راتب شعبوصفحات الثقافة

الوجه والقناع/ راتب شعبو

 

 

ملامح البراءة التي ترتسم على وجه السارق وهو يقف أمام المحقّق ليست قناعاً، إنها حقيقته وهو على حافة العقاب المحتمل. ارتجاف شفتيه وانعدام البريق في عينيه وانحناءة جذعه الخفيفة إلى الأمام ويداه الممدودتان قليلاً في محاولة لإقناع المحقق ببراءته، كل هذا ليس كذباً، إنه حقيقة اللحظة التي هو فيها، حقيقة لا تقلّ عن حقيقته وهو يسرق. إنه أمام المحقق سارق بريء، وقد تفيض براءته قليلاً عن جنحته.

الأم المتألّمة التي تحافظ على عادية تعابير وجهها لكي لا تُقلق ابنها، لا تضع قناعاً. إنه تعبيرها الحقيقي عن الحب والتسامح والتضحية. حقيقة لا تقلّ عن حقيقة ألمها. سكوت ملامح الأم عن الألم هو حقيقة بثقل حقيقة الأم نفسها. تأخذ الألم إلى ذاتها كاملاً، وتمنع إشعاعاته الواخزة من بلوغ الابن، ثم قد تستمد من قدرتها هذه على الإخفاء، رضى يخفف من ألمها.

الرجل الغريب الذي يحمي مشاعر الطفل المشوه فيحافظ على حيادية ملامحه عند رؤيته، لا يضع قناعاً. إنه الظهور الحقيقي لذكائه وحكمته في احترام ما لا يد للطفل فيه. والانزياح الذي يحصل بين صدمة الرجل من فظاعة ما يرى، وبين حيادية وجهه التامة، هو حقيقة أخرى تحدد هوية شخصيته، حقيقة لا تقبل القسمة على وجه وقناع.

الكلام عن الوجه والقناع لا يعتاش فقط على فكرة باهتة تقول بضرورة التطابق بين الملامح والشعور، بين ظاهر الشخص وباطنه، بل يقوم أيضاً على تبسيط شديد يجعل الظاهر الغني في دلالاته ينحط إلى دلالة واحدة صارمة، ويجعل الباطن المتلجلج والمتردد والباحث دائماً عن أرض للاستقرار، ينحط إلى مستوى اليقين المقطوع. وفوق هذا، ينتهي الكلام عن الوجه والقناع إلى إعدام حقيقة المركبات الغزيرة الناتجة عن التباينات بين ما يظهر على الشخص وما لا يظهر، بين ظاهره ومخفيه أو لنقل إن هذا الكلام ينتهي إلى شلّ العلاقة الساحرة والحيوية والدائبة في تبدّلها بين ما يظهر وما يخفى.

في رواية “حبة قمح” يعيد الكاتب الكيني نغوغو واثيونغو نسج إكليل المجد بخيوط تخالطها الخيانة. ليست كخيانة يهوذا للمسيح، وليس كما فعل يوليوس مع قيصر. بل كمجد مستحق انطوى على خيانة. في عيد استقلال كينيا، يقف “موغو” الذي تتوجه أنظار الناس إليه، إلى قوامه الصلب، ومكانته، وذاكرته التي تختزن سنوات الكفاح الطويلة ضد الاستعمار. ينتظر الناس في عيدهم المعمد بالدم أن يستمعوا إلى صديق “كيهيكا” المؤسس، رمز كينيا، الذي ظلّ اعتقاله وقتله في سجون الاحتلال لغزاً غامضاً.

الجميع يرجون موغو أن يتكلم: “جميعنا يعرف الدور الذي أديته في الحركة، إن اسمك واسم كيهيكا سيرتبطان إلى الأبد. وكما قال الجنرال إنك كنت تحمي كيهيكا دون خوف من خطر على حياتك. لقد عملت من أجل ثاباي هنا وفي المعتقل ما عمله كيهيكا في الغابة، لذلك فكرنا في أنك في هذا اليوم العظيم لا بد أن تتصدر عملية التقديم وتقود الاحتفالات لتكريم أولئك الذين ماتوا من أجل نعيش”.

يتقدّم موغو، المناضل الكبير والمتواضع في عيون الآخرين، ليستبدل كلمة التقديم باعتراف مزلزل بأنه هو من وشى بكيهيكا وكان السبب في اعتقاله. من يكون موغو إذن؟ بطل أم خائن؟ أيهما الوجه وأيهما القناع؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى