صفحات العالم

الهلال… الإيراني – التركي/ محمد ابرهيم

 

 

عندما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن حصول تقارب بين موسكو وواشنطن في الشأن السوري نسب ذلك الى اقتناع الطرفين بعدم وجود حل عسكري لهذا النزاع. لكن منذ فترة طويلة والطرفان الروسي والاميركي يعلنان أن لا حل في سوريا سوى الحل السياسي فما الجديد الذي يبرر الحديث عن تقارب أخير؟

هل اقتربت واشنطن من وجهة النظر الروسية التي تعطي الأولوية لخطر “داعش” و”القاعدة”، وبالتالي باتت أكثر تقبلاً لفكرة بقاء النظام ورموزه؟ أم أن روسيا هي التي اقتربت من وجهة النظر الاميركية التي تعتبر ان حل “عقدة الأسد” هو المفتاح لتسوية سياسية في سوريا؟

الوضع الميداني في سوريا يسمح بالتفسيرين، فمن ناحية خسر النظام في الأشهر الاخيرة مواقع أساسية خصوصاً في الشمال الغربي، أي محافظة ادلب، واجتاحت “داعش” تدمر في وسط سوريا، مما هزّ مواقع النظام وجعل مرتكزيه في دمشق والساحل السوري في دائرة الخطر. وخسارة النظام قد تدفع موسكو الى التفكير جدياً في الصيغة السياسية القادرة على وضع حد للنفوذ الاسلامي المتصاعد، ولو على حساب الأسد وما يمثل. لكن من ناحية أخرى يشكل تخلخل النظام أساساً لتصاعد المخاوف الاميركية من انفلات “داعش – القاعدة” مما يزيد مخاوف واشنطن من انهيار نظام الأسد وارتفاع الكلفة المطلوبة لمواجهة التشدد الإسلامي. وفي انتظار أن تظهر مدى جدية الكلام الروسي عن التقارب الاخير مع واشنطن تحضر الى الذهن “الصيغة العراقية” حيث نجد المكونات نفسها للأزمة السورية، باعتبار أنّ الصراع في العراق هو الوجه الآخر للصراع السني – الشيعي في المنطقة، لكن حيث التوافق الاميركي – الروسي حاصل ويتقاطع عند دعم الحكومة العراقية، الشرعية، لكن حيث الغلبة المذهبية الشيعية والنفوذ الايراني باتا مسلَّمتين، وجل ما تطمح اليه واشنطن هو بعض الانفتاح على المكونات السنية في التركيبة الحاكمة.

يصعب بالطبع تصور تكرار لـ”الصيغة العراقية” في سوريا، رغم أن الحكومة هنا ايضاً شرعية. فالتركيب الاقلوي للنظام، وبُعدُ ايران، يجعلان أي تسوية اميركية – روسية قابلة للحياة على حساب هذين المكونين، الشيعي والايراني. وبما أنه ليس ضمن الحسابات الاميركية ولا الروسية التدخل العسكري المباشر، على الأرض، للتصدي لـ”داعش” و”النصرة” المتوسّعين على حساب مواقع النظام، فإن الجهة الوحيدة المؤهلة لرعاية “الصيغة العراقية” في سوريا ولو مقلوبة هي تركيا. فهذه تستطيع أن تلعب دور ايران في العراق. واضافة الى قدرتها على محاربة “داعش – النصرة” تستطيع أن تقدم ضمانات حقيقية للعلويين، الذين يشكلون مكوناً أساسياً في التركيب المذهبي التركي.

وبذلك يصبح نصف “الهلال” ايرانياً ونصفه تركياً. والتنسيق الايراني – التركي، الذي لم يتوقف، كفيل باستقراره.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى