صفحات الرأي

النضال الفولكلوري والمافيا/ محمّد علي مقلّد

 

 

“عجبت لمن لا يجد في بيته قوت عياله، كيف لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه”. نعتذر من أبي ذر الذي ينسب إليه هذا القول. قبل اليوم خرجنا من بيوتنا حاملين السيوف. اختبأ السارقون خلف الستارة يتفرجون علينا ونحن نتحارب ونتفانى. صرخنا من الوجع في وجه العدو. ثم تفاجأنا قبل وسائل التواصل، بأننا نقاتل عدواً افتراضياً. سميناه الطائفية والطغمة المالية والفاشية والفلسطينيين والغريب.

ونعتذر منه اعتذاراً معاكساً. ها هم أمامنا، بلحمهم ودمهم، أولئك الذين يسرقون اللقمة من أفواه الجائعين لتعلو جدران قصورهم، وتتسع حدود شركاتهم واستثماراتهم وأموالهم وحساباتهم. إنهم أمامنا عراة إلا من فسادهم ولا يخجلون. ننطوي نحن على خجلنا من صوغ قوله بألف شكل وشكل.

عجبت لمن تحاصره نفاياتهم.لمن يتدثر ويتعثر بعتمة كهربائهم الميتة وكراسيهم المؤبدة. لمن يراهم يتقاسمون الوطن والمال والشعب والليل والنهار، ويبقى صامتاً. يترقبون الترياق من العراق، من انتظارات إيران ومشاغلها النووية، ومن رمال الخليج التي أصاب جفافها العقل السياسي العربي وجعله عقيماً، وجرجرونا على دروب الحرب الأهلية بصفوف تمتد من المحيط إلى الخليج.

عجبت لمن يراهم يحتلون الهواء والفضائيات وكل الشاشات ويصمون آذاننا بالوعود الكاذبة والحجج الكاذبة والأنبياء الكذابين، ويرمون في وجوهنا صوراً مزورة عن أحلام كاذبة، ويحشون عقولنا  بالحقائق الخادعة وزيف الكلام..عجبت كيف نهبّ إلى التصفيق بعد كل خديعة.

لكن، لا عجب إذا كانت أصوات الاحتجاج لا تنقطع، والتجمعات بأحجام صغيرة في الساحات لا تتوقف، والغضب ينفجر شتائم  وبيضاً وبندورة ومن كل أنواع النفايات في وجوه وزراء بعضهم أبرياء من دم عثمان. قال صديقي، بلى هو العجب بذاته حين يصير النضال نوعاً من الفولكلور، يحوّله  المتظاهرون إلى نوع من التسلية اليومية أو الاسبوعية، يسخر منها القاعدون على كراسيهم سعداء بعيداً عن روائح النفايات، وبعد أن اختفت أحزاب اليسار أو باعت تاريخها للفاسدين المفسدين، وصارت تتلقى الأوامر منهم فتتظاهر لحساب سمسراتهم وتقحم نفسها في خصوماتهم وتصطف في خنادقهم.

ربما صار من الملح والضروري مصارحة مناضلي الفولكلور. لم يعد شيء خافياً. العلة ليست في أشخاص الوزراء، ولا في أشخاص النواب. إنهم يشبهون شعبهم، فمنهم الطالح والصالح، والخبيث واللئيم والصادق والدمث، والكريم والبخيل، والمثقف والأمي، والذكي والغبي، والسارق والأمين. ومنهم من إذا قال فعل، ومنهم من يبيع الوطن والمواطنين بحفنة من عمالة. العيب ليس في الإشخاص، على علات بعضهم، بل في النظام الذي يبرئ المجرمين، ويحمي الفاسدين، ويشرع للسرقة، ويعاقب المشتكين، ويسجن البريء ويحرر المدانين ويغطي على المتهمين. العلة في نظام تنطبق عليه كل مواصفات المافيا. مافيا المحاصصة حتى على النفايات.

أخطر ما في نظام المافيا هذا أنهم يتحاصصون الشعب، يتوزعونه، يقاتلون به، يحمون سرقاتهم بولاءاته. كلما ارتكب أحدهم موبقة يدعو المصفقين إلى مهرجان أو تظاهرة تأييد لشحن النفوس ضد الفريق الآخر.

في نظام المافيا تنافس مضبوط بحسابات دقيقة. لا يسمح للتنافس بأن يقضي على الحصة المرسومة لكل طرف من أطرافه. وفي نظام المافيا من يصنع الحرب هو الذي يكلف نفسه صناعة السلام، وهو لا يعنيه لا حرب ولا سلام، بل حصة من المال العام يسرقها باسم المصالح العليا للدين أو للأمة أو للوطن. وفي حساباتهم الدقيقة لا دين ولا أمة ولا وطن بل حصص من المال والطوائف والأحزاب.

لا ترموا الوزير أو النائب بالبيض والبندورة. لكن لا تسبحوا بحمد وزير آخر أو نائب. لا هذه ولا تلك. العلة في النظام، ولم يعد يكفي أن نتظاهر أو نعتصم أو نغضب، مجموعات صغيرة متفرقة متناثرة. ولم يعد جائزاً أن نختلف على جنس الملائكة. نظام المافيا يحتاج إلى قاض شجاع، وشعب موحد تحت سلطة القانون.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى