بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

النظام السوري بين المندسين والشبيحة

 


بدرالدين حسن قربي

ظهرت مع بعض الأنظمة العربية وهي في حالة الانهيار والسقوط مصطلحات كان سماعها واستعمالها يثير الفكاهة والتندر وبعضها الغرابة والدهشة عند الجمهور العربي وخصوصاً منهم الذين يعانون من سطوة الأنظمة الاستبدادية العتيدة. فالكل يتذكر وزير الإعلام العراقي الصحّاف وكلمته في وصف القوات الأمريكية بالعلوج، وابن علي وهو يقول: فهمتكم، وملك ملوك أفريقيا وهو يتهدد الليبين ويتوعدهم: أيها الجرذان..! من أنتم..من أنتم..؟ زنقة زنقة ودار دار، إلى الأمام إلى الأمام، تقدّموا. وآخرهم الاختراع الإعلامي السوري لمصطلح المندسين الذي قدمته للناس وللمرة الأولى السيدة شعبان الذي توحي لفظته بالطرافة وتشجع على النكتة، ، وإنما لم يكن غير بعيد حتى فهم الناس أنها التعبير الديبلوماسي لمصطلح شعبي متداول ذي دلالات خاصة عند السوريين هو الشبيحة. وهم عبارة عن مجموعات من عناصر مسلحة ينظر إليها على أنها فوق القانون، إذ تقوم بأداء مهامّها في إخضاع المواطنين لكن تحت رعايةٍ رسمية أصالة أو وكالة، من أجهزة المخابرات وقوى الأمن والمتنفذين تجعل منها نسخة من عصابات المافيا حيناً، وشكلاً من أعمال البلطجة والبلطجية أحياناً. وهم في وضعنا السوري اليوم بمثابة سدنة الصنم وحراس الآلهة لنظام بالروح والدم، يكتفون بإشارات من المعلم لقتل هؤلاء أو التنكيل بغيرهم والتمثيل بهم بمثابة صدمات رعب وترويع، وبشكل خارج كما هم في كل ممارساتهم عن أي اعتبار للقانون والإنسان. وعليه، فقد بتنا نواجه التشبيح على كل جبهات الحياة في مختلف مواقع السياسة والاقتصاد، والاجتماع والإعلام والفكر والدين، ومعه شبيحة ممن قد تختلف مواصفاتهم ومهامهم، ولعل التشبيح في هذه المواقع هو الأقبح لأنه يشكل القبة الواقية والستارة الحامية لتشبيح العنف والقتل والسطو والإخضاع وشرعنته. وأما ماهو أشد قباحةً منه، فهو التشبيح الفكري والديني لأن من يقوم به رجالات علمٍ وثقافة ودين ممن يفترض بهم أن يكونوا هداة أمة ومشاعل نور، وليس مشبّحين. فإذا بمثقفهم يضيّع على الناس دنياهم ويفسد حياتهم بتزويره وبهتانه، وإذا برجل الدين يضيع على الناس دينهم وآخرتهم بافترائه وتسخيره مفاهيم الدين ومعطياته في خدمة الطغاة والمستبدين، وهكذا يبقى الجميع ومهما اختلفت درجات تشبيحهم مابين صمت مطبق أو تسويقٍ لممارسات البلطجة وتبريراتها، أو تحليلاتِها لفواحش القمع والقهر والقتل وإراقة الدماء بمثابة المشطفين لممارسات استبدادية سطلوية قميئة. وعليه، فإن البلطجية بالعامية المصرية هم الشبيحة بالعامية السورية والمندسّون في اللغة الرسمية، وإنما البلطجة التي مارسها بلطجية النظام المصري البائد بمن فيهم أصحاب معركة الجمل في ميدان التحرير لاشيء أمام أعمال مندسي وشبيحة العصابات السورية. وعليه أيضاً، فحيثما خرجت مظاهرة سلمية مدنية لمواطنين كسروا جدار رعب وخوف أقامه نظام شمولي قمعي على مدار نصف قرن يطالبون بحرية سليبة وكرامة مستباحة، نجدها تحاصر هي والمنطقة بل والمدينة كلها بقوات من الأمن والشرطة والجيش وتقطع الكهرباء وكل أنواع الاتصالات، ويمنع الحضور الإعلامي، ومن ثم يدخل وحوش الشبيحة في ذات الوقت ليقوموا بمهمتهم في نشر الرعب والهلع قتلاً وضرباً وركلاً وسحلاً، وفي زرع الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار ممن تشير إليهم الرواية الرسمية بالمندسّين، ولتنسحب في النهاية وكعادتها دون أية خسائر أو إصابة البتة، بل منتصرةً على أناس عزل مسالمين، وكأن القوات المحاصرة للناس والمنطقة لم تر أحداً فلا يقال لنا من أين جاؤوا ولا أين ذهبوا، بل نُرقع ببيان رسمي يتهم ويُخوّن ويُجرّم ويتوعد ويعلن عن تشكيل لجنة تحقيق. وهات ياتحقيق..!

وهكذا، فرغم أن انتفاضة أحرار سورية وحرائرها أكملت شهرها الأول، فإن جهد النظام ينصب على شراء الوقت لاغير، فطريقة تعامله التي يستعصي عليه الخروج منها مع صرخات الخارجين من غيابات االصمت تحركهم مراجل تغلي طال عليها أمد القهر والقمع والإذلال، مازالت بين مندسين وشبيحة، بعضهم أشبه مايكونوا بوحوش تتعامل مع أبناء الوطن وحرائره بكل معنى التوحش ترويعاً وتعذيباً وقتلاً وتنكيلاً، وبعضهم الآخر إعلاميون وسياسيون ومحللون ورجال دين يبررون ويرقّعون ويخوفون ويشطّفون، ويشعلون المباخر تغطيةً على روائح فسادٍ ونتن استبدادٍ وعفونات نظام، استوجب الدفن والرحيل، وقد مضى عهد التشبيح، والشعب يريد إسقاط النظام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى