صفحات سوريةغازي دحمان

النظام العربي ومساراته المحتملة/ غازي دحمان

 

 

هل يمكن الحديث عن نظام عربي في ظل هذه الإختراقات الكبيرة التي تمزق جسده وتلغي دوره غير الفاعل أصلا؟، على الأقل سيبدو الأمر في نظر كثير من شعوب المنطقة كلاما عن ظاهرة ماتت ولم يعد لها أي أثر، بالنسبة للفلسطيني أو السوري والعراقي والليبي، يبدو الامر مستفزا، بل أقرب لنكتة سمجة، ومع ذلك، فما زال النظام من حيث الأطر والمؤسسات على قيد الحياة، وما زال يشكل إحدى مرجعيات القرار الدولي في ما خص المنطقة. ما يهمنا من هذا السياق إستشراف مآلات هذا النظام وما هي التحولات الممكنة في هيكليته وأهدافه، في ظل العاصفة التي تهب على مكوناته؟. وهنا يمكن أن نلحظ أكثر من سيناريو واحتمال:

[ السيناريو الاول: الإندماج ضمن إطار إقليمي أوسع، يفترض هذا السيناريو تفاقم حالة الفوضى في المنطقة إلى درجة تستدعي معها ضرورة تشكيل إطار إقليمي أوسع لمواجهتها،على غرار النظام الإقليمي الشرق اوسطي الذي جرى طرحه في مراحل سابقة، بحيث تدخل في إطاره مجموعة من الدول الإقليمية، بما فيها اسرائيل وتركيا وإيران، يعمل على توزيع مراكز القوى بداخله، ويقوم على أساس التشابك في المصالح الأمنية والسياسية بين أطرافه، وما يشجع على مثل هذا السيناريو وجود رغبة دولية في تشكيل نظام اقليمي شرق أوسطي جديد لكنها لم تتبلور حتى اللحظة، غير ان هذا الاحتمال يشترط تحقق عنصرين ضروريين: وصول الأطراف المنخرطة في الصراع « العربية والإقليمية« الى مرحلة من الإعياء ما يدفعها إلى البحث الجدي عن مخارج للأزمة، ووجود درجة من العقلانية الخالصة لدى صناع القرار ونزع الحمولات الإيديولوجية المزدهرة من إستراتيجياتهم، وهو أمر بعيد المنال، أو على الأقل عدم وجود ملامح لمؤشراته في ظل الغبار الكثيف لصراع العقائد والإيديولوجيات. والأحلام الإمبراطورية لدى بعضهم، ولا يمكن تصور إمكانية فرض هذا السيناريو من الخارج نظرا للفوضى التي يمر بها النظام الدولي في الوقت الراهن.

[ السيناريو الثاني: بقاء النظام فاعلا في جزئية من الجغرافية العربية وتعطل مفاعيله نهائيا في أجزاء أخرى، وبالتالي تحوله إلى إطار تنسيقي بين مجموعة من الاطراف المتناثرة الجغرافية وإستخدامه من قبلها كإطار مرجعي لعروبة تلك الأطراف، او أن يجري إستخدامه وظيفيا عبر التركيز على الجانب الامني في مواجهة قضايا محددة، مثل ما هو جاري اليوم بين مصر وبعض دول الخليج، أو بين مصر والجزائر، لكن الإشكالية التي تواجه هذا التشكّل في حال حصوله إفتقاده للأبنية التي تتأسس عليها هذه العلاقات وعدم وجود رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، ما يجعله ترتيبا آنيا للعبور من مرحلة معينة، ربما تنتهي إلى استبداله بعلاقات ثنائية مثل أي علاقات بين بلدين متجاورين، وقد يكون مقدمة لإنهاء النظام العربي، على قاعدة« التفكيك الناعم«، الذي يبدأ بإحلال أنماط معينة وترسيخها كأمر واقع ونهائي.

[ السيناريو الثالث: فرط هذا النظام نهائيا وزواله، بسبب عدم فعاليته وقدرته على مسايرة الاوضاع الراهنة او عدم الحاجة إليه، وإحتمالية مثل هذا السيناريو ترتبط بدرجة كبيرة بتطورات الأوضاع في المشرق العربي وليبيا واليمن ومآلاتها، إذ تظهر ديناميكة الصراع في هذه المناطق بأن المنطقة ما زالت أمام صراع مديد، ويرجح أن يعمل هذا الصراع على قلب التوجهات والإنتماءات، وتصبح عملية ضبطها امرا غير ممكن على الصعيد الداخلي للدول نتيجة تعدد الفاعلين وإختلاف ولاءاتهم وإنتماءاتهم. في هذه الحالة يفقد النظام العربي مبرر وجوده حتى على الصعيد الدولي، إما بسبب عدم الحاجة للشراكه معه في القرارات التي تخص المنطقة، او بسبب غياب فعاليته بشكل نهائي.

[السيناريو الرابع: الإنتقال الى شكل مختلف، من حيث الوظائف والأهداف والفعالية، تطويره ربما، بما يشبه تطوير الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الإحتمال قد يبدو أمرا نظريا ولا يمكنه مغادرة الاحلام، أقله في الزمن المنظور، والسبب عدم وجود دفع واضح بإتجاه هذا النمط، والأهم الإفتقاد الى قوة مركزية داخل النظام تتولى مثل هذه المهمة، ومع أن دول الخليج ومصر والجزائر قد تشكل أضلاعا مهمة في هذا الإطار، غير أن الواضح من سلوكها إنشغالها بقضايا أخرى ذات طابع آني ومحدود الفعالية، ومع أن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا من واقع الخبرة التاريخية للنظم الإقليمية والمنظمات الدولية كونه يشكل المخرج الأفضل للأزمة ويتيح بديل أفضل للتنسيق والتكامل بين الوحدات المكونة له، إلا ان حظوظه تبدو الأبعد منالا في الواقع العربي الراهن.

ثمة أمران سيكون لهما أثر كبير في ترجيح أي من السيناريوات السابقة: الاول هو الزمن الذي ستستغرقه الحروب في منطقة الهلال الخصيب وأجزاء من أفريقيا العربية واليمن، فكلما طالت المدة الزمنية كانت هناك أرجحية أكبر للسيناريوات السلبية بالنسبة للنظام العربي لما قد يعنيه ذلك من استطالة لحالة العطالة والتهميش بالنسبة للنظام العربي، أو زيادة حدة التدخل الدولي والإقليمي الذي سيصبح طاردا لأي فعالية ممكنة.

المحدد الثاني: المآلات التي ستنتهي عليها تلك الحروب والإفرازات التي ستنتج عنها وبخاصة على الصعيد الجغرافي، سواء لجهة تفكك بعض الدول، او نشوء كيانات جديدة بديلة منها، ومدى وشكل إرتباطها الممكن مع النظام العربي وطبيعة العلاقات التي ستنسجها مع هذا النظام، وذلك سيكون محدودا أيضا بطبيعة العلاقات التي ستربطها الكيانات الجديدة مع الدول من خارج الإقليم.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى