صفحات سوريةمنير الخطيب

النخب السياسية السوريّة كي لا تخجل مرة أخرى/ منير الخطيب *

سألت، ذات يوم، أحد أعضاء القيادة القطرية السابقين لحزب البعث (قيادة صلاح جديد)، بعد خروجه من سجنه الذي دام أكثر من ربع قرن: ما الذي جعلكم في قيادة الحزب، عندما كنتم في السلطة، تسكتون على ممارسات صلاح جديد الطائفية؟ أجاب بطيبة فلاحّية: «يا أخي، كنا نخجل نحكي بهذه القصص، وكانت القضية الفلسطينية تهيمن على كل اهتمامنا».

أعتقد أن المسألة إلى حدود كبيرة كانت مسألة خجل، لكن في مستوى أعمق، هي مسألة وعي أساساً. عندما حضر الخجل بمعناه الشرقي الذي هو أحد علامات التصالح المبكر للفكر القومي مع التقليد، غاب الوعي النقدي، ومع غيابه، حجب الحضور الكثيف للقضية الفلسطينية قضايا الإنسان والحرية والدولة والوطنية، بالتالي بدأت تتشكل عناصر الأيديولوجية البعثية، بصفتها وعياً زائفاً للواقع أولاً، وقناعاً للمصالح ما دون الوطنية ثانياً.

يعيد التاريخ، مرة أخرى، طرح مسألة الخجل على النخب السورية، وإن في أشكال مختلفة وفي ظروف مختلفة. فبعد أن أدى توحش النواة العسكرية/ الأمنية للنظام، بالتعاضد مع الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والدعم الإيراني غير المحدود، والتراخي الإقليمي والدولي أمام النكبة السورية، إلى إخراج المعارضة السياسية وقوى الحراك المدني السلمي من مجال الفعالية والتأثير، وبالتالي أبقى ذلك التنظيمات الإسلامية الجهادية في الواجهة وفي مجال الفعالية والقرار الفعلي على الأرض، وجدت المعارضات السياسية والنخب السورية عموماً نفسها، تمارس على استحياء نقداً خجولاً لممارسات هذه الفصائل الإسلامية، كونها الوحيدة القادرة على التصدي للبنية الأمنية للسلطة. وهذا واحد من التناقضات المستعصية التي فرزتها الثورة السورية في مرحلتها المسلحة.

لقد تحول ائتلاف قوى المعارضة السورية إلى مجرد «جبهة وطنية تقدمية» عند هذه الفصائل، وهذا يعيد إنتاج الإشكالية البعثية ذاتها.

لم تعد المسألة في سورية مسألة النظام، بل صارت مسألة الكيان السوري الذي أفصح عن هشاشة عميقة، ونقص صارخ في مسألة الاندماج الوطني، وكان شعار «الوحدة الوطنية» الذي تشدق به النظام، على الطالع والنازل، هو الغطاء الأيديولوجي الزائف لهذه الهشاشة.

إن الحفاظ على وحدة الكيان السوري ممكن بين ممكنات أخرى تتراوح ما بين تعفن الوضع الراهن والتقسيم، ومن أهم شروط وحدة الكيان السوري العودة إلى جذوة الثورة في مرحلتها الأولى، بصفتها ثورة من أجل الحرية والإنسان وبناء الدولة الوطنية، ويبدأ ذلك بالنقد الحاسم للعقل الفصائلي الإسلامي، من دون مواربة وتدليس، لأن مجال الوطنية مجال متخارج مع الأيديولوجيات الحصرية، والسوريون بعد كل هذا الخراب الذي لحق بهم، لا يمكنهم تحمّل إرادات خاصة تحتل مجالهم العام وتحكمهم لعقود مقبلة، مهما كانت المشروعية الأيديولوجية التي تتلطّى خلفها.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى