صفحات العالم

النظام الأسدي مريض والحل بيد الشعب السوري


أسعد حيدر

النظام الأسدي، مريض. اللجنة الوزارية العربية ليست “الطبيب” القادر على شفائه وإنقاذه. عجز “الطبيب” العربي لا يعود إليه. “المريض”، يرفض العلاج. يعتقد أصلاً انه ليس “مريضاً”، كل ما في الأمر “صداع” خفيف، يعمل الآخرون على تضخيمه وجعله “مرضاً عضالاً”. انها “المؤامرة”، التي ستكسرها التظاهرات “المليونية” في دمشق وحلب. أما ما يجري في مدن وقرى “الحزام” على مساحة سوريا الجغرافية، فليس أكثر من حراك ريفي محدود يمكن التعامل معه بمزيد من الضرب والقمع على طريقة “إذا لم يقتنع بالضرب اضربه أكثر وبقوة أكبر فيقتنع”. دليل النظام الأسدي في تأكيد نجاحاته، انخفاض عدد المتظاهرين. تزايد عدد القتلى، أمر طبيعي أمام القمع. حبذا لو يستطيع نظام الابن الأسدي أن يفعل ما فعل الأب في حماة. ضربة واحدة، ويستقر الوضع.

لم يسقط النظام الاسدي حتى الآن، لكنه لم ينتصر. الأهم، أن شفاء “المريض”، لا يبدو في الأفق. بالعكس تتكاثر الأسباب والتفاعلات لمضاعفة طبيعة “المرض”. لم يتمكن النظام الأسدي رغم نجاحاته الأمنية المتنقلة من معرة النعمان الى بوكمال مروراً بحماة وأدلب وحمص ودرعا، أن يفرض الأمن على كامل الأراضي السورية. صعوبة السيطرة الأمنية واضحة. تزايد العمليات العسكرية وارتفاع عدد القتلى والجرحى أوضح.

الارهاق والرفض في المؤسسة العسكرية السورية والأمنية يظهر ويتفاعل. حتى الآن لم تحدث انشقاقات واسعة وعميقة. لا أحد يرغب في انشقاق الجيش السوري ووقوع حرب داخلية واسعة. ضخامة رهان النظام على وحدة المؤسسة العسكرية ورفع منسوب القمع خطير. الفولاذ لا يطوى مثل الحديد. انه يطق وينكسر.

يلزم الكثير من الشجاعة لعبور خط الخوف من الموت. الرهانات كبيرة. النظام الاسدي يراهن على الحل الأمني وموقع سوريا الجيوستراتيجي الدقيق والحساس للفوز في هذه الحرب المفتوحة. رهانات الثوار على شجاعتهم وقدراتهم في تحمّل الحل الأمني، خصوصاً وأن التراجع يعني العودة الى المربع الأول حيث الثمن لا حدود له. مع النظام الأسدي لا يمكن المراهنة على شيء. كلما شعر أنه في موقع أفضل وأقوى تمادى في فرض ما يريد بالقوة والقمع كما هو حاصل طوال أربعة عقود.

حتى الآن موقف العالم، لا يشرف ولا يوازي تضحيات شباب “التنسيقيات”. رغم كل التطورات أكدت المواقف أن العالم أمام نظام يأخذ المنطقة والناس رهينة من أجل بقائه واستمراره “نمر من ورق”.

يبقى وسط هذه المعادلة الصعبة، أن الوضع الاقتصادي يشكل “عقب آخيل” للنظام الأسدي. المجتمع الغربي يزيد يومياً ضغوطه لجعل العقوبات “السهم” القاتل الذي يغيّر المعادلة. العرب ما زالوا عملياً خارج هذه المعادلة. ربما فشل اللجنة الوزارية العربية أمام تصلب النظام الأسدي، ينتج عنه انخراط عربي في مسار العقوبات. الآن تزداد، خريطة الوضع الاقتصادي وضوحاً.

الحل الأمني ينجح في منطقة، لينفجر في منطقة أخرى. صعوبة سيطرة الآلة الأمنية على كامل الأراضي السورية واضح. النظام الأسدي أمام معادلة مركبة وصعبة. انعدام الأمن والاستقرار نتج عنه انخفاض الاستثمار الوطني والخارجي. فرض الاستقرار بالقوة، ثمنه الشعبي مرتفع جداً وعلى آجال طويلة.

بعد سبعة أشهر على الثورة، يقدر صندوق النقد الدولي، أن نمو الناتج القومي السوري الذي كان مقدراً بلوغه 2% للعام 2011 تراجع الى ثلاثة في المئة تحت الصفر. هذا التراجع مرشح للارتفاع حتى نهاية العام الحالي وهو ناتج عن:

[ تراجع الاستثمارات المحلية والاجنبية، وبالتالي تراجع التوظيفات ورفع مستوى البطالة وتعميق الفقر في شعب ثلثه تحت خط الفقر حسب المؤسسات الدولية.

[ جمود قطاع السياحة الى الصفر، علماً أن ناتجه يبلغ 12 في المئة من الناتج الوطني ويوظف عشرة في المئة من اليد العاملة. عدد السياح الذين قدموا الى سوريا عام 2010 بلغ نحو 8,5 مليون سائح ادخلوا نحو ثمانية مليارات من العملات الأجنبية. كان متوقعاً ان يزيد العدد هذا العام. الخسارة مضاعفة. الدليل فراغ الفنادق، إلا إذا حسبت الوفود اللبنانية الداعمة للنظام من السياح.

[ العقوبات على قطاع النفط بدأت تظهر مفاعيلها. المعروف أن أربعين في المئة من العائدات المالية تأتي من هذا القطاع، ولأن 90 في المئة من الصادرات النفطية تذهب الى أوروبا، فإن العقوبات الأوروبية مؤثرة. الأسواق البديلة قليلة، وفي ظل العقوبات المالية والمصرفية تزداد الصعوبات.

[ تراجع القطاع المصرفي والخدمات. سياسة الانفتاح التي نفذها النظام جعل الاقتصاد السوري أكثر انكشافاً للخارج. العقوبات تزيد من محاصرة هذا القطاع، خصوصاً وأن الانفتاح وضع الاقتصاد في أيدي “عائلات” محدودة ومحددة. مثالاً على ذلك فإن شركة “الشام القابضة” رأسمالها بلغ 1250 مليون دولار عائدة لمحمد مخلوف و70 رجل أعمال معه. وضعه على لائحة العقوبات يحد من حركته. كذلك شركة محمد كامل شراباتي في حلب وغيرهما من رجال الأعمال.

يتخبط النظام الأسدي في مواجهة العقوبات، مؤكداً انه اعتاد الحصار. المعركة اليوم أصعب بكثير. تحوله الى الروبل والين الصيني هروب الى الأمام، لانهما عملتان غير متداولتين في الأسواق الدولية. الهدف، الحفاظ على الموجودات الأجنبية وعدم تعريضها للحجز. يتباهى النظام أنه ما زال يحافظ على سعر الليرة السورية وعدم انهيارها رغم خسارتها نحو 15 في المئة حتى الآن. بعيداً عن الأرقام، دعم محمد مخلوف وإيران والعراق الاقتصاد السوري بهبات أو مساعدات مالية نقداً ساهم في ذلك. ماذا لو طالت المواجهة أكثر، هل تستطيع هذه القوى الاستمرار بالضخ المالي.

أمام النظام الأسدي، أجندة من الشروط والواجبات عليه تنفيذها دون تردد. رهانه على الوقت، رهان خاسر. مشكلة النظام ليست مع الخارج العربي والدولي. مشكلته مع الشعب السوري. دمشق وحلب منفصلتان عن باقي سوريا، لان “تجارها” جيوبهم وأموالهم وطنهم. في النهاية وهي ليست بعيدة، ستؤلمهم العقوبات فيعودون الى الوطن ولو متأخرين. ولا يبقى للنظام الأسدي إلا انتظار النهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى