صفحات العالم

النظام السوري: أنا شرعي.. لكنّي لم أعد نظاماً!


وسام سعادة

بسرعة قياسية، أسقطت الانتفاضة الثورية للشعب السوريّ شرعية نظام فئوي شموليّ ما كان يستند من الأساس إلى شرعية. فلا شرعية مرجعية تقليد، ولا شرعية زعامة كاريزمية، ولا شرعية مؤسسة حاكمة. كل ما استند اليه النظام هو قدرته العملية على قطع الطريق أمام كلّ إثارة داخلية مباشرة ومزمنة لمسألة شرعيته. كانت هذه القدرة العملية على قطع الطريق هي قدرة إستيعابية في جانب منها، واستئصالية في جانب آخر، لكنها كانت في الأساس قدرة إستباقية. اليوم، بات النظام يفتقد تماماً لهذه القدرة على قطع الطريق أمام من يسأله عن شرعيّته أو ينكرها عليه، فلا الاستيعاب ينجح، ولا الاستئصال متاح، أما التدابير الإستباقية ففي خبر كان منذ انطلاقة الانتفاضة الثورية.

في المقابل، وببطء سلحفاتيّ، ارتسمت معالم الإجماع الدوليّ على اشهار لاشرعية النظام البعثيّ الفئويّ في مرحلة إحتضاره الدمويّ. بل أنّ أسابيعاً ما زالت تفصلنا دون استكمال تحقيق هذا الإجماع، فيتمتع بقدر من التماسك والتصميم، ويبلغ نقطة اللاعودة.

ولا يجد النظام الدمويّ في هذه المدّة ما يفعله غير متابعة “النهج الإحتلاليّ” المتنقل بين مدينة وأخرى، من أجل محاصرة الثورة السوريّة والعمل على إخمادها بالقهر والحديد والنار، لكنه يستجدي في الوقت نفسه أسابيعاً إضافية على سبيل “إنضاج الحلّ السياسيّ”.

إلا أنّ النظام لا يمتلك أي خارطة طريق واضحة في هذين المجالين. فـ”النهج الإحتلاليّ” لا يمكن أن يفرضه في كل أنحاء البلاد في وقت واحد، وبالتالي هو نهج يدخل الصراع بين النظام والثورة في موجات متعاقبة من الكرّ والفرّ، وفسيسفاء من الغزوات والتوغّلات والإنسحابات. أمّا “الحلّ السياسيّ” فالنظام يتصوّر أنّه يدور حول تعديل الفقرة الثامنة من الدستور السوريّ والغاء نظام الحزب الواحد، في حين أنّ جوهر الربيع العربيّ في سوريا، كما في تونس ومصر وليبيا واليمن، هو الغاء الحكم الفرديّ الإستبداديّ الأبديّ القابل للتوريث. هذا مع التذكير بأنّ النظام البعثيّ هو النظام الجمهوريّ العربيّ الوحيد الذي تحقّق فيه التوريث بالفعل، وفي الموقع الأوّل من الدولة، وليس فقط في “لجنة سياسات” أو على رأس “حرس جمهوريّ” كما في البلدان الأخرى.

وحتى فيما يتعلّق بالغاء نظام الحزب الواحد، لن يكون لذلك منفعة للنظام في سوريا إلا أن حدث ذلك على نحو يرمي إحداث صدمة إيجابية مشهدية كبيرة، أي مثلاً إصدار الرئيس السوريّ مرسوماً رئاسياً يقضي بحل حزب البعث العربي الإشتراكي بجميع هيئاته ومنظماته ومتفرّعاته، ويمكن طبعاً تبرير ذلك بأنّ البعث الذي حلّ نفسه ذات يوم تسهيلاً للوحدة الإندماجية بين مصر وسوريا يمكنه أن يعود فيحلّ نفسه اليوم بقرار جمهوري إنقاذاً للوحدة الوطنية بين السوريين. وطبعاً، فإنّ هذا السيناريو لن يحدث، لأنّ درجة الهلع في رأس النظام صارت تمنعه عن أخذ أي مبادرة حقيقية، وإلى حدّ ما كان غزو حماة هو آخر “قرار سياديّ” يمكن أن يتخذ من رأس النظام.

أمّا بعد غزو حماة فإنّ النظام صارَ يقترب على طريقته من خطاب الثورة الذي تسقط عنه كل شرعية. صحيح يدّعي أنّه ما زال يحافظ على الشرعية، ويبرىء نفسه من قتل الناس، إلا في “أخطاء ثانوية” نافلة يجري تضخيمها في المؤامرة الإعلامية. لكن النظام يتهم الناس بقتل بعضهم البعض، ثم يتهم الناس بالاعتداء على مؤسسات وأجهزة الدولة، وهذا يعني أنّه يعترف بأنّه غير قادر على “تنظيم” شؤون السوريين، أي أنّه لم يعد نظاماً. الثورة تقول له أنت نظام غير شرعيّ. وهو يقول لها أنا شرعيّ تماماً لكني لم أعد نظاماً. لا يجد أنصار الرئيس السوريّ في الداخل أو في مساحة الممانعة ما يقولونه إذاً للرّد على حملة إسقاط شرعيته غير إسقاط أهليته!!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى