إياد شربجيصفحات سورية

النووي الإيراني في سورية!/ إياد شربجي *

قبل أيام يخرج وليم هيغ ليفاجئ الجميع ويعلن استئناف العلاقات الديبلوماسية مع إيران حتى قبل أن تفضي المفاوضات بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران إلى اتفاقها النهائي مع طهران، ومن يعرف كيف تعمل ماكينة السياسة الخارجية البريطانية يدرك أن تنسيقاً وتوزيع أدوار من نوع ما حصل على هذا الصعيد مع الولايات المتحدة. والإيرانيون يفهمون هذه المسألة، ويعرفون أن طريقهم إلى واشنطن يمرّ بمحطات، سيزداد أو ينقص عددها بالنظر إلى مدى التزامهم وتنفيذهم بنود الصفقة الأميركية –الروسية الكبرى التي أُبرمت في أيلول الفائت، والتي كان ثمنها المباشر إلغاء الضربة الأميركية لنظام الأسد.

بموافقتهم على تدمير البرنامج النووي السوري والتزامهم بتنفيذه، بل مسارعتهم إلى ذلك، قطع الإيرانيون نصف المسافة في رحلتهم إلى «الشيطان الأكبر» أوصلتهم في محطتها الأولى إلى لندن، ويبدو أنهم – استباقاً لـ «جنيف2» – يسارعون الخطى للمتابعة مباشرة إلى واشنطن بعد ملء خزانات طائرتهم بالوقود، والوقود في هذه الحالة هو موافقتهم على إيقاف أو تكبيل برنامجهم النووي. أوباما بدوره لن يضيره رفع العلم الإيراني فوق مبنى صغير في واشنطن إذا كان الثمن تحقيق إنجاز نوعي كهذا سيرفع أسهمه عالياً أمام شعبه باعتباره أول رئيس أميركي يحقق مكاسب عسكرية ضخمة بموجب سياسة «الأيدي الناعمة»، ومن دون أن يكلف الخزينة دولاراً، ولا الجنود الأميركيين قطرة دم.

السؤال هنا لماذا تفعل إيران ذلك، وهل هي فعلاً مضطرة إلى دفع ثمن كهذا وهي على أبواب الانضمام الى النادي النووي الدولي، الذي سيضعها في مكان جديد من خريطة القوى في العالم؟

ليس صعباً على الفاهم للمشروع الإيراني والمتابع لمجرى الأحداث في المنطقة أن يدرك أن الحفاظ على نظام الأسد بالنسبة الى الإيرانيين هو ثمن كافٍ لمقايضته على ملف بحجم النووي، ذلك أن دمشق هي العقدة الأهم التي تمسك بأطراف محور طهران-بيروت، والذي يشكّل ذروة الحلم الفارسي- الشيعي في المنطقة، ناهيكم عن ان الإيرانيين يعلمون ضمناً أن فرص نجاح مشروعهم النووي شبه معدومة، وهم حتى لو نجحوا في الوصول إليه، لا يريدون التحوّل إلى كوريا شمالية جديدة؛ بلد يحبس نفسه بين جدران سميكة وعالية، فمشروعهم التوسّعي الطموح يعمل بعكس هذا المفهوم وتربكه الحدود والموانع، لذلك لن تكون خسارة ملحوظة إذا كان البديل هو إطلاق يدهم في تصنيع سلاح ديموغرافي وجغرافي أخطر وأمضى، سلاح موجود على الأرض وليس مخبأً في المخازن، وتأثيره الفعلي يمتدّ على مساحة جغرافية أوسع تصل ايران بالمتوسط فتُحكم الوثاق على جزيرة العرب وتضعها بين فكي كماشة.

ويبدو أن ثمن النووي قد تم قبضه سريعاً من جانب الإيرانيين، فبعد صفقة الكيماوي السوري ضحّت الولايات المتحدة بأفضلية حليفها الخليجي لمصلحة الوافد الجديد، كما غضت الطرف عن التدخل الإيراني السافر في سورية، حتى أصبح الوجود الإيراني هناك أكثر علانية وفجاجة، ولم يعد يعني الإيرانيين الالتفاف والمواربة في هذا الشأن، وقد تبدّى ذلك بسرعة قياسية في تصريحات قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في منتصف أيلول من أن «إيران ستدعم سورية حتى النهاية»، ثم بيّنه في شكل أكثر وضوحاً وجلاءً جواد كريمي قدوسي عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، عندما تحدّث علانية عن وجود مئات الكتائب العسكرية التابعة للجمهورية الإسلامية تقاتل إلى جانب بشار الأسد، وزاد على ذلك أن «طهران هي من يقف خلف الانتصارات التي حققها جيش النظام السوري أخيراً»، تلى ذلك التشييع المهيب لمحمد جمالي زاده القائد الرفيع في فيالق الحرس الثوري والذي قتل خلال تأديته «واجبه الجهادي» في منطقة السيدة زينب قرب دمشق.

التقارير الحالية تفيد بأن عشرات الألوف من كتائب أبو الفضل العباس وعصائب الحق ولواء عمار بن ياسر وكتائب سيد الشهداء العراقية، و «حزب الله» اللبناني، وجميعها بقيادة قوات النخبة من عناصر الحرس الثوري ولواء القدس الإيرانيين، هي من تخطط وتدير وتخوض المعارك ضد المعارضة في حلب وريف دمشق، إلى درجة أن دور الجيش السوري يبدو ثانوياً في هذه المعركة، وهو لا يعدو كونه تشكيلات مجنّدة وفرق دعم لوجستي وإمداداً جوياً ومدفعياً بالنيران تدار كلها من جانب الإيرانيين، وقد سجّل الناشطون في الأيام الأخيرة مشاهدتهم للأعلام الإيرانية ترفع علانية على الآليات التي سيطرت على منطقة النقارين واللواء 80 شرقي حلب.

إذاً، هي معركة إيران الكاملة والموصوفة، والخشية أن الصمت الدولي عن التدخل الإيراني الواسع في سورية ليس إلا أحد البنود غير المعلنة للصفقة الأميركية – الروسية، كما هو بادٍ ظاهرياً على الأقل، فإن كان الأمر كذلك واستمر على هذه الشاكلة، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن تقوم إيران بتغيير الوقائع على الأرض واحتلال معاقل قوات المعارضة الأكبر في حلب وريف دمشق وتسليمها الى الأسد وإعادة فتح طريق طهران-بيروت، وحينها سيذهب الجميع إلى جنيف ويضع الأسد قدميه على الطاولة في وجه معارضة لا تملك شيئاً على الأرض، وعلى مرأى ووسط صمت مجتمع دولي تسلم مفاتيح مخازن أسلحة الدمار الشامل ويدرك أنه يحتاج إلى أشهر وسنوات لإفراغها، وأن من الأفضل له أن يفـــعل ذلك في ظل الأسد الذي اختبر وفاءه، على أن تقع في أيدي تنظيمات كالنصرة وداعش، وبعد أن تكتمل المعادلة بحل أزمة نووي الولي الفقيه سيرفرف العلم الإيراني في سماء واشنطن، وسيصفق الأميركيون والغرب لسياسة أوباما الرشيدة التي خلّصت العالم من هذه الشرور، ولا أحد يدري فلربما ينال الأخير جائزة نوبل للسلام مجدداً، لمَ لا، فقد سبق ونالتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بعدما وثّقت مقتل 1700 سوري بالسارين في الغوطة!

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى