن الآخر لكنها ليست متضاربة بشكل حادٍّ وهذا مكَّن الطرفين من تحييد مصطلح التنافس بمعناه التصادمي وتغليب مصطلح الشراكة بوجهيه الاستراتيجي والجيوسياسي(1). أكثر ما يميز التعاون الإيراني-الروسي في سوريا هو أنه تطوَّر خطوة خطوة بوتيرة تتناسب مع طبيعة التحديات وأهداف التدخل العسكري المباشر التي تبدو متقاربة إلى حدٍّ بعيد بين طهران وموسكو على الأقل في شكلها المعلن:

الدفاع عن النظام السوري وأي تغير في النظام يجب أن لا يصب في صالح الغرب.

الحرب على الإرهاب.

حفظ وحدة الأراضي السورية(2).

هناك في إيران من يرى أن المرحلة الأولى من التعاون في سوريا حملت أهدافًا مشتركة أغلبها يدور في فلك ما ذكرناه أعلاه وأن ذلك اقتضى تعاونًا استراتيجيًّا للوصول إلى ذات الهدف الذي يمكن التعبير عنه بجملة واحدة، هي تعديل كفة الميزان العسكري على الأرض لصالح النظام وهذا ما تم فعلًا, من يعتقد بذلك يمتلك أسبابًا للقول بأن المرحلة الثانية من هذا التعاون المسمَّاة مرحلة الحل السلمي وإفراغ سوريا من العناصر الأجنبية ليس بالضرورة أن تكون كذلك وأن اختلافات ربما تظهر حتى في الأهداف التكتيكية(3).

ويستدل هؤلاء بالقول: إنه وفي المرحلة الأولى رفعت موسكو من تعاونها مع طهران كونها كانت تحتاج إلى حسم ميداني كبير لإثبات وجهة نظرها لهذا مالت بشكل واضح باتجاه إيران التي تمتلك أوراق قوة عسكرية في الميدان السوري, لكنها وفي مرحلة البحث عن حلٍّ سياسي على طاولات التفاوض تبدو أكثر قربًا إلى تركيا التي لها حظوة خاصة لدى الفصائل المسلحة داخل الأراضي السورية. هؤلاء يعيدون التذكير بالموانع التقليدية التي قد تقف عائقًا أمام دخول العلاقة الروسية-الإيرانية الفضاء الاستراتيجي بالمعنى الحقيقي

تاريخ طويل من انعدام الثقة.

التنافس في مجال الطاقة وأسواقها العالمية.

التباين الحاد في الأيديولوجيا الفكرية والعقائدية.

مكامن الالتقاء وعقد الاختلاف

نقاط الالتقاء

  1. کل من روسيا وإيران ولأسباب تاريخية وجيوسياسية وأخرى تتعلق بالصراع على مناطق النفوذ يعارضان بشكل واضح توسع النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ويعملان معًا -سواء كان ذلك اختيارًا أو اضطرارًا- ضد أن تدخل سوريا دائرة النفوذ الغربي. وانطلاقًا من هذا العنوان يتقاطع البلدان عند نقطة مفادها أن سقوط النظام السوري سينقل سوريا من حليف وساحة نفوذ مهمة إلى سوريا جديدة أقرب إلى الغرب, لكن الدوافع في ذلك تبدو مختلفة:

روسيا ومن خلال وضع سوريا ضمن دائرة مصالحها الدولية تعتقد أن سقوط النظام السوري يعني أن سوريا جديدة ستتشكل وستكون مرجَّحة أكثر للدوران في الفلك الغربي بقيادة أميركا؛ وهذا سيكون ضربة قوية للمصالح الروسية وهي التي تحاول العودة إلى الساحة الدولية كقوة عظمى.

إيران ومن باب نفوذها الإقليمي ومشروعها في المنطقة ترى أن تغيير النظام في سوريا سيُفقدها حلقة استراتيجية لطالما وصفتها بالحلقة الذهبية من هذا المشروع الذي تُطلق عليه “مشروع المقاومة ضد إسرائيل والهيمنة الغربية”(4).

  1. لدى روسيا وإيران قلق مشترك بشأن فكرة تغيير الأنظمة عبر التدخل العسكري المباشر بذريعة حماية المدنيين أو عبر تبني قرارات دولية تصب في ذات الاتجاه, وهذا ما حدث في بداية عام 2012 داخل أروقة مجلس الأمن الدولي عندما استخدمت روسيا والصين حقَّ النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار دعمته جامعة الدول العربية يتبنى فكرة أن يقوم الرئيس بشار الأسد بنقل كافة صلاحياته إلى نائبه الأول(5) ويومها أثنت إيران رسميًّا على قرار موسكو وبيجين ووصفته بأنه يصب في مصلحة الأمن والاستقرار الدوليين.
  2. وجود رؤية مشتركة بين البلدين تقوم على عدم السماح لتيارات إسلامية متشددة بالوصول إلى السلطة في سوريا انطلاقًا من أنه يشكِّل خطرًا كبيرًا عليهما وعلى مصالحهما الاستراتيجية, فروسيا لديها تجربة قاسية مع حركات وتنظيمات إسلامية تتبنَّى هذا الفكر في منطقة شمال القوقاز كالشيشان وأنغوشيا وداغستان, بينما ترى طهران في هؤلاء خطرًا مباشرًا عليها وعلى أمنها وعلى الشيعة بوجه عام, لهذا تؤكد طهران دائمًا أنها لو لم تقاتل هذه الجماعات على الأرض السورية لكانت قاتلتها في شوارع طهران ومشهد وأصفهان وغيرها من المدن الحدودية(6).

نقاط الاختلاف

1- مشروعان متباينان

المشروع الروسي في سوريا ينطلق من رؤية لها علاقة مباشرة بمركزية روسيا كقوة دولية, ويمكن تلخيص جوهر هذا المشروع عبر نقطتين:

لا تعتبر موسكو سوريا بمثابة الركيزة الأساسية للاستراتيجية الروسية العالمية, فموسكو تتعامل مع سوريا كملف من ملفات استراتيجية مهمة مفتوحة بينها وبين الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الغربية.

حاجة روسيا الماسَّة إلى تأكيد دورها كقوة عظمى بإمكانها صناعة السلام وفرضه في منطقة حساسة كالشرق الأوسط.

مقابل ذلك، تتبنى إيران مشروعًا يستند في مركزيته على نفوذها كقوة إقليمية تقود محورًا متعددًا من دول وحركات وأحزاب ومنظمات تجتمع تحت شعار المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل, لهذا فإن نظرة إيران إلى سوريا وأزمتها تختلف بالكامل عن النظرة الروسية؛ إذ تبدو أكثر استراتيجية وأقل براغماتية؛ وذلك يعود لأسباب عدة، أهمها:

خسارة سوريا وخروجها من دائرة المشروع الإيراني لا تعني خسارة حليف فقط بل تعني كسر ظهر المشروع الإيراني في المنطقة كون سوريا بنظامها الحالي تعتبر حلقة الوصل الأكثر أهمية في حلقات المشروع الإيراني.

بعكس روسيا فإيران تريد الخروج من سوريا كصانعة انتصار للمحور الذي تقوده مقابل محور آخر يتكون من بعض الدول العربية وتركيا بالتعاون مع الأميركيين وبعض الدول الغربية.

2- أولوية الميدان ومركزية المفاوضات

صحيح أن البلدين يلتقيان عند نقطة مهمة بأن الحل في سوريا هو حل سياسي وأنه لا حل عسكريًّا للأزمة, لكن تحت هذا السقف تبرز التباينات في الرؤى.

الرؤية الروسية

تقوم هذه الرؤية على أن الأساس هو طاولة المفاوضات والحوار السياسي بين النظام السوري والمعارضة المسلحة, وأن دور التدخل العسكري ينحصر بالمهمات التالية:

ضمان عدم إسقاط النظام السوري بالقوة العسكرية ودعم بقائه بهدف إفشال فكرة قدرة المعارضة والدول الداعمة لها القائلة بإمكانية إسقاط النظام في الميدان وتثبيت قناعة بأن الحل هو بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

هندسة الميدان العسكري على الأرض كي يكون مناسبًا للحل السياسي والدفع باتجاه مفاوضات جدية بين الأطراف المتنازعة.

حذف المجموعات التي ترفض الحل السياسي من مجموعات المعارضة عبر استهدافها عسكريًّا فضلًا عن ضرب المجموعات التي تُصنَّف دوليًّا على أنها منظمات إرهابية ما يفسح المجال أكثر أمام تعويم المعارضة المسلحة التي تؤمن بالحل السياسي.

الرؤية الإيرانية

تقوم الرؤية الإيرانية على قاعدة أساسية وهي أن الحل السياسي للأزمة السورية يجب أن يُفرض بقواعد الميدان العسكري وأن الأولوية للميدان بناء على النقاط أدناه:

ينبغي حسم القضية عسكريًّا على الأرض بحيث تكون الغلبة للنظام ومن ثمة دعوة الأطراف إلى مفاوضات الحل السلمي.

حسم القضية عسكريًّا على الأرض لن يترك للمعارضة المسلحة والدول الداعمة لها أي خيار سوى القبول بالتفاوض من موقع الضعف ما يعني فرض رؤية النظام وحلفائه باعتبارهم المنتصرين.

لابد من تزامن أي مفاوضات سياسية مع تصعيد عسكري ضد ما تسميه طهران بالإرهاب التكفيري أو تلك المجموعات التي ترفض الحل السياسي.

3- مستقبل الرئيس بشار الأسد

ينبع التباين بين روسيا وإيران في هذه النقطة من زاوية جوهرية واحدة هي حرص الروس على التأكيد دائمًا على أنهم غير متمسكين ببشار الأسد وأنهم لا يدافعون عن بقائه في السلطة وأن المهم بالنسبة لموسكو هو حفظ بنية النظام ومؤسساته؛ وقد عبَّر رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف، عن ذلك في بداية الأزمة، عام 2010، حين اعتبر أن روسيا تدافع عن مصالحها في سوريا وليس عن الرئيس الأسد (7). وهذا ما أكَّده أيضًا وزير الخارجية، سيرغي لافروف، حين اعتبر أن الأسد ليس حليفًا استراتيجيًّا لموسكو(8). مقابل هذا الكلام تؤكد موسكو دائمًا نقطتين أساسيتين:

عدم القبول بأن تقرر دول أخرى مصير الرئيس الأسد، وأن الشعب السوري هو من يقرِّر ذلك عبر انتخابات بإشراف دولي حين تكون سوريا جاهزة ومهيَّأة لذلك.

الأولوية في سوريا لتخليص البلاد من الإرهاب وليس لإسقاط رأس النظام وإزاحته. وفي مرحلة الحرب على الإرهاب ربما يغدو الأسد جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.

هذا الكلام الروسي القائم على التفريق بين النظام والرئيس الأسد لم يعجب الإيرانيين بل وشكَّل في حينه نقطة كي يتم انتقاد روسيا والرئيس فلاديمير بوتين بشكل مباشر فطهران ترى في بقاء الأسد أهمية قصوى لمصالحها الاستراتيجية لا تقل أهمية عن بقاء النظام نفسه.

4- التنسيق الروسي-الإسرائيلي

تعتبر هذه النقطة المسكوت عنها حتى الآن أبرز نقاط الخلاف بين البلدين؛ فطهران ترى أن حجم تعاونها الكبير مع روسيا لا يتقاطع مع الحجم الكبير للتنسيق الروسي مع إسرائيل, وفي إيران من يعتبر أن إسرائيل لم تحظَ بفرصة تاريخية لاستهداف إيران ومشروعها المقاوم في المنطقة كما حظيت به في ظل التدخل العسكري الروسي في سوريا, ويستند هذا الرأي إلى ثلاث نقاط:

سوريا التي تعتبرها إيران الحلقة الذهبية في مشروعها المقاوِم ضد إسرائيل تبدو اليوم مكشوفة أمام الطيران الحربي الإسرائيلي بشكل كبير بفعل التنسيق الروسي-الإسرائيلي.

إسرائيل تستهدف إيران ومشروعها في سوريا عبر ضرب خطوط الإمداد الخاصة بحزب الله واستهداف أي تحرك إيراني قرب حدودها, وهذا ما حدث في الجولان المحتل حين استهدفت إسرائيل عربة عسكرية تبيَّن فيما بعد أن من بين القتلى فيها جنرالًا كبيرًا في الحرس الثوري هو محمد علي الله دادي.

اغتيالات غامضة لقياديين بارزين في حزب الله اللبناني مقرَّبين من طهران وامتناع موسكو عن كشف أي معلومات عن كيفية استهداف هؤلاء رغم أنها تسيطر على الأجواء السورية سيطرة شبه كاملة(9).

إيران ودخول تركيا على خط التسوية السياسية: متفائلون ومتشائمون

لا يوجد رؤية محل إجماع في إيران تجاه تغيير السلوك السياسي التركي في التعاطي مع الأزمة السورية والتقارب الحاصل بين أنقرة وموسكو في مرحلة ما بعد اتفاق حلب وإعلان وقف إطلاق النار الشامل في سوريا, ويمكن تلخيص الموقف من دخول تركيا على خط التسوية السياسية في سوريا وفق رؤيتين متباينتين:

1- المتفائلون

هؤلاء يعبِّرون عن ارتياحهم من السياسة التركية الجديدة ويعتبرونها انعطافة مهمة يجب دعمها والدفع بها إلى الأمام باعتبارها متغيرًا إيجابيًّا للأسباب التالية:

هذه الاستدارة التركية ستنتهي بتقارب أكبر مع روسيا في مرحلتها الأولى وستجر خلفها تقاربًا مع إيران أيضًا حتى مع بقاء الانتقادات قائمة بين البلدين على الأقل في الحيز الإعلامي, وبرأي هؤلاء فإن ذلك سيسبِّب ارتخاء في علاقة تركيا مع أصدقائها العرب الساعين لإسقاط النظام السوري, لينتهي كل ذلك بأن تضع تركيا جانبًا فكرة إسقاط أو رحيل الأسد وتركِّز على ضرورة نجاح الحل السياسي كونه الضامن الوحيد لعودة الاستقرار نسبيًّا إلى الأراضي السورية وهو حاجة تركيَّة باتت ملحَّة في ظل أوضاع أمنية واقتصادية سيئة تعيشها تركيا في هذه المرحلة.

للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية تدخل تركيا عمليًّا على خط تصنيف المعارضة السورية المسلحة بين معتدلة تقبل الحل السياسي والتفاوض وأخرى إرهابية يتوجَّب التعامل معها عسكريًّا, ويرى هؤلاء أن هذا التطور التركي يصب في صالح ما تنادي به طهران بشأن محاربة الإرهاب في الداخل السوري.

2- المتوجسون

هؤلاء يعتبرون ما تقوم به تركيا في مرحلة ما بعد اتفاق حلب جاء بتنسيق تركي-روسي مشترك, وأن إيران ستواجه صعوبات جرَّاء السياسة التركية-الروسية الجديدة, وبعض المسؤولين السابقين من خبراء الأمن القومي والسياسات الخارجية يعتقدون أن السياسة التركية الجديدة في سوريا والتقارب مع روسيا حصدت نتائج الانتصارات الميدانية التي لم تكن لتتم دون إيران, كما أنهم يرون أن مرحلة ما بعد حلب بدأت بترويج رؤية تركية-روسية للحل لا تناسب إيران ومصالحها وأن المضي قدمًا في تطبيق هذه الرؤية سيضع المصالح الاستراتيجية لطهران أمام تحديات ليست سهلة(10), فضلًا عن أن التطور في العلاقة بين روسيا وتركيا بشأن سوريا ربما ينتهي بأن تتحول إيران إلى مجرد متفرج يراقب تطورات الأزمة دون أن يكون له دور حقيقي في مجريات الأحداث(11).

السيناريوهات المحتملة

تبدو كل السيناريوهات التي يمكن الحديث عنها محكومة بشكل أو بآخر بتعقيدات العلاقة بين حسابات الواقع العسكري على الأرض وتسويات طاولة المفاوضات, وربما يكون سيناريو مسار مفاوضات الحل السياسي القادم في كازاخستان هو المسار السياسي الوحيد حتى الآن الذي حصل على مباركة طهران سواء في مرحلة الإعداد له خلال الاجتماع الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في موسكو أو حتى بعد أن أعلنته روسيا رسميًّا وبدأت حملة للترويج (12). وبحسب الفهم الإيراني فإن مفاوضات أستانا تشكِّل المرحلة الثانية مما تم الاتفاق عليه في اجتماع موسكو الثلاثي الذي عُرف باسم إعلان موسكو. وانطلاقًا من التعويل على هذا المسار ترسم إيران سيناريوهين للتعامل مع الأزمة السورية في المرحلة المقبلة:

1- سيناريو نجاح مفاوضات أستانا، وهذا يعني الوصول إلى نتائج ليست بعيدة عن النقاط أدناه:

تشكيل حكومة انتقالية بعد سحب جزء مهم من صلاحيات الرئيس بشار الأسد ومنحها لرئيس الوزراء الجديد الذي سيقود المرحلة الانتقالية مع بقاء الأسد في منصبه.

التعامل عسكريًّا مع كلِّ من يبقى خارج هذا الحل من تنظيمات مسلحة لم يشملها وقف إطلاق النار باعتبارها مصنَّفة إرهابية في العُرف الدولي.

التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية عامة بإشراف دولي تُجرى في موعدها -أي بعد انتهاء فترة حكم الرئيس الأسد الحالية- على أن تتبعها خطوات جوهرية تتعلق بوضع دستور جديد للبلاد واختيار نظام الحكم وشكل السلطة.

2- سيناريو فشل مفاوضات أستانا:

بالنسبة لإيران فشل مفاوضات أستانا يعني العودة إلى رفع وتيرة العمليات العسكرية في عموم مناطق سوريا, لكن حتى الآن يبدو موقف روسيا غير واضح بشأن هذا التوجه في حال فشل مفاوضات أستانا, وهذه نقطة غاية في الأهمية بالنسبة لإيران كونها ستكون أحدى أهم المحددات التي ستحكم طبيعة التعامل الإيراني مع الميداني السوري في حال فشل مفاوضات أستانا في التوصل لحل للأزمة.

خلاصة

في حال تجاوزنا السلبيات في العلاقة الراهنة بين روسيا وإيران, وانطلاقًا من تعاون البلدين في سوريا في ظل وجود عناوين اشتراك كبرى فإن العلاقة تأخذ شكلًا جديدًا يعتمد شكل الشراكة الاستراتيجية التي ستنحِّي تاريخًا طويلًا من انعدام الثقة بين الجانبين وذلك من خلال تعويم مقتضيات المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية, وهذا بلا أدنى شك يُعتبر مكسبًا مهمًّا بالنسبة لإيران ويصبُّ في صالح نفوذها الإقليمي. هذا هو المنطق الذي يدافع عنه شقٌّ مهم من صنَّاع القرار السياسي المخضرمين في إيران ضمن تيار يتصدره وزير الخارجية الأسبق والمستشار الحالي للمرشد الإيراني في مجال الشؤون الدولية، د.علي ولايتي، الذي لا يرى حرجًا في الحديث عن علاقات استراتيجية مع روسيا لابد من دعمها وتدعيمها ويحمل قناعة راسخة بأن التعاون بين روسيا وإيران ودول أخرى في المنطقة هو ما سيحدِّد مستقبل وشكل المنطقة(13). لكن هذا التفاؤل الإيراني يصطدم أحيانًا بإمكانية بروز شكل ما من تضارب المصالح في سوريا اعتمادًا على أن لكل من موسكو وطهران مشروعها الخاص في سوريا, لكن من الواضح أن صانع القرار الإيراني لا يرغب في العودة إلى الوراء والتفريط بما تحقَّق من شراكة استراتيجية بين طهران وروسيا انطلاقًا من سوريا.

بيد أن في إيران من يعتقد أن التفاؤل بعلاقة أكثر إستراتيجية بين طهران وموسكو مما هي عليه الآن هو تفاؤل مفرط لا يأخذ في الاعتبار محدِّدات المصالح الجيوسياسية والمصالح العليا للدول التي قد تتخذ أشكالًا مختلفة من مرحلة إلى أخرى. هؤلاء يقولون بأن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران في سوريا هي شراكة مرحلية بدوافع وأهداف متباينة وأن بقاء الشراكة صامدة لا يعني أن طهران وموسكو باتتا حليفتين استراتيجيتين فذلك طريق طويل يحتاج خلطة خاصة فيها الكثير من الثقة والعوامل التاريخية والتقاطع بعناوين حضارية كبرى؛ فروسيا لا تزال تتعامل مع إيران من باب الهيمنة وفرض التبعية بينما ترفع إيران شعار: لا شرقية ولا غربية. تجاوُز كل هذا يحتاج تغييرات جوهرية لا يبدو البلدان بصدد الحديث عنها فما بالك بتطبيقها عمليًّا على الأرض.

مراجع

1- ولايتي: روابط إيران و روسيه بايد دائما رو به پيشرفت باشد (ولايتي: العلاقات الإيرانية-الروسية في تطور دائم), خبرنكاران جوان , 13 اذر 1395، 3 ديسمبر/كانون الأول 2016:

http://www.yjc.ir/fa/news/5882611/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%87-%D8%A8%D8%A7%DB%8C%D8%AF-%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A7-%D8%B1%D9%88-%D8%A8%D9%87-%D9%BE%D9%8A%D8%B4%D8%B1%D9%81%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%AF

2 – روابط ايران و روسيه در آئينه نقد (العلاقة الروسية-الإيرانية في مرآة النقد), روش تحليل سياسي 28 ابان 1392, 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2103:

http://beheshtipour.blogfa.com/post-589.aspx

3- پايان روزهاي خوش روابط ايران و روسيه (انتهاء الأيام السعيدة بين إيران وروسيا), 3 تير 1395 (23 يناير/كانون الثاني 2016):

http://aftabnews.ir/fa/news/376816/%D9%BE%D8%A7%DB%8C%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%88%D8%B2%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%AE%D9%88%D8%B4-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C%D9%87

4- ولايتي: سوريه حلقه طلايى مقاومت در منطقة (ولايتي: سورية هي الحلقة الذهبية في مشروع المقاومة في المنطقة), إيسنا ? مهر ???? ( 25 سبتمبر/أيلول 2012):

http://www.isna.ir/news/91070403016/%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%AA%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%87-%D8%AD%D9%84%D9%82%D9%87-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%AA-%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D9%87-%D8%A7%D8%B3%D8%AA

5- روسيا تعرقل مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن سوريا, DW، 28 يناير/كانون الثاني 2012:

http://www.dw.com/ar/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%82%D9%84-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/a-15700143-1

6- خامنه اى: گر جلوي بدخواهان و فتنه‌گران که دستمايه‌ي دشمني آمريکا و صهيونيسم هستند، در آنجا گرفته نمي‌شد، بايد در تهران و فارس و خراسان و اصفهان جلوي آنها را مي‌گرفتيم (خامنئي: لو لم يتم التصدي لهؤلاء بصفتهم رأس الفتنة وأدوات أميركا والصهاينة في سوريا لكان علينا مواجهتهم في طهران وخراسان وأصفهان)، سايت رهبرى 16 دي 1395، (5 يناير/كانون الثاني 2017):

http://farsi.khamenei.ir/news-content?id=35335

7 – ميدفيديف: روسيا لا تدافع عن الأسد بل عن «مصالحها القومية» في سورية, الحياة، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015:

http://www.alhayat.com/Articles/11612741/%D9%85%D8%AF%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%81–%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A8%D9%84-%D8%B9%D9%86–%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9–%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

8 – لافروف: الأسد ليس حليفًا لروسيا, سبوتنيك، 4 مايو/أيار 2016:

https://arabic.sputniknews.com/news/201605041018607305/

9 – اعتراف رسمي اسرائيل به حمله به سوريه و معني آن براي روسيه (اعتراف إسرائيل رسميًّا بغارتها الجوية في سوريا ومعنى ذلك بالنسبة لروسيا), تابناك ?? آذر ????، (8 سبتمبر/أيلول 2016):

http://www.tabnak.ir/fa/news/646851/%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%B1%D8%B3%D9%85%DB%8C-%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%DB%8C%D9%84-%D8%A8%D9%87-%D8%AD%D9%85%D9%84%D9%87-%D8%A8%D9%87-%D8%B3%D9%88%D8%B1%DB%8C%D9%87-%D9%88-%D9%85%D8%B9%D9%86%DB%8C-%D8%A2%D9%86-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%DB%8C-%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C%D9%87

10- حل بحران سوريه با نسخه روسي و ترکي؛ چالشي براي موقعيت منطقه‌اي ايران 9 (حل الأزمة السورية عبر الرؤية التركية-الروسية سيجر تحديات بشأن مكانة إيران في المنطقة ودورها), دفاع برس, 12 دي 1395 (10 يناير/كانون الثاني 2017):

http://defapress.ir/fa/news/219845/%D8%AD%D9%84-%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%B1%DB%8C%D9%87-%D8%A8%D8%A7-%D9%86%D8%B3%D8%AE%D9%87-%D8%B1%D9%88%D8%B3%DB%8C-%D9%88-%D8%AA%D8%B1%DA%A9%DB%8C-%DA%86%D8%A7%D9%84%D8%B4%DB%8C-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%DB%8C-%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9%DB%8C%D8%AA-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D9%87%E2%80%8C%D8%A7%DB%8C-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86

11 – حركت بوتين به سمت انكارا ومعنانى آن براى تهران / يا إيران محور سه گانه به حاشيى رانده ميشود ؟ (بوتين باتجاه أنقرة والتفسيرات الإيرانية لها/هل ستتحول إيران إلى جالس متفرج في المحور الروسي التركي الإيراني؟), تابناك, 15 دي 1395 (4 يناير/كانون الثاني 2017):

http://www.tabnak.ir/fa/news/654101/%D8%AD%D8%B1%DA%A9%D8%AA-%D9%BE%D9%88%D8%AA%DB%8C%D9%86-%D8%A8%D9%87-%D8%B3%D9%85%D8%AA-%D8%A2%D9%86%DA%A9%D8%A7%D8%B1%D8%A7-%D9%88-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%DB%8C-%D8%A2%D9%86-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%DB%8C-%D8%AA%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A2%DB%8C%D8%A7-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%B3%D9%87-%DA%AF%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A8%D9%87-%D8%AD%D8%A7%D8%B4%DB%8C%D9%87-%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%87-%D9%85%DB%8C%D8%B4%D9%88%D8%AF

12 – تشوركين: إيران ستشارك بفاعلية في الإعداد لاجتماع أستانة حول سوريا, تسنيم, 31 ديسمبر/كانون الأول 2016: إضغط هنا.

13- ولايتي: رابطه ايران با روسيه راهبردي و جامع الاطراف است (ولايتي: العلاقة بين إيران وروسيا هي علاقة استراتيجية), ايرنا, 27 مرداد 1395 (17 أغسطس/آب 2016):

http://www8.irna.ir/fa/News/82192207/

 

 

 

الأممية السوفياتية والأممية الشيعية تتصارعان على سوريا/ بسام مقداد

تشتهر إدارة الكرملين الراهنة بصراحتها وسوقية لهجتها، التي تقارب لهجة “قبضايات الشوارع”. فقد بدأ بوتين حياته السياسية بتعبير “سننقعهم في المرحاض”، عندما كان يتحدث، من الأستانة، عن خصومه في غروزني، وقصفهم بالطيران الروسي. وها هو الزمن يدور دورته، ويعود بوتين للحديث من الأستانة عن قصف الطيران الروسي “للإرهابيين”، لكن هذه المرة في حلب، التي ما اختلف مصيرها عن مصير غروزني.

في جردته عن نتائج الحرب الروسية في سوريا العام الماضي، والتي تكللت باتفاق الأستانة، يقول موقع ” سفوبودنايا بريسا” الناطق باسم المتشددين الروس، إنه بغض النظر إذا ما تحقق “اتفاق الاستانة” أم لا، فإن قيادة روسيا “تبدي رغبتها في لعب دور الوسيط في الصراع السوري، وليس دور المشارك المباشر فيه. وهي تدرك ضرورة تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مع الحفاظ على البلد في حدوده السابقة. كما تبدي روسيا، وهو المهم في الموضوع، استعدادها للتفاوض مع مختلف الفرق المعارضة في غرب البلاد”.

وبالصراحة الصادمة عينها، يقول الكاتب الروسي المعروف إدوارد ليمونوف، في مقالته الأسبوعية في الموقع نفسه، إن روسيا “بلد شجاع مقدام، ولذا نحن لا نقاتل من أجل أجزاء من سوريا، على غرار ما يفعله المشاركون الآخرون في الصراع، بل نقاتل من أجل هيبة روسيا في العالم. وماذا؟ ها هي الهيبة تندفع صعوداً”.

وفي ما يشبه المضبطة الإتهامية بحق النظام السوري “لتقصيره” في العمل من أجل النصر في الحرب السورية، و تحت عنوان “من أجل النصر في الحرب يتعين على الأسد أن يغير التكتيك جذرياً”، كتبت صحيفة الكرملين “فزغلياد” مقالة مسهبة جداَ مطلع الشهر الحالي، استعرضت فيها كافة المجالات التي “يقصر النظام في العمل بها” لتسوية النزاع في سوريا.

والملفت في المقالة، أنها عمدت إلى دعوة الأسد “لطرد الشيعة من حوله” واجتذاب أصدقاء جدد غيرهم. وتأتي المقالة بمجملها وكأنها، بإطالتها واستعراضها لكافة “مجالات تقصير النظام”، ليست سوى تمويه لخطوة تفجير الخلاف مع العامل الإيراني-الشيعي في الصراع السوري، على أبواب لقاء الأستانة في 23 كانون الثاني/يناير المقبل. والمقالة تنطوي على معرفة دقيقة وعميقة بتفاصيل الصراع السوري، جعلت القراء الروس، الذين سجلوا تعليقاتهم على المقالة، يشككون في أن تكون المقالة هي بقلم الصحافي، الذي نُشرت باسمه، وهو غير معروف من هؤولاء القراء.

كثيرون من السوريين يستاؤون حين يسمي المعلقون الغرباء الصراع بين الجماعات الدينية على أنه “سبب الحرب الأهلية”، وقوتها الرئيسية المحركة. لكن مجابهة غالبية الطائفة السنية للعالم من حولها تبقى معطى يومياً بالنسبة لمئات الآلاف من السوريين. ويمكن أن نخوض جدلاً أكاديمياً طويلاً كيف وصلت “أكثر دول الشرق الأوسط علمانية وتسامحاً” إلى حافة الدمار بسبب النزاعات الدينية، لكن الأمر قد حصل، ومن “الصعب السكوت عنه، حتى بدواعي البروباغندا”. وطالما لم يعاد بناء المبادئ القديمة للعلاقات بين الجماعات، أو صياغة مبادئ أخرى جديدة، فإن “الحرب سوف تستمر، بهذا الشكل أو ذاك”.

وتؤكد الصجيفة، أن النزاعات الدينية ليست السبب الوحيد للصراع المستمر منذ سنوات، بل يبرز إلى جانبه بوضوح العامل الديموغرافي والتأثير الخارجي، وتبرز الأسباب الخاصة الصريحة لبعض الأفراد وحتى الظروف المناخية. لكن إذا لم تبادر الحكومة في دمشق، وبموازاة مواصلة العمليات العسكرية، إلى البحث عن حلول للمشاكل داخل المجتمع السوري، فإن “الحرب سوف تستمر إلى ما لانهاية”. وحتى لو تم طرد جميع الجهاديين من الأراضي السورية، فهم سيجدون سبيلاً للعودة، وسوف يواصل “ما يسمى بالمعتدلين تشكيل الحكومات في المنفى وسواها من أشكال الضغط على دمشق”.

وتقول الصحيفة، إنه منذ سنة، كانت تبدو عمليات المصالحة، في البلدات والمدن الصغيرة، ونقل تشكيلات المعارضين المسلحة الكبيرة من المواقع المحاصرة نحومحافظة إدلب في الشمال، عمليات واعدة. لكن هذه الممارسة أدت إلى نشوء “سوريا موازية”، تمثل منطقة محصنة ومسلحة حتى الأسنان، وليس فيها من هو طارئ؛ بل تملك فوقق كل ذلك حدوداً شكلية مع تركيا. وتوضح الصحيفة، أن ما كان يبدو في البداية طريقة للمصالحة، أدى إلى نشوء عامل انقسام آخر، عامل ملموس، وليس دينياَ-دوغمائياً، أو فكرياً- سياسياً. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة جميع “المعتدلين” وسط المحتشدين في إدلب، بحسب الصحيفة، هي نسبة لا تذكر بالمقارنة مع الجهاديين، الذين يُخضعون الجماعات الأخرى، بفعل عدوانيتهم المتفلتة في الحياة اليومية.

وتشير الصحيفة إلى غياب العمل الفعال ضد بروباغندا الجهادية والإسلام الراديكالي والطائفية المفضوحة على قاعدة إرهابية. وقد لعبت دوراً سلبياً كبيراً الأحاديث التي كانت تدور منذ ثلاث سنوات عن أن “الدولة الإسلامية”، الظاهرة الإجتماعية، وكأنها ظاهرة محض عراقية مرتبطة برد فعل أعضاء حزب البعث السابقين على الإحتلال الأميركي؛ وهذا صحيح جزئياً فقط، لكن يبقى السؤال هو من استخدم الآخر هناك؟ فالجماهير السنية في عدد من المدن  والبلدات كانت تدعم نمط الحياة الذي قدمه الجهاديون وصوروا أنفسهم “مناضلين ضد الغزو الأنجلوساكسوني”. وقد انتهى كل ذلك “في الموصل وحلب، ومشاهد الإعدام الفظيعة”. أما كيف يجب التعامل مع هؤولاء، فعلى الحكومة في دمشق أن تستخلص دروساً عملية من الحقيقة البسيطة التالية: إن سكان الأرياف، الذين نزحوا إلى المدن الكبرى نتيجة الأزمة الإقتصادية وتغيرات المناخ، يفقدون بسرعة تأثير غزوة الحضارة تلك، التي حملها إليهم “آل الأسد، أكلة لحوم البشر” خلال نصف قرن من الحكم، على حد وصف الصحيفة.

وتحت عنوان فرعي “لا حاجة للشيعي”، تواصل الصحيفة الحديث حول موقع إيران والمنظمات الشيعية التابعة لها في سوريا، أو ما تسميه صحيفة روسية أخرى “الأممية الشيعية”. وتقول الصحيفة، إنه في عام 2017 “سوف يكون من المنطقي أن يتوقع المرء من بشار الأسد وقف جميع البرامج في اجتذاب بعض الأصدقاء غير المنتظمين كلياً إلى جانبه، وبالدرجة الأولى الشيعة”. ويدور الحديث “بالدرجة الأولى، عن حزب الله واثنتين أو ثلاث من فصائل المتطوعين من مواطني البدان الأخرى”. فالشيعة، سواء كانوا من الوافدين أو المحليين، تحولوا في الشهرين الأخيرين إلى شياطين، حتى في بروباغندا “المعتدلين (أي، من هم ليسوا جهاديين كلياً)، واتخذ الخطاب بشأنهم طابعاً عنصرياً تقريباً. حتى وسائل الإعلام الغربية (عداك عن الخليجية) بدّلت هدف النقد في الأيام الأخيرة من معركة حلب “وحل مكان الروس، ذوي الأنياب الطويلة،  الشيعة ، ذوو الأنياب الأكثر طولاً”. وقد بلغ بهم الأمر حد القول إن “الروس جيدون فعلاً”، فهم على الأقل ينظمون ممرات إنسانية، ويطعمون النازحين ويأوونهم، أما “الشيعة فيطاردون المواطنين المسالمين، ويقتلون الجميع، ويلحقون الأذى بالروس”.

وتعتبر الصحيفة، أن سكان سوريا من الشيعة “لم يقم أحد في الحقيقة بإلغائهم”. وتبقى بلدات شيعية عديدة كبيرة محاصرة في محافظة إدلب وبجوار الرقة، وتستمر في الوجود “من دون أي مساعدة من قبل الجيش الرسمي في محيط معاد بالمطلق”. وحزب الله ذاك نفسه، عداك عن الوحدات الشيعية في الجيش الرسمي “لن يهدأ طالما لم يفك الحصار عن هذه المدن”، بحسب الصحيفة. وبعد ذلك فقط “سيعود حزب الله إلى لبنان، مما سيثير موجة استياء من جانب إسرائيل”، التي تعتبر أن مصلحتها في “الإبقاء على حزب الله على الجبهات السورية بأي وسيلة، ومن أجل ذلك سوف تقدم على مختلف التدابير”. ولهذا بالذات دائماً ما تسير “المفاوضات الروسية-الإسرائيلية على هذا النحو الغريب والملتبس، بالرغم من وجود عدو مشترك طبيعي، كما هو مفترض”.  فإسرائيل “ليست معنية في سقوط سوريا وحزب الله في خاصرتها، الأمر الذي لا اسوأ منه”.

وتشير الصحيفة إلى أن إيران “تكبدت خسائر كبيرة جداً في عدة عمليات قاسية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، لكنها حصلت، جراء ذلك على خبرة هائلة”. ومصالحها في هذه الحرب “ليست فقط مصالح عملية تجعلها مفهومة، بل هي مصالح عقائدية أكثر مما يمكن أن تبدو عليه للوهلة الأولى”. والمجابهة مع بلدان الخليج، بإيديولوجيتها وممارستها الدينية “تحمل طابعاً لا تاريخياً ولا سياسياً”. وتقول الصحيفة، إن علينا أن نتفهم “أن إيران متورطة ايضاً في الحرب في اليمن بالثوابت العقائدية والسياسية نفسها، ولن تنسحب من الجبهتين بهذه البساطة”. هذه الصراعات تحمل، بالنسبة لطهران، ما يقرب “من الطابع الحضاري، أما الظروف الأخرى فهي ليست سوى عناصر التكتيك الآني”.

خلاصة ما سبق، أن روسيا وتركيا وإيران تتهيأ للقاء الأستانة، إن قًدر له أن يتم، ويسعى كل طرف إلى رفع حجم حصته في عملية تقاسم النفوذ في سوريا. لكن روسيا، وكما يبدو، تفترض أنها صاحبة الكلمة الأولى في توزيع الحصص، ولهذا تعمل على استبعاد من يمكن استبعاده وتصغير حجم حصة من يبقى من هذه الأطراف. لكن ما يجمع الأطراف الثلاثة هو التوهم بأنهم قد تمكنوا فعلاً من استبعاد الآخرين عن التسوية الحقيقية، والنهائية، للمقتلة السورية، وتخفيض حجم مشاركتها، إن شاركت، إلى مستوى المشاركة الشكلية لتلعب دور الشاهد على التسوية المفترضة لا أكثر. وهناك في موسكو، وممن هم من مؤيدي الكرملين، من يسخر من محاولات موسكو إشراك الغرب وبلدان الخليج في هذا اللقاء بشروط موسكو.

المدن

 

 

 

كم انسحاباً روسياً من سوريا؟/ حسين عبد الحسين

للمرة الثانية في أقل من عام، تعلن موسكو سحب قواتها من سوريا. المرة الاولى كانت منتصف آذار/مارس 2016، حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل مفاجئ، سحب القوات الروسية من سوريا لأنها أتمت مهمتها العسكرية. تلا إعلان بوتين الانسحاب المزيد من الغارات الروسية التي قصفت السوريين ودمرت منازلهم على رؤوسهم، وشردت من بقوا منهم على قيد الحياة. الأسبوع الماضي، أعلنت موسكو للمرة الثانية سحب قوات من الحرب السورية، خصوصاً القطع البحرية المنتشرة امام الساحل السوري.

لا يمكن تقدير عواقب الانسحابات الروسية المتكررة من دون معرفة حجم القوات الروسية المنتشرة في سوريا أو مواقع انتشارها. وعلى الرغم من محاولة بوتين تصوير حروبه على انها تجري بتوصيات مؤسسات الدولة الروسية ورقابة برلمانها، إلا أن حروب الرئيس الروسي، ضابط الاستخبارات السابق، غالباً ما تبدأ سراً، وبعضها يبقى سراً، مثل اجتياحه شبه جزيرة القرم الاوكرانية.

في سوريا، تسللت المقاتلات الروسية صيف عام 2015، قبل أن تبدأ بدك المدن السورية على رؤوس قاطنيها في أيلول/سبتمبر 2015. بدأ بوتين تدخله العسكري في سوريا سراً، لكن كان لا بد من اعلان تدخله، إذ إنه يصعب اخفاء المقاتلات الروسية وغاراتها. ولبوتين مقاتلون على الارض السورية. بعض التقارير تشير الى ان هؤلاء مستشارين عسكريين، وبعضها الآخر يعتقد أن الروس المقاتلين في سوريا هم من المرتزقة ولا ينتمون للقوات النظامية الروسية.

بوتين يتأرجح في وجوده العسكري في سوريا، بين إبقائه سراً وإعلانه. بعض المتابعين يرون أن بوتين يخفي مدى تورطه في المستنقع السوري لإخفاء الخسائر الممكنة ولحقن أي غضب شعبي روسي قد ينتج عن الخسائر. البعض الآخر يعتقد أن بوتين يثير ضجيجاً كبيراً في سوريا حتى ينتزع مطالب اكبر من العواصم الغربية في بقع اخرى من العالم.

أما الفرضية الاكثر رجحاناً فهي أن بوتين يستعرض عضلاته العسكرية في روسيا، وهو ما يدفعه الى اثارة ضجيج حول مشاركته في الحرب السورية. لكن الاهداف في سوريا لا بد أن تنفد، ولا بد أن يملّ الاعلام من الغارات الروسية وأخبارها، وهو ما قد يدفع بوتين — بين الحين والآخر — الى محاولة اعادة سرقة الأضواء بإعلان سحب قواته.

يبقى أنه على مدى 15 شهراً الماضية، بدا جلياً أن مشاركة بوتين في تحالف مع الإيرانيين والرئيس السوري بشار الأسد لا تعني بالضرورة أنه زعيم هذا التحالف. ومنذ بدء التدخل الروسي، تم رصد تقارير إخبارية في مواقع إعلامية موالية لإيران تشكو من تقاعس روسيا في تقديم غطاء جوي لهذه المعركة أو تلك، وهو تقاعس روسي كلف الميليشيات الموالية لايران خسائر بشرية كبيرة امام المعارضة السورية المسلحة.

التباين في الاهداف العسكرية يشي بتباين مشابه بين موسكو وطهران في الأهداف السياسية، فروسيا تسعى لنتائج سريعة لتدخّلها في سوريا، أما إيران، فمشاركتها في الحرب السورية هي جزء من إعادة بناء الامبراطورية الإيرانية، التي لامست ساحل المتوسط للمرة الاولى منذ القرن السابع الميلادي. بكلام آخر، بوتين يلعب كرة الطاولة في سوريا، فيما تلعب إيران الشطرنج.

ماذا سيحصل بعد الاعلان، الثاني على الاقل، لانسحاب القوات الروسية من الحرب السورية؟ الافكار الروسية يبدو انها نفدت، فلا الغرب يكترث لروسيا أو للأسد أو مستقبله، ولا هو مستعد لأي مقايضات تكون سوريا جزءاً منها. كذلك، لا يعود إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية بنتائج سياسية أو ديبلوماسية تذكر على بوتين، ولا هو قادر على فرض تسوية تظهره عرّاب النظام الشرق أوسطي الجديد. هذا يعني أنه بعد الانسحاب الروسي، كما قبله، ستستمر إيران في عملها الدؤوب لتكريس سيطرتها، الضمنية أو العلنية، على القوى العربية المبعثرة من المحيط الى الخليج، وعندها يمكن لبوتين أن يعلن سحب قواته مرتين أو ثلاث إضافيتين، ولكنه قد لا يلقى بعد الآن الاهتمام العالمي نفسه الذي تلقاه مواقفه حول سوريا ومصيرها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى