بشير عيسىصفحات سورية

الواقع إذ يسير على قدمي الخوف والحقد


بشير عيسى *

الواقع المُعاش في سورية يتكلم لغة غير تلك التي يتحدث بها النظام والمجلس الوطني المعارض، حيث إن الطرفين يتحدثان باسم الشعب، كما يصران على «وعيه وتميزه»، مؤكدَّين أن سورية لا تشبه غيرها من دول الربيع العربي، فهي أقوى وأمنع من أن تنزلق نحو الفوضى، وفيق زعمهما.

فالمجلس الوطني أنهى ترتيبات المرحلة الانتقالية لما بعد الأسد، سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً برأي بسمة قضماني، والتي نفت في لقاء على شاشة «إل بي سي» مع مارسيل غانم، أن يكون هناك خلاف داخل المجلس بين الإسلاميين والعلمانيين، معتبرةً أن المجلس قادر على الإمساك بزمام الأمور فور سقوط النظام، وأن لا خوف على سورية من الفوضى كما يحلو للنظام أن يشيع. في المقابل يعتبر النظام وعلى رأسه الرئيس الأسد، أن المشكلة لم تعد سياسية بمقدار ما هي مشكلة وطنية، والحل مع من يرفض الحوار سيكون أمنياً بالتزامن مع «الإصلاح» الذي يقوده!

كلا الخطابين يقوم بالدرجة الأولى على نقائص وعيوب الآخر، من دون أن يرى كل طرف مكامن الخلل الذي يعتري منطقه، فالخطاب التبشيري الذي اعتمده الفريقان لضرورات شعبوية والذي كان الغرض منه حصرية تمثيل الشارع، قد جر البلد إلى مزيد من العنف والتفكك، وهو ما أشرنا إليه في بداية الحراك، وأكدته وحذرت منه مراراً وتكراراً هيئة التنسيق الوطني. فالسيد هيثم مناع في آخر إطلالة له على شاشة الميادين، أسف لما آلت إليه الأوضاع في سورية، حيث أكد أن ما يجري في بعض المناطق حرب أهلية. ففي جوبر بريف دمشق مثلاً لا حصراً، يجري قتل أفراد وترحيل عائلات ليست معارضة ولا هي موالية للنظام، على أساس طائفي، محذراً من الخطاب الطائفي الذي تسوّقه بعض المحطات الفضائية، مثل محطات صفا ووصال وغيرهما، في وقت يصمت المجلس الوطني صمت القبور عن هذا الضخ، بما يغذي مخاوف الأقليات والعلمانيين. فأصداء هذا الضخ تجد لها آذاناً كثيرة، ليس في سورية وحدها بل تتعداها إلى كل دول المنطقة.

إن تصوير الحراك على أن كل الشعب انتفض بوجه النظام وبعض مواليه، بحيث يعكس انقساماً أفقياً يُضفي على الحراك صفة الثورة، فيه من التمني أكثر من الحقيقة والواقع. إذ على رغم التصريحات المطمئنة للإخوان المسلمين، والتي تتناول الأقليات وفي مقدمها العلويون والمسيحيون، إلا أن ما يجري على الأرض في الأماكن الساخنة، يقول عكس ذلك، وهنا لا يكفي تحميل النظام المسؤولية، إذا كنا نبحث عن الحلول. فالقول إن المستشارة بثينة شعبان، حذرت في بداية الأزمة من ذهاب البلد إلى الحرب الأهلية، في إشارة إلى أن النظام يسعى إليها، ليس مقنعاً، فالغالبية تدرك حرص النظام على عاصمتي الجنوب والشمال وكذلك الرقة والحسكة وغيرها من المناطق ذات الأكثرية السنّية. فالخطاب الطائفي لا يأتي من النظام بل من بعض شخصيات وأطراف في المعارضة، يستثمرها النظام في مكان ما، داخل سورية وخارجها.

إن التردي الذي آلت إليه الأوضاع يحتم على الجميع إعادة النظر في خطابهم وسلوكهم السياسي، وأن يكونوا أكثر إدراكاً في محاكاة الواقع بما هو واقع، صوناً للمجتمع والدولة، بحيث يبادر كل فريق لفَهم مخاوف الآخر وهواجسه، كمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فالانقياد وراء الشارع في كل شيء ليس بالسياسة على اعتبار أنها «فن الممكن». لذلك، فالقيادات ملزمة أن تقوم بدورها كطرف مسؤول. فتجميل الواقع لا يلغي حقيقة بشاعته، إدراكاً منا بأن العمل الشاق والجامع، لا بد أن يثمر في نهاية المطاف. تأسيساً على ذلك، يؤمل من المجلس المعارض أن يأخذ احتمال عدم إمكانية التدخل الخارجي على محمل الجد، فكيف بإعطاء المسكنات لجمهوره بأن أيام الأسد باتت معدودة، الأمر الذي يستوجب إيجاد الطرق والآليات لكبح تنامي ظاهرة الخوف والحقد داخل الأفراد والمجتمع، كخطوة أولى لحصر العنف المنفلت من كل ضابط، إذ أصبح كل فرد حاقداً على كل من لا يشاطره رأيه السياسي، محملاً الآخر، وفق مكانته وموقعه، نصيباً من هذا الخراب الذي آل إليه البلد.

يعلم الكثير من السوريين أن البيئات التي تسيطر عليها غالبية معارضة أو موالية، تكون حاضنة للعنف تجاه الأقلية التي تختلف معها في التوجه السياسي، نظراً إلى الاستقطاب الحاد الذي بات يتملك المجتمع، فالجهر بالرأي قد يعرضها للتصفية، وهنا لا يكون أمامها إلا خياران، إما الرحيل أو التقية ومسايرة الوضع حتى زوال الغمة.

في سورية يتربص الخوف في كل مكان، فمن كان مسافراً يخشى على حياته من العصابات الإجرامية التي تخطف طلباً للفدية، كما يخشى المؤيد وتحديداً إذا كان ينتمي إلى طائفة الرئيس من الجيش الحر، والعكس إذا كان معارضاً، فإنه يخشى من رجال الأمن وما يعرف بالشبيحة. لقد بات الجميع يراقب الجميع وباتوا خائفين من أن يكون لهم اسم في القوائم السُّود الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء للمعارضة أو لشبيحة النظام.

معظم الناس يريد الخلاص من هذا الواقع المرير. لقد ضحى السوريون بالأمن والأمان على أمل أن يتنفسوا نسائم الحرية والديموقراطية، لكن الخوف بدأ يلازمهم من أن لا يطالوا عنب الشام ولا حتى بلح اليمن!

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى