صفحات العالم

الوضع السوري والأفق المسدود


غسان العزي

انقضت أشهر ستة على الثورة الشعبية السورية المطالبة بإسقاط النظام من دون أن تبدو في الأفق علامة واحدة على اقتراب نهاية الأزمة سواء لمصلحة المعارضة أو النظام . ويجمع المراقبون على أنها ستكون، من بين الثورات العربية، الأكثر دموية والأطول مدة والأخطر لناحية التداعيات المباشرة والطويلة الأمد على سوريا والمنطقة بكاملها .

ويصعب على أكثر المحللين نباهة توقع ما ستؤول إليه الأوضاع السورية في المستقبل المنظور وحتى الأبعد، ذلك أن المقارنة مع الحالات المصرية والتونسية وحتى الليبية واليمنية لا تفيد كثيراً في هذا المجال . ومع أن كل الأنظمة واجهت ثوراتها إلى الآن باتهامات التدخل الخارجي والمؤامرة الأجنبية فإن سلوك الأمن كان مختلفاً في كل حالة، رغم أنه كان العنصر الحاسم في كل الحالات . كذلك العنصر الخارجي، الإقليمي والدولي، فإنه لعب دوراً مؤثراً في مآل الثورة والنظام .

هذا وينبغي عدم إغفال عنصر ثالث ربما يكون الأهم في تقرير مستقبل الثورات العربية، وهو المعارضة ومدى صدقيتها الشعبية وقدرتها على الصمود ولاسيما على تقديم بديل مقنع للخارج والداخل على السواء .

بالنسبة للجيش السوري ما يزال حتى اللحظة يبدي تماسكاً واضحاً في دفاعه عن النظام، لايغير في الأمر شيئاً ما نسمعه عن حالات انشقاق ضعيفة وقليلة .كذلك الأجهزة الأمنية فإنها تبدي ولاء غير مشكوك فيه وطاعة لأوامر السلطة السياسية مهما كانت هذه الأوامر . وبالتالي فإن من يراهن على تخلي الأمن والعسكر عن النظام في المدى المنظور على الأقل، يبدو كمن يراهن على سراب .

من ناحية المعارضة السورية فقد سبقها الشعب بأشواط كثيرة وصارت كمن يلهث وراءه من دون القدرة على اللحاق به . وهي طوراً تعلن عن مجلس تأسيسي انطلاقا من اسطنبول أو عن مجلس وطني في سوريا نفسها، ناهيك عن تنسيقيات وتجمعات وإعلانات موزعة ما بين الوطن والعواصم الأوروبية والأمريكية . ومما لاشك فيه أنه إذا لم تنجح المعارضة في الاتحاد ضمن صيغة واحدة موحدة وتعمل كجسم واحد، وتقدم رؤية واضحة مجمع عليها لسوريا الجديدة، فإنها تغدو كمن يعمل لإفشال الثورة وتكون هي المسؤولة أمام التاريخ . وقد بات معروفاً أن الثورة الليبية لم تحسم أمرها وتدخل طرابلس إلا بعد أن تمكنت من حل خلافاتها والاتفاق، في الحد الأدنى المعقول، على مرحلة ما بعد الثورة . ولو لم تنجح في ذلك لبقيت ليبيا اليوم، ولفترة ممتدة،  كما كانت عليه قبل دخول العاصمة: حرب كر وفر بين الثوار و”كتائب القذافي” .

من الناحية الإقليمية فرغم كل الانتقادات التركية التي ما تزال في مرحلة البيانات والتصريحات الكلامية، ورغم كل النداءات العربية وكل العقوبات و التهديدات الغربية، ما يزال النظام السوري يشعر بالطمأنينة إلى قدرته على تجاوز الأزمة والخروج من العزلة في حال تمكن من إخماد الثورة . يساعده في ذلك الدعم الإيراني والروسي، وإن كان كلاهما لم يعد مطلقاً كما كان ومن دون شروط أبرزها الاستماع إلى المطالب الشعبية المحقة .

وإذا كانت روسيا ما تزال تقف حصناً منيعاً في مجلس الأمن ضد أي إجراء يضر بدمشق فإنه من المعروف أنه لو كان ثمة من نية غربية حقيقية بالتدخل العسكري فإن مقايضة موقف موسكو بمكاسب تقدم لها في ملفات دولية أخرى تبقى أمراً ممكناً كما حصل غير مرة في الأمس القريب . لكن الحقيقة هي أن حلف الاطلسي لاينوي التدخل في سوريا رغم نداءات بعض المتظاهرين وذلك بناء لحسابات تتعلق بمصالحه الخاصة .

فسوريا ليست ليبيا التي تمتلك نفطاً يعوض على دول الأطلسي كل تكاليف التدخل بأسعار مضاعفة، وجغرافيا متميزة من صحراء ممتدة إلى الجنوب وألفي كيلومتر من الشواطئ المطلة على البحر المتوسط، ومساحات شاسعة تنتظر إعادة إعمار ومشاريع يسيل لها لعاب الشركات الغربية في كل المجالات والميادين .

بالطبع فإن من حسن حظ السوريين أن لا يكون التدخل العسكري الخارجي وارداً لأنه لن يكون في مصلحتهم في أي حال من الأحوال . ومن الأفضل بل الضروري أن يأتي الحل سورياً و/أو عربياً، لأن الشعب السوري عربي الانتماء والهوية . لكن إزاء عجز الجامعة العربية والأمم المتحدة وإصرار النظام على الحل الأمني والمعارضة على إسقاط النظام برمته، فعلى الأرجح أن الأزمة ستراوح مكانها لوقت طويل مع العشرات من الشهداء الذين يسقطون يومياً، عدا الجرحى والمعتقلين والنازحين والاقتصاد المأزوم والفخ الذي يطبق على الجميع .

ساذج من يعتقد بأن الثورة الشعبية يمكن إخمادها بالمدفع، وأكثر سذاجة من ينتظر استسلام النظام  قبل أن يحرق المركب بمن فيه . اللعبة أضحت صفرية وسوف ينقضي وقت طويل ويسقط شهداء كثر قبل أن ينجلي المشهد عن سوريا جديدة حرة وديمقراطية .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى