صفحات سورية

الهمجيون الجدد


ميلاد ديب

بعد حادثة قتل ثلاثة رجال من الطائفة العلوية، والتمثيل بجثثهم، تحرك العلويون، وبدأوا بتكسير محلات’ السنة وسرقتها، كما كسروا بعض السيارات.

حارتنا لم تسلم من النهب، ولا من وجود مسلحين أتوا بخناجرهم وسكاكينهم.

كنت أرى اندفاعهم الغوغائي الغريزي، وأرى أعماقهم الجامحة، تنفجر بغضب قاتل:

الصراخ والهتافات، الضجيج الدموي، الرغبات السجينة، غرائز الموت، بكل ما يتجسد في لحظة ضياع الزمن، وخسارة الانتماء.

أمام بيتنا في الحديقة ،جمعوا البرادات ،وزجاجات العطر، وآلات لصنع الحلوى وآلات البوظة، واللحم، وورق الجدران والشوكولا، وتقاسموها. لقد كان المقتسمون صغارا في السن. وقد حاولوا أن يقدموا لي بعض الحلوى، لكنني رفضت.

هناك من كان’ يصرخ ،وهو يحمل قالب الكاتو المسروق من محل الأمير: ‘HAPPY BIRTHDAyعرعور.

قبل يومين من هذه الأحداث، أرسل أحد تجار السلاح إلى أحد المستأجرين رسالة تهديد للخروج من الحارة، وعندما رفض كسر محله وضرب’ على رأسه بعلب السردين، فسقط مضرجا بدمائه.

جاري المسلم ‘السني’ احتمى عندنا. وعند الفجر أخذ عائلته وغادر، بعد أن رمتني ابنته الصغرى بنظرات حزينة وخائفة.

لقد عمت الفوضى كل الحارات ذات التعدد الطائفي، حتى ساعات الصباح الأولى لتتجدد مساء.

الأحداث أخذت بعدا تدميريا . فالشوارع أغلقت بسواتر من الحجارة وأكياس الرمل وحاويات القمامة والخفان.

وتسلح قبضايات الحارات، بالسيوف وبومب أكشن والبنادق الرشاشة. وصاروا يقيمون الحواجز ويطلبون الهويات من المارة عند العبور.

أصبحت الأحياء مناطق معزولة، كما هي النفوس التي تحمي وجودها بعقل مغلق وعصبية وحشية.

‘محل العطارة’المقابل لبيتنا، قد نهب’وكسرت زجاجات العطور، فانتشرت الرائحة في المحيط مدة ثلاثة أيام، ورغم هذا فإن الشذى لم يستطع أن يزيل رائحة’ القمامة المنتشرة في الشوارع والأرصفة.

لا يمر يوم دون تشييع شهيد. ورغم ذلك فالهتافات تصدح بوحدة سورية وبأن الشعب السوري واحد. وفي جنازة احد العلويين رأيت فتاة صغيرة محجبة تهرول بعيدا عن المكان، خوفا من أن تقتل، رغم أن هذا لم يحدث في أي مكان على حد علمي.

لليوم الثالث على التوالي والقمامة لم تسحب من الشوارع، ومن الحاويات كما أن النفوس ما زالت تبحث عما يشبع غريزتها في التدمير.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى