زين الشاميصفحات سورية

النظام السوري … مجرد لوح زجاج صلب


زين الشامي

بغض النظر عما حصل وما اشيع عن عملية الاغتيال الخاصة بحق ضباط ومسؤولين كبار والتي اعلنت مسؤوليتها عنها ما تسمى «كتائب الصحابة» التابعة «للمجلس الأعلى لقيادة الثورة في سورية» ثم عاد التلفزيون الحكومي وكذّبها جملة وتفصيلا، نقول بالرغم من ذلك، فإن مجرد الافتراض ان العملية كانت دقيقة وناجحة ونتائجها كانت قتل اولئك المسؤولين، فهذا سيعني ان النظام السوري كله صار بخبر كان اليوم.

نقول ذلك بالرغم كل ما يحكى عن «صمود» هذا النظام، وعلى الرغم من كل التظاهرات «المليونية» التي كان يسيرها في ساحات بعض المدن السورية، وعلى الرغم من الدعم الذي يتلقاه من دول مثل روسيا والصين او مجموعات اقليمية مسلحة كحزب الله اللبناني وغيره من القوى السياسية والطائفية في بعض الدول العربية.

نقول ذلك لأن طبيعة النظام السوري هي طبيعة استبدادية تقوم على حكم الفرد والدولة التي يحكمها «القائد» و«الزعيم» هي طبيعة امنية وليست مؤسساتية مدنية. ففي الدولة الاستبدادية الامنية يقوم كل شيء على حكم الفرد الواحد او الشخص الذي يتحكم في كل مفاصل القرار وتتبع له اجهزة امنية متعددة يدين كل قادتها وموظفيها بالولاء التام والمختبر له بحيث لا يمكن ان يصل اي ضابط الى قيادة احد الفروع الامنية اذا لم يثبت ولاء كاملا على مدار سني خدمته. اما الاعتبار المتعلق بالوطن والأمن القومي فهذا يأتي في مرتبة ثانية وربما ثالثة.

أما آلية العمل الداخلية في هذه الاجهزة فتقوم على الشيء نفسه لناحية الولاء الكامل والمطلق للضباط والعسكريين للرئيس او القائد «الملهم» و«التاريخي». في هذا السياق اذكر ان استدعيت للتحقيق مرة من قبل اللواء هشام الاختيار الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس «فرع المنطقة» قبل ان يترقى ويصبح لاحقا رئيسا لمكتب الأمن القومي، وذلك على خلفية احد المقالات في هذه الصحيفة، وقد لفت نظري وقتها عدد الصور الموجودة في مكتبه للرئيس الاسبق حافظ الاسد ثم للرئيس بشار الاسد ثم صور اخرى لباسل الاسد وصورة جماعية لعائلة الاسد بكل افرادها، وصورة خاصة تجمعه وهو بالزي العسكري مع بشار الاسد وهو يصافحه. وقتها تساءلت بيني وبين نفسي: «ماذا يريد ان يثبت هذا الضابط الكبير من وراء تعليق كل هذه الصور على جدران مكتبه؟».

انا اتفهم وجميعنا يتفهم ان يقوم حانوتي او بائع خضرة او حلاق شعر او مختار الحي في الدولة الامنية بتعليق صور متعددة «للزعيم» في حانوته او مكان عمله، لكن ان يقوم ضابط كبير بتعليق العديد من الصور في مكتبه فهذا يشكل مدعاة للتساؤل او ربما التفكير… لكن هذه الحالة عامة وليست مقتصرة على اللواء هشام الاختيار وحده، بل غالبية رؤساء الاجهزة الامنية في «سورية الاسد» يقومون بالشيء ذاته، والسبب كما قلنا سابقا يتعلق بطبيعة الدولة القائمة على حكم الفرد حيث يرفع الزعيم في الاعلام الرسمي والتنظير الداخلي للحزب الحاكم الى مستوى يقترب من التأليه والتقديس. لذلك من الطبيعي جدا ان تسمع قصصا حقيقية وواقعية لسجناء قضوا سنين طويلة في الزنازين لمجرد انهم شتموا او اهانوا «القائد» في الوقت ذاته الذي ترى فيه بعضا ممن يشتمون الذات الإلهية يعيشون حياة طبيعية دون محاسبة او عقاب؟

وعليه، فإن نظاما هذه هي طبيعته، ويقوم على تركيبة امنية هرمية يشكل القادة الامنيون قاعدتها و«القائد» او الفرد رأسها في الأعلى، من السهولة ان يسقط ويتلاشى مع سقوط تلك القاعدة او بعد توجيه ضربة مميتة لرموزها، وهي في سورية نحو ثلاثة عشر فرعا امنيا او اكثر بقليل يتحكمون بكل شيء في الدولة ويترصدون كل ما له علاقة بأمن وسلامة وبقاء «القائد».

ان هذا الواقع ليس ولم يكن يوما خاصية سورية، ان مصير جميع الانظمة الاستبدادية التي كانت تدار بهذه الطريقة والتي تعرضت لانتفاضات وثورات شعبية مثل رومانيا وغيرها كان مصيرا متشابها، حيث وما إن يسقط الزعيم او القائد، يسقط معه كل شيء. لكن نحن في سورية ننطلق من فرضية اخرى تقول ماذا لو تم استهداف وضرب القاعدة الامنية التي يستند اليها رأس النظام، هل ستكون النتيجة نفسها، وهل سينتهي النظام جميعه؟… كل الوقائع والمؤشرات تقول نعم سيسقط حتى لو اخذ ذلك بعض الوقت.

ان ضربة قاتلة لرؤوس الاجهزة الامنية وهم مفاصل وركائز النظام السوري الحقيقية، تشبه تماما اطلاق فلاحي القرية النار على قوائم و اطراف الذئب، يجعله يتخبط ولا يموت في الحال، لكنه بشكل اكيد صار في حكم المنتهي او الميت او المقبوض عليه.

لذلك ورغم ادعاء القوة والتماســـــــك و«نهاية المؤامرة على سورية» كما يقول معلقون مناصرون للنظام السوري وفي الاعلام الحكومي نفسه، فإن النظــــــام الســـــوري يبقى ضعيفا مهما تكابر او حاول ان يتجمل ويدعــــــي التماســـــــك، ومهما كان حجم وعدد «المسيرات المليونية» المؤيدة للزعيـــــــم، لأن قوته ومظهره في هذه الحالة التي نعيشها اليوم تشبه تماما قوة ومظهر وشكل لوح الزجاج الذي يبدو متماسكا وقويا خلال النظـــــر اليه، لكن مجرد ضربة بسيطة قد تقسمــــه الى قسمين او ربما تحطمه تمــــاما فيما لو كانت تلك الضـــــربة قوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى