صفحات الرأي

النخب العربية تتحول طبقات من المتسولين والطفيليين/ إبراهيم غرايبة

 

 

 

كيف تحولت الكتلة الاجتماعية الرئيسية والأكثر عراقة ورسوخاً وحضوراً في التشكل الاقتصادي والاجتماعي إلى جماعات من الفقراء والمهمشين؟ وكيف تحول المرابون والموردون والجائلون وغير المنتجين إلى قيادات اقتصادية واجتماعية وسياسية؟

في الفجوة الكبرى والمتسعة بين النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة اليوم وبين المجتمعات والطبقات المختلفة، تتحول المجتمعات إلى كيانات عشوائية مهمشة وإن كانت تتلمس طريقها وتبحث بوعي عن الفرص الممكنة للنهوض، وتتحول (تحولت) النخب والطبقات القيادية إلى مجاميع منفصلة عن المجتمعات وتدخل في تحالفات مع السلطات السياسية تكاد تشبه العمالة السائبة التي تنتظر في أمكنة محددة أي مشغل وأي شغل يتاح لها، هكذا تمكن الملاحظة اليوم كيف تسود الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية تيارات وجماعات وشخصيات قادرة على العمل والتأييد والمعارضة والظهور والاختفاء والتدين والتعلمن والمعاصرة والأصالة والحداثة والتعولم، ومستعدة لتأييد أو معارضة أي موقف أو اتجاه وتشارك أو تقاطع أو تعتزل، من غير فلسفة سياسية أو اجتماعية تفسر هذه المواقف وتبدلاتها، إذ لا يمكن توقعها أو تفسيرها، ليس ذلك براغماتية كما يظن للوهلة الأولى، لكنه على الأغلب غياب المجتمعات والمدن والقواعد الاجتماعية والجماعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية المفترض أن تعكس الحياة السياسية والاجتماعية مصالحها وقيمها، وفي غياب هذه الجماعات، ليست العمالة السائبة في السياسة والاجتماع جماعة محددة أو مميزة، لكنها نخب ومجموعات لا تعكس قواعد أو مصالح أو طبقات اجتماعية أو أفكاراً وفلسفات وبرامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية… إنها أقرب إلى المغالبة لأجل البقاء و/ أو التسول و/ أو التهريج، يُلاحظ سلوكها ذاته في فنادق الخمس نجوم والمؤتمرات والندوات والاجتماعات والصالونات والأعمال الجماهيرية والاجتماعية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني كما المتسولون والبائعون المتجولون في قاع المدن أو حول الإشارات الضوئية!

والحال أنها تعكس المجتمعات والمدن المشتتة و/ أو العشوائية و/ أو المستتبعة للأوليغارشكيا.

يبدأ (بدأ) تشتيت المدن والمجتمعات وإضعافها عندما اقتبس الرعي الجائر في مرحلة ما قبل القرى والمدن أو بعيداً منها في سلوك سياسي واقتصادي مؤسسي في المدن ذاتها، وذلك عندما تتجه طبقات من التجار ورجال الأعمال والبنوك وفئة واسعة من الموظفين إلى استغلال واسع ونهب للموارد بلا إدراك لتأثير ذلك في مستقبلهم ومستقبل البلاد والفئات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى والموارد ذاتها، وفي ذلك تستحضر الأسواق والطبقات التجارية الرعي المنفصل عن الأمكنة والمراعي ذاتها! وفي طبيعة الحال، فإن البرامج السياسية واتجاهات الأسواق كما الإعلام والفكر والثقافة تعكس مصالح أو مأساة هذه الحالة من الرعي الجائر، بل وتتحول ذاتها إلى رعي جائر للموارد والمعرفة!

تنشئ السلطة علاقتها بالمجتمعات على أساس القهر والمعنى وتوزيع الموارد، وعندما يغيب المعنى في تنظيم هذه العلاقة بما هو المواطنة والعدل والقانون والانتماء والهوية والثقة وتحسين الحياة يتحول السلوك السياسي إلى استحضار الخوف كأساس للعلاقة بين السلطة والمواطنين، إذا لا يعود لدى الحكومات والطبقات السياسية سوى الخوف لكسب تأييد الناس أو صمتهم، ولا يعود يجمع بينهم سوى الكراهية وعدم الثقة، وتستحضر طبقات الحكم حالة الصيد عندما كان الصيادون يجمعون مواردهم من دون اعتبار أو ملاحظة للمصالح والقيم التي تجمع أهل القرى والمدن، وسياسياً صارت تعني الإدارة العامة للقضايا والأزمات بلا ولاية للأمة ولا انتماء لها أو استحضار لمصالحها!

بدأ هذ التهميش للمجتمعات وقضاياها وأولوياتها عندما صعدت التيارات القومية والدينية والأيديولوجيات المنفصلة عن التنمية والإصلاح الوطني، ولا شك في أن الأوليغارشكيا كانت سعيدة بهذا الانشغال من قبل المثقفين والمعارضات والجماعات الشبابية، لكنها حالة تحولت إلى خواء خطير يحول الأوليغارشكيا ذاتها إلى مجموعات من المتسولين والمعزولين.

* كاتب أردني

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى