صفحات سورية

النظام السوري و أخلاقية التدخل الدولي


سندس سليمان

يعتبر موضوع التدخل الدولي من أكثر المواضيع إشكالية بين أطراف المعارضة السورية التقليدية، حوله انقسمت المعارضة إلى طرفين تمثل الأول بالمجلس الوطني السوري، في حين انتظم الطرف الثاني في هيئة التنسيق للتغيير الوطني الديمقراطي . وبسبب الموقف من العالم الخارجي وطبيعة دوره في عملية حماية الشعب السوري من القتل المنظم الذي يمارسه النظام بحقه ونظرا لأنه الأكثر التصاقا بقضايا الثورة السورية والأكثر تعبيرا عن حس الثوار السوريين واقترابا من تبني منظورهم الشعبي المطابق للواقع وانعكاسات ذلك على تصورهم لمسار الحراك الشعبي ومتطلبات استمراره ونجاحه حصل المجلس الوطني على شرعية تمثيل الثورة السورية، فاعتبره الثوار على الأرض ممثلا شرعيا لهم وحاملا سياسيا لمطالبهم لتصير تاليا مسؤولية التعامل مع مطالب الثوار بمثابة بوصله لخطه السياسي، وسقفا لأية تصورات يقدمها للمجتمع الدولي بخصوص الوضع السوري . أما هيئة التنسيق التي تأخرت كثيرا حتى تبنت ما تبناه الثوار ومعهم المجلس الوطني السوري شعار إسقاط النظام بكل أركانه ورموزه وعلى رأسهم بشار الأسد فقد نحت منحا مغايرا لإرادة الشارع الثائر في موضوع التدخل الدولي، إذ رأت فيه خطرا على مستقبل البلاد وانتهاكا لسيادتها وتهديدا لانسجامها الاجتماعي ووحدة أرضها الوطنية .

المناقشة المثمرة لقضية أخلاقية التدخل الدولي في الملف السوري تتطلب من وجهة نظري وعيا بما يحفل في هذا الملف من قضايا وتفاصيل وصور، تشخيص أسبابها وتحليل أبعادها واستشراف مآلاتها، كما يحتاج من جانب آخر فهما للنظام الدولي الراهن ونوع التغيرات المفصلية التي حدثت في العلاقات الدولية وفي طبيعة التفاعل الدولي وأثر الثورة التقنية والمعلوماتية فيه.

في مقاربة سريعة ومكثفة لا تحتمل أكثر منها المساحة المتاحة في هذه المقالة يتبين بوضوح لا لبس فيه أن أهم ما يلفت في الملف السوري هو تعرض المدنيين السوريين لمجازر جماعية وأعمال إبادة وجرائم ضد الإنسانية يرتكبها نظام قمعي مغلق ومستبد بحقهم، دفاعا عن بقائه في موقع السلطة وفي مواجهة ثورة شعبية سلمية اندلعت ضده وعبرت عن نفسها من خلال تظاهرات عمت جميع أنحاء البلاد . ذلك النظام لا يتورع عن استخدام كافة الأساليب القمعية والعنفية أيا بلغت حدة بشاعتها وجرميتها، ولا يتردد دفاعا عن استبداده في ضرب المجتمع السوري مكوناته المختلفة بعضها ببعض وإشعال حرب أهلية وترك البلاد عرضة للانهيار الذاتي والتمزق وحتى لاحتمال التفتت إلى دويلات طائفية، فالواقع السوري يمكن عنونته دون حذر بأنه مواجهة بين شعب خطفت إرادته وسلبت حريته وبين خاطف ارتهن شعبا كاملا يتفنن في تعذيبه وقتله ويأبى أن ينفك عنهم إلا قاتلا أو مقتولا، في حين أن أهم ما يميز النظام الدولي الراهن هو تأثره بانحسار الاستقطاب السياسي والقيمي بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، وتحول العالم إلى قرية صغيرة بسبب الثورة التقنية في الاتصالات والمعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي، وفي القدرة على تبادل المعلومات الموثقة صوتا وصورة وتداعيات كل ذلك على مفاهيم سيادة الدولة التقليدي والحدود المغلقة على الأفكار وعلى التصورات النسبية لمفهوم الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية ولحقوق الإنسان بصفة عامة. على ذلك وبرغم مايحفل في العالم السياسي من صراعات على المصالح والنفوذ، ازدادت مصالح الدول تكاملا على حساب نقص أصاب تفاضلها.

فمعظم دول العالم أصبحت تتأثر سلبا بسبب صراع إقليمي أو محلي يحصل في دولة ما بعيدة عن حدودها، ومعظم المجتمعات الإنسانية أمست قريبة مما يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض، وأصبحت تظهر تضامنها وتعبر عنه وتضغط على أنظمتها السياسية من أجل الانتصار لقيم تراها إيجابية ومتفق عليها إنسانيا حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة أو فاتورة تتحملها في المرحلة الآنية. إذا لم يعد الفصل وكذا العلاقة بين ما هو داخلي ومحلي من جهة وبين ما هو خارجي إقليمي أو دولي من جهة ثانية يخضع لنفس المنهجيات والخلاصات والمعايير السابقة على التغيرات التي تم شرحها أعلاه.

وأصبحت بمقتضى ذلك القواميس والبيئات التحليلية المعتمدة في المقاربات التقليدية لتلك القضية فاقدة للصلاحية ومضللة، وعندما تضاف الصور والخلاصات المتعلقة بالملف السوري والتي تظهر المخاطر المترتبة على عدم تدخل دولي ردعي للنظام السوري وقادر على تأمين حماية فعلية لحياة المدنيين لجهة الحد من مخاطر محدقة بمستقبل الشعب السوري ومستقبل وحدته وسلمه الأهلي وحياة أبنائه، تصبح مطالبة المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة ومجلس الأمن بحماية حياة السوريــــين ضرورة قصوى، ضرورة سورية أولا، وضرورة إنسانية ثانيا، ضرورة تستند على أرضية أخلاقية صلبة مادتها الدفاع عن الإنسانية وقيـــــمها في ســـوريا وحماية الإنسان السوري من تقتيـــل منهـــجي يتعرض له من طرف عصابة مجرمة تتهدد الإنسان كما تتهدد مصير البلاد السياسي والمجتمعي على حد سواء .

فهل تعي المعارضة السورية المنتظمة في هيئة التنسيق بان لا شرعية قانونية أو أخلاقية لموقف يقر بسيادة خاطف على رهينته فترمي وراءها ترددها وتحسم أمرها باتجاه ما تقره القوانين والأعراف الدولية المرتبطة بحماية المدنيين من الإبادة وتقويض وسائل القمع وأدواته من خلال كل الوسائل المتاحة.

وأن لا صلاحية باقية لمنهجيتها في التعاطي مع موضوع التدخل الدولي مع كل هذه التغييرات التي كما أصابت العالم والفكر السياسي بانعطافات قصوى أصابت معظم أيديولوجيات أحزاب هيئة التنسيق في مقتل.

وهل يعي النظام السوري أن مصيره بات بيد غيره لا بيده وهل يعي انه لا يملك الآن من أمره شيئا إلا أن يحدد درجة المأساوية التي سيخرج بها والتي ستتناسب طردا بالتأكيد مع ما يرتكبه بحق شعبه ؟

‘ صحفية وناشطة سورية

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى