صفحات العالم

الوصاية على سوريا؟


سليمان تقي الدين

حاولت «الأكثرية» من بين وزراء خارجية الجامعة العربية فرض الوصاية على سوريا. وضعوا برنامجاً مفصلاً لمرحلة انتقالية يبدأ «بحكومة وحدة وطنية تتعاون مع نائب الرئيس السوري» تليها «هيئة تأسيسية لدستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية»، لكنهم عجزوا عن دفع الأمور في اتجاه مجلس الأمن الدولي، وإن أصروا على إعطائه علماً بما قرّروه، وهو لا يحتاجه. حصل ذلك بشبه إجماع. عجزت هذه «الأكثرية» عن تعريب أو تدويل الأزمة السورية واضطرت إلى التخلي عن التدخل العسكري الخارجي المباشر سواء أكان عربياً أم أجنبياً. العزل والعقوبات والضغوط المعنوية والمادية بما فيها التمديد للمراقبين العرب هي الوسائل المعتمدة.

لم يقر وزراء الخارجية إرسال قوات عربية لكنهم مهّدوا الطريق لكل عمل يؤدي إلى وقف القتل ونزيف الدم والفوضى. لم يعترفوا بالمجلس الوطني الانتقالي كمرجعية وحيدة لكنهم دعوا إلى تسوية تجمع المعارضة بجميع أطرافها ومكوّناتها مناصفة مع قوى السلطة في حكومة واحدة. القرارات العربية المعلنة تطلق حركة الدعم غير المعلن بأشكاله المختلفة للمعارضة في سوريا وفي لبنان. تجاوز وزراء الخارجية العرب عائق الدور الروسي فهم لا يدعون لتدخل عسكري دولي، ونجح ممثلو مجلس التعاون الخليجي ومن معهم في محاصرة الدور الإيراني سياسياً.

رفض الناطق باسم السلطة السورية فوراً هذه القرارات واعتبرها تجاوزاً على السيادة وتدخلاً في الشؤون الداخلية. هي فعلاً قرارات وصاية جاءت إليها السلطة السورية بنفسها متجاهلة ما يجري على أرضها وما يدور حولها في العالم. منذ عشرة أشهر وهي تحاول التملّص من استحقاق التغيير والإصلاح السياسي والمشاركة مستخدمة القوة لفرض سلطتها متحدية عاصفة التغيير العربي بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية. حكومة الوحدة الوطنية كانت وما تزال المخرج الوحيد الذي يوقف حمام الدم والفوضى ويعترض الانهيار الشامل ومنزلق الحرب الأهلية. كل ما يملكه النظام من أوراق القوة التي يستند إليها أو يوحي باستخدامها ليست إلا تعميقاً للمأزق وتوسيعاً لدائرة العنف واستدراجاً غير محدود لكل أشكال التدخل الخارجي. فلا يمكن للنظام العاجز عن معالجة شأنه مع شعبه أن يرفض التعريب ويستقوي بدعم إيراني من هنا وروسي من هناك بذريعة صد «المؤامرة».

لقد صار الحرص على سوريا شعباً وكياناً ودولة وتراثاً وتاريخاً ودوراً مرتبطاً باستجابة النظام لحل سياسي لا يحتمل التأجيل والتسويف والمداهنة تحت عنوان إصلاحي لا قيمة له ولا يقدّم ضمانة ما لم تسبقه حكومة شراكة وطنية هي التي تتولى ملف الإصلاح وبناء مؤسسات الدولة وتؤمّن المسار الوحدوي الديموقراطي. نعرف كم هو مؤلم مثل هذا القرار وكم هو مزعج هذا الإملاء العربي وقد خبرناه في لبنان مراراً حين صرنا دولة بلا سقف. لكن البدائل مستحيلة والآفاق مقفلة على مصير دموي يستنزف الشعب السوري ويهدد استقرار المنطقة.

لن تكون لقرارات وزراء الخارجية ترجمات ميدانية إلا تشجيع المعارضة على المزيد من استدعاء التدخل الخارجي. ليس خافياً أن جزءاً من الأطراف السورية خارج السلطة المركزية وأن انحسار السلطة يتزايد كلما تفاقمت تداعيات الحل الأمني.

قيل إن ما يقترحه وزراء الخارجية العرب على سوريا هو نموذج الحل اليمني حيث الرئيس يفوّض صلاحياته لنائبه فيضمن شكلاً من الحصانة لأركان النظام. ربما كان الحل المتاح في سوريا يأخذ في الاعتبار ازدواجية السلطة ومكوّناتها. قد لا يكون من السهل كسر النواة الصلبة للنظام لكن من المستحيل إعادة سيطرتها في المدى المنظور على الكيان السوري. ما راكمته الشهور العشرة حتى الآن من المشكلات كفيل وحده بأن يقنع المراهنين على تجديد النظام والسلطة بالتخلي عن هذا الوهم. ما يحصل الآن لا يعدو كونه المنافسة بين الحل السياسي واستمرار الفوضى.

لا يملك حلفاء سوريا أن يساعدوا النظام أكثر من هذه الحماية من أي تدخل عسكري خارجي، وأن يحسّنوا شروط التسوية إذا استجاب لها. أما خصوم النظام في الخارج فهم يراهنون على عجز النظام عن اجتراح التسوية.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى